الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأصابع العربية بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-07-02
الأصابع العربية بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
الأصابع العربية

( عادل بن مليح الأنصاري )

سؤال ولو من باب (الفضفضة الفكرية) , هل كانت القوى العظمى بدءا من الإمبراطورية البريطانية العظمى , وحتى الرأسمالية الأمريكية العظمى , وما بينهما من كيانات كإيطاليا وفرنسا , وأسبانيا وغيرها كإسرائيل , من أن تعبث كل هذا العبث بالدول العربية , لو أن تلك الدول استمرت تحت مظلة الخلافة الإسلامية بمراحلها المختلفة ؟
طبعا التاريخ لديه الجواب على ذلك , فمنذ تكون الدولة الأولى في العهد النبوي وما تلاه من عهود الراشدين والأمويين ثم العباسيين ثم العثمانيين , كانت الدول العربية كالأصابع في الكف الواحد , مهما توجعت أو عانت أو تعرضت للبتر , كانت دائما تتمسك بالكف التي تحملها , وبعد قطع تلك الكف سهل قطع الأصابع واحدا تلو الآخر , قال التاريخ كلمته ولن يجدي النواح والبحث عن الأسباب والمسببات , وليس مهما أن تكون تلك الكف التي قطعت كان لمصلحة الأصابع أو أن تلك الأصابع تعرضت لغرغرينا سياسية أو أي شيء آخر .
كانت تلك النظم الإسلامية المتعاقبة على العرب تُعرف كدولة واحدة ويخاطبها أعداؤها وأصدقاؤها بتلك الصفة , وكان الخليفة يبحث شؤون المغرب كما يبحث شؤون العراق , وكان الأعداء يدركون أن أي اعتداء على شبر من تونس يُعد اعتداء على شبر من أرض الشام , هل ما حدث من تقطيع للأصابع وبتر للكف التي تحملها مؤامرة أو خيانة أو تخطيط مسبق , لن يفيدنا هذا اليوم فقد قال التاريخ كلمته ونحن أبناء اليوم , ولم يكتفِ أعداؤنا بما وصلنا إليه من تفكك وضعف أو يطلق علينا صفة العالم الثالث عبثا , ولو خضعنا لنظرية المؤامرة الكونية علينا لقلنا أن الغرب خاصة ينتقم من تاريخنا الذي صمد في وجوههم قرونا تحت مظلة الخلافة الإسلامية , بل ربما لينتقم أيضا من تسبب تلك النظم الإسلامية القديمة المختلفة في طي سجلات امبراطوريات غربية وشرقية عظيمة في سنوات قليلة , وفي نظرية المؤامرة الكثير من الروايات التي لا نملك القدرة على تمحيصها رفضا وقبولا , ومنها أن نهاية الخلافة الإسلامية جاءت بتخطيط من الصهيونية العالمية , وأن بروتوكولات حكماء صهيون فيها الكثير من تلك الخطط والتي ظهر بعضها وثائقيا , فهم يدركون بما لديهم من ثقافة واطلاع وإرث تاريخي محفوظ , أن تلك الخلافة هي الكف التي تحمي وتحافظ على الأصابع فيها , ولقطع تلك الأصابع واحدا تلو الآخر لابد من قطع تلك الكف , ربما تضافرت الصهيونية مع الماسونية والتي يضم محفلها من غير اليهود الكثير من المسيحيين وربما الملحدين الذي يرون في الدين الإسلامي رابطا مقدسا ومتينا يحمي تلك الأرض العربية الشاسعة والغنية بخيراتها ومقدساتها وتاريخها , هل من الممكن أن تتقاطع مصالح الجميع في تفتيت تلك الأرض والاستفراد بكل جزء منها لوحده ؟
من الصور القريبة للذهن أن تكون الصهيونية تطمع في وطن لليهود في فلسطين , وهذا ليس بسر , وبحكم سيطرة اليهود على الماسونية وسيطرة الماسونية على العالم الغربي , حركت الصهيونية بريطانيا العظمى بداية لتحقيق غاياتها , ووجد المسيحيون في تلك الخطط فرصة تاريخية للثأر من ذلك النظام السياسي القوي الذي حافظ على تماسك رقعة واسعة من الأرض لعقود طويلة , بل وتسبب في انهيار أقوى إمبراطورياتهم عبر التاريخ , وبعد القضاء على أخر أنظمة الخلافة الإسلامية تساقطت الدول العربية كحجارة الدومينو .
ربما ليس هناك جديد فيما ذكرناه , وهي قصة ربما باتت متداولة ومقبولة في عالم البحث والنقاشات , وليس مهما هل ساهم الجميع في هذه النهاية المأساوية , أم أن المؤامرة والتخطيط والتنفيذ كان أقوى من أن يلاحظه العرب في تلك الفترة التي اتسمت بالاضطرابات والمشاكل وربما الفقر والنزاعات وبعث القوميات والنعرات والقبلية وغيرها , وقد سهل على الأعداء اتساع الرقعة الجغرافية للعالم العربي , وضعف التواصل مع مركز القيادة , وظهور النزعات الانفصالية , مع انشغال مركز القيادة بالحروب الأوربية وضعف الاهتمام بالولايات البعيدة ومعرفة مشاكلها واحتياجاتها ومراقبة حركات التمرد والرغبة في الاستقلال .
ومازالت الرغبة في إعادة نوع من التكتلات السياسية والاقتصادية مرغوبة ومطلوبة عند الكثير من العرب ولو في حدود إقليمية معينة , فدول الخليج حاولت عبر مجلس التعاون الخليجي أن تعيد ذلك النوع من التكتلات وخلق نوع من وحدة المصير يخلق نوعا من الأمان تتقاسمه الدول بهذه الوحدة , وكذلك دول المغرب العربي , ومحاولة الوحدة بين سوريا ومصر , ولكن كيف أدت تلك التكتلات عملها وما هي نتائجها , أعتقد أنها تحت المأمول على الأقل , وكان من المفترض أن أكبر تلك التكتلات وهو الجامعة العربية , والتي من المفترض أن تكون بديلا لحكومة مركزية تأخذ زمام المبادرة باسم تلك الدول كافة , إلا أننا لا نعلم ما طبيعة عملها حتى الآن , وهل ساهمت في حل أصغر القضايا العربية عبر تاريخها , لقد تحولت لمجرد مبنى صوري رمزي يحتوي على الكثير من المكاتب والموظفين ويهدر عليها المال والرواتب بلا فائدة , والمضحك المبكي في الموضوع أن مجموع مصاريف الاجتماعات وأجور الفنادق والبدلات والانتدابات للعاملين والمدعوين والزوار ونفقات المواصلات وغيرها والتي تتكرر في كل اجتماع تكفي لانتشال دولة كلبنان مثلا من جميع مشاكلها المالية , لا شك أن الكثير من الدول العربية تحتاج لإصلاحات داخلية جذرية لخلق الاكتفاء الاقتصادي والأمان الاجتماعي ودفع عجلة التعليم والصحة والإسكان والغذاء والمياه وغيرها الكثير , بدل الاهتمام للانضمام لتكتلات تدعي محاولة حل مشاكل بلاد أخرى .

يُقال أن التاريخ يصنعه المنتصرون ,,
وعندما كان العرب أمة واحدة , وتحت راية واحدة , وتحت خلافة واحدة , صنعوا تاريخا حكم نصف الأرض , وبعد أن تشرذمنا خسرنا , وما عدنا نصنع تاريخا , وبالكاد يستطيع كل بلد من الحفاظ على استقلاله بدون الخضوع للتهديدات والضغوطات الاقتصادية والعسكرية , ومواجهة الصراعات حول حدوده والتي لم ولن يتوانى أعداؤنا عن إثارتها بكل الطرق وفي كل وقت , ربما انتهت مرحلة قطع الأصابع منذ عقود , وربما تلتها مرحلة قطع الكف أيضا , ونسأل الله تعالى ألا نصل لمرحلة قطع الرقبة مستقبلا ونحن في غفلة عن هذا .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف