الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عرب ابن خلدون بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-07-01
عرب ابن خلدون بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
عرب ابن خلدون

(عادل بن مليح الأنصاري)

ماذا لو وضعنا العرب في ميزان ابن خلدون , وابن خلدون كما يقال هو واضع علم الاجتماع الحديث , وهو من أشهر علماء الاقتصاد والتاريخ , أي أننا أمام أراء لا يمكن تجاهلها حتى ولو لم تعجبنا أو أنها صدمت مكتسباتنا التاريخية كبسطاء , ورغم تعرض أراء بن خلدون للنقد كما سنرى , إلا أن هذا لا يمنع أننا نطالع فكر عالم يعتد به وصاحب نظرة وخبرة في الترحال ودراسة الشعوب والأماكن والنظم السياسية وتاريخها , وكذلك النظم الاجتماعية والكثير مما يضيق المكان هنا عن ذكره .
أفكار ابن خلدون لن يسعها مقال عابر , وحتى محاولة النقد أو التقريب بين أرائه وبين الواقع ربما يحتاج لدراسات دقيقة ومتخصصة , ولكن لو مررنا بشكل عابر على بعض تلك الآراء كقراء عاديين , ليس لنا باع في البحث والتقصي والنقد والتمحيص , فهل ما نجده عند ابن خلدون يسرنا أو يحبطنا ؟

في الفصل السادس والعشرين يصدمنا ابن خلدون ببعض أرائه التي لو عُرضت على التاريخ العربي القديم والجديد لتولدت منها الكثير من علامات الاستفهام , وربما لن يتقبل الإنسان العربي العادي لبعض تلك الأفكار خاصة وهو غارق في شعوبيته العربية التي أثخنتها حكايات الماضي بالفروسية والكرم والإباء والحكمة ومساعدة المظلوم والذود عن المحارم إلى أخر ذلك من رموز العزة والكرامة التي يتغنى بها العرب جيلا فجيل , فماذا لو عرفت تلك الجموع البسيطة المتفاخرة بعروبتها وتاريخها أن ابن خلدون يقول في ذلك الفصل وتحت باب ( أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ) , وقد دخل النقاد والمهتمين في سجالات حول صحة أو تجني ابن خلدون بهذه المقولة على العرب , فمن يؤيد مقولته مثلا يستشهد " بأنّ جميع الآثار القديمة والأحافير تدلّ على أنّ الصناع لم يكونوا من العرب، وممّا يشهد على ذلك الآثار الرومانية واليونانية التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، والتي تتميّز بدقّة صنعها ومتانة تركيبها، حيث إنّه لا يوجد من العمران ما يردّ أصله إلى العرب سوى مدينة البتراء، وقد اختلف البعض في أصل الأنباط الذين بنوها، وقد أرجع ابن خلدون السبب في ذلك إلى طبيعة العرب الوحشية ؛ حيث استحكمت أسباب التوحّش فيهم فصارت جبلة لهم ، كما أنّهم اتصفوا بعدم انسياقهم للسلطة السياسية، ممّا جعل هذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له ؛ لأنّ غاية الأحوال العادية عندهم الترحال ، فمثلاً الحجارة عندهم لنصب الأثافي للقدر، وبالتالي هم ينقلون من المباني ويخربونها ويستخدمونها لذلك، كما أنّه رأى أنّ طبيعتهم تقتضي نهب ما في أيدي الناس من رزق وأموال، فكلّما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع انتهبوه ، فإذا استطاعوا فعل ذلك بالقوّة والغلبة بطلت عندهم السياسة التي تقتضي حفظ أموال الناس " .
هل يذكرنا هذا بما فعله بعض العرب والمسلمين المتأثرين بهم بالتماثيل في أي أرض غلبوا عليها بحجة كونها محرمة دينيا , وهل تشفع البشرية لهم ذلك التصرف بحجة الطاعة التامة لمعتقداتهم ؟
هل يمكن لنا أن نشبه فعلهم هذا بما فعله السلف الصالح بدءا بنبي الأمة محمد صلوات الله عليه بالأصنام حول الكعبة ؟
وهل يمكن الفصل ثقافيا وحضاريا بين الهدف من ذلك الفعل لأصنام بنيت للعبادة دون الله تعالى , وفي فترة اتسمت بطي صفحة الشرك وفتح صفحة التوحيد لله , وبين فعلهم في العصر الحديث نحو تماثيل يعتبرها الكثير من الناس مجرد إرث ثقافي وإنساني لأمم انتهت وطوى الزمان تاريخها , وبقيت كشواهد ومعالم ثقافية لتلك الأمم ؟

ومن أرائه " فهم متنافسون في الرئاسة وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أوأخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى كره " , فهو يرى أن الزعامة عند العربي تشريفا وليس تكليفا , وأنه قد يشكل عبئا ثقيلا على مؤسسات الدولة لتلبية احتياجاته وأسرته لخلق رفاهية لا حدود لطموحاتهم فيها , وأن الدولة بكامل مرافقها وشعبها موجودة لتلبية طلباته وتنفيذ قراراته مهما كانت مسيئة لهم , ربما لو أمعنا النظر نجد أن العرب وغيرهم من الشعوب القديمة خاصة وبعض الأنظمة الشمولية حديثا حتى لو كانوا من غير العرب قد يشتركون في هذه الصفات التي تعتبر صفات بشرية فطرية قامت على حب الرفاهية والتسلط وإظهار القوة والبطش أحيانا , حتى لو كانت تلك الأنظمة غير شمولية , فالدكتاتوريات قد تسيء استخدام تلك المواصفات ربما اكثر من الأنظمة الشمولية في أي مكان وزمان , والتاريخ مليء بالأمثلة على ذلك .

وفي الفصل السابع والعشرين , يقول ابن خلدون : " إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية " ، حيث يرى ابن خلدون أن طبيعة العرب المتوحشة جعلتهم لا يخضعون لأحد إلا بتهديد القوى الغيبية العظمى، حيث لا يوجد في داخلهم انقياد منطقي أو وازع داخلي، ويتضح لك بالنظر إلى رجل الدين الذي يعتبر أوفر حظاً بالتابعين له ؛ حيث إنّ هؤلاء الأتباع مستعدون للموت في سبيله ، كما يتضح ذلك عندما يربط الزعيم طاعته بطاعة الله عزّ وجل.

هنا ربما تجاوز ابن خلدون الحقيقة بكون العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية , وربما تأثر ابن خلدون بالفترة التي عاشها ومازال تاريخ الدول العربية من أمويين وعباسيين وأندلسيين وغيرهم كانت دول عائلية قامت على أساس ديني وراثي ممتد من الفترة الراشدية , لأنه تناسى الصيغة القبلية التي كان لها دور لا يقل عن الصيغة الدينية , وحت ممالك العرب قبل ألإسلام لم يكن الدين سبب في قيامه ولكن قوة القبيلة وزعماؤها هو الذي كان يشكل دورات الملك فيها .
ولكن طالما أن الحديث عن العرب فكيف يمكن لابن خلدون أن يكون رأيا عنهم في العصر الحديث , فالممالك الموجودة اليوم قامت على صيغة دينيا ربما في بعض الدول , ولكن في بعض الدول تضافرت القبلية مع الدين لخلق تلك الممالك , وفي بعضها الآخر كان دور الأسرة والقبيلة هو المكون الأساس للدولة , فهل اختلت نظريات ابن خلدون هنا أم أن نظرياته لها حدود زمنية تتغير مع الوقت , رغم أن ابن خلدون يشير أن تلك الرؤية الاجتماعية والسياسية هي دورات ثابتة للتاريخ لا تتغير , ولكن العرب حديثا لا يمكن أن نطبق عليهم نظرياته إلا القليل منها وبدون الدخول في تفاصيل , فمثلا هل يدرك ابن خلدون أن العرب حديثا تشكلت دولهم بطرق قد لا تخطر على نظرياته بشكل مأساوي ؟
فالعرب اليوم ليسوا هم العرب أيام ابن خلدون , (فالفرنجة) قطعوا تلك الممالك العربية الشاسعة لدويلات , تشكلت بطرق شتى , فتارة بالاحتلال , وتارة بالتآمر , وتارة بالحرب , ومرة بأسباب اقتصادية , وكلها لن تخضع لنظرياته التاريخية الثابتة .

من هنا يجدر الإشارة لبعض النقد الذي وُجه لابن خلدون , وخاصة من قبل عميد الأدب العربي طه حسين , ولن أخوض كثيرا في نقده لابن خلدون , ولكن سأشير لأهم النقاط , ولعل أهم نقطة في مجال نقده هي كون ابن خلدون لم يكن متمكنا من تاريخ المشرق كما كان متمكنا من تاريخ العرب والبربر , وأن أسلوبه كان نموذجيا لتلك الفترة , ثم فقدت هيبتها أمام تأثير الآداب الفرنسية والإنجليزية بعد ذلك , كما نقد طه حسين على مقدمة ابن خلدون المبالغة في بعض الوصف الذي احتوته المقدمة , كوصفه لزواج الخليفة المأمون , وكذلك تناوله لموضوع السحر في كتابه , وهاجم طه حسين ابن خلدون ووصف شرحه للتفاصيل الفنية بأنه ممل .

وربما من المهم أن نشير إلى الحديث عن حاجة المؤرخ لما يعرف (بالقوانين الثلاثة) :
وهي قانون العلية , وقانون التشابه , وقانون التباين .
وما يهمنا هنا هو قانون ( التباين ) , وربما يتناقض هذا القانون مع رأي ابن خلدون كون المجتمعات تتشابه والممالك تمر بنفس المراحل من النشوء وحتى الاضمحلال , حيث تكون فيه المجتمعات متباينة ولا يمكنها أن تكون متماثلة وبصفة مطلقة , فلا شيء يدوم في العالم , ولا شيء يمشي على منهاج مستقر , فالانتقال من حال إلى حال هو طبيعة الحياة , ويبين طه حسين خطأ ابن خلدون من هذه الناحية حين نسب ابن خلدون المجتمع من توحيد الأرواح واتفاق الصل , وأن المجتمع يتأثر بكل شيء , ومعظم أخطاء ابن خلدون في هذا الأمر تعود لجهله بالعوامل أو إهماله لتقدير النتائج .

أخيرا
هل يخضع التاريخ أو الإنسان بحد ذاته لدراسات غير قابلة للاحتمالات , وهل دورة التاريخ تتشابه رغم اختلاف شخصياتها , ربما يكمن ذلك التشابه لطبيعة الإنسان ذاته وليس لاعتبارات رياضية قانونية تحكم دورات حياته , فالإنسان كما خلقه الله تغلب عليه صفات فطرية تتشابه رغم مرور الدهور والسنين , فحب السلطة والثراء والقيادة والقوة , وروح المنافسة والرغبة في التفوق , كلها صفات نشأت مع نشوئه , ومع بدايات تكوين المجتمعات البشرية الصغيرة , وتلك الصفات ربما هي التي تنتج التصرفات المتشابهة بين البشر عبر العصور , وتلك التصرفات البشرية كذلك تنتج الأحداث بشكل مكرر ومتشابه رغم اختلاف الزمان والمكان .
ويظل رأي ابن خلدون في العرب يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ,, وربما الإحباط .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف