
أشرس الحروب تلك التي تقام بآسم الدين من أجل إبادة الإنسانية ،فتخفي أسبابها الحقيقية التي لا علاقة لها في الجوهر بالعامل الديني ،إنها شراسة بعض البشر عندما تكشر عن أنيابها مثلما بدأ الكاتب روايته بإشارة جد ذكية وبطل الرواية ينبهر بأنيابه المخيفة ويمنحها وسام الشرف لأنها هي سبب نجاحه العسكري ،أول صانعي أحداث الرواية وأقوى أبطال القتل والتعذيب ضد الروهينغا هو الضابط لاي سان ذو الأنياب .
عندما يحول المجرم جريمته إلى عمل مقدس فيبيح لنفسه كل ما حرمته الديانات والشرائع ،يذكرني هذا بالحروب الصليبية التي رفعت راية المسيحية وهي الديانة المسالمة من أجل القتل مثلما حدث مع مسلمي الأندلس وما تعرضوا له من بشاعة في إطار سياسة صارمة لم يشهد لها التاريخ من قبل فقتل منهم من قتل وهاجر عدد كبير منهم إلى بلدان المغرب العربي .
يعيد التاريخ نفسه فتتشابه أساليب الظلم وآدعاءاته وتتشابه حتى الضحايا في رموزها ودلالاتها التاريخية ،هناك على مر التاريخ من البشر والدول من لا ترتوي من دماء ضحاياها الذين لا يتوافقون مع ميولاتها وأهوائها ،ولأنهم لا يختلفون عن حيوان الغاب في برودة دمهم يشيدون أحلامهم على جثث الضعفاء .
رواية الكاتب مصطفى القرنة هذه المرة ستأخذنا إلى جمهورية ميانمار ،إحدى دول شرق آسيا ،لها حدود مجاورة مع الصين وسواحل خليج البنغال والمحيط الهندي وتايلاند ولاوس وشبه جزيرة الملايو.
وحتى نفهم أكثر أحداث الرواية المتمثّلة في إبادة الروهينغا علينا بالعودة إلى قليل من التاريخ الذي ينكشف لنا الضوء عن سبب وجود هذه الروح المعادية للتواجد الإسلامي في النطقة .
لقد إحتل الملك البوذي بوداباي منطقة ميانمار سنة 1784م وذلك بهدف منع الإسلام من الإنتشار في المنطقة ،في الفترة نفسهاقام البوذيون بتحريض الماغ وهم بوذيون من أصل هندي،على قتل وتعذيب المسلمين في المنطقة ،وعند إحتلال بريطانيا لميانمار لعبت دورا أساسيا في توسيع دائرة هذا الصراع في إطار سياسة فرق تسد حتى قتل الهندوس حوالي مائة ألف مسلم سنة 1942م.
وبالرغم من أن ميانمارأخذت إستقلالها سنة 1948م إلا أن هذا الصراع ظل قائما بحقده و موروثه المدمر للبلد وللإنسانية .
ليس سهلا على كاتب عربي لا يحمل نفس الثقافة ولم يعش وسط ذلك المجتمع أن يبني عبر خياله خصائص بلد وطرق معيشته وطقوسه وعاداته وميولاته ،كيف تمكن الكاتب من منحنا تلك الدقة في الوصف من سلوكات لشخصيات تتوافق في تفكيرها مع الحرب التي يقودها ضد الروهينغا ، والروهينغا قوم ينتمون إلى الشعوب الهندية المتواجدة غربي ميانمار ،يعني يشكلون جزءا من النسيج البشري للمنطقة ،لكن الحقد ضد الديانة الإسلامية هو من أشعل فتيل حروب تفتك بالألاف منهم في بعض الفترات من التاريخ كما يحدث في مرحلتنا الراهنة .
نعود إلى شخصية الضابط لاي سون ،بالنظر إلى مهمته القذرة التي يقوم بها في الرواية نجح الكاتب في مزج صفاته الجسدية بشخصيته المعقدة المحبة للقتل وسفك دماء الأبرياء ،يبدو شخصية مغرورة وضعيفة ،هشه ومتذبذبة من خلال ذهابه المتكرر للنظر في المرآة وإعجابه بأنيابه التي تجعل منه شخصا مخيفا حتى وسط جنده ،يمنحنا بعدها ملامح العائلة البوذية من الناحية النفسية والثقافية ،ستظهر زوجته جيا التي تنتمي إلى حركة متطرفة يرأسها الراهب البوذي أون ،كيف تعقد هذه الحركة إجتماعاتها وتخطط بإحكام للعمل الممنهج سياسيا وعسكريا ودعاية ضد مسلمي الروهينغا ،
ثم يلتحق الأبناء، أبناء لاي سان وجيا لتستقر لدينا فكرة كاملة عن تركيبة العائلة البوذية النفسية والفكرية ،أحد الأبناء ورث هواية جده في حبه لصيد الحيوانات البرية وإسمه لو والاخر إسمه ني دوره في الرواية جندي في معسكرات الإعتقال .
هذه هي العائلة التي تمثل الجانب المظلم للإنسانية في الرواية ،كل حلمها الذي جاء على لسان لاي سان في حديثه مع جاره خين أن تتكون دولة بوذية على آمتداد شرق آسيا كله لنعيد المجد للبوذيين ،دولة نظيفة من كل الأقليات .
يتشابه هذا الحلم مع حلم زعماء الصهيونية في بناء دولة إسرائيل الكبرى ...الحلم الذي مايازال قائما إلى أيامنا هذه .
دول تحلم بقيامها على حساب غيرها. ،ويمثل رد جاره خين صوت الضمير الحي الذي يريد الكاتب أن يثبت وجوده في الإنسانية عندما علق على حلمه قائلا :إنكم تقومون بالتطهير العرقي والمضحك أن كثيرين في هذا العالم يقتلون الناس ويحصلون على جائزة نوبل .
وتذكر الرواية على لسان الابن لو إلى نفاق المنظمات الدولية التي تسكت عن قتل البشر وتعترض على قتل الحيوانات ،وذلك في إطار دفاعه عن الحق في آصطياد الحيوانات البرية وتناول لحومها حتى لا يموت شعبه من الجوع ،غير عابئ بالمرة بالذي يرتكب في حق المسلمين من قتل ،يأخذنا الكاتب إلى معسكرات التعذيب ،كيف يعتقل الجنود الروهينغا ويقتحمون منازلهم ويأخذونهم على مرأى من عائلاتهم لتعذيبهم وآستغلالهم في منظر وكأنه سينيمائي يصف الكاتب عملية المطاردة وكيف يتم تجميعهم في الشاحنات العسكرية لإستغلالهم في السخرة ،بناء الطرق وفتح القنوات وآستصلاح الأراضي والقتل والتنكيل .فشعار المعسكر هو إعمل من أجل أن تنجو بحياتك .
يجمع المسلمون في براكات صغيرة هنا يبدأ عالم الشخصيات المسلمة في الظهور ،يعتقل حبيب بطريقة وحشية لأخذه إلى المعسكر تاركا زوجته خديجة وإبنته سليمة لأبشع الأقدار ،ستعتقل البنت فيما بعد ليغتصبها لاي سان وتهاجر الأم رفقة إبن لها خارج البلاد لتتفكك العائلة وتتفرق بها السبل ،ثم تموت البنت بعد محاولة الإلتحاق بوالدتها رفقة عمها الذي سيموت هو أيضا بسبب الفوضى السائدة في عموم البلاد .
تعيش العائلات المسلمة الرعب النفسي المتواصل وتتعرض للتعذيب الجسدي ثم التشرد والهجرة القسرية ،يستعمل الكاتب لتوضيح الحالة القاسية التي يعيشها مسلمي ميانمار عدة حوادث ومن خلال الحوار نكتشف حجم هذه المعاناة عبر العديد من التفاصيل ،إنهم يكرهون الروهينغا حتى تمنوا أكل لحومهم مثل الحيوانات البرية إلا أن هذا الكره يمنعهم من ذلك فهم يحبون الحيوان ويستعلطفونه لذلك يفضلونه كطبق يحلوا لهم تناوله بدل الروهينغا الذين يكرهونهم أشد الكره ،
كل هذه الحرب والابادة القذرة سيفنى رموزها في نهاية الرواية سيموت لاي سان بسبب غبائه وحقده الأعمى من جراء أكله للحم القردة الشبيه بلحم البشر في إشارة كاملة إلى خطورته على الإنسانية ،سيفقد توازنه النفسي والعقلي ويصاب بمرض خطير معد ،هذا ما جعل السلطات تأمر بقتله ،سيموت لاي سان في الحفر ولم يرفع على الاكتاف كما يرفع الأبطال ،طالما إعتبر نفسه مضحيا من أجل الوطن زاعما أنه يخدم ديانته إلا أن الرواية تشير إليه على أنه ملحدا لا يؤمن بالديانة البوذية ،سيبحث عنه ابنه الوحيد بعدما فقد إبنه الآخر بسبب الأسد ،وزوجته التي أصيبت في عقلها بعدما مات عشيقها الراهب الذي يحمل لواء الحرب المقدسة،تتبخر كل رموز البوذية بنفس الطريقة التي خططوا لها ضد الروهينغا ،هكذا ينقلب السحر على الساحر ،
يموت من مسلمي الروهينغا العديد العديد ،لكن الكاتب وهب للرواية جميل رموزها حينما احتفظ بحياة الأم خديجة بعد هجرتها في مخيمات اللاجئين ،رغم صعوبة العيش هناك وظروف الحياة القاسية تنتظر الزوجة لقاء زوجها الذي مازال على قيد الحياة يصارع أقدار أمة بأسرها ،ماتت البنت والعم والجد في الرواية كشهداء القضية والتاريخ ويظل أمل الأمة الاسلامية في الحياة والاستمرار باقيا إلى الأبد ،حياة خديجة وحبيب هي حياة لنضال وصبر الروهينغا في معاناتهم ،هي رسالة الكاتب إلى الأمة الإسلامية وإلى الإنسانية ،لن تغيب شمس الإسلام عن أي بقعة في هذا العالم مهما كانت المعركة صعبة يظل الإيمان والله يحملان هذه الأرواح إلى الجنة والخلود .
قضية الروهينغا عار تحمله أكتاف الأمة الإسلامية ،مازلنا بعد لم ننسى جراح أحبتنا في البوسنة والمجازر التي آرتكبت في حق أحبتنا هناك ،مازالت القبور والذكريات تحمل لنا مآسي الإسلام وغرابته ،كيف لأمة تملك هذا الكم من التعدي على حقوقها ووجودها أن تقف مربوطة الأيدي ،ولا تستغل كل هذه الملفات لصالح شعوبها كما يفعل اليهود وهم الذين يستغلون القليل من الملفات والتي ينفخون فيها ويضخمون حجم معاناتهم من خلالها كما رسموا وخططوا إثر ما يزعمون أنهم تعرضوا له إبان الحرب العالمية الثانية ،أسكتوا العالم وأغمضوا له العيون فوصلوا إلى مأربهم إلى أبعد الحدود حتى أصبحوا الجنس الوحيد في العالم الذي يساوي فيه الفرد الواحد عشرات البشر ،وظل المسلم لا قيمة له ولا حول ولا قوة .
نشكر الأستاذ مصطفى القرنة على تناوله هذا الموضوع الحساس الذي لا يهتم به إلا قلائل سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو الثقافي ،فعلا بتأليفه لهذه الرواية وهب العالم الإسلامي هدية عليها أن تصل إلى القلوب وضمائر المسؤولين والحكام الذين يدعون حمل لواء العدالة والحريّة والمساواة .
تحياتنا لقلم لا ينام بل يظل حيّا ينبض أمام جراح الإنسان ومعاناة الأمة الإسلامية .
حياة قاصدي
عندما يحول المجرم جريمته إلى عمل مقدس فيبيح لنفسه كل ما حرمته الديانات والشرائع ،يذكرني هذا بالحروب الصليبية التي رفعت راية المسيحية وهي الديانة المسالمة من أجل القتل مثلما حدث مع مسلمي الأندلس وما تعرضوا له من بشاعة في إطار سياسة صارمة لم يشهد لها التاريخ من قبل فقتل منهم من قتل وهاجر عدد كبير منهم إلى بلدان المغرب العربي .
يعيد التاريخ نفسه فتتشابه أساليب الظلم وآدعاءاته وتتشابه حتى الضحايا في رموزها ودلالاتها التاريخية ،هناك على مر التاريخ من البشر والدول من لا ترتوي من دماء ضحاياها الذين لا يتوافقون مع ميولاتها وأهوائها ،ولأنهم لا يختلفون عن حيوان الغاب في برودة دمهم يشيدون أحلامهم على جثث الضعفاء .
رواية الكاتب مصطفى القرنة هذه المرة ستأخذنا إلى جمهورية ميانمار ،إحدى دول شرق آسيا ،لها حدود مجاورة مع الصين وسواحل خليج البنغال والمحيط الهندي وتايلاند ولاوس وشبه جزيرة الملايو.
وحتى نفهم أكثر أحداث الرواية المتمثّلة في إبادة الروهينغا علينا بالعودة إلى قليل من التاريخ الذي ينكشف لنا الضوء عن سبب وجود هذه الروح المعادية للتواجد الإسلامي في النطقة .
لقد إحتل الملك البوذي بوداباي منطقة ميانمار سنة 1784م وذلك بهدف منع الإسلام من الإنتشار في المنطقة ،في الفترة نفسهاقام البوذيون بتحريض الماغ وهم بوذيون من أصل هندي،على قتل وتعذيب المسلمين في المنطقة ،وعند إحتلال بريطانيا لميانمار لعبت دورا أساسيا في توسيع دائرة هذا الصراع في إطار سياسة فرق تسد حتى قتل الهندوس حوالي مائة ألف مسلم سنة 1942م.
وبالرغم من أن ميانمارأخذت إستقلالها سنة 1948م إلا أن هذا الصراع ظل قائما بحقده و موروثه المدمر للبلد وللإنسانية .
ليس سهلا على كاتب عربي لا يحمل نفس الثقافة ولم يعش وسط ذلك المجتمع أن يبني عبر خياله خصائص بلد وطرق معيشته وطقوسه وعاداته وميولاته ،كيف تمكن الكاتب من منحنا تلك الدقة في الوصف من سلوكات لشخصيات تتوافق في تفكيرها مع الحرب التي يقودها ضد الروهينغا ، والروهينغا قوم ينتمون إلى الشعوب الهندية المتواجدة غربي ميانمار ،يعني يشكلون جزءا من النسيج البشري للمنطقة ،لكن الحقد ضد الديانة الإسلامية هو من أشعل فتيل حروب تفتك بالألاف منهم في بعض الفترات من التاريخ كما يحدث في مرحلتنا الراهنة .
نعود إلى شخصية الضابط لاي سون ،بالنظر إلى مهمته القذرة التي يقوم بها في الرواية نجح الكاتب في مزج صفاته الجسدية بشخصيته المعقدة المحبة للقتل وسفك دماء الأبرياء ،يبدو شخصية مغرورة وضعيفة ،هشه ومتذبذبة من خلال ذهابه المتكرر للنظر في المرآة وإعجابه بأنيابه التي تجعل منه شخصا مخيفا حتى وسط جنده ،يمنحنا بعدها ملامح العائلة البوذية من الناحية النفسية والثقافية ،ستظهر زوجته جيا التي تنتمي إلى حركة متطرفة يرأسها الراهب البوذي أون ،كيف تعقد هذه الحركة إجتماعاتها وتخطط بإحكام للعمل الممنهج سياسيا وعسكريا ودعاية ضد مسلمي الروهينغا ،
ثم يلتحق الأبناء، أبناء لاي سان وجيا لتستقر لدينا فكرة كاملة عن تركيبة العائلة البوذية النفسية والفكرية ،أحد الأبناء ورث هواية جده في حبه لصيد الحيوانات البرية وإسمه لو والاخر إسمه ني دوره في الرواية جندي في معسكرات الإعتقال .
هذه هي العائلة التي تمثل الجانب المظلم للإنسانية في الرواية ،كل حلمها الذي جاء على لسان لاي سان في حديثه مع جاره خين أن تتكون دولة بوذية على آمتداد شرق آسيا كله لنعيد المجد للبوذيين ،دولة نظيفة من كل الأقليات .
يتشابه هذا الحلم مع حلم زعماء الصهيونية في بناء دولة إسرائيل الكبرى ...الحلم الذي مايازال قائما إلى أيامنا هذه .
دول تحلم بقيامها على حساب غيرها. ،ويمثل رد جاره خين صوت الضمير الحي الذي يريد الكاتب أن يثبت وجوده في الإنسانية عندما علق على حلمه قائلا :إنكم تقومون بالتطهير العرقي والمضحك أن كثيرين في هذا العالم يقتلون الناس ويحصلون على جائزة نوبل .
وتذكر الرواية على لسان الابن لو إلى نفاق المنظمات الدولية التي تسكت عن قتل البشر وتعترض على قتل الحيوانات ،وذلك في إطار دفاعه عن الحق في آصطياد الحيوانات البرية وتناول لحومها حتى لا يموت شعبه من الجوع ،غير عابئ بالمرة بالذي يرتكب في حق المسلمين من قتل ،يأخذنا الكاتب إلى معسكرات التعذيب ،كيف يعتقل الجنود الروهينغا ويقتحمون منازلهم ويأخذونهم على مرأى من عائلاتهم لتعذيبهم وآستغلالهم في منظر وكأنه سينيمائي يصف الكاتب عملية المطاردة وكيف يتم تجميعهم في الشاحنات العسكرية لإستغلالهم في السخرة ،بناء الطرق وفتح القنوات وآستصلاح الأراضي والقتل والتنكيل .فشعار المعسكر هو إعمل من أجل أن تنجو بحياتك .
يجمع المسلمون في براكات صغيرة هنا يبدأ عالم الشخصيات المسلمة في الظهور ،يعتقل حبيب بطريقة وحشية لأخذه إلى المعسكر تاركا زوجته خديجة وإبنته سليمة لأبشع الأقدار ،ستعتقل البنت فيما بعد ليغتصبها لاي سان وتهاجر الأم رفقة إبن لها خارج البلاد لتتفكك العائلة وتتفرق بها السبل ،ثم تموت البنت بعد محاولة الإلتحاق بوالدتها رفقة عمها الذي سيموت هو أيضا بسبب الفوضى السائدة في عموم البلاد .
تعيش العائلات المسلمة الرعب النفسي المتواصل وتتعرض للتعذيب الجسدي ثم التشرد والهجرة القسرية ،يستعمل الكاتب لتوضيح الحالة القاسية التي يعيشها مسلمي ميانمار عدة حوادث ومن خلال الحوار نكتشف حجم هذه المعاناة عبر العديد من التفاصيل ،إنهم يكرهون الروهينغا حتى تمنوا أكل لحومهم مثل الحيوانات البرية إلا أن هذا الكره يمنعهم من ذلك فهم يحبون الحيوان ويستعلطفونه لذلك يفضلونه كطبق يحلوا لهم تناوله بدل الروهينغا الذين يكرهونهم أشد الكره ،
كل هذه الحرب والابادة القذرة سيفنى رموزها في نهاية الرواية سيموت لاي سان بسبب غبائه وحقده الأعمى من جراء أكله للحم القردة الشبيه بلحم البشر في إشارة كاملة إلى خطورته على الإنسانية ،سيفقد توازنه النفسي والعقلي ويصاب بمرض خطير معد ،هذا ما جعل السلطات تأمر بقتله ،سيموت لاي سان في الحفر ولم يرفع على الاكتاف كما يرفع الأبطال ،طالما إعتبر نفسه مضحيا من أجل الوطن زاعما أنه يخدم ديانته إلا أن الرواية تشير إليه على أنه ملحدا لا يؤمن بالديانة البوذية ،سيبحث عنه ابنه الوحيد بعدما فقد إبنه الآخر بسبب الأسد ،وزوجته التي أصيبت في عقلها بعدما مات عشيقها الراهب الذي يحمل لواء الحرب المقدسة،تتبخر كل رموز البوذية بنفس الطريقة التي خططوا لها ضد الروهينغا ،هكذا ينقلب السحر على الساحر ،
يموت من مسلمي الروهينغا العديد العديد ،لكن الكاتب وهب للرواية جميل رموزها حينما احتفظ بحياة الأم خديجة بعد هجرتها في مخيمات اللاجئين ،رغم صعوبة العيش هناك وظروف الحياة القاسية تنتظر الزوجة لقاء زوجها الذي مازال على قيد الحياة يصارع أقدار أمة بأسرها ،ماتت البنت والعم والجد في الرواية كشهداء القضية والتاريخ ويظل أمل الأمة الاسلامية في الحياة والاستمرار باقيا إلى الأبد ،حياة خديجة وحبيب هي حياة لنضال وصبر الروهينغا في معاناتهم ،هي رسالة الكاتب إلى الأمة الإسلامية وإلى الإنسانية ،لن تغيب شمس الإسلام عن أي بقعة في هذا العالم مهما كانت المعركة صعبة يظل الإيمان والله يحملان هذه الأرواح إلى الجنة والخلود .
قضية الروهينغا عار تحمله أكتاف الأمة الإسلامية ،مازلنا بعد لم ننسى جراح أحبتنا في البوسنة والمجازر التي آرتكبت في حق أحبتنا هناك ،مازالت القبور والذكريات تحمل لنا مآسي الإسلام وغرابته ،كيف لأمة تملك هذا الكم من التعدي على حقوقها ووجودها أن تقف مربوطة الأيدي ،ولا تستغل كل هذه الملفات لصالح شعوبها كما يفعل اليهود وهم الذين يستغلون القليل من الملفات والتي ينفخون فيها ويضخمون حجم معاناتهم من خلالها كما رسموا وخططوا إثر ما يزعمون أنهم تعرضوا له إبان الحرب العالمية الثانية ،أسكتوا العالم وأغمضوا له العيون فوصلوا إلى مأربهم إلى أبعد الحدود حتى أصبحوا الجنس الوحيد في العالم الذي يساوي فيه الفرد الواحد عشرات البشر ،وظل المسلم لا قيمة له ولا حول ولا قوة .
نشكر الأستاذ مصطفى القرنة على تناوله هذا الموضوع الحساس الذي لا يهتم به إلا قلائل سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو الثقافي ،فعلا بتأليفه لهذه الرواية وهب العالم الإسلامي هدية عليها أن تصل إلى القلوب وضمائر المسؤولين والحكام الذين يدعون حمل لواء العدالة والحريّة والمساواة .
تحياتنا لقلم لا ينام بل يظل حيّا ينبض أمام جراح الإنسان ومعاناة الأمة الإسلامية .
حياة قاصدي