الأخبار
إصابات بالاختناق واعتقال ثلاثة مواطنين خلال اقتحام قوات الاحتلال الخضر جنوب بيت لحم(القناة 14) تكشف تفاصيل جلسة (كابينت) حادّة بشأن غزة.. نتنياهو يضرب الطاولة لوقف المشادّاتأميركا: ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات تكساس إلى 50 بينهم 15 طفلاتظاهرة في هولندا ضد شركة تصدر قطع غيار مقاتلات (إف-35) لإسرائيلنتنياهو يرفض تعديلات (حماس) على مقترح وقف إطلاق النارشهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنازل وخيام تؤوي نازحين في أنحاء متفرقة من القطاعإيلون ماسك يعلن تأسيس حزب سياسي أميركي جديدبريطانيا تُعيد العلاقات مع سوريا بعد قطيعة دامت 14 عاماًبن غفير يُهاجم اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب بغزة(حماس): صياغة الرد تمت بتوافق وطني موحد وبإجماع كافة الفصائل والقوى الفلسطينيةإسرائيل تقرر إرسال فريق التفاوض إلى الدوحة لبحث اتفاق غزةفوائد مذهلة لشاي النعناعسوريا تطلق هوية بصرية جديدة.. فما دلالاتها؟ (صور)هل يُسقط اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب في غزة حكومة نتنياهو؟رابطة الدوري الإسباني تعلن مواعيد الجولة الأولى من الموسم الجديد
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

النزعةُ الرومانسيةُ لدى الشاعرتين: السورية فائزة القادري والأمريكية إيميلي ديكنسون

تاريخ النشر : 2020-06-19
النزعةُ الرومانسيةُ لدى الشاعرتين:
السورية فائزة القادري والأمريكية إيميلي ديكنسون
بقلم:يونس عودة

نشأت الحركةُ الرومانسيةُ في أواخرِالقرنِ الثامن عشر، وأوائل التاسع عشر في فرنسا، ثم انتشرت في أوروبا: ألمانيا، إسبانيا، إنجلترا. حيث بلغت ذروتها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فهي تعزز المشاعر والأحاسيس والعواطف، وتُعدُّ نواة الفن والأدب والجمال. يقول المؤرخ الفرنسي "غايتان بيكون :" إن الرومانسية هي مجموعة أذواق متزامنة، وحريات خالقة، وأن الرومانسية فنٌ شعارُه كلُّ شيء مسموحٌ به ". فقد دعت إلى التحرر من كل القيود التي طالما وقفت حجر عثرة في طريق الكتاب أو الشعراء: هي مدرسة البوح والإعتراف بكل مكنونات المرء كالدين، والوجود والكون، ومبدعه. فقد شكلت نقطة تحول نوعية عن الحركة الكلاسيكية. وقد يطلق عليها أحيانا المذهب التعبيري. لم تكن الحركة الرومانسية حِكرًا على الغرب، إذ اعتنقها الكثير من الأدباء والمبدعين العرب أمثال خليل مطران، جبران خليل جبران، فائزة القادري، ميخائيل نعيمة، إبراهيم ناجي، وغيرهم. يتناولُ هذا المقال النزعةَ الرومانسية في أشعار كل من : الشاعرة السورية المعاصرة فائزة القادري، والشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون.
إيميلي دكنسون، تلكم الشاعرةُ التي عاشت –إلى حد ما- كأبي العلاء المعري؛ رهينة المحبس؛ لا تخرج إلا للضرورة القصوى؛ إذ كانت تتواصل مع أصدقائها والمقربين من خلال الرسائل، وفي آخر سني حياتها، كانت تتواصل مع الجميع من وراء حجاب.
ولدت ايميلي ديكنسون عام 1830 في ولاية "ماساتشوستس" لأسرة محافظة وعريقة؛ كان لجدها دورٌ في إنشاء جامعة " إمير هست"، وكان والدُها رجلَ دولة وسياسي، أما اخوها فكان محاميًا. من هنا كانت انطلاقة إيميلي الأدبية والمعرفية.
كانت تعشق الإختلاء بنفسها وتقدسه؛ بل قل الوحدة المملة القاتلة، لكنها كانت قِبْلَتَها. لم تنشر في حياتها سوى عشر قصائد، أما ما تركته بعد رحيلها، فكان ما بين( 1800-2000 )قصيدة. كانت قصائدها - في مجملها- تعكس العزلة والوحدة، لكنها أحيانا كانت تتضمن شذرات من الحميمية الملهمة التي تضفي على بعض قصائدها الغبطة والحبور والسرور. تأثرت ببعض الشعراء أمثال جون كيتس، براوننغ، إليزابيث باريتي وغيرهم، كما تأثرت لدرجة الإعجاب بترجمة الملك جيمس للإنجيل. ويقال بأنها والشاعر "ويتمان" كان لهما أكبر الأثر في إثراء الحركة الشعرية الحديثة في أمريكا بالذات، وعلى مدار قرنين من الزمان.
عشقت الطبيعة، وتغنت بالوجود والمخلوقات حولها. كتبت أشعارًا في الأنهار، والجبال، والطيور:
"سماعُ طيرِ يغني
سماعُ طيرِ يغني
ربما أمْرٌ مألوف
وربما إلهيٌ في جماله"
تشدها مناظر الجبال وعظمتها، فتراها تنسج لها الشعر الجميل:
"في غفلةِ تنمو الجبال
في غفلة تنمو الجبال
وتنهض أجرامُها الأرجوانية
دون جهد أو عناء
دون عون أو ثناء"
لا أحدَ يجزم لِمَ اختارت إيميلي تلكمُ العزلة المفرطة، هل كانت تفضل الكتابة عن بعد دون رؤية البشر؟ هل كانت العزلة سبب إبداعها؟ هنا ينبري الشاعر الأمريكي "أرشيبالد مكليش" معلقًا:" إن العزلة التي اختارتها إيميلي لنفسها في بيت أبيها وفي غرفتها الخاصة، لم تكن هروبا من الحياة؛ بل إن الأمر على عكس ذلك، فقد كان اعتزالها مغامرة إلى قلب الحياة التي اختارت أن تكتشفها وتروض مجهولها".
وتعترف إيميلي بأنها اعتادت على الحزن، وأن اي مسحة من الغبطة والفرح قد تكسر قدمها وتتركها تترنح .لقد أخذ النقاد على إيميلي أسلوبها في الكتابة من حيثُ تمردُها على قواعد الصرف واستخدام علامات الترقيم، وأن اشعارَها لا تنطبق عليها قواعد النظم.
من خصائص أشعار ديكنسون البيِّنة، أنها شملت ذكرَ الموت والخلود والغوص في الطبيعة.
كتبتْ عن نهر "كونيكتكت"، وكتبت عن الريح وجسدتها كائنا بشريا منتهك الحقوق، بائسًا لا حول له ولا قوة:
"ريحٌ هزيلة تشتكي اليومَ كله
كيف أنَّ أحدهم أساءَ إليها
هكذا الطبيعة، مثلنا نحن
تُضبطُ أحيانا...وقد نسيَتْ تاجها"
والمتتبع لأشعار إيميلي، يلحظ مسحة الحزن؛ ضمنًا أو تصريحا:
"لم أملك الوقتَ لأكره
لم أملك الوقت لأكره
فالقبرُ قد يعيقني
والحياة ليست فسيحةً
حتى أنهي عداوتي"

وفي شطر من قصيدة، تكتب إيميلي بضعة أسطر عن" العَرَبة":
" لأني لم استطع التوقف من أجله
تعطَّف الموت...وتوقف من أجلي
لم يكن في العربة غيرنا
أنا والموت والخلود ".

حقا، كانت حياتها قمة في الحزن ، كيف لا وقد عاشت حياة إنطوائية بعيدة عن الإختلاط بالآخرين، إذ كان تتواصل معهم في معظم الاوقات فقط بالرسائل. وتم العثور على حوالي ألف رسالة في غرفتها بعد موتها.
من الجانب الآخر، فالشاعرة فائزة القادري، رغم أنها شاعرة تتجلى الكثير من الرومانسية في أشعارِها، إلا أن القارىء لا يجد أي أثرا للحزن أو الموت كشبح يقض المضاجع؛ فعلى النقيض من دكنسون، فإن القادري تعشق الحياة والحبور، وتعشق الفرح والسرور؛ بل وتدعو لنبذ الأحزان عن الجفون والمآقي.
أفردت القادري الكثير من قصائدها للتغني بالطبيعة حولها؛ هي تلك المهرة الأصيلة في غزل الشعر وانتقاء الكلمات؛ كتبت قصائد في الأنهار بحثيثها وإصرارها، وخصت بذلك عشقها الأزلي نهر الفرات، والسهل، والجبل، وكتبت للياسمين، وكتبت للقمر والليل والنجوم.

"وعلى قارعة الطريق تغني.. ترتل كزيزفونة خمسينية .. ربما تعيش لآلاف السنين إذا ما طعنت بحريق .. لتقول:
أنا هنا أكتب..
ليطمئن قلبي".

تنساب كلمات القادري سلسبيلا عذبًا حينما تنظر إلى صورة الهلال والليل معًا. لا تحتمل السكوت، وينبثق الوصف في أرقى حوار رومانسي هامس:
"الليلُ: تثلم دامس صدري بحوافك؟
الهلالُ: سنغدو رايةً لوطن الحب"
فهذا بوح الشاعرة القادري تلخصه في جملة واحدة : "جرح الضوء وأناقة حزن".
فعلى خطا من سبق من شعراء وشواعر، حينما أفردوا القصائد تلو القصائد في ذكر مكنونات القلوب - كناية عما فيها من حب -، فهي تقدم للقراء مقطوعة معبرة في ذلك:
"أستحلفُ قلبك بالمكنون
أن تعبُر بي
إلى حتفي المجنونْ
كما ترتضيهِ اللغةُ الضوئية"
فالقصيدة الشعرية عند القادري ينبوعُ معرفة، ووجدانٌ، واحساس:
"كل قصيدةٍ بئرٌ ارتوازية
حكاياتُ الشعر مياهٌ جوفية"

كتبت القادري عن الأقدار وماهية الكائن البشري؛ ما طبيعته ومُرَكباته:
" تنسجنا الأقدار
أظننا من خيوط الشوق؟
أو من حبال الصبر؟
أو من دمقس الحس؟
أو من شرايين الشِّعر؟
ربما من سلك الخوف؟
لغز على زاويته اليسرى قلب..تؤطره حروفٌ..تتناهبه الجنة والجحيم.. ليفوز أحدهما، ويرفع رايته ".
طالما تجلت كلمات القادري في اختزال بعض الكلمات المضيئة في جمل قصير معبرة:
"أصدقُ الشعرِ.. ينظمُ لؤلؤَ الأمل".
"أصدقُ الموسيقا.. تتقمصُنا
وروحُ نسرها تنزعُ الأنفاسَ المتهالكةَ نحو الجبال".

كما يقال، هنالك في هذه الدنيا المحظوظُ، وغير المحظوظ، فمعَ عمق إيمانها بالقدر، إلا أن القادري تسايرُ حالةً مجتمعيةً تحمِّلُ الحظَّ كل سوء؛ فهي تتماشى مع من يريدُ لومَ حظه العاثر، وتقدمه قربانًا أمام الملأ، كي يرعوي ويكون عبرة لغيره:
" اشنقوا الحظ اللئيم
على عمود كهرباء
ليصير درسًا
للعابثين بالعشق ".
كتبت عن الشمس وشروقها وغروبها، فالغروبُ في اشعار القادري لا يشكل نهاية المطاف؛ بل إيذانًا بقدوم يوم أكثر جمالا وبهاء وصفاءً، وهذا ما يعكس روحَها الايجابية، وقلبَها المفعم بالحب.
فلا غرو أن القادري قد خلع عليها النقاد والأدباء الكثير من الألقاب، ومنها لقب "شمس". فلئن تشبَّه البعض بالشمس في جزئية ما، فالقادري هي الشمس ببهائها ونضارتها. وبكل ثقة - وتواضع- تتلطف بسبك أجمل كلام عن تلكم الشمس:
"وبشمس حسني تستضيىء مجرةٌ
وبليل عمري قد تذوب شموعي".
وبريشة الفنانة والشاعرة في آن، تخلع القادري على المطر الصفة الانسانية؛ وهذا ما يعرف في ميدان الشعر ب " التشخيص" الذي تتقن استخدامه حينما تريد تقريب الصورة للقارئ، وجَعلِه يعيش الحدث القائم. فالمطرُ عاشق متيمٌ مدنفٌ في هوى الارض--المعشوقة ذات العطر الفواح:
"حين يقبِّلُ المطرُ الارضَ
تفوح بعطرها الدفين المعتق، لأن العطر يستوطن الجمال، لذلك يبحثون عنه في الحدائق والربيع
سمَّت اللغةُ بناتها العاطرات الجميلات: شذى .. أريج.. عبير".

للصوفية كتبت القادري، وَبِكُنْهِها تماهت وتغنَّت، وامتد اتصالها وتواصلها بالنور الالهي. فحين تتصارع الخزعبلات وتسري في أوساط المجتمعات الأرضية، عندها تشق طريقها نحوالعُلا، حيث الفضيلة والخلود:
"الروحُ صوفيةُ النقاء بطبيعتها
تشذبُ نفسها عند كل ملمةٍ
تنزع الأشواكَ من وردِ خلودها
تصْعدُ إلى السماء حين تعجزها خزعبلات الأرض.
الصوفية طريقة للروح
تذوب فيها كل الرغائبِ والحاجاتِ إذا أصبحت نورًا متصلا بالنور العلوي ".
دمشقُ الهوى والعشق، دمشقُ جينات تسري في الروح والجسدِ عند الشاعرةِ الرومانسية فائزة القادري. فحبُّ الوطن فضيلة: فقد روي عنه عليه السلام حين هاجرَ من مكة الى المدينة، أنه كان يسأل كل قادم من مكة :" كيف الزرع والضرع"، وكانت عيناه تذرفان. فالقادري- وعلى الفطرة - تجدها تهيم في الوطن، تهيم في ذرات ترابه، في نسائمه العليلة، في بذور الاقحوان والياسمين:
"ودمشقُ العشق جينات
جينات قد أودعها الله في خلاياي
أشعر بانتعاش حين أسكنها، وحين أذكرها، وحين أشم هواءها، وأفخر بها
هي عاصمة الروح وعاصمة البلاد وعاصمة الشعر".
لم تكتف القادري بهذا الحد من الذوبان في أجمل وأقدم عواصم العالم، بل أحيت رموزًا تُحسبُ على دمشقَ ممن حملوا الكَلَّ، ورفعوا رايتها عالية خفاقة. من لا يعرف نزار قباني؟ ومن لا يعرف الياسمين الشآمي، ومن لا يعرف قاسيون، والأمويين، وبردى؟
" نزارُها، نزاري
وياسمينُها، عطري
وقاسيونُها وأموييها وبرداها
شامٌ ياذا السيف لم يغبِ
يا كلام المجد في الكتب"
كتبت للشعر وقوافيه، كيف لا وهي ابنة هذه الصنعة ؛ إذ طالما انسابت أرق الأزاهير من ذلك اليراع:
" لآلهة القصائد في الجنان
بكاء الغيم، رقرقة المعاني
لقافيةٍ تلملم ما تلاشى
ترممني، تسلسل لي كياني"
ليس بمستغرب ولا مستهجن أن يزداد عدد أعضاء صفحة الشاعرة الرومانسية فائزة القادري، ففي كل يوم تتحف الجمهور بأحلى الكلم، وأرقى الإبداع. فكونها تتقن الأدب بشقيه: النثر والشعر، فما تفتأ تغوص في بحريهما لتأتي بكنوز لم يصلها بعدُ غيرُها أديب أو شاعر. فلله در ذلك الإصرار في الإبداع الذي يزدان به انتاجها ويزيده وهجا:
"فيكتبني كسبر مستحيل
ويغزلني كخيط ارجواني
أحيانا، بعض الحكايات والقصص المحلية البسيطة، ترقى إلى العالمية، ولربما اقتنصتها ماكنة الأفلام العالمية "هوليوود"، وصنعت منها حدثا يجوب زوايا العالم أجمع؛ محركا المشاعر، عازفا على أوتار القلوب المرهفة. القادري تعيش؛ بل وتتعايش مع الناس وتتفهم همومهم، وخاصة ممن لم يكتب لهم كثير حظ من الكسب والمعيشة. يحرك مشاعرَها وحواسَها ذلك الطفلُ الفقر، ذو الثياب الرثة، والحال البائسة. لديها إحساس طبيعي وفطري بأن دموع البشر غالية، ويجب ألا يُسمح لها بالإنهمار. هزتها صورة البؤس الإنساني:
"من شقوة في الروح إنا نقتدي
بدموعهم، وثيابَهم قد نرتدي
ونغورُ في أعماقِ مرمىً تائهٍ
ترقيهم أشجاننا.. إذ نهتدي
ووجيب قلب واجف متنبىءٍ
خبر الزلازل نقتفيه ونفتدي"
فالقادري تختار مفرداتها بتروٍ وتؤدة، نجاحُها وتميزها، وتألقها لم يأت ذلك كله بضربة حظ، أو خبط عشواء؛ إنها المَلَكةُ والموهبة، إنها الثقافةُ الواسعة؛ بل والموسوعية التي سخرها المولى عز وجل لتقوم برفد المكتبة الأدبية بنفائس الأعمال من نثر وشعر. حقًا، الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارًا؛ بل ورثوا العلم، أو كما قال عليه السلام.
تم التركيز في هذا المقال على النزعة الرومانسية لدى شاعرتين عظيمتين: الأمريكية إيميلي دكنسون، والسورية فائزة القادري. كلاهما مبدعة وتستحق الثناء والتقدير. مجال الكتابة لديهما كثير، لكننا في هذا المقال تم التركيز على النزعة الرومانسية لديهما، وقد اجادتا في ذلكم المجال.
يونس عودة- الاردن
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف