الأخبار
(حماس): قدمنا رداً إيجابياً وجاهزون للدخول فوراً في مفاوضات حول آلية التنفيذلماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسط
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حلمٌ أم علم بقلم أ. علاء أبو جحجوح

تاريخ النشر : 2020-06-18
هيا نغادر يا زميلي العزيز مكان المواجهة على الحدود, فالأمر مطمئن، تلملم أشياءها تستعد للمغادرة، وفجأة تسمع صوتاً يتألم، يناديها قرب الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والاحتلال الصهيوني، يصرخ بعلو صوته أنقذيني... يكرر النداء مرات عدة  أرجوكِ لا أشعر بقدميّ... يناشد من في السماء والأرض، يحاول إنقاذ نفسه يعتمد على يديه بين التلال, والأعشاب لينجو بحياتهِ، نحومكانٍ آمن، يتقدم قليلاً يشعر بخفة وزنه، يحمد الله الذي سَخر له من ينقذه دون أنيراه، فتعجب من ذلك الأمر بما فيه من خفة في جسده، يتلفُّت خلفه، فالمسافةُ طالت بينهما، فجسمه العلوي ينادي السفلي، لكن الوقت لا يسمح بأن يصطحبه معه, ويصعب عليه ذلك، يصرخ بقهرٍ, تهتزّ الأشجار، يقتلَع الأعشاب من طينها، تتطاير حبات الرمل باتجاه صوته، يناشد الكائنات كلها...أين تنظرين ؟!، أنا هنا قرب السياج  الفاصل، فيشير نحو قدميه ...
ــ (رزان)  أنا أراك، لا تحرك جسدك، كن ثابتاً... أنا بطريقي إليك، تستأذن جنود الاحتلال من مسافة بعيدة عن السلك الفاصل، تخاطبهم لا أريد فعل شيءٍ غير إنقاذه... إنه يموت، لا أمتلك الحجارة، فأنا مسعفة كما ترون ثيابي (ملاك الرحمة) يطلقون رصاص ناراً بالهواء, كي لا تقترب منه, يناشدها مرة أخرى بصوت ضعيف,متقطع, و متمايل,  تتجاهل ( ملاك الرحمة ) الجنود تتجه نحوه، تعطيه تعليمات أولية من بعيد، كي تنقذ حياته، تتفقد أعضاءه، ما هذا أين قدميك ؟! يشير نحو زهر الحنون الصامدة في وجه الدبابة تضع يديها تحت رأسه، تطمئنه الأمر بخير... أرجوك ساعدني, تأمنه بسيارة الإسعاف ترجوهم أن يسرعونه به للمشفى, إنهم يتربصون بنا, تستفزُّ أحد الجنود شجاعتها, تقهرهم إنسانيتها... يختلف الجنود فيما بينهم...من سيصيب الهدف الأول، لم تنتظر إحدى المجندات قرار من يطلق الرصاص بالأول نحوها، وبحقد شديد تخترق الرصاصات صدرها، تغادر الشمس يوم صيامها, يُرفع الآذان.
ــ ليس من عادتها التأخر عن البيت !, ألم تتلقى أي اتصال منها ؟!  حاول مرة ثانية الاتصال بها أرجوك, لم أعُد أري قرص الشمس, لقد أقترب موعد الفطور, لقد عددت لها شرابها المفضل يا ترى أين أنتِ ؟! يتكرر السؤال ذاته, بنين مسافة المطبخ وسفرة الإفطارعلى لسان أمها, تقرأ تفاصيل زوجها المنهارة, أرجوكَ توقف عن أخباري , فأنا أمها لم أشعر بذلك... أنا في علم أم في حلم .
ــ وانتشر كالريح في آذان المتعاطفين, لميكن وداعها وداعاً عادياً، بل كثرت به الشعارات المسموعة، والمقروءة، والمكتوبة المُزينة للجدران، وأخذت تتردد على الأفواه الغاضبة، واخترقت كخنجر القلوب الساكنة، لتدب بها الروح من جديد ، لكن الوداع لم يطل، وكلما ابتعدت عن راصد العين، تلاصقت الصدور، وتدافعت الأقدام، وحناجر الآلاف من المودعين أصبحت كَحنجرة رجل واحد، يردد اسمها... فالأمر غير مصدق، لقد اقترب الجزء الأخير من مشهد الوداع مع وضع البلاطة الأخيرة فوقها، الفاصلة بين باطن الأرض ومن عليها، فالمسافة بينها وبينهم أصبحت بعيدة, فالوجوه المستقبلة غير الوجوه المألوفة لها، والأجسام كذلك، والمنادون أيضاً، يختلفون عن دنياها التي غادرتها للتو، حالة  من الدهشة والاستغراب تهز جسدها، تمسك رأسها،تحتضن نفسها، تضع يديها على خديها، منبهرة مما هي فيه، تتضح لها تلك الصورة الجذابة ذات الأبعاد المترامية، صوت شهيق وزفير ناعم، يعلو من بين شفتيها المتقاربتين، من عظمة المكان, واللون الأبيض الساطع، وحبات البرد المتساقط، والورود المتفتحة بأشكالها، يملأ  بيتها الصغير، تسأل نفسها مئة مرة في الدقيقة الواحدة، تجيب عن تساؤلاتها باختصار، أنا في علم أم في حلم ؟!، فالأمر غير مستوعب بعد، وبكل حرص، ودقة المتأمل بما هو جديد، تتقدم ببطءٍ شديد لا يتجاوز المتر الواحد، تدور حول نفسها دون إرادتها، تشعر بخفة وزنها، تعلو تدريجياً كالفراشة، تنظر فوق رأسها تحت قدميها، تحسُّ أطرافها، تُفرد يديها تنظر إليهما، تشهق نفساً عميقاً يدخلها في استرخاءٍ تكاد أن تنام، تطير بفضاء بثوب أبيض متلألأ، متوجة الرأس بالورد ذي الألوان المتعددة، ورائحته الفواحة، تقطف ما تشتهي من ثمرالبساتين، تمشي على بساطٍ ذهبيٍ على سطح نهرٍ طويل، تبتسم للمهنئين تحييهم، ينحنوا أمامها، تشير بيدها، تشكرهم لاستقبالها... لكنها تجهل أشكالهم تماماً، فالوجوه غير المعتادة عليهم، تُحملُ بين أيديهم، يعلو بها، تغمض عينيها... تشتمّ رائحةَ عطرٍ من بعيد، تزداد شوقاً وعشقاً وفرحاً... لما هو آت، تصغي  لِزقزقة العصافير كلما ازداد عُلوها... يا إلهي  تكررها مرات عدة بشغفً، تُضع من بين أيديهم على أول الطريق، تَحضن من الصغار حولها، أكُل هذا لي من ثمرٍ وأنهارٍ، هل أنا في علم أم في حلم .
ــ تسألهم ( رزان ) بهدوءٍ وخجل كعادتها من أنتم ؟ . ـ
ـ تكرر ذات السؤال ؟!, لا يجيب عن سؤالها أحد سوى سمفونية  تبدأ باستقبالها الرسمي، يتقدم خطوات ( رزان ) صغار ذو أجنحة تطير، ومن يدٍ ليد تصل لقصرها المعمور، أهلا وسهلاً بك يا عروسة الليلة, اجلسي على فراشٍ من حرير، فلك فيها ما تشتهين. ـ
ــ رزان : عذراً هل سبق أن تقابلنا ؟! فإذاً لماذا الترحيب الملوكي بي ؟!، فكل من حولها يقدم ما أُمر به ... إذن دعني وشأني سأفيق مما أنا فيه، لقد قضيت معكم حلماً جميلاً ... لم أكن أتخيل ما تم استنشاقه على الحدود في مسيرات العودة من غاز مسيل للدموع أدخلني في عالم جديد ...
ــ لكن( رزان) لم تكن تعلم أنها غادرت الحياة للتو, وهذه كرامات وإنها بعلمٍ ليس بحلم، تاركةً خلفها من أحبتهم، وكُلَ المواعيد، وتعتقد أنها سَتفيق من غيبوبتها، وستدرك الأشياء كلها تشكرهم مرة ثانية لاستقبالهم لها, يا إلهي الوقت يمضي، دلني على الطريق، هل أتجه يميناً أم يساراً, لقد وعدت أمي أن أكون حاضرة على مائدة الإفطار, ليوم الصيام الأول في شهر رمضان الكريم، سأذهب قبل أن يرفع الآذان, لم تقل أين أتجه يميناً أم يساراً, فيطيب لي تناول الطعام، شراب الخروب، لقد أعدّته لي شخصياً، يا لها من أمٍ حنون...
ــ أدركت ( زران ) أنها بعلم وليس بحلم, وما كانت به من استقبال ملوكي، ليس من أثر الغاز المسيل لدموع، ولن تقف هذا المساءعلى يدي أُمها في غسل الصحون، ولم يروي عطش صيامها شراب الخروب .ـ
ــ هل الأمر أصبح محسوماً يا ليلى ؟.ـ
ــ ليلى :  نعم  إنه كذلك يا رزان .
ــ فجدتي اصطحبتني معها يوم العودة، فارتجفت أجسام العدو من لهّايتي، فكنت هدفاً قبل جدتي، وكم تمنيت أن أكبر بين يدي أمي... وتعطيني كلَّ ما وعدتني به يوم ميلادي...، استريحي  يا رزان فهذا قدر الله، وهذا مقامنا .
ــ تلتقط (رزان) أنفاسها من جديد, تنظرالى قصرها المعمور، وتشرب  الماء العذب، تستلقي على فراشها الحرير... تهلل فرحاً... تطير... تلهو... تنشد...
ــ قولي يا ليلى : أتعلمأمك بما أنت فيه الآن ؟.
ــ فلا يستطيع (عريسها) المنتظر يوم فرحهما, فعل شيء سوى قراءة الفاتحة عليها, وغرس الورد فوقها وسقيها بالماء, والجلوس حول قبرها، ورثائها بكلمات عشقاً، أناره عتمة السماء. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف