مداخل إلى النص السردي
د. عواد أبوزينة
من طبيعة النفس البشرية أنها تدرك أولا الصورة الكلية، وبعد ذلك قد تذهب إلى التدقيق في التفاصيل إن أثيرت، أو استرعى انتباهها شيء غير عادي، أو صادفت ما يهمها. هذا في العموم، أما إذا ذهبنا إلى دائرة الكتب في معرض للكتب، أو على رفوف إحدى المكتبات، او حتى إلى رصيف يعرض كتبا للبيع، أو نظرنا إلى مكتبتنا، أو إلى مكتبة أحد الأصدقاء، فإن عناوين الكتب وأغلفتها هما أكثر ما يشداننا إلى هذا الكتاب أو ذاك، أو يجعلاننا نمر إلى كتاب آخر، أو رف آخر.
عنوان الكتاب وغلافه يمثل أهم مكونين من مكونات هوية الكتاب، فكما يحمل كل منا هويته الشخصية التي تميزه عن غيره، وهو اسمه، فإن عنوان الكتاب خاصة هو هويته وما يفرق بينه وبين غيره، حتى إذا تطابقت العناوين (الأحكام السلطانية مثلا) لجأنا إلى مميٌِز آخر هو المؤلف.
أما الغلاف، وبخاصة لوحته، إن كان له لوحة، فإن لها وظيفة أخرى تتعاضد وتتكامل مع رسالة العنوان، وتلك الرسالة هي المفتاح الذي يُدخٕلنا إلى العمل الروائي، وغالبا هو ما يجعلنا نقرر شراء تلك الرواية وقراءتها.
هل لهذين المكونين، العنوان واللوحة، أهمية غير كونهما يدلان على هوية الكتاب/الرواية؟ هل للرواية الفلسطينية خصوصية فيما يتعلق بالعنوان خاصة؟
أحسب أن للرواية الفلسطينية خصوصية في العنونة، وتلك الخصوصية هي حضور المكان في العنوان، ولا نكاد نجد مدينة إلا وذكرت في عناوين الروايات الفلسطينية، بالإضافة إلى حشد كبير من الأمكنة والمواقع الفلسطينية في متن الروايات منذ ما يقرب من قرن من الزمان.
كنت قد ذكرت في دراسة لي سابقا أن المكان ذو حضور في عنوان الرواية الفلسطينية وبخاصة بعد ١٩٦٧. (عائد إلى حيفا، عكا والملوك، برج اللقلق، المسكوبية، رام الله، وباب الساحة، يافا تعد قهوة الصباح، جسر بنات يعقوب، السيدة من تل أبيب ...الخ)، وأشرت إلى تعلق الروائي الفلسطيني بالمكان المفقود في هذه الروايات. وذلك أمر مفهوم.
وقد اشتبك الدكتور عادل الأسطة والروائي حسن حميد على الأقل حول الكتابة عن المكان، وحضوره في العمل الروائي وحضور الروائي في المكان.
أعتقد أن مدخل العتبات من القضايا النقدية التي تتجاوزها كثير من الدراسات التي عرضت للرواية الفلسطينية، وبخاصة العنوان، مع أن كتاب جيرار جينيت (العتبات) منشور بالعربية منذ زمن بالإضافة إلى كتب ومقالات أخرى كثيرة.
إن مكونات الغلاف هي أول ما يواجه القارئ وأول ما تقع عليه عين الناظر. ولعل أبرز ما في صفحة الغلاف هو عنوان الرواية، ذلك انه نص مقروء بيسر وسهولة على مستوى المعنى المباشر، وإن كان خلف ذلك المعنى المباشر دلالات أخر.
كما ان لوحة الغلاف، حين توجد، تلفت نظر القارئ كما العنوان، ولكن فهمها يحتاج إلى وقت أطول لتحليل عناصرها وإدراك دلالات تلك العناصر.
أما بقية مكونات الغلاف فقد تكون أقل أهمية في فكفكة ألغاز القصة أو الرواية وأحاجيها وخدعها.
ويبقى السؤال المهم: ما العلاقة بين هذين المكونين (العنوان واللوحة او الصورة) وبين محتوى العمل السردي المنجز؟.
تلك قضية لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد أن يقرأ القارئ الكلمة الأخيرة في ذلك العمل، حتى وإن وصل إلى الجواب قبل ذلك، لكي يكون الاستنتاج والتفسير دقيقا، لان العلاقة التوافقة أو الخلافية قد لا تكون ظاهرة، بل يحتاج العمل إلى تدقيق وتأويل.
د. عواد أبوزينة
من طبيعة النفس البشرية أنها تدرك أولا الصورة الكلية، وبعد ذلك قد تذهب إلى التدقيق في التفاصيل إن أثيرت، أو استرعى انتباهها شيء غير عادي، أو صادفت ما يهمها. هذا في العموم، أما إذا ذهبنا إلى دائرة الكتب في معرض للكتب، أو على رفوف إحدى المكتبات، او حتى إلى رصيف يعرض كتبا للبيع، أو نظرنا إلى مكتبتنا، أو إلى مكتبة أحد الأصدقاء، فإن عناوين الكتب وأغلفتها هما أكثر ما يشداننا إلى هذا الكتاب أو ذاك، أو يجعلاننا نمر إلى كتاب آخر، أو رف آخر.
عنوان الكتاب وغلافه يمثل أهم مكونين من مكونات هوية الكتاب، فكما يحمل كل منا هويته الشخصية التي تميزه عن غيره، وهو اسمه، فإن عنوان الكتاب خاصة هو هويته وما يفرق بينه وبين غيره، حتى إذا تطابقت العناوين (الأحكام السلطانية مثلا) لجأنا إلى مميٌِز آخر هو المؤلف.
أما الغلاف، وبخاصة لوحته، إن كان له لوحة، فإن لها وظيفة أخرى تتعاضد وتتكامل مع رسالة العنوان، وتلك الرسالة هي المفتاح الذي يُدخٕلنا إلى العمل الروائي، وغالبا هو ما يجعلنا نقرر شراء تلك الرواية وقراءتها.
هل لهذين المكونين، العنوان واللوحة، أهمية غير كونهما يدلان على هوية الكتاب/الرواية؟ هل للرواية الفلسطينية خصوصية فيما يتعلق بالعنوان خاصة؟
أحسب أن للرواية الفلسطينية خصوصية في العنونة، وتلك الخصوصية هي حضور المكان في العنوان، ولا نكاد نجد مدينة إلا وذكرت في عناوين الروايات الفلسطينية، بالإضافة إلى حشد كبير من الأمكنة والمواقع الفلسطينية في متن الروايات منذ ما يقرب من قرن من الزمان.
كنت قد ذكرت في دراسة لي سابقا أن المكان ذو حضور في عنوان الرواية الفلسطينية وبخاصة بعد ١٩٦٧. (عائد إلى حيفا، عكا والملوك، برج اللقلق، المسكوبية، رام الله، وباب الساحة، يافا تعد قهوة الصباح، جسر بنات يعقوب، السيدة من تل أبيب ...الخ)، وأشرت إلى تعلق الروائي الفلسطيني بالمكان المفقود في هذه الروايات. وذلك أمر مفهوم.
وقد اشتبك الدكتور عادل الأسطة والروائي حسن حميد على الأقل حول الكتابة عن المكان، وحضوره في العمل الروائي وحضور الروائي في المكان.
أعتقد أن مدخل العتبات من القضايا النقدية التي تتجاوزها كثير من الدراسات التي عرضت للرواية الفلسطينية، وبخاصة العنوان، مع أن كتاب جيرار جينيت (العتبات) منشور بالعربية منذ زمن بالإضافة إلى كتب ومقالات أخرى كثيرة.
إن مكونات الغلاف هي أول ما يواجه القارئ وأول ما تقع عليه عين الناظر. ولعل أبرز ما في صفحة الغلاف هو عنوان الرواية، ذلك انه نص مقروء بيسر وسهولة على مستوى المعنى المباشر، وإن كان خلف ذلك المعنى المباشر دلالات أخر.
كما ان لوحة الغلاف، حين توجد، تلفت نظر القارئ كما العنوان، ولكن فهمها يحتاج إلى وقت أطول لتحليل عناصرها وإدراك دلالات تلك العناصر.
أما بقية مكونات الغلاف فقد تكون أقل أهمية في فكفكة ألغاز القصة أو الرواية وأحاجيها وخدعها.
ويبقى السؤال المهم: ما العلاقة بين هذين المكونين (العنوان واللوحة او الصورة) وبين محتوى العمل السردي المنجز؟.
تلك قضية لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد أن يقرأ القارئ الكلمة الأخيرة في ذلك العمل، حتى وإن وصل إلى الجواب قبل ذلك، لكي يكون الاستنتاج والتفسير دقيقا، لان العلاقة التوافقة أو الخلافية قد لا تكون ظاهرة، بل يحتاج العمل إلى تدقيق وتأويل.