الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلم الأمريكي بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-06-12
الحلم الأمريكي بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
الحلم الأمريكي

( عادل بن مليح الأنصاري )

ليس غريبا أن تفرض أمريكا على العالم الكثير من سطوتها العسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية , فالأمريكان زرعوا في أذهان الغير الكثير من المصطلحات والسلوكيات حتى وإن كانت خاطئة أو حتى مستهجنة , فأمريكا تمتلك القوة العسكرية والمالية والأهم من ذلك كثيرا القوة الإعلامية بكل وسائلها , فهوليود استطاعت على مدى عشرات السنين من غرس وبث الكثير من توجهات أصحاب القرار الأمريكي ومنظريهم بمختلف اهتماماتهم بما فيها الاستخباراتية وما يُعرف بتوجيه الرأي العام العالمي لما يريدون أو يخططون حاليا ومستقبلا , فلو شاهدنا بعض الصور والمقاطع للعالم في كل مكان لن نجد صعوبة في ملاحظة التغيرات التي طرأت على المجتمعات في كل مكان , فالأخلاق الشخصية عموما وآداب اللبس والحديث والتعامل كانت تتخذ طابعا راقيا نسبيا , ويمكن إثبات ذلك بسهولة في مراقبة المشاهد القديمة من السينما العالمية أو البرامج الوثائقية القديمة أو حتى المقاطع الخاصة التي تجد طريقها للنشر , فالملبس والتعامل مثلا يبدو واضحا فيه نوع من الرقي وخاصة في حواضر المجتمعات , وربما استطاعت أمريكا في السنوات الأخيرة ومنذ سيطرت هوليود على الحالة الاجتماعية والفكرية والأخلاقية للكثير من شعوب العالم , بدأت تلك الشعوب في التفاعل مع ما يشاهدونه يوميا من مخرجات تلك الشركات العملاقة , وسواء أكانت موجهة قصدا من قبل الماسونية العالمية أو من قبل بعض أصحاب الثروة أو المنظرين أو الملحدين وكل ما يمكن أن يقال , إلا أن النتيجة واحدة , فقد بدأ الناس يتقبلون كل الأوضاع التي كانوا يرونها شاذة ذات زمن , ففي الأفلام القديمة من هوليود بدأ كل شيء بالتدرج فالعري والجنس والجريمة وتجميل وجه المجرمين والقتلة بأفعال بطولية تعبث في أفكار الناس وخاصة الأجيال المراهقة لعبت دورا هادما لتلك الصور الاجتماعية التي كانت سائدة في كثير من مجتمعات العالم , فأخذ مبدأ العري وتقبل العلاقات الجنسية المحرمة وعلاقات الحب التي غُلفت بأشكال رومانسية احترافية مع اللعب بعواطف الناس بالموسيقى والتعابير البشرية المحببة , تقبل الناس شيئا فشيئا تلك الممارسات التي كانت يوما ما خادشة للحياء , فالعري بدأ بإظهار الملابس القصيرة والتي كانت تقصر شيئا فشيئا كل يوم حتى وصلوا للعري التام وتصوير حتى الممارسات الجنسية الفاضحة التي لم تعرف إلا في غرف النوم , وهكذا بالنسبة لتلاشي الكثير من المسلمات , فاللصوص والقتلة أصبحوا نجوم المجتمع لأن أداؤهم يتخذ أشكال محببة وبطولية من شجاعة وتهور وسرقة المجتمع عن طريق تصوير البنوك والشركات ككيانات رأسمالية تسببت في فقر الناس , فبدأ المجتمع وخاصة الشباب يعجبون بأولئك اللصوص الذين يأخذون بمشاعرهم الثأرية نحو تلك المؤسسات التي ساهمت في إفقارهم , وانتشرت الجريمة والعنف وحتى القتل بعد أن ترسخت تلك الثقافة في نفوس الناس وخاصة الشباب المحبط والضائع والذي يبحث عن أي دور من أدوار البطولة والخلاص من وضعه البائس , فتشكلت العصابات وتطورت أساليب الجريمة نتيجة لما يتلقاه الناس من توجيهات ومشاهد أفلام هوليود وغيرها , وبدأت أمريكا بأدواتها مثل هوليود ونجومها بتغيير وجه العالم والمجتمع بمرور السنوات , فأصبح البطل والشهيد الذي يدافع عن ارضه وبلده إرهابيا , وأصبحت المخابرات الأمريكية وال FBI مجموعة من الأبطال محاربي الجريمة وقاتلي الإرهابيين , ومع الوقت تعاظمت أدوار السينما العالمية وعلى رأسها هوليود , فأصبح البغاء تجارة والمثلية حرية شخصية , والجريمة مهما كانت بشاعتها يمكن الفرار من تبعيتها بمجرد توفر محام ذكي , والتحايل على الشركات والبنوك والتأمين أصبح سهلا بما تقدمه تلك الأفلام من توجيه ودروس , ثم أخيرا تحطمت أسوار الأسرة , وتشرب الأبناء والفتيات من ثقافة هوليود كأس التنمر والاعتراض وحتى عصيان الوالدين وترك المنزل عند بلوعهم سن معين , وانتشر الإجهاض بين الفتيات والحمل خارج الزوجية وتعدد العلاقات وانتشار الطلاق , والكثير من عظائم الأمور , ليس مبالغة لو قلنا أن كل تلك المصائب هي نتيجة مباشرة لتوجيه المجتمع والشباب من قِبل تلك الشركات السينمائية وعلى رأسها هوليود , ولم تسلم حتى البرامج الوثائقية التي ينبغي لها أن تكون محايدة وعلمية من تلويث التاريخ وتوجيه بعض البرامج لزرع أفكار غير صحيحة تخدم أهداف القائمين عليها وليس خدمة للحقيقة والتاريخ , وربما من أكثر الصور تشويها من قبلهم هب تصوير الإسلام كدين إرهاب , وأن المسلمين عبارة عن إرهابيين ودينهم يوجههم إلى ذلك , وهذا قليل من كثير , فسينما أمريكا بقيادة هوليود غيرت كثيرا من مجه العالم وعادات المجتمع العالمي عبر عشرات السنين , وصاغته بما يرغبون وبدراسة وتفكير مسبق , وما زالوا يحاولون أكثر وأكثر , ربما يريدون أن يغرسوا في عقول البشر أن العالم الحقيقي والصحيح هو كما يصوروه للعالم , والنتيجة النهائية يصبح العالم تابعا وينصبهم كآلهة تُعبد مع مرور الأيام .

العنصرية اليوم التي تضرب نتائجها المدن الأمريكية هي جزء من تلك اللعبة التاريخية , فمقتل جورج فلويد ليس إلا حلقة من ذلك المسلسل التاريخي القذر , فأمريكا فيها الأصفر والأحمر والأسمر والهندي والصيني والأسود , فلماذا يتضخم شعور العنصرية عند السود دون غيرهم , هل لأنه من السهل التعرف عليهم بسبب لونهم ؟ طبعا مستحيل فالصينيين والكوريين لا يختلفون كثيرا من حيث سهولة التمييز , ولكن العقلية الأمريكية موجهة من قبل شركات السينما وخاصة هوليود من عشرات السنين , فأفلام استقدام العبيد من أفريقيا والوحشية في التعامل معهم , واضطهادهم , والتمييز ضدهم في المطاعم والمقاهي والمدارس والجامعات وحتى في مواقف الحافلات , هي إرث ثقافي أمريكي قديم , وهناك العشرات من الأفلام العالمية التي أخذت الأوسكار مليئة بتلك العنصرية القذرة , ولا يمكن لنا هنا أن نورد عشرات الأمثلة لتلك الأفلام وحتى الممارسات العنصرية فيها , ولكن المهم أن العنصرية الأمريكية ضد السود هي سلوك غير أخلاقي مقصود ومنظم وساهمت فيه أمريكا عبر كل الوسائل المتاحة , فأمريكا قديما جلبتهم من أفريقيا حيث كانوا يتمتعون بحريتهم وسمواتهم الصافية وأراضيهم الغنية الرحبة لأنهم وجدوهم فقراء جاهلين بعيدين عن قذارة الحضارة الغربية , فجلبتهم بالحديد والنار والبنادق والسلاسل , وحشرتهم في أقبية السفن وكأنهم مخلوقات وضيعة , فمات من مات ووصل من وصل لعالم العبودية والاضطهاد والمعاملة غير الإنسانية , لتتخذ منهم أنعاما بل أقل درجة من الأنعام ليعملوا في الأراضي والمنازل بعيدا عن الإنسانية في أقل معانيها , وأفلام هوليود تعج بتلك الحقائق التي لا يمكن إنكارها ومحوها من صفحات التاريخ , نعم العنصرية في أمريكا ثقافة مجتمع ودولة وتاريخ , يدفع السود ثمنه ظلما وبهتانا دون ذنب منهم .

إنها أمريكا العنصرية اليوم , وريثة أمريكا العنصرية بالأمس , ولا جديد في أخلاقياتها , هي وإن كانت تعامل السود بعنصريتها القذرة , فهي تعامل الجميع بعنصرية قذرة خفية أشد ضراوة وقذارة , فلا حلم في هذا العالم إلا ذلك الحلم الذي زرعته هوليود في عقلياتنا وثقافتنا الحالية (الحلم الأمريكي) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف