
خفايا “جوابات قصر الدوبارة”
“جوابات قصر الدوبارة” رواية يهديها الكاتب عبد الرحمن عباس، لمن أنصفتهم الأديان، وظلمتهم العادات والتقاليد، في منظومة تضيع الحب، وتدمر قلوب العاشقين.
وعن اسم الرواية يُرجع الكاتب اختياره إلى آداة رئيسية، ضمن أدوات بناء روايته، وهي “الجوابات” أو الخطابات المتبادلة بين بطليّ الرواية “يوسف وغادة”، حيث رآها أول مرة داخل الكنيسة، فمنعه خجله عن البوح بمشاعره، فكانت الجوابات لسانه المعبر، ومع أحداث الرواية نجد أن البطلة قد آثرت استمرار
التواصل عبر هذه الجوابات.
ذلك بالإضافة إلى الكنيسة الرمز، كنيسة “قصر الدوبارة” التاريخية، بعراقتها وما شهدته من تاريخ مصر، وتعاقب الدهر عليها.
الرواية بها من التجديد ما ليس في كثير من أقاصيص تلك الأيام، فتناولت موضوعات متفرعة على موضوعها الأصليّ – القصة التي جمعت بين يوسف وغادة – بأسلوب مشوق للغاية، غلبت عليه العملية الروائية بصورة واضحة، فجاءت الأحداث متماسكة،
ومترابطة في سردٍ قويّ جمع بين أكثر من موضوع في دائرةٍ واحدةٍ.
جاءت لغة الرواية قوية، تبدي براعة الكاتب في اختيار الألفاظ من غير إيثار للألفاظ الجمالية على حساب الألفاظ التي تليق بمقام الخطاب.
جدير بالذكر أن “جوابات قصر الدوبارة” رواية للكاتب عبد الرحمن عباس، صادرة عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع – مصر، عام ٢٠١٩ في طبعتها الأولى، وشاركت في عدد
من المعارض الدولية والعربية.
------------------------------
اقتباس من الرواية:
قمت من مقعدي فورَ أن تذكرت أمي، ستكون قلقةً، هذا أمرٌ لم يُساورني فيه شك لذلك أردت أن أطمئنها، ولكنَّ العقبة الآن أني لا أريد أن يعرف أحدّ عني شيئًا، كيف أَطمْئنُ تلك المرأة التي طالما دعت الرب أن يحميني، حتى أعطتني الصليبَ في أول يوم دراسيٍ ليحرسَني ولم أتركه حتى الآن. فاهتديت إلى فكرةٍ
ستمكّنني من هذا، قمت على إثرها بطلب هاتف البيت، دقائقٌ حتى جاء صوتُ أمي مليئًا بالحزن، وبكلماتٍ تخرج متثاقلةً تسأل مَنِ المتصل؟، يبدو عليها الانكسار، فأنا أعرفها جيدًا حين تكون مشرقةً وحين تبهت. كدت أنهار، حيثُ كنتُ سأخبرها أني “يوسف”، إني أشتاق إليها، إلى لمسة يدها ودعوة “مريم العذراء”، تمالكتُ نفسي، ورددت عليها بعد أن غيّرتُ نبرة صوتي مقدمًا نفسي باعتباري موظفًا في السفارة المصرية وبكلماتٍ مقتضبة أخبرتها أنَّ ابنها ما زال حيًّا ولكنَّ الاتصال ممنوع. لم أعطِ نفسي فرصة أنْ أبقى أكثر من ذلك، وأغلقت الهاتف بعد أن سمعتها تُتَمتمُ على الناحية الأخرى:
– نشكرُ الرب.
أسبوعٌ من الآن، هل يمكن أن أستمتع باليونان وبيت “دالاس” الرجل اليونانيّ الذي يعمل في تشغيلٍ آلافٍ الهاربين من الموتِ مقابل نصف ما يأخذونه. هكذا سألتُ نفسي قبل أنْ أتفحّصَ البيت. صغيرٌ وأنيقٌ وحضاريّ تمامًا مثل بيوت “أثينا” ذلك قبل أنْ أخرجَ منه لأعلم أنه في ميدان “موناستيراكي”. “أثينا”
الهادئة ليلًا تحولت إلى خلية نحل لا يهدأ فيها أحد خاصة في هذا الميدان القابع في وسط منطقة السوق القديم.. الحوانيت الصغيرة ما زالت ثقاومُ زحف الحداثة.
بقلم هيام فهيم
“جوابات قصر الدوبارة” رواية يهديها الكاتب عبد الرحمن عباس، لمن أنصفتهم الأديان، وظلمتهم العادات والتقاليد، في منظومة تضيع الحب، وتدمر قلوب العاشقين.
وعن اسم الرواية يُرجع الكاتب اختياره إلى آداة رئيسية، ضمن أدوات بناء روايته، وهي “الجوابات” أو الخطابات المتبادلة بين بطليّ الرواية “يوسف وغادة”، حيث رآها أول مرة داخل الكنيسة، فمنعه خجله عن البوح بمشاعره، فكانت الجوابات لسانه المعبر، ومع أحداث الرواية نجد أن البطلة قد آثرت استمرار
التواصل عبر هذه الجوابات.
ذلك بالإضافة إلى الكنيسة الرمز، كنيسة “قصر الدوبارة” التاريخية، بعراقتها وما شهدته من تاريخ مصر، وتعاقب الدهر عليها.
الرواية بها من التجديد ما ليس في كثير من أقاصيص تلك الأيام، فتناولت موضوعات متفرعة على موضوعها الأصليّ – القصة التي جمعت بين يوسف وغادة – بأسلوب مشوق للغاية، غلبت عليه العملية الروائية بصورة واضحة، فجاءت الأحداث متماسكة،
ومترابطة في سردٍ قويّ جمع بين أكثر من موضوع في دائرةٍ واحدةٍ.
جاءت لغة الرواية قوية، تبدي براعة الكاتب في اختيار الألفاظ من غير إيثار للألفاظ الجمالية على حساب الألفاظ التي تليق بمقام الخطاب.
جدير بالذكر أن “جوابات قصر الدوبارة” رواية للكاتب عبد الرحمن عباس، صادرة عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع – مصر، عام ٢٠١٩ في طبعتها الأولى، وشاركت في عدد
من المعارض الدولية والعربية.
------------------------------
اقتباس من الرواية:
قمت من مقعدي فورَ أن تذكرت أمي، ستكون قلقةً، هذا أمرٌ لم يُساورني فيه شك لذلك أردت أن أطمئنها، ولكنَّ العقبة الآن أني لا أريد أن يعرف أحدّ عني شيئًا، كيف أَطمْئنُ تلك المرأة التي طالما دعت الرب أن يحميني، حتى أعطتني الصليبَ في أول يوم دراسيٍ ليحرسَني ولم أتركه حتى الآن. فاهتديت إلى فكرةٍ
ستمكّنني من هذا، قمت على إثرها بطلب هاتف البيت، دقائقٌ حتى جاء صوتُ أمي مليئًا بالحزن، وبكلماتٍ تخرج متثاقلةً تسأل مَنِ المتصل؟، يبدو عليها الانكسار، فأنا أعرفها جيدًا حين تكون مشرقةً وحين تبهت. كدت أنهار، حيثُ كنتُ سأخبرها أني “يوسف”، إني أشتاق إليها، إلى لمسة يدها ودعوة “مريم العذراء”، تمالكتُ نفسي، ورددت عليها بعد أن غيّرتُ نبرة صوتي مقدمًا نفسي باعتباري موظفًا في السفارة المصرية وبكلماتٍ مقتضبة أخبرتها أنَّ ابنها ما زال حيًّا ولكنَّ الاتصال ممنوع. لم أعطِ نفسي فرصة أنْ أبقى أكثر من ذلك، وأغلقت الهاتف بعد أن سمعتها تُتَمتمُ على الناحية الأخرى:
– نشكرُ الرب.
أسبوعٌ من الآن، هل يمكن أن أستمتع باليونان وبيت “دالاس” الرجل اليونانيّ الذي يعمل في تشغيلٍ آلافٍ الهاربين من الموتِ مقابل نصف ما يأخذونه. هكذا سألتُ نفسي قبل أنْ أتفحّصَ البيت. صغيرٌ وأنيقٌ وحضاريّ تمامًا مثل بيوت “أثينا” ذلك قبل أنْ أخرجَ منه لأعلم أنه في ميدان “موناستيراكي”. “أثينا”
الهادئة ليلًا تحولت إلى خلية نحل لا يهدأ فيها أحد خاصة في هذا الميدان القابع في وسط منطقة السوق القديم.. الحوانيت الصغيرة ما زالت ثقاومُ زحف الحداثة.
بقلم هيام فهيم