الأخبار
الاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطا
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حين يكون الإبداع رديف الوحدة والانعزال..في زمن كورونا بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2020-06-09
حين يكون الإبداع رديف الوحدة والانعزال..في زمن كورونا بقلم:محمد المحسن
حين يكون الإبداع رديف الوحدة والانعزال..في زمن-كورونا-
(عباقرة صنعوا التاريخ.. في الحجر الصحي)
مع الحجر الصحي الذي فُرِض في كثيرٍ من بلدان العالم لمحاصرة جائحة كورونا، طرح العديد منا السؤال نفسه: "ماذا سأفعلُ بكلّ هذا الوقت الذي أقضيه وحيداً في البيت..؟".
بل إنّ كثيرين مِمّن لهم ميولاتٌ أدبية وفنّية يشعرون بالعجز عن الكتابة وعن القراءة وعن الرّسم وعن الإبداع،في غيابِ رؤيا واضحة عن المستقبل الذي ستنتهي به هذه الأزمة،وتعود الحياة إلى ما كانت عليه من قبل.
لكنّ العزلة التي فرضها الحجر الصحي ليست سيئةً إلى ذلك الحدّ،بل ربّما كانت فرصةً للإبداع بعيداً عن ضجيج العالم، بخاصّة أنها قدّمت سابقاً روائع أدبية وفنّية للعالم،برهنت على أنّ الإبداع رديف الوحدة والانعزال.
كتّاب كثر،وأدباء وفلاسفة آثروا الوحدة من أجل البقاء وجهاً لوجه أمام بناتِ أفكارهم،وآخرون عايشوا الأوبئة والطواعين وفُرِض عليهم الحجر الصحي،لكنّهم لم يستسلموا وأخرجوا للعالم كتباً وإبداعاتٍ عالمية.
أعمالٌ تبيّن أنّ الإبداع يستطيع أن يبقى لصيقَ الإنسان حتى في أحلك أيّام الوحدة والعزلة والموت.
فرجينيا وولف..غرفةٌ تخصّ المرء وحده :
من لا يعرف "غرفة فرجينيا وولف"، هذه الكاتبة التي أسست للكتابة النسوية،وكانت واحدة من أهمّ الكاتبات في العالم اللواتي طرحن أسئلةً ورؤى تتعلّق بالنساء والإبداع؟
"غرفةٌ تخصّ المرء وحده".. كِتابُ وولف الذي اعتبره كثيرون "مانيفستو الكتابة النسوية"،يحمِل في تعبيرٍ صريح معاني العزلة والوحدة كطريقٍ أساسيّ للإبداع.وإذا كانت الكاتبة البريطانية قد اعتبرت في وقتٍ سابق أنّ الاستقلالية الاقتصادية واحدة من مقوّمات الكتابة الإبداعية عند المرأة، فإنّ امتلاكَ غرفةٍ خاصّة شرطٌ أساسي لهذا الإبداع. أن يُغلق الإنسان باب غرفته الخاصّة،ويبقى وحيداً مع أفكاره وكلِماته،بعيداً عن ضجيج العالم.
تقول في نهاية الكِتاب نفسِه: "إذا أرادت المرأة أن تكتب الأدب،فيجب أن تكون لها غرفة تخصّها وبعض المال".
فيكتور هوغو..العزلة هرباً من بطش السلطة:
عُرِف الكاتب الفرنسي بمواقفه السياسية الجريئة والتي تمظهرت بشكلٍ جليّ في أعماله الروائية والشعرية، وإن كانت هذه الأخيرة تحمل طابعاً اجتماعياً ورومانسياً، لكنّها انتقدت السلطة وحكم نابوليون الثالث آنذاك، ممّا جعل الكاتب عُرضةً للبطش والتهديد، فاختار أن يبتعد ويتنقّل بين المنافي بحثاً عن الأمان طيلةَ أكثر من عشرين عاماً.
لكنّ فترة المنفى الطافحة بالاغتراب والعزلة لم تكن بالنسبة إلى هوغو سوى فرصةٍ للانكباب على الكتابة والإنتاج الغزير، فأبدَع رائعته "البؤساء" التي كانت تأريخاً لفرنسا بعد الثورة (1789ـ1799)، وتحوّلت إلى واحد من أهمّ الأعمال الأدبية في أوروبا والعالم.
فريدا كالو..وجهاً لوجه مع الوجع :
عام 1925، تعرّضت فريدا كالو لحادث باص كان يقلّها إلى منزلها، واضطرّت معه إلى البقاء مستلقيةً على ظهرها لمدّةِ سنةٍ كاملة.
وطيلة هذه السّنة، كانت الفنّانة التشكيلية معزولةً وحدها في الغرفة تُحدّق في نفسِها في مرآةٍ معلّقةٍ في السّقف. كانت تلك البذرة الأولى لإبداعها الذي وصَل إلى العالمية.
في انعكاس وجهها في المرآة،رأت فريدا كلّ آلامها وأوجاعها وقلقها، فطلبت ريشةً وألواناً وأوراقاً، ثمّ بدأت في رسمِ هذا الألم الذي تمثّل في لوحاتٍ كثيرة، منها: "الغزالة المجروحة"، "شجرة الأمل"، "جذور" و"التفكير في الموت".
شكسبير.. الطاعون والموتُ صوراً للحبّ :
عندما ضرب الطاعون مدينة لندن عام 1592، وأُغلِقت المسارح، لم يستسلم الكاتب المسرحي الأشهر في العالم ويليام شكسبير، وانكبّ على كتابة المسرحيات بالإضافة إلى الشعر خلال فترة الحجر، ليُخرج للعالم أفضل أعماله مثل "كوميديا الأخطاء" و"ترويض الشرسة" و"خاب سعي العشاق" وغيرها.
وقد أتاح انتشار الوباء لشكسبير فرصةً لاستعمال صورٍ شعريةٍ عديدة ما كان ليراها لولا الطاعون، فالموتُ والخوف والتقرّحات على أجسادِ المصابين تظهرُ جلياً في كثيرٍ من أعماله مثلَ "فينوس وأدونيس"، "أنطونيو وكليوباترا" و"ماكبث".
لم يتوقّف تأثير الطاعون في أعمال شكسبير على الصور الشعرية، بل ألهم الكثير من قصص مسرحياته أيضاً، وبخاصّة مسرحيته الأشهر "روميو وجولييت" التي ذُكِر فيها "الطاعون" و"الحجر الصحي" وتنزّ منها رائحةُ الموت.
يُذكَر أنّ الوباء الذي ضرب لندن في أواخر القرن السادس عشر قتلَ أشقّاء شكسبير الأكبر منه سنّاً، بالإضافة إلى ابنه الوحيد هاملت.
أبو حامد الغزالي.. الانعزال للتأمّل في الذات والوجود :
قضى الفيلسوف والعالم المسلم أبو حامد الغزالي حياته منعزلاً،ومنحَ العالم تجربةً ملهمة في الاعتزال. كانت العزلة بالنسبة له فرصةً للتأمّل في الذات والحياة والوجود. فعبَر الفيافي وحيداً، هائماً على وجهه، باحثاً عن معنى الوجود، وعن الخلاص من الفِتن والشرور.
وبفضلِ العزلة،أخرج الغزالي موسوعته الضخمة "إحياء علوم الدين" التي حازت شهرةً وانتشاراً واسعَين، وأصبحت نُسَخه متوفّرة في كلّ مكتبات العالم.
ابن الوردي :
وكتب ابن الوردي -الذي عاش في حلب ودمشق وبلاد الشام- واصفا "الموت الأسود" الذي اجتاح العالم خلال منتصف القرن الرابع عشر من آسيا إلى الشرق الأوسط ثم إلى أوروبا.
وكان ابن الوردي في حلب عندما وصل الطاعون عام 1349 إلى هناك،وظل يفتك بالمدينة لمدة 15 عاما، مما أسفر عن موت حوالي ألف شخص كل يوم، ووصف حاله في أبيات كتبها قبل يومين من وفاته، قائلا:
ولستُ أخافُ طاعونا كغيري..فما هوَ غيرُ إحدى الحسنيينِ
فإنْ متُّ استرحتُ من الأعادي..وإنْ عشتُ اشتفتْ أذني وعيني
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ «كورونا» أجبرنا على أن نعيش عزلة جماعية ميزتها عدم شعورنا بالذنب والتقصير تجاه الآخ،جميعنا يؤمن أن العلاقات الاجتماعية القوية مهمة؛بل غاية في الأهمية للأداء المعرفي؛ كالانتباه والإدراك والذاكرة، والوظائف الحركية، ولتقوية المناعة، وإن الوحدة خطرة مثل خطورة بعض الأمراض المزمنة أو الخفية التي قد تؤدي للموت المفاجئ، كما تثبت ذلك الدراسات، لكن هذا ينطبق على الوحدة والعزلة الشديدة الإجبارية، مثل الوقوع في الأسر أو الوجود في دور الرعاية مع التعرض لسوء المعاملة أو السجون الانفرادية أو العزلة الطويلة، التي قد تؤدي للهلوسة والاضطرابات العقلية،لكن على الطرف الآخر هناك العزلة والوحدة اللتان توفران لك الانعزال الإيجابي الذي يحسن حياتك العملية والاجتماعية والنفسية !
إذ تسمح لك العزلة باكتشاف ذاتك ومدى علاقتك بالآخرين عكس ما كنت تتوقع، والغوص في الذاكرة، وتضميد جراح الماضي، واكتشاف المواهب،والتخطيط للمستقبل.
يقول جريجوري فيست؛عالم النفس،حب العزلة والاستقلالية من أبرز صفات المبدعين من علماء وفنانين؛ فالعزلة تتيح للمرء التفكر،وإمعان النظر اللازمين للعملية الإبداعية.
ويضيف، "يوجد خطر لدى الناس الذين لم يمارسوا الوحدة أو العزلة على الإطلاق". ومن الصعب أن تكون مسترخيا بشكل كامل، ومدركا لذاتك،ومتأملا في حياتك،دون ممارسة العزلة الاجتماعية من وقت لآخر.."
عزلتك تسمح لك بتشغيل منطقة في الدماغ أسماها العلماء "شبكة الوضع الافتراضي"، التي تساعد على تماسك الذاكرة وتمنحك فرصة للتركيز وتقوي شعورك بنفسك وبالآخرين، فتبدأ تشعر بهم وبأحاسيسهم رغم بُعدك عنهم، وكأنك تنظر إليهم عبر تليسكوب، والهدوء والسكينة التي توفرها لك العزلة تلهمك، وتنور دربك، لذا ترى الأنبياء والعباد والمتصوفين الحقيقيين يميلون إلى العزلة ليسبحوا ويتأملوا في ملكوت الله.
العزلة هي نوع من أنواع الصيام تعيد إليك حياتك التي فقدتها في زمن الزحام.
هي-في تقديري- أشبه بلحظات استعادة التوازن وترتيب أوراق الحياة وبناء المستقبل..
ومن هنا قد يولد الإبداع..من رحم العزلة..

محمد المحسن (كاتب تونسي)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف