فرخ البط عوّام
قبل عدة سنوات، دُعيت لإلقاء محاضرة حول القضيّة الفلسطينيّة في النادي الثقافي، خوسيه مارتي، في مدينة ميريدا المكسيكيّة، ذات الطقس المداري، والواقعة في الجنوب الشرقي لسواحل المكسيك المقابلة لجزيرة كوبا، في فم خليج المكسيك.
استقبلوني بحفاوة في النادي وفي المدينة، فالمحاضرة تأتي ضمن فعاليات ثقافية وفنّية وأدبية وسياسية تُقيمها رئاسة البلدية على مدى أسبوع كامل من النشاطات المتنوّعة المُتعدّدة، وفي أماكن مختلفة في الهواء الطلق وفي صالات ونوادي ومدارج مُغلقة.
أودّ أن أنوّه بأن النادي الثقافي في المدينة، وهو بناء جميل فسيح يحتوي على مرافق متعددة، يعود إسمه "خوسيه مارتي" الى بطل التحرر الكوبي، الشاعر والكاتب والفارس خوسيه مارتي، الذي يعتبره الكوبيّون "أبو الأمّة الكوبية" ومحررها من الإستعمار الإسباني كما هو حال المُحرّر سيمون بوليفر الذي حرر فنزويلا وكولمبيا والدول المحيطة. لذا فإن الإسم الرسمي لفنزويلا هو "جمهوريّة فنزويلا البوليفاريّة"، نسبة إليه.
الإستعدادات للمحاضرة جرت على قدم وساق، فقد غصّت القاعة الكبيرة بالحضور وإستقبلني على باب القاعة مسؤول الثقافة في المدينة ومديرة النادي الثقافي ووالدة رئيس البلدية، مضيّفنا.
بدأت بإلقاء محاضرتي والى جانبي على المنصّة مسؤول الثقافة. كانت تبدو على وجوه الحاضرين البسمة والإستحسان والإنصات التام لما أقوله، الى درجة أنه لو تم رمي إبرة على أرضية الصالة لسُمع صوت إصطدامها بالارضية.
فجأة ودون مُقدّمات سُمع صوت جلبة على باب القاعة شبه المُغلق، وإندفعت "مُقتحمة" من آخر الصالة إمرأة ستينية منكوشة الشعر الأشيب، طويلة القامة، نحيلة، تحمل في يدها "علم إسرائيل" وتصرخ بإسبانية مكسّرة، بلكنة إنجليزية أمريكية. لا أحد يعرف من أين ظهرت ولا كيف أتت.
تصرخ بكلام غير مفهوم لكنه كان سببا للتغويش على المحاضرة وإثارة زوبعة. وما أن أصبحت في صدر القاعة و"رشّاشها" بيدها، أقصد علم إسرائل وكأنها "مُحرّضة" في وسط مظاهره، إزداد صراخها.
كانت الصالة عن بكرة أبيها واجمة مندهشة مستنكرة "إقتحام" المرأة غير السلمي والعنيف لمحاضرة فكرية سياسية هادئة هادفة.
وقفت من بين صفوف الحاضرين شابة جميلة رصينة يندفع أمامها بطنها من تقدّم حملها، ربما في آخر شهر لحملها، و"زجرتها" قائلة: "أنت بلا حياء، تقتحمين محاضرة وتُدافعين عن قتلة الأطفال المُحتلين".
لأنّه في تلك الأثناء وقبل "دخول" المرأة الغريبة، كنت أشرح للحضور الكريم ممارسات القمع الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين العُزّل.
أشرت للمرأة "المُقتحمة" أن تجلس وأن تهدأ وسنتكلّم بعد إنتهاء المحاضرة، فإمتثلت لانها لم تجد الأجواء "العاصفة" التي أرادتها وأرادت إشعالها. كما أنّ صدّها من قبل "السيدة الحامل" وهمهمات الإستنكار من الحاضرين وإشارتي لها بأن تجلس أتت أكلها ومفعولها فجلست وطوت "علمها" ووضعته على فخذيها.
ما أن جلست "المُشاغبة" حتى توجّهت للحضور قائلا" "سيّداتي سادتي، لقد رأيتم بأمّ أعينكم كيف إقتحمت هذه المرأة المؤيّدة للإحتلال الإسرائيلي صالتنا، ونحن نتحدّث بصورة حضارية في صالتنا هذه على بُعد آلاف الكيلومترات من فلسطين المحتلّة. تصوّروا إذا كيف يقتحم جنود الإحتلال بيوتنا في منتصف الليالي ويروّع أطفالنا ويقمع نساءنا ويعتقل ويّعدم شبابنا.
"تحمّس" مسؤول الثقافة وإنطلق من جانبي صوب المرأة "الدخيلة" محاولا إخراجها عنوة من الصالة. فطلبت منه أن يُبقيها حتى تسمع، فمن المؤكّد أنّه مُغرّر بها وتتصرّف "كالروبوت".
حين أنتهاء المحاضرة توجّهت إليها وسألتها ماذا تُريدين؟؟ فأجابتني بأننا نحن الفلسطينيّون لا نُريد السلام مع إسرائيل بالرغم من أن نتنياهو يُعطينا دولة مستقلّة على حدود 67!!! هذا هو بيت القصيد في أكاذيب الصهاينة، فهم يشوّهون الحقائق. المرأة أمريكية وهكذا عبّأوها وشوّهوا مفاهيمها. فأجبتها أنا أشكرك إن أقنعت نتنياهو بالموافقة على إعطائنا دولة مستقلّة على حدود الرابع من حزيران عام 67. لكنه لا يريد السلام بأي شكل ولا بأي مفهوم، وإنما يعمل على كسب الوقت وتدمير عملية السلام. وغادرت "السيدة الأمريكية" القاعة بهدوء وسلام.
تقدّمت نحوي الشابة الحامل التي دافعت عن القضية الفلسطينية وتصدّت "للأمريكية" وبادرتني بضحكة خفيفة وبشكري، يا سعادة السفير، على هذه المحاضرة القيّمة والمفصّلة، خاطبتني بلهجة عربية مشرقية لبنانية جميلة، بلغة الضاد لغة أبي أحمد الفراهيدي وليس بلغة سرفانتيس، اللغة الكستانيّة (الاسبانية).
فأجبتها أنني أنا المدين بشكرها على وطنيّتها وشجاعتها في التصدّي للمرأة المُزعجة. وأخبرتني أن إسمها جلنار.
جدّة زوجها اللبناني تنحدر أصلا من مدينة ميريدا وهم "هي وزوجها وأمّها" يأتون كل عام الى المدينة لقضاء العطلة الصيفية ثلاثة اشهر وللتواصل مع الجذور هناك.
دعتني وزوجها إلى كافيتيريا متخصصة في تقديم البوظة في الهواء الطلق بجانب البوليفار الفسيح الذي يتوسّط المدينة، ذات الطقس المداري الحار الرطب. فأفضل شيء يمكن تناوله في هذا الطقس المداري طبق من بوظة الفواكه المُشكلّة.
إستمرّينا في الحديث ذو شجون. وفي لحظة نظر إلي زوج جلنار وقال لي باسما: "أتعرف سعادتك من هي جلنار؟؟ فأجبته بأنّه يشرّفني أن أعرف. فقال لي إنّها إبنة نجاح واكيم. السياسي اللبناني التقدّمي المُخضّرم.
فقلت له الآن وضحت الصورة "ففرخ البط عوّام"، و"هذا الشبل من ذاك الأسد". تحيّاتي وتحيّات فلسطين الى والدك نجاح واكيم.
قبل عدة سنوات، دُعيت لإلقاء محاضرة حول القضيّة الفلسطينيّة في النادي الثقافي، خوسيه مارتي، في مدينة ميريدا المكسيكيّة، ذات الطقس المداري، والواقعة في الجنوب الشرقي لسواحل المكسيك المقابلة لجزيرة كوبا، في فم خليج المكسيك.
استقبلوني بحفاوة في النادي وفي المدينة، فالمحاضرة تأتي ضمن فعاليات ثقافية وفنّية وأدبية وسياسية تُقيمها رئاسة البلدية على مدى أسبوع كامل من النشاطات المتنوّعة المُتعدّدة، وفي أماكن مختلفة في الهواء الطلق وفي صالات ونوادي ومدارج مُغلقة.
أودّ أن أنوّه بأن النادي الثقافي في المدينة، وهو بناء جميل فسيح يحتوي على مرافق متعددة، يعود إسمه "خوسيه مارتي" الى بطل التحرر الكوبي، الشاعر والكاتب والفارس خوسيه مارتي، الذي يعتبره الكوبيّون "أبو الأمّة الكوبية" ومحررها من الإستعمار الإسباني كما هو حال المُحرّر سيمون بوليفر الذي حرر فنزويلا وكولمبيا والدول المحيطة. لذا فإن الإسم الرسمي لفنزويلا هو "جمهوريّة فنزويلا البوليفاريّة"، نسبة إليه.
الإستعدادات للمحاضرة جرت على قدم وساق، فقد غصّت القاعة الكبيرة بالحضور وإستقبلني على باب القاعة مسؤول الثقافة في المدينة ومديرة النادي الثقافي ووالدة رئيس البلدية، مضيّفنا.
بدأت بإلقاء محاضرتي والى جانبي على المنصّة مسؤول الثقافة. كانت تبدو على وجوه الحاضرين البسمة والإستحسان والإنصات التام لما أقوله، الى درجة أنه لو تم رمي إبرة على أرضية الصالة لسُمع صوت إصطدامها بالارضية.
فجأة ودون مُقدّمات سُمع صوت جلبة على باب القاعة شبه المُغلق، وإندفعت "مُقتحمة" من آخر الصالة إمرأة ستينية منكوشة الشعر الأشيب، طويلة القامة، نحيلة، تحمل في يدها "علم إسرائيل" وتصرخ بإسبانية مكسّرة، بلكنة إنجليزية أمريكية. لا أحد يعرف من أين ظهرت ولا كيف أتت.
تصرخ بكلام غير مفهوم لكنه كان سببا للتغويش على المحاضرة وإثارة زوبعة. وما أن أصبحت في صدر القاعة و"رشّاشها" بيدها، أقصد علم إسرائل وكأنها "مُحرّضة" في وسط مظاهره، إزداد صراخها.
كانت الصالة عن بكرة أبيها واجمة مندهشة مستنكرة "إقتحام" المرأة غير السلمي والعنيف لمحاضرة فكرية سياسية هادئة هادفة.
وقفت من بين صفوف الحاضرين شابة جميلة رصينة يندفع أمامها بطنها من تقدّم حملها، ربما في آخر شهر لحملها، و"زجرتها" قائلة: "أنت بلا حياء، تقتحمين محاضرة وتُدافعين عن قتلة الأطفال المُحتلين".
لأنّه في تلك الأثناء وقبل "دخول" المرأة الغريبة، كنت أشرح للحضور الكريم ممارسات القمع الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين العُزّل.
أشرت للمرأة "المُقتحمة" أن تجلس وأن تهدأ وسنتكلّم بعد إنتهاء المحاضرة، فإمتثلت لانها لم تجد الأجواء "العاصفة" التي أرادتها وأرادت إشعالها. كما أنّ صدّها من قبل "السيدة الحامل" وهمهمات الإستنكار من الحاضرين وإشارتي لها بأن تجلس أتت أكلها ومفعولها فجلست وطوت "علمها" ووضعته على فخذيها.
ما أن جلست "المُشاغبة" حتى توجّهت للحضور قائلا" "سيّداتي سادتي، لقد رأيتم بأمّ أعينكم كيف إقتحمت هذه المرأة المؤيّدة للإحتلال الإسرائيلي صالتنا، ونحن نتحدّث بصورة حضارية في صالتنا هذه على بُعد آلاف الكيلومترات من فلسطين المحتلّة. تصوّروا إذا كيف يقتحم جنود الإحتلال بيوتنا في منتصف الليالي ويروّع أطفالنا ويقمع نساءنا ويعتقل ويّعدم شبابنا.
"تحمّس" مسؤول الثقافة وإنطلق من جانبي صوب المرأة "الدخيلة" محاولا إخراجها عنوة من الصالة. فطلبت منه أن يُبقيها حتى تسمع، فمن المؤكّد أنّه مُغرّر بها وتتصرّف "كالروبوت".
حين أنتهاء المحاضرة توجّهت إليها وسألتها ماذا تُريدين؟؟ فأجابتني بأننا نحن الفلسطينيّون لا نُريد السلام مع إسرائيل بالرغم من أن نتنياهو يُعطينا دولة مستقلّة على حدود 67!!! هذا هو بيت القصيد في أكاذيب الصهاينة، فهم يشوّهون الحقائق. المرأة أمريكية وهكذا عبّأوها وشوّهوا مفاهيمها. فأجبتها أنا أشكرك إن أقنعت نتنياهو بالموافقة على إعطائنا دولة مستقلّة على حدود الرابع من حزيران عام 67. لكنه لا يريد السلام بأي شكل ولا بأي مفهوم، وإنما يعمل على كسب الوقت وتدمير عملية السلام. وغادرت "السيدة الأمريكية" القاعة بهدوء وسلام.
تقدّمت نحوي الشابة الحامل التي دافعت عن القضية الفلسطينية وتصدّت "للأمريكية" وبادرتني بضحكة خفيفة وبشكري، يا سعادة السفير، على هذه المحاضرة القيّمة والمفصّلة، خاطبتني بلهجة عربية مشرقية لبنانية جميلة، بلغة الضاد لغة أبي أحمد الفراهيدي وليس بلغة سرفانتيس، اللغة الكستانيّة (الاسبانية).
فأجبتها أنني أنا المدين بشكرها على وطنيّتها وشجاعتها في التصدّي للمرأة المُزعجة. وأخبرتني أن إسمها جلنار.
جدّة زوجها اللبناني تنحدر أصلا من مدينة ميريدا وهم "هي وزوجها وأمّها" يأتون كل عام الى المدينة لقضاء العطلة الصيفية ثلاثة اشهر وللتواصل مع الجذور هناك.
دعتني وزوجها إلى كافيتيريا متخصصة في تقديم البوظة في الهواء الطلق بجانب البوليفار الفسيح الذي يتوسّط المدينة، ذات الطقس المداري الحار الرطب. فأفضل شيء يمكن تناوله في هذا الطقس المداري طبق من بوظة الفواكه المُشكلّة.
إستمرّينا في الحديث ذو شجون. وفي لحظة نظر إلي زوج جلنار وقال لي باسما: "أتعرف سعادتك من هي جلنار؟؟ فأجبته بأنّه يشرّفني أن أعرف. فقال لي إنّها إبنة نجاح واكيم. السياسي اللبناني التقدّمي المُخضّرم.
فقلت له الآن وضحت الصورة "ففرخ البط عوّام"، و"هذا الشبل من ذاك الأسد". تحيّاتي وتحيّات فلسطين الى والدك نجاح واكيم.