الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يوم مات عبد الناصر بقلم:شوقية عروق منصور

تاريخ النشر : 2020-06-07
يوم مات عبد الناصر

شوقية عروق منصور
كنت اعتقد ان هذا الصباح سيكون عاديا ، شنطة المدرسة جاهزة والملابس مكوية والحذاء يلمع ، هذا هو الطقس المدرسي اليومي ، ووالدتي تعتبر هذا التجهيز والاستعداد ليس طقساً امومياً فقط ، بل جزءاً من الانتصار ، فحين تكون المنافسة بين ابناء الاغنياء وابناء الفقراء حادة لابد ان تكون التجهيزات كاملة ، خاصة نحن في مدرسة تطل منها ساحات الاستعراض وتحاول تكبير صور الفقر وتسليط الاضواء على الملابس والاحذية التي تتمسك ببقايا الالوان او تتشبث الخيوط مع بعضها البعض خوفاً من التفسخ والاهتراء الكامل .
نهضت من النوم واذ بأمي قد ربطت جبينها بمنديل اسود وكنا نعرف ان امي حين يؤلمها راسها تربط جبينها ،وكان لها طريقة في الشد تبقى تشد المنديل حتى تصبح عيناها اشبه بالنساء الصينيات او اليابانيات .
امي لم تحضر طعام الفطور وهذا يخالف برنامجها اليومي الذي يبدا بالتحضير للفطور ، والدي يجلس قرب الراديو ويدخن بشراهة وهذا يخالف يومه ، فهو يسافر يوميا الى مدينة حيفا حيث يعمل، وجدتي الحازمة الصلبة كالصخرة تبكي بصمت ، ستي شو في ؟؟ سالتُ جدتي فوالدتي تنظر الينا انا واخوتي كأنها لا ترانا !
اجابت جدتي وهي تمسح دموعها – جمال عبد الناصر مات ! كنت اعرف ان اسم جمال عبد الناصر يشكل قيمة كبيرة في بيتنا وصورته معلقة في غرفة الضيوف ، وايضاً له صورة مع اولاده الثلاثة ، وعندما كنت أتامل الصورة اكتشفت ان هناك بعض الشبه بين وجه جمال عبد الناصر ووجه خالي اللاجىء في احد المخيمات في لبنان ، ولا ادري لماذا كنت اربط بينهما ، يمكن لان جدتي كانت تتكلم عن جمال عبد الناصر بلغة المنقذ والقوي والقادر على تحقيق المعجزات ، وحتى يرجع خالي الغائب الى حضن امه لابد من معجزة ، وقد تأتي المعجزة على يد جمال عبد الناصر .

ارتديت ملابسي على عجل ، لم تنظر امي الي كالعادة ولم تهتم بتمشيط شعري او النظر الى اظافري وجواربي البيضاء ، خرجت من البيت متوجه الى المدرسة في منطقة العين في مدينة الناصرة ، في الطريق واثناء المشي للوصول الى المدرسة ، رأيت عشرات الرجال يقفون امام المحلات والدكاكين وعلى الارصفة ، هدوء يتخلله بعض الزفرات او شتيمة تخرج من فم احد الرجال تريد تلخيص فكرة العجز امام الموت ، ودخان السجائر حلقات تتغلغل بالوجوه العابسة ، التي تنطق بتقاسيم الاستغراب والشك وعدم التصديق .
وصلت ساحة العين واذ بجميع طلاب المدارس يقفون هناك ، يغطون عين العذراء والشارع الرئيسي والاشجار والبيوت والدكاكين ، وفجأة يبرز احد الطلاب الكبار ويقول :
كل واحد يرَّوح على البيت ويشلح اواعي المدرسة ويلبس اسود بدنا نعمل كمان ساعتين جنازة رمزية ... ولا واحد يروح على المدرسة ولا واحد يرد على حدا.. !! ما بدنا نتعلم ..!!!عبد الناصر مات واخذ يبكي .
من بعيد رأيت مديرة المدرسة وبعض المعلمين ، لأول مرة لا ارى العصا بيد المديرة ، ثم رايتها تدخل المدرسة وتغلق البوابة الحديدية .
رجعت الى البيت كي ارتدي الملابس السوداء وجدت الجارات يبكين واحدى النساء تقف في الوسط وترقص رقصة الموت وتغني بصوت حزين وتعدد صفات عبد الناصر .
فتشت في الخزانة عن قميص اسود ، لم اجد الا قميص اخي الذي يصغرني بعدة سنوات ، اغلقت ازراره بالقوة ، رجعت الى ساحة العين واذ ببحر من البشر يموج بالسواد ونعش رمزي يحمله بعض الشباب ولم تعد المسيرة طلابية فقط ، بل اختلطت السنوات والاعمار ، رجالاً ونساءً ، شباباً وشيوخاً ، كيف جاءوا ومن اين ؟ لا اعرف ، قامتي الصغيرة تزاحم الكبار وتحاول الوصول الى قرب النعش ، سرنا ببطء ،والنعش يتوسط الجنازة والجنازة تقطع الشوارع والطرقات ، وخلال القطع ينضم العشرات من الحارات والأزقة.
تمر هذه الايام ذكرى 5 حزيران أو ذكرى نكسة 67 ، حيث يحاولون الاستخفاف واسقاط العناوين على شخصية القائد جمال عبد الناصر، لكن أراهن عبر التاريخ العربي الحديث لم يحدث موت أحد الرؤساء العرب زلزالاً كما أحدث موت عبد الناصر، ومازال حدث الموت يخرج من البوم الذاكرة مجللاً بالمشاعر الحزينة ، وكلما كبرت سنة اتساءل بيني وبين نفسي كيف استطاع هذا الموت ان يدفع الطلاب والشباب والشيوخ والنساء الى رفضه والخروج في حالة هستيرية باكية متحدية البعد الجغرافي حاملين صوراً للقائد ؟ كنا نشعر ان هذا الموت فيه موتاً للكثير من القضايا والهمم .
ما زالت صورة جمال عبد الناصر معلقة مكانها ، وكانت أمي كلما مسحت عنها الغبار تردد الله يرحمك يا ابو خالد ، واذا ارادت ان تعبر عن قرفها من وضع العرب ، تتنهد وتشير للصورة ( بس لوكان جمال عبد الناصر موجود ) ، توفي خالي الذي كان يشبهه ودفن في الغربة وتوفيت جدتي التي كانت تحلم بعودة ابنها ، وتوفيت أمي وتوفيت مديرة المدرسة التي تحدت وزارة المعارف وأغلقت المدرسة ، أجيالاً رحلت وأجيالاً ولدت وجرت مياه كثيرة في نهر التاريخ .
اتخيل لو يموت اليوم احد الرؤساء العرب هل ستغلق المدارس وتقوم الجنازات الرمزية ويفيض النهر البشري ؟ لا اظن ...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف