الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وصولي بقلم كريمة سعيد اشطيطح

تاريخ النشر : 2020-06-06
وصولي بقلم كريمة سعيد اشطيطح
وصولي: بقلم كريمة سعيد اشطيطح

كان حائرا وهو يحاول لجم الصوت الذي يشوش على بنات أفكاره المتثائبة: "اصمت أيها الهاتف الشاذ، اللعنة! إنك تخترق أذني مثل اختراق السهم لحما طريا بدون عظام صلبة تبطئ حركته...

 الحركة؟ وهل هناك حركة في هذا المكان الساكن سكون الموت؟

 لا وقع أقدام تسير ولا هدير محرك أو صفير ريح ... حتى هذي الأشجار المتراصة لا يصدر من أوراقها أي حفيف... الصمت علامة المكان بامتياز...

 ماذا حدث فأخرس البلابل التي كانت هنا تشدو أغنيات الشروق الجميل، كل شيء جامد ... وحدي أذرع المكان ذهابا وإيابا أبحث عن مخرج من هذه الدائرة المغلقة... آه لو كنت مثل هؤلاء المومياوات... لأتمتع، على قولة المتنبي بالنعيم...."

لسعات برد عنيف تخترق فؤاده وكأنها سكاكين حادة تقطع أوصاله، جروح كثيرة تقضم دواخله وتتوغل في ذاته التائهة..   

- عفوا أخي ما اسم هذا المكان؟

- ( ..  )

-         - ماذا دهاك ألا تستطيع النطق؟ رجاء أجبني .. ما عدت أعرف كيف وصلت إلى هذا الفضاء؟ أريد فقط أن تدلني إلى ...

يظل الآخر على هيئته ولا يبدي أي اهتمام وكأنه خارج الزمن الحركي... ينظر إليه بارتياب ويمضي...

-         عجبا!! ... لا بد أن أكون نائما وهذا مجرد كابوس يقض مضجعي؟ يا إلهي ثبّتني واهدني سواء السبيل..... أضغاث أحلام، أضغاث أحلام، أضغاث أحلام... من أين لي بكل هذا العرق المتصبب من جسمي؟ صه، صه أيها العابث بقناعاتي، ما أنت إلا جرثومة تبحث عن حيز داخل ذهني لتسمم حياتي، سحقا لك، لن تستقبلك خلايا دماغي فقد استدعيت جميع عناصر الحماية لتطردك شر طردة، مكانك دمنة خارج كياني... لا أنا منك ولا أنت مني ولن نمتّ لبعضنا بعض بصلة، حتى لو اضطررتني لأعلن موتي ... سأستأصل جزء منّي لأقضي عليك...

يلتفت حوله: يا له من مصير: صور جامدة .. بلا صوت ولا حركة....

-          لا بد أن أحاول البحث مرات ومرات حتى لا أنتهي مثل هؤلاء، لن أكون بلا حول ولا قوة مثل هذه الكائنات الغريبة، ... لن يخدعني هذا النظام الذي يعم أرجاء المدينة، ولا نظافتها الصارخة ستدهشني... فقط فكرة الخلاص من لعنة هذه الشوارع المغلقة التي علقت فيها ما يجب أن يشغلني حاليا... واه!!!  كيف تؤدي جميعها إلى ميدان واحد ووحيد... !!!!!؟؟؟

إنها مدينة أسطورية بناياتها شاهقة وأرصفتها من مرمر وواجهاتها الزجاجية الملونة فسيفساء تأخذ اللب وتعمي البصائر...

كل شيء جميل ولكن لا حياة تدب في أي فضاء من فضاءاتها الشاسعة، غابت دهشة اكتشافه هذا المكان الخلاب وراء السؤال عن الماهية والهوية، تعب من الدوران حول هذا الميدان اللعين، مفكرا في دهاء المارد الذي بنى المدينة وجعل هذا الميدان محورها......

يشتد عليه صراخ الهاتف: "هنا في هذا المكان ستخضع، سوف تولد من جديد، وتعمّد جبارا لا يقهر.. أنت المختار الآن.... وستكون مثل سلفك خادما مطيعا، وتتعلم فنون تحوير الحياة والتلاعب بمصائر الأنام، ستسلبهم المتعة والمتاع... وسيرتفع صيتك في كل الآفاق..."

 يقاوم هذا الصوت النشاز وينكره وهو يعدو في شوارع المدينة الستة. عقله لا يتوقف عن التفكير والبحث عن الأجوبة...:

-         هذه الحياة مجرد سراب ومع ذلك نتشبث بها ونحياها بكل مفارقاتها.. يوم للفرح وآخر للحزن.. حياة مقابل أخرى... نزفّ مولودا ونشيّع راحلا.... هذه الثنائيات تسم الحياة بالسحر والجاذبية... إنها مفارقات غريبة عجيبة حيث يتنازعنا الخير والشر... ونظل في صراع مع ذواتنا نقاوم من أجل الأفضل.. فما هو هذا الأفضل يا ترى؟ وهل الأفضل لذات هو نفسه الأفضل لغيرها..؟؟؟ 

وبينما هو يجوب المكان بحثا عن منفذ نحو فضاء أرحب بعيد عن هذا الهاتف الجارح مسامعه، إذا بامرأة تمر أمامه مذعورة كأنها انفلتت من قبضة شيء مهول لا تدركه العقول. كانت فرحته لا توصف لما رأى شخصا يتحرك ويعقل مثله.. تبعها وهو يسألها عمّا وراءها؟

 التفتت إليه، فلاحظ امتقاع وجهها وارتجاف جسمها كله، بادرها بالقول:

-         لا عليك لن يؤذيك أحد هنا، فالمكان آمن ... الناس هنا لا تصدر عنهم أية ردة فعل كيفما كان نوعها، كأنهم مثبّتون يتحكم فيهم بواسطة جهاز يرصدهم عن بعد.

-         كأنهم؟ !! صرخت المرأة: ألا تدري بأنها الحقيقة؟ ربما نجوت قبل أن يشحنوك بشريحة التحكم، أو لعلهم لم ينتبهوا لتسللك من المختبر، وإلا لتعقبوك كما يتعقبونني الآن، يريدون الاستيلاء على مولودتي ليشلّوني.. لا بد من الفرار فهذا الميدان هو عين المدينة وروحها.. ألا تستشعر ذلك ... هناك من يراقب المكان ويتسلى بعذاب المارين العالقين به، هو يراقبنا الآن، وستلتقطنا كلابه أو تدفعنا نحو سراديب مظلمة وترغمنا على التطوع... والتوسل إليهم من أجل شحننا بالشرائح الملعونة.

-         أية شرائح يا امرأة؟ أتريدين إقناعي بأن هؤلاء المحنّطين أناس مثلي ومثلك، يحسون ويتكلمون؟..... لن أصدق ذلك...

قطع حديثهما هدير محرك قوي، جعل المرأة تحثه على الفرار وتتوسل إليه أن يساعدها على قطع التيار الكهربائي عبر تعطيل المولّد الموجود في أعلى القصر الماثل أمامهما على هيئة قرن عملاق... نبهها إلى إمكانية وجود مولدات كهرباء عديدة مزروعة في كل مكان.. ولكن المرأة طمأنته:

-         تيمنا ببعض الخرافات القديمة لم يبن خادم المكان سوى سبع مولدات بعدد الشوارع والميدان، ستة منها ثانوية وواحد فقط هو الأساس... لقد نجحت في تعطيل ثلاثة منها وسأتكلف بالثلاثة الأخرى بينما تهتم أنت بتدمير المولد الكبير الموجود بقلب الميدان.

كان يجري وهو يفكر في القوة التي يمكن أن يهزم بها هذا الطاغوت، فهو أعزل ولا يملك سوى الفرار والاختباء في هذا الفضاء المكشوف... لا بحر يرتمي في عبابه ولا أنهار تحمله بعيدا عن هذا المكان الغريب.. الهاتف يزداد وقعا ولكن انشغاله بالبحث عن كيفية تدمير المولد جعله يصرف ذهنه عن أوامر الهاتف المزمجر بحدة وغضب بينما هو يواجهه بحزم وثقة:

-          أيها الهاتف ارحل بعيدا .. اغرب عن حياتي.. الحاجة أم الاختراع، الحاجة أم الاختراع ... توقف، لحظة: وجدتها، وجدتها.

 وهكذا استطاع تحويل الهاتف المزعج إلى فاعل مفكر: صرخ عاليا: نعم أمتلك الإرادة، نعم لدي منها ما يكفي لكل المدينة...

 بدأت الحركة تدب في الميدان.. أناس مختلفون رجال ونساء يمرون ويهمهمون بكلام غير مفهوم، مد يده في جيبه وأخرج منها آلة صغيرة وبدأ يضع مطبقات معلوماتية مستعينا بمنطقه الرياضي فتوقف المولد الرئيس ... وتحرر بعض من إرادة الناس ... ومن جميع الشوارع تسللت الأجساد نحو الميدان... ابتسم وهو يشاهد المرأة ومولودتها الجميلة وقد أشرق وجهها البريء، وصاحت بأعلى صوتها:

-         لقد نجحت الخطة الأولى ونستطيع الآن أن نتحد ونطرد الطاغوت..

 لم تنتظر منه جوابا أو إشارة، بل اقتربت منه واثقة من نواياه النبيلة، سلمته مولودتها وهي تحثه على إيقاف عمل الشريحة المزروعة في ذاكرة المحيطين بهما...

نظر إليها نظرة مبهمة واستسلم لغابة الأيادي الممتدة إليه تحمله فوق أكتاف الهاتفين بحياته وهم يتعهدون بخدمته والعناية بمولودته الفاتنة... فانتشى وانقاد لسلطة الهاتف، خنق أنفاس المولودة وتشبث بها صورة مكملة لمقام يلهث من أجل الوصول إليه، داس المرأة بأقدام مريديه، أمرهم بالتقدم وهو يلتفت إلى الوراء وعينه على المرأة التي سلبها كل شيء، امتعض عندما رآها تقاوم وتتحدى الموت...انعكست صورتهما على الزجاج فأومأ لأقرب مريد ليهشم الزجاج وهو يسر للصورة المشتتة:

-          من يستطيع مقاومة إغراء معالم هذه المدينة من؟ ......

 أمر فأوصدت الأبواب...، ثم انكب على ضبط الشريحة وإعادة تشغيلها من جديد.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف