تجليات الشعر العربي..في جمهورية التشاد
تُمثِّل جمهوريَّة تِشاد جِسرًا طبيعيًّا للتواصُل بين أبناء الأُمَّتينِ العربيَّةِ والإفريقيَّةِ، حيثُ تحتلُّ موقعًا جغرافيًّا متميزًا يَربط بين الدُّول العربيَّة - بمفهومها السياسيِّ، المتمثل في الانضمام إلى جامعة الدُّول العربيَّة - وبين الدُّول الإفريقيَّة غير العربيَّة؛ نظرًا لكونها ترتبط بحدود جغرافيَّة سياسيَّة مع عدد من هذه الدُّول؛ منها اثنتانِ عضوانِ في جامعة الدُّول العربيَّة؛ هما: السودان من الشرق،وليبيا من الشَّمال، وأربعُ دُول إفريقيَّة غير عربيَّة؛ هي: النيجر ونيجيريا من الغرب، والكاميرون من الجنوب الغربيِّ، وجمهوريَّة إفريقيا الوُسطَى من الجنوب. كما شكَّلتْ تِشاد مَحْضِنًا للتمازُج العربيِّ الإفريقيِّ من الناحية الاجتماعيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة التي تمازجت مع القبائل الإفريقيَّة، وشكَّلتْ بانصهارها شعبًا يجمع بين الانتماء العربيِّ، والانتماء الإفريقيِّ، تحت مُسمًّى جديد، هو (الشعب التِّشاديُّ). وقد اتخذ هذا الشعبُ التِّشاديُّ منذ قرون عديدة اللغةَ العربيَّةَ لُغةً للتواصُل والتخاطُب الرسميِّ والشعبيِّ، كما اتَّخذها لُغةً للأدب والإبداع، فكان وجود الأدب العربيِّ في تِشاد - في حد ذاته، بغض النظر عن مضمونه -مظهرًا للتواصُل العربي الإفريقي؛ لكنْ هذا التواصل لم يقتصر على هذا الجانب فحسبُ؛ بل برز بصورةٍ أوضحَ وأجلى،من خلال الموضوعات والمضامين التي عالجها الشعراء التِّشاديون في إبداعاتهم الشِّعريَّة،والتي جَسَّدت إيمانَهم العميقَ بِهُوِيَّتِهم العربيَّة الإفريقيَّة دون تصادُم ولا تناقُض بين هذين الانتماءين،رغم عدم انضمام هذه الجمهوريَّة الإفريقيَّة إلى جامعة الدول العربيَّة. ونظرًا لعدم اطلاع أكثر أبناء الأُمَّتين العربيَّة والإفريقيَّة على مسيرة الحركة الأدبيَّة والثقافيَّة في تِشاد؛ فقد رأيت أن أقدّم نموذجا شعريا رائعا لشاعر تشادي"أهملته" أقلام النقاد..وظلّ يكتب قصائده بحبر الرّوح..ودم القصيدة..
وما المــرءُ.. إلا كالهلالِ مسافـــــرٌ..يُنَقّــــلُ حــتى تَسْتَتِمّ مراحلُــــهْ
أتـدري المنايا أي مجـــدٍ تطـــاولُهْ
وأيدي الرّدى أي النجوم تحاولُـــهْ
أُسائل وادي التِّبْنِ هـل كَفّ شــدْوَها حــمائمُهُ أم غاض حزناً جداولُـــهْ
فقـــد حملوا بالأمسِ ميزانَ حكمــةٍ ونورَ عـــلومٍ ليس تخبو مشاعلُـهْ
فخلّ زمام النـعشِ يا حامــــلاً لـــه
فقـــد عَرَفتْ أين المناخ رواحلُــهْ
فلله قاضي الأرضِ جــاءَ مِـــنَ السّما
قضاءٌ مِــنَ الرحمنِ دقّتْ مسائلُـــهْ
فـإن ينأ عـــنْ بحرِ الغزالِ مَـــزَارُه
فقد قَرُبَتْ من كــلِّ قلبٍ رسائلُــهْ
يُبَكِّيــه مِــن تحـــتِ اللثامِ مُـــعَمّمٌ
وتَنْدُبُه خـــلفَ الحِجــابِ عَقَائلُــهْ
وليس الـــذي تبكِي العــلومُ لفقـدِهِ
كَمَنْ في نواحي الحيّ تبكي ثَوَاكلُهْ
وما المــرءُ إلا كالهلالِ مسافـــــرٌ يُنَقّــــلُ حــتى تَسْتَتِمّ مراحلُــــهْ
قـــواربُ حادي الموتِ تطــوي عبابَهُ
تبيّــــن منه ضفّتَــاه وساحلُـــهْ
ثلاثــونَ عـــاماً والسنينُ ثقيلــــةٌ
تحمّل عبءَ العـدلِ ما انهدّ كاهلُــهْ
تأملْ فمغنى العــــدلِ بعدك مقفــرٌ
عفَى الرّسمُ منه واسْتَحَالتْ منازلُــهْ
أرى خلفـــــه ظلّ القضاةِ مُرَفْرفــاً شُريحـاً بلـــى
إنـي إِيَاساً أقابلُـــهْ..
فإنْ يخلُ مِــنْ صدرِ المحافل شخصُهُ ..
فقـــد صدّرته في الجِنانِ محافلُــهْ..
تلفّتْ وراء الغـــيبِ نـــحو بلادِنـــا..
فقـــد غلبَ الحقَّ المُطَهّرَ باطلُـــهْ
وهذا زمـــانٌ شرّه دونَ خــــيرِهِ
غَوَائِلُـــهُ قد حَـــجّبَتْها غَلائِلُــــهْ
رويداً على تلك الرِّمـالِ خطاكـــمُ..
تنَـــزّلَ فيهـــا للكتــابِ دلائلـــهْ
فإن يرتحــلْ عنّا الصبــاحُ مُوَدِّعـــاً
فقــد آنستنا فــي النّجومِ مَخَايِلُـهْ
الشاعر التشادي المتميز محمود شريف
(مراجعة وتقديم الناقد التونسي محمد المحسن)
تُمثِّل جمهوريَّة تِشاد جِسرًا طبيعيًّا للتواصُل بين أبناء الأُمَّتينِ العربيَّةِ والإفريقيَّةِ، حيثُ تحتلُّ موقعًا جغرافيًّا متميزًا يَربط بين الدُّول العربيَّة - بمفهومها السياسيِّ، المتمثل في الانضمام إلى جامعة الدُّول العربيَّة - وبين الدُّول الإفريقيَّة غير العربيَّة؛ نظرًا لكونها ترتبط بحدود جغرافيَّة سياسيَّة مع عدد من هذه الدُّول؛ منها اثنتانِ عضوانِ في جامعة الدُّول العربيَّة؛ هما: السودان من الشرق،وليبيا من الشَّمال، وأربعُ دُول إفريقيَّة غير عربيَّة؛ هي: النيجر ونيجيريا من الغرب، والكاميرون من الجنوب الغربيِّ، وجمهوريَّة إفريقيا الوُسطَى من الجنوب. كما شكَّلتْ تِشاد مَحْضِنًا للتمازُج العربيِّ الإفريقيِّ من الناحية الاجتماعيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة التي تمازجت مع القبائل الإفريقيَّة، وشكَّلتْ بانصهارها شعبًا يجمع بين الانتماء العربيِّ، والانتماء الإفريقيِّ، تحت مُسمًّى جديد، هو (الشعب التِّشاديُّ). وقد اتخذ هذا الشعبُ التِّشاديُّ منذ قرون عديدة اللغةَ العربيَّةَ لُغةً للتواصُل والتخاطُب الرسميِّ والشعبيِّ، كما اتَّخذها لُغةً للأدب والإبداع، فكان وجود الأدب العربيِّ في تِشاد - في حد ذاته، بغض النظر عن مضمونه -مظهرًا للتواصُل العربي الإفريقي؛ لكنْ هذا التواصل لم يقتصر على هذا الجانب فحسبُ؛ بل برز بصورةٍ أوضحَ وأجلى،من خلال الموضوعات والمضامين التي عالجها الشعراء التِّشاديون في إبداعاتهم الشِّعريَّة،والتي جَسَّدت إيمانَهم العميقَ بِهُوِيَّتِهم العربيَّة الإفريقيَّة دون تصادُم ولا تناقُض بين هذين الانتماءين،رغم عدم انضمام هذه الجمهوريَّة الإفريقيَّة إلى جامعة الدول العربيَّة. ونظرًا لعدم اطلاع أكثر أبناء الأُمَّتين العربيَّة والإفريقيَّة على مسيرة الحركة الأدبيَّة والثقافيَّة في تِشاد؛ فقد رأيت أن أقدّم نموذجا شعريا رائعا لشاعر تشادي"أهملته" أقلام النقاد..وظلّ يكتب قصائده بحبر الرّوح..ودم القصيدة..
وما المــرءُ.. إلا كالهلالِ مسافـــــرٌ..يُنَقّــــلُ حــتى تَسْتَتِمّ مراحلُــــهْ
أتـدري المنايا أي مجـــدٍ تطـــاولُهْ
وأيدي الرّدى أي النجوم تحاولُـــهْ
أُسائل وادي التِّبْنِ هـل كَفّ شــدْوَها حــمائمُهُ أم غاض حزناً جداولُـــهْ
فقـــد حملوا بالأمسِ ميزانَ حكمــةٍ ونورَ عـــلومٍ ليس تخبو مشاعلُـهْ
فخلّ زمام النـعشِ يا حامــــلاً لـــه
فقـــد عَرَفتْ أين المناخ رواحلُــهْ
فلله قاضي الأرضِ جــاءَ مِـــنَ السّما
قضاءٌ مِــنَ الرحمنِ دقّتْ مسائلُـــهْ
فـإن ينأ عـــنْ بحرِ الغزالِ مَـــزَارُه
فقد قَرُبَتْ من كــلِّ قلبٍ رسائلُــهْ
يُبَكِّيــه مِــن تحـــتِ اللثامِ مُـــعَمّمٌ
وتَنْدُبُه خـــلفَ الحِجــابِ عَقَائلُــهْ
وليس الـــذي تبكِي العــلومُ لفقـدِهِ
كَمَنْ في نواحي الحيّ تبكي ثَوَاكلُهْ
وما المــرءُ إلا كالهلالِ مسافـــــرٌ يُنَقّــــلُ حــتى تَسْتَتِمّ مراحلُــــهْ
قـــواربُ حادي الموتِ تطــوي عبابَهُ
تبيّــــن منه ضفّتَــاه وساحلُـــهْ
ثلاثــونَ عـــاماً والسنينُ ثقيلــــةٌ
تحمّل عبءَ العـدلِ ما انهدّ كاهلُــهْ
تأملْ فمغنى العــــدلِ بعدك مقفــرٌ
عفَى الرّسمُ منه واسْتَحَالتْ منازلُــهْ
أرى خلفـــــه ظلّ القضاةِ مُرَفْرفــاً شُريحـاً بلـــى
إنـي إِيَاساً أقابلُـــهْ..
فإنْ يخلُ مِــنْ صدرِ المحافل شخصُهُ ..
فقـــد صدّرته في الجِنانِ محافلُــهْ..
تلفّتْ وراء الغـــيبِ نـــحو بلادِنـــا..
فقـــد غلبَ الحقَّ المُطَهّرَ باطلُـــهْ
وهذا زمـــانٌ شرّه دونَ خــــيرِهِ
غَوَائِلُـــهُ قد حَـــجّبَتْها غَلائِلُــــهْ
رويداً على تلك الرِّمـالِ خطاكـــمُ..
تنَـــزّلَ فيهـــا للكتــابِ دلائلـــهْ
فإن يرتحــلْ عنّا الصبــاحُ مُوَدِّعـــاً
فقــد آنستنا فــي النّجومِ مَخَايِلُـهْ
الشاعر التشادي المتميز محمود شريف
(مراجعة وتقديم الناقد التونسي محمد المحسن)