ذكريات لا تصلح للذكرى بقلم:عزيز فهمي

سقطت الذاكرة في بئر النسيان
مثل قميص ملطخ بالأوهام
فخسرنا الأمس والآن
خسرنا الريح والأمطار
وخضرة الأشجار
خسرنا ما تبقى فينا من الإنسان
خبز الأمهات
شفاه نسائنا
اللغة التي نتلو بها صك وجودنا
لم تعد لنا آية لنقول للعصي:
لا تجرحي البحر
فيه موْتانا،
فيه غرقانا
وفيه أكباد منتفخة بالأحزان
الزمن قاسٍ علينا
لا الربيع في أرضنا ربيع
لا الجبال في سلاسلنا جبال
ذهب كل شيء
الصبح الذي كان يَخْتَمِر في قِرْبةِ البدء
المنبلج من هندام الفجر
صار بقعا حمراء تتقاطر على سجود ظلالنا
ذهب كل شيء
القمر الذي يصاحب الليل إلى الحكي
ولا يحكي إلا عن مآسينا
الماء الذي تخلى عن براءته
من الطعم ومن اللون
فلبس مذاق شفاههم وابتسم
في سراب تيهنا
لم يبق لنا سوى نشيج الأطلال
نصرخ كنساء غرناطة
في سالف الأزمان
نستنجد لمعرفة طريقنا
بعكاكيز العميان
لكن لا نمشي
العاصفة تعصف بنا في كل مكان
صفقة "وحيد القرن" في حظيرة الحمير
يزغرد بها تجار البلدان
وصفعة على خدود الحلم
تئن لوقعها ما بقي لنا من الأوطان
المدنسة بالأوثان
تضحك علينا الدببة
القرود المخصية
الصراصير المزهوة بأغاني الربيع والصيف
هي أيضا تضحك علينا
كل شيء يسخر من يقيننا
لم يبق لنا سوى الشك ولا نشتكي
لأننا منشغلون بتقشير جلد الوقت
ننتظر مياها تجري من تحت أرجلنا
لعل السفن تَقِلُّ ما فينا من أزواج
مثنى مثنى
وما فيهم من توحد يتعدد في أوديتنا
في سميد وجودنا
كل شيء لهم
فماذا لنا
نحن المتعبون بظلالنا
المعتكفون كنسور النابغة
ماذا لنا
كل شيء لهم...؟؟؟
عزيز فهمي/كندا