الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عناق بين "الضفة" الفلسطينية و"الشاطئ" الأطلسي بقلم:محمد الأمين أحظانا د. ادريس محمد صقر جرادات

تاريخ النشر : 2020-06-03
عناق بين "الضفة" الفلسطينية و"الشاطئ" الأطلسي
محمد الأمين أحظانا        د. ادريس  محمد صقر جرادات

                قصة عناق بين الضفة والشاطئ تونس الخضراء حقا هي ملتقى السبل والحضارات، والأحبة ،، وقصتها المدبلجة إلى كل لغات وإشارات العالم تحكي عن عناق أسطوري بين الحمال والحكي، وعن تلاحم مذهل بين العقل والخيال.. في تونس الحبائب عرفنا الإنسان الذي يتحفك، ويكرمك، ويعطيك بسلوكه الجاد العملي نموذجا للإنسان الرافي،وبأخلاقه الطيبة مثالا يحتذى، وبمعارفه المحينة الأصيلة مسلكا للمزج بين الأصالة والمعاصرة. كنا في قفصة عروس الجنوب التونسي، حيث يحنو الجبل على الواحات الناضرة حنو المرضعات على الفطيم، وحيث تنبت السهول السمراء النخيل والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، وفي المدينة القديمة ، تروي الآثار حكاية حضارات ماقبل التاريخ، ومنشأ الحضارات الفينيقية والرومانية والعربية الإسلامية. كنت قادما من أرض شنقيط أرض المنارة والرباط، ومن شاطئ بحر الغموض وأعادة خلق الحياة ،والزرقة الفاتنة،المحيط الاطلسي، أحمل معي حبا لتونس وأهلها، وقصاصات من عبق التاريخ المشترك،قة شعر أنبتته رمال ذهبية، وواحات شبيهة بواحات دقلة الرائعة.كنا في هذه المدينة صيوفا على الجمعية التونسة للثقافة الشعبية في مهرجانها السنوي الثاني، والمكرس في دورته الحالية للزي التقليدي العربي، ودوره في المحافظة على الهوية، وكنت من جملة المحاضرين حيث قدمت عرضا عن الزي التقليدي الموريتاني، من بلد قال شاعره في وصف الصحراء التي نبت الشعر في حصاها، واخضوضر في وهادها: وتيها نزوح الماء قفر مضلة يردد في أرجائها الصوت بومها تعسفتها رجلان أمتا وغائطا ونعلي على الرجلين تدمي كلومها ولم يثنني عنها السموم وربما فتى باسلا أثناه عنها سمومها ألا إن نفس المرء إن تألف العنا تساوى لديها بؤسها ونعيمها. لقد كان لي الشرف بلقاء كوكبة من الباحثين والباحثات والدارسين والدارسات والشعراء والشاعرات، من العراق الشاعرة القديرة الدكتورة شذى آل معمر، ومن فلسطين الحبيبة الدكتورأدريس جرادات من الخليل الجريحة، ولي مع هذا الرجل حكاية هي أصل الحكاية، من تونس الكريمة الشاعر احمد العباسي الذي شرفني منذ شهور باعتمادي سفيرا للجمعية في موريتانيا، رئيس الجمعية التونسية للثقافة الشعبية، والأستاذة القديرة حليمه بوعلاق،8 والدكتورة المميزة زازية البرقوقي، ومن ليبيا المنكوبة الشاعر الكبير معاوية الصويحي، وإعلاميون وشعراء وباحثون من المغرب والجزائر وتونس. السهرات التي أقامتها جمعية التقافة الشعبية بقفصة كانت مناسبة فريدة ليكتشف المشاركون أن لغة الشعر مفهومة لدى الجميع رغم احتلاف اللهجات،والالتباس في بعض مفاهيمها.ومن قاعة المحاضرات، ودهاليز الفندق، بدأت حكاية العناق بين الشاطئ والضفة.. تعرفت على الدكتور الرائع إدريس جرادات، وهو من الضفة الغربية، وبالتحديد من مدينة الخليل الصامدة. كانت بساطة الرجل، وأريحيته ، ونشاطه وفاعليته، وحب التطلع لديه، وثقافته الواسعة، جسرا للتواصل بيننا، خاصة أننا وجدنا فسحة من الوقت

           لم تكن  أيام قفصة التونسية من الأيام التي يمكنك نسيانها بسهولة، ففي التفاصيل الصغيرة؛ إيماءات عمال الفندق المرحة، والطيبوبة التي تنضح بها ملامح المضيفين، والضيافة الباذخة، والأحاديث الثقافية والفكرية، كل ذلك جعل من أيام هذه المدينة الحالمة، النائمة بشغف على قفص بين سلسسلتين جبليتين تحتضنان أحلامها، وتنحنيان على واحاتها وزيتونها، أياما تنبض في الذاكرة ، ويحتضنها شغاف القلب. 

شغلنا في الأيام الأولى بالندوة العلمية المنظمة على هامش الملتقى العربي للثقافة الشعبية ،
  وبسهرات الملتقى الرائعة. كان رئيس جمعية الثقافة الشعبية بتونس الشاعر أحمد العباسي يولى اهتماما لكل التفاصيل،

 ويشرف شخصيا صحبة الزميلة حليمة بوعلاق، والزميلة الدكتورة زازية البرقوقي، ومجموعة  الشعراء والشاعرات من تونس، على إكرام الجميع.  في قاعات الفندق الفاخر الذي أقمنا به أيام الملتقى، جمعتني ألفة بمجموعة من الشعراء والأساتذة الباحثين  من الجزائر والمغرب، وليببيا  والسعودية، والكويت، ومع شاعرات ماجدات  أذكر من بينهن شذى أل المعمر من العراق، وهي شاعرة مفوهة، وغيرها  .

كنت أظن أن رحلتي ستنتهي بانتهاء الملتقى، الذي دام يومين، ثم أعود. لكننا كنا مرتبطين لحسن الحظ بالخطوط التونسية،

      مما منحنا هامشا كبيرا من الوقت هو أربعة أيام،  أولهم قضيته لوحدي، لكن في المساء، التقيت الأستاذ الدكتور إدريس جرادات، على مائدة العشاء، حدثني عن رحلة قام بها إلى ضريح الشاعر المبدع أبي القاسم الشابي، عتبت عليه لأنه فوت علي هذه الفرصة، لكنه كان يخبئ في جعبته مفاجئات سيشغل بها ايامنا المتبقية.

                    بعد نقاش قررنا أن نرحل جنوبا إلى مدينة " دوز" الواقعة في قلب واحات دقلة التونسية الذائعة الصيت.

الدكتور إدريس جرادات هو من قلب فلسطين النابض، من بلدة سعير- محافظة الخليل التاريخية، ويرأس مركز "السنابل للدراسات والتراث الشعبي "، وهو شخصية علمية وتربوية  ومجتمعية هامة، في ربوع الضفة الغربية الحبيبة.

 وأكثر من كل ذلك يمتاز بأن له شخصية مرحة ، يحب الحياة بكل تفاصيلها، وهو مغامر يود لو يطير بدون جناحين إلى فضاء الله الواسع. أحببته لاعتبارات ماثلة، أولها شخصيته الودودة، وتحفزه لكل جديد، وكرمه وأريحيته الطبيعية، وحب التطلع لديه لحد التفاني.

       نعم لقد بدا لقاؤنا في الملتقى العربي للتراث الشعبي بقفصه وكأنه موعد بين الضفة الغربية، وشاطئ المحيط الأطلسي، بين الضفة والشاطئ. يقولون إن الأرواح جنود مجندة، تأتلف وتختلف، والعلاقة بين أبناء شنقيط- موريتانيا، وأبناء فلسطين هي علاقة بين روحين مؤتلفتين.. أهو التباعد الذي يضرم الشوق للاتحام، أم الصفاء في روح المودة والقربى. على كل حال كان لقائي مع الدكتور جرادات بداية رحلة  مفعمة بالتطلع للجديد، واكتشاف مواطن الجمال في تونس الحبيبة، خاصة  منطقة الجنوب التي لم نكن نعرف عنها الكثير.

          أخذنا الحافلة من قلب قفصه، فانسحنا للجنوب، تحتضننا الواحات الخضراء. المنافسة بين النخيل المعربد، والزيتون الحالم تعطي لحكاية الخضرة نكهة خاصة، يبدو أن المزارع التونسي الإنسان، أدرك من فجر التاريخ أن العلاقة بين الإنسان واللون الأخضر هي لب الحياة، فنشأت بينه وبين العناقيد وشائج القربى، وأسباب الحب. لاتطأ عينك بقعة من الأرض سهلا كانت أو جبلا، إلا وهي تنتشي بنوع  من اليخضور يختلف عن صاحبه وينسي فيه.

 كانت الحافلة تسير على الطريق المعبد، بين سلستين جبليتين صاحبتانا من جنوب تونس العاصمة، وبإصرار تتعرج الطريق وتتلوى بإرادة الجبل . مدينة "الكطار"-الفطار- ، و"العمائم"، و"اصطف طيمي"، وغيرها من القرى الواحية الجميلة، تستقبلنا بنفس الملامح الهادئة، والسمة الخضراء. كنت أظن فيما مضى أن صفة "تونس الخضراء" مرتبطة بالعاصمة التونسية، ولكن تبدى أن الأمر يرتبط بالبلد كله. إرادة إنسان هذه الأرض الذي عرف كلمة السر المولجة للحضارة منذ فجر التاريخ، طبعت هذه الأرض بالتميز في كل شيء، في طابعها العمراني، في جمالها الأخاذ. لقد قطعنا الآن طريقا جبليا يتلوى كأفعى ضخمة، ينحني تارة لعظمة الجبل، ويشمخ تارة أخرى في وجه الصخور العنيدة فيشقها شقا. لقد خرجنا من القفص، أو إن شئت قل لقد ترجلنا عن هذا المركب العملاق، ونحن نسير في فسيح من الأرض، ويبدو أن واحات دقلة هي من سيتولى ضيافتنا، ويسبر غور فضولنا. صاحبي الدكتور جرادات كان منتشيا بهذه المناظر، وهو ممن يعبرون عن انطباعاتهم بشغف  واندفاع. كان يلتقط الصور، ويقفز من الحافلة بمجرد أن تتوقف، ويندمج بالتربة، وكأنه يبحث عن كنز مخبوء.

        وحين وصلنا إلى سباخ يغطيها ثبج أبيض من الملح الصافي صفاء البللور كاد يفقد صوابه انتشاء وفرحا.. التقط الكثير من الصور، هو لا يعرف أن الصحراء تخبئ من الجمال والتنوع والغرابة والخطر ما لا يتصوره ساكنة المدن المتلفعة بالثلوج، والمستظلة بالغيوم..

      لقد خبرت الصحراء خلافا لصاحبي الخليلي، كان لون عواصفها يطرز عواطفي، وملامحها المتقلبة، تدعوني للحذر،.. كنت متحفظا، وأحسب كل خطوة أخطوها. لكني كنت في منتهى الاستمتاع، خاصة حين تحولنا لباص آخر، ورحنا لمدينة "دوز" ، مدينة الشعر وبوابة الصحراء. مشكلة الشنقيطي مع الشعر هو أنه سيجد فيه نفسه أينما حل وارتحل، لذلك حين دخلنا مدينة الشعر في تونس دون منازع خفق قلبي  واعشوشبت روحي، انتظارا لزميل نسق معه صاحبي لاستقبالنا، كان هذا الرجل هو أستاذ كبير، مهتم بالأدب والثقافة، ومنسق مهرجان الصحراء بدوز، وهو مهرجان ذائع الصيت في الوطن العربي كله، فهو للثقافة مرتع خصيب..

         في مرآب السيارات وجدنا الأستاد الشريف محمد المرزوقي في انتظارنا، حملنا بسيارته المارسديس، وجئنا للسوق القديمة بالمدينة ، وهي سوق أنشئت من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية في العقد الثاني من القرن العشرين. أخذنا قهوة ، وتنازعنا أطراف الحديث. صاحب المقهى رفض أن يأخذ منا مقابل قهوته حين عرف أنني وصاحبي شنقيطي وفلسطيني.

       اكتشفت في هذا الرجل الهادئ الذي ذكرني بتواضعه ورجاحة ثقافته الأدبية، واهتمامه بالشعر وسمرته الفاتحة، ذكرني بأبناء بلدي.وبالصدفة جرى الحديث عن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح، فأخبرني الشريف بأنه درسها في الجامعة على أستاذ من قفصة يدعى فرج بن رمظان، ومن العجيب أنني كنت درستها على هذا الأستاذ في ثمانينات القرن العشرين بالمدرسة العليا للتعليم بانواكشوط، وكان ضمن بعثة للتعاون التربوي بين وزارة التربية التونسية،ووزارة التهذيب الموريتانية. كان الحديث منوعا، وقد استطبنا صحبة الزميل جرادات المتطلع للسياحة والاكتشاف، فكرة الذهاب إلى واحات دقلة المعروفة بثمرها اليانع ، ورطبها الجني،

      ويبدو أن الأستاذ الشريف كان يخبئ لنا مفاجأة من هذا القبيل. ركبنا السيارة وتوجهنا صوب الواحات القريبة. كنا في واحة الشريف، وقد جنى لنا منها رطبا مستطابا، وأطلعنا على نظام الري المعتمد في الواحات ، وهو نظام بديع، كما شرح لنا نظام الملكية ، وكيف يوزع ريع الواحة، ونظام البيع فيها.. قضينا أوقاتا ممتعة ، وعدنا إلى المدينة. ودخلنا مطعما يتسمى " الوردة" ،  كان صاحبه لطيفا، طلب لنا الشريف غداء فاخرا، من صاحب المطعم، وإن لم تخني الذاكرة اسمه " توفيق بن خليفة"، كان لطيفا ومؤدبا،. بعد الغداء أخذنا استراحة. وفي المساء، وبعد أن مررنا بالشاعر التونسي الكبير جمال الصليعي (شفاه الله وعافاه) في منزله بمدينة دوز، وأتحفنا بمفاكهته الطيبة، ومجالسته العذبة، أهداني ديوانه الرائع "من أنباء القرى"؛ الذي صدره بمعزوفة رائعة حقا بعنوان:

         سلام:

لَنَا طَائِرٌ مِنْ رَفِيفِ الْكَلَأمِ

نُضَمِّخُ مِنْقَارَهُ فِي صَفَاءِ القُلُوبِ

نُسَرِّحُهُ فِي بَسَاتِينِنَا

نُبَلِّلُ جنْحَيْهِ مِنْ عَبَقِ الرُّوحِ

حَتَّى..

يَرُشَّ عَلَى الْعَاشِقِينَ السَّلَامْ..

     كما أهدى صديقي د. إدريس جرادات الفلسطيني نسخة من كتابه دراسات ومختارات .

        بعد هذه الجلسة الممتعة  أخذنا الأستاذ الشريف المرزوقي في رحلة مدهشة، سماها الدكتور جرادات رحلة الأحلام؛ لا أعرف إن كان كتب عنها أم لا. دخلنا الصحراء عبر طريق بري غير معبد، وفي ظلال أراكة نزلنا، أوقد الشريف النار صحبة زميل له رافقنا،، وهو من تولى العمل.. أوقد حفرة ضخمة. بدأ بإعداد الشاي، ونحن نجلس على الرمل الناعم، ونفترش أغطية.

        لون اللهب المنبعث من النار، وحرارتها المنتشرة في كل اتجاه يشعرك بأنه يطهر النفس من أدران المدينة ونكد حياتها المزمن. كان مع الرجل الصاحب ما يتحفنا به، لقد كانت النار لشواء خبز "الملة" ، بعد الشاي جلب صاحب الأستاذ، أعتذر لأنني نسيت اسمه، جلب خبزا طريا شواه وسط الملة، على نار هادئة، مع لبن ماعز لذيذ، كنا ننعم بهذا الإكرام الحاتمي مع الأستاذ المرزوقي لكن صاحبي الدكتور إدريس  جرادات كان منشغلا عنا، فهو يرفع يديه ويسير على الرمل الناعم وينادي، "أنا هنا على رمال الصحراء"،

          ذكرني بذلك الرجل التونسي بعيد الثورة ، وهو يصرخ في شارع الحبيب  بورقيبه:  " بن عالي أهرب، بن عالي اهرب".

     أكلنا خبز الملة الطري، وارتوينا من حليب الماعز المحلوب توِّ.، وأسدل الليل سدوفه، وحين يقبل الليل فإن الصحراء تبدأ دورة أخرى من حياتها، قد يخافها من لايعرف سر تنوع الحياة ، وأختلاف أوجهها.

       من أمتع مافي هذه الرحلة هو سمر أدبي وحكواتي مع شيخ كبير هو عم الأستاذ محمد المرزوقي، كان يروي لنا حكايات عن قيافة عجيبة يمتلكها تتعلق بمعرفة الإبل، ومن المدهش أن هذه الحكايات تتقاطع في معظم تفاصيلها مع حكايات سمعتها من والدي رحمه الله، عن معرفته لأثر فصيل ضل من إبلهم وهو صغير، فميز أثره بين مجموعة كبيرة من أقرانه  بعد أن أصبح جملا دون أن يراه.

كان عشاؤنا مع الشريف في دارتهم التقليدية صحبة أعمامه وأبناء عمومته غنيا ومنوعا وأصيلا.  لقد أكرمنا هذا الرجل، ووفر لنا فرصة لا تعوض من المتعة والاستفادة، ثم بعد العشاء، أصر الأستاذ الشريف على أن يوصلنا إلى  قفصة في سيارته رغم بعد المسافة، فأوصلنا للفندق في وقت متأخر من الليل، ورفض البقاء حتى الصباح لأن لديه التزامات في الليلة نفسها.

     مما وفر لي استاذ الشريف المرزوقي هو الاتصال بأستاذنا المشترك الذي كنت أتطلع إلى زيارته في مدينة اصفاقص غير البعيدة من قفصه، لكن لم أجد الفرصة، فأوصلني بشخصية مرموقة هي عبد الرزاق كمون صاحب مكتبة علاء الدين باصفاقص، الذي أعطاني رقم أستاذي فرج بن رمظان، فاتصلت به هاتفيا، وقد تذكرني رغم مضي أكثر من ثلاثين سنة على آخر لقاء بيننا حين كنت من جملة طلبته  في المدرسة العليا للتعليم في ثمانينات القرن العشرين.. وللذكر فإن هذا الأستاذ المتميز هو من فتح قلبي على السرد كتابة ودراسة، لقد كانت محاضراته عن رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، ورواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، مفتاحا عريضا على القص والحكاية. أذكر له ذلك فتحاليله المبتكرة، وشاعرية تحليله أفادتنا في هذا المضمار وحببته إلى قلوبنا فلهذا الأستاذ التونسي الصفاقصي منا كل تقدير واحترام.

      كان السفر في الحافلة الصغيرة إلى تونس مرحلة من هذا العناق الأسطوري بين الضفة والشاطئ، لقد أخذ الأستاذ إدريس توصية من الباحث والأستاذ الكبير الضاوي موسى، لأخيه المحامي  الكبيرفي تونس  العاصمة صادق فرحات موسى ليستقبلنا في العاصمة، وكان لنا ما أردنا، حيث استقبلنا أبناؤه بسيارته في المحطة، وجئنا لمنزله  الفاخر  بتونس العاصمة ، وقد استقبلنا استقبالا كريما، وبتنا معه في دورة من الترحيب والأريحية، وفي الصباح يممنا شطر شارع لحبيب بورقيبة، وتجولنا في معالم المدينة، وأسواقها، 

           ثم بعد أن استمتعنا بهذه المعالم الرائعة في الأسواق والمساجد، والمعابد، تغدينا على حسابه في واحد من أفخر المطاعم البحرية في تونس بمينائها الكبير. وبعد قيلولة مريحة ، رحنا في المساء للبحر، وقد كان صاحبي الدكتور إدريس جرادات يود لو ركبنا البحر إلى أوروبا، ونعود دون أن ندخل.  لقد استمتعنا بالصعود للمراكب في خليج سيدي بوسعيد الحالم، وشبعنا استمتاعا وإكراما مع المحامي الصادق فرحات موسى. ثم بعد كل لقاء لابد أن يكون الفراق، لقد ودعت صديقي الدكتور إدريس جراد ات على أمل اللقاء في انواكشوط  حين يزور "الخالة موريتانيا"  كما يقول، بعد أن التقينا في رحاب "الخالة تونس".
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف