الأخبار
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ألعاب الكترونية ذاتية التطور بقلم:عبد العزيز شبراط

تاريخ النشر : 2020-06-03
العاب الكترونية ذاتية التطور


كان العربي رجلا تجاوز عقده الخامس؛بوجه قمحي عريض؛ يحمل لحية مربعة قصيرة؛ تحكي صراعات عائلية بقدر عدم تناسقها؛ورأس مدورة مغطاة بثوب كتان أبيض به خطوط تتقاطع في الطول والعرض؛ يتوسطه خط حريري أسود؛ يبدو و كأنه معقود على الرأس و منفصل عن الكتان؛ كانت عيناه بارزتين كأنهما ترفضان مكانهما وتستعدان لهجره؛ و كانت أذناه كبيرتين وكأنهما تسمعان فقط ما يزعج الأخرين؛ وتصومان عن الكلام الحلو الجميل؛وعن الموسيقى الروحية المريحة للقلب والجوارح؛ كان أنفه المعقوف يمتاز بمنخارين واسعين جدا؛ وكأنهما يساعدانه في شم عداوة المحيطين به من الكارهين؛و كانت بيئته حارقة كما رمال أرضه؛ التي حظيت بفرشة مياه كبيرة لا تنضب؛ فحفر الآبار و بنى مصانع التعبئة والتخزين؛ و أسس مسالك ومعابر ضخمة للتوزيع ؛ كانت مياهه غير مكلفة التصنيع؛ فامتلأت خزائنه المالية وأصبحت أكبر من حجمه؛ وغذت حياته حياة متعة وترف ومجون؛ تحتل النساء فيها الصف الأول؛ و ظلت أجساد النساء المتناسقة؛والمشدودة القوام؛ تشده شدا وتنسيه أصل الحكاية؛ الى أن اختلطت عليه مفاهيم المعقول واللامعقول ونسى بقية الخلطة؛ كان يقضي لياليه في الترف والتمتع بعيدا عن عيون عامة الناس؛ وأهمل تربية الاولاد؛ و كان لا يعلم أن عيونا أخرى؛ موجودة في كل مكان تراقبه و تتعقبه باستمرار؛وتعرف عليه أكثر ما يعرف عن نفسه؛انها تعد خطواته وتحصي تحركاته وكل حركاته؛ وتعرف عنه كل صغيرة وكبيرة؛ وترصد مواقع أباره و كمية منتجاتها؛فأصبحت قادرة حتى على ترتيب دقات قلبه وحبس أنفاسه كلما شاءت.
كما أقرانه؛ كان أحد أبنائه مهووسا بالألعاب الإلكترونية؛ وبامتلاك كل ما جد من أدواتها؛يقضي معظم أوقاته بجوارها وفيها؛ فولدت لديه مفاهيم العنف ومنطق الزعامة والقوة ؛ حتى أصبح لا يرى أمامه سواها؛وبدأ يفكر بمنطقها ويتعامل مع الحياة العادية الواقعية كأنها ميدان اللعب؛لا تسود فيه سوى قوانينه؛التي يصوغها و يؤسس قواعدها كما يشاء؛ وقد يغيرها بأخرى تناقضها عدة مرات في اليوم؛دون أن يشعر بتناقضاتها الداخلية كما الخارجية؛ لم يكن يمتلك القوة لترك تلك الألعاب؛كانت تسيطر عليه؛ ولا يستطيع التخلص منها؛ الا إذا رغبت هي وسمحت له بذلك؛ يبدو وكأن قانون جاذبية ما أنشئ بينه وبينها؛ فأصبحت تجره اليها جرا؛ و بدا تقديره للزمن قد اختل؛ وأصبح ابوه عاجزا عن ثنيه و إرجاعه الى منطق الحياة الواقعية؛ وقواعد الاباء والأجداد؛ في ما أصبح هو يرى؛ أن المنطق الذي يتبعه أبوه في تسيير أمور البيت؛ وتدبير الاموال المحصلة من عائدات آباره؛ لا تناسب منطقه وأصبحت متجاوزة وذهب عصرها؛ ولن تقود البيت إلا الى المزيد من المشاكل والتعثرات والسير الى الوراء؛ فقرر باتفاق مع أبطال ألعابه أن يعيد ترتيب قوانين البيت؛ كما اعتاد أن يعيد ترتيب قوانين ألعابه دون مشورة أحد؛ وتطويرها كما تطورت معظم الالعاب التي خبرها وأصبح يمتلك زمام قيادتها.
لم تعد تصرفاته تطاق؛حتى مع ألعابه؛ فكلما حاصرته لعبة للوصول الى مرحلتها الاخيرة؛أو حاولت هزمه دون ان تترك له فرصة النفاذ اليها؛ قتل بطلها و تسلل الى قاعدة بياناتها ودمرها حتى لا تعود تظهر أمامه من جديد؛ وفعل هذا مرة أمام أصدقائه الذين يشاركونه العابه؛بل قاموا بانجاز المهمة مكانه؛ كانت لديه لعبة أحبها واتخذها صديقة له؛ و يضعها في الصف الاول تسمى " انتاج الكلمات واللعب بالحروف" وذات مرة ضايقته؛ وبدت كأنها تحاول عصيان اوامره؛ وتتطور خارج قواعده؛ كما لم يعد بطلها يستجيب له في انتاج الكلمات التي يفضلها؛بل انطلق بطلها في محاولة السباق ضد انتاجاته والعبث بها؛ فأصدر أمره لأصحابه بقتله أمام الجميع؛ ودمر الجثة تدميرا جذريا حتى لا تعود اليه بعد التحديث الجديد لنظام اللعبة؛ الذي يحضره ببرمجيات مستوردة؛سمع الاب بهذه الفعلة التي استنكرها كل اللاعبين؛ واستشاط غضبا وأحس بإحراج كبير خصوصا وأن اللعبة كانت تأويها احدى اعتى أنظمة الاشتغال في الجهة الاخرى من البلاد؛لكن الابن من هول الكارثة؛التي أصابت الاب جراء ذلك؛ أسرع بإعادة البرمجة ؛ فتفاجأ أن الامر أقوى منه؛ بعدما كان يظن أن اللعبة تخصه وحده؛ في حين أنها لعبة مشتركة؛ولاعبوها كثر؛ معظمهم من خارج البلاد؛ ومن أجل أن تتجاوزه العاصفة؛ أنكر مسؤوليته في ما وقع ؛ وحمل الأمر بالقتل الى غيره من أصدقائه المقربين؛ فصدق الاب أكذوبة الابن ودافع عليها؛ كما قام بواجب العزاء والتعويض وقدم الاعتذار اللازم؛لكن مع الاسف لم يتوقف الامر هنا؛إذ نتج عن ذلك تصدعات كبيرة في وسط العائلة؛ ولم تعد إمكانية الصلح متاحة؛لكن أحد أبناء الاعمام؛ صادف وجوده في الجانب الاخر من مواقع نظام اللعبة؛ وحاول اكتشاف الثغرة الامنية؛ التي أودت بحياة البطل ومحاولة إصلاحها في النظامين الاندرويد والأ يو اس لكن دون جدوى؛تململت الرمال وما تحتها وحاولت طمس الواقعة؛ ولكن الأنظمة الحداثية الحديثة قوية جدا لا تغتر ولا تنخدع بالتفاهات الناتجة عن الانظمة القديمة.
بعد العديد من محاولات العربي غلق الثغرات الامنية المتواجدة بنظام ابنه؛ لم يتوفق؛ واكتشف أن هذا النظام طور ذاته؛ وأصبح قادرا على احداث برمجيات حديثة؛تخفي مصدر الرمز ( code source) عن كل من يحاول الدخول اليه وتغييره أو العبث به؛ وهكذا استقوى الابن و أخرج الى الوجود خطاطة جديدة وحديثة لتعويض خطاطة الاب؛ وأعتبرها رؤية مستقبلية استشرافية لما بعد العشر سنوات القادمة أو اكثر بقليل؛ وأعلن لكل اللاعبين أنه سيغير وجه البلاد؛ و ستلبس حلة جديدة لم تألفها من قبل؛ لم يعد الاب قادرا على فهم وادراك قواعد الألعاب الحديثة التي امتلكها ابنه؛ وأقر بأن الزمن تجاوزه ولم يعد في استطاعته مسايرته أو مجاراته؛ولم يجد أمامه من مخرج والحفاظ على ماء الوجه؛ سوى القبول بتلك الالعاب؛ وترك مجال تدبيرها وتسييرها لابنه وللأبطال المحيطين به؛ بما في ذلك صديقه في الجهة الاخرى من البلاد؛ والذي وعد بحمايته والدفاع عن تحديثاته؛ كيفما كانت حتى وإن خالفت قواعد الالعاب المشتركة؛ لأنه هو أيضا يلعب تلك الالعاب ويخرق القواعد المشتركة.
عبد العزيز شبراط 01/06/2020
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف