الأخبار
الاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطا
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"حين يفاجئني رحيلك..في عتمات الغروب" زخّات إبداعية للمبدع طاهر مشي

تاريخ النشر : 2020-06-03
"حين يفاجئني رحيلك..في عتمات الغروب" زخّات إبداعية للمبدع طاهر مشي
.."حين يفاجئني رحيلك..في عتمات الغروب" (زخّات إبداعية للمبدع القدير طاهر مشي)
بقلم:محمد المحسن

عند قراءتنا لأغلب التنظيرات والتعقيدات لفن القصة اتلقصيرة في أدبنا المعاصر،نقرأ لدى الغالبية إشارات تحذير على الدوام من أن يتحوّل النص القصصي إلى مشروع خاطرة أو قصيدة نثر أو شذرة أو انفعال،ويأتي هذا التنبيه خاصة عند اعتماد الكاتب لغة تعتمد البلاغة بكل صورها،وقد
وقع أغبنا بالفعل في هذا المطب الذي تمّ التحذير منه،وذلك حين انفلتت النصوص من أيادينا وخسرنا فيها روح السرد والقص.

ولكن القليل ممن أدركوا أسرار السرد ومتعته وجماله من كتابنا المبدعينعلى غرار القاص والشاعر الألمعي طاهر مشي،إذ أصبحوا يعرفون ويدركون من أين وكيف تؤكل الكتف،وأدركوا أن العبرة في أي شرط أو ركن من شروط أركان القصة القصيرة،جدا هو أن
يكون خادما للسرد لا العكس..وبذلك يكون كل ما يستخدمه من تقنيات هي موضوعية لخدمة الفكرة والسرد،وليس لإبهار العيون في مدى التقيّد بتلك القواعد حرفيّا،لأنّ الأدب الحقيقي يعتمد الإبداع القائم على كسر جميع الأفق،إن على مستوى التلقي أو النقد أو الكتابة..(هكذا قال
لي صديق المبدع طاهر مشي ذات مرة..)

وفي ضوء ما تقدّم أقرأ نص: ""حين يفاجئني رحيلك..في عتمات الغروب"،للمبدع القدير طاهر مشي وأترك للمتلقي حرية التعليق:

"وتأخذنني هواجس السفر،رحال أنا بين الفصول،تائه والأمل موؤود على عتبات الانتظار ،أتراني قد ربحت المعركة الأولى أم أنني أحتضر في صمت مميت؟
تداعب ذاكرتي بين حين وآخر نسمات شوقي إليك،كتذكرة سفر لماض رحل ولن يعود..كم كنت صبورا،وربيعك المتمنع يغادر ككل الفصول،تتملكني لهفة البقاء، في محرابك طويلا، أستنشق عطورك المنثورة في كل الزوايا، ويعود نبضي المسلوب مغردا في رباك من جديد،
تحاصرني الذكريات..يتملكني الحنين للحظات عناق تدغدغ نبضي الذي سكنت منذ أول نظرة.
ليأتي الربيع مبشرا بهطول المطر، ويعود طيفك..يغازلني في حلمي،ويرحل على عجل.


(طاهر مشي)
تقنيات السرد الإبداعي عند طاهر مشي:

السرد في الرواية كما في القصة وسيلة فنية يلجأ إليها الكاتب لتقديم عمله في لغة أدبية تنطوي على جانب من الإثارة والإفادة.
ومن الضروري أن يتمتع المؤلف بمهارات تمكنه من بناء عالمه بحيث لا يقف الأمر عند حدود سرد الحدث كما هو هو في الواقع،إنما لابد من إدخال عناصر تأثيرية تعيد صياغته أو روايته بطريقة مثيرة، قادرة على إبراز تعقيداته
وأحيانا أشجانه وأشواقه وأحزانه،إضافة إلى عناصر الإيضاح التي تسهم في استحضار ماهو غائب،وإضاءة الجوانب المعتمة،والمسكوت عنها في النص.

ومن ثم تحدث المفارقة بين زمن الحكاية وزمن السرد،فإذا كان الأول يخضع للزمن التاريخي،ويطابق جريان الأحداث كما يفترض في الواقع،فإن زمن السرد لا يخضع لهذا الترتيب،بل يخضع للزمن النفسي الذي يتم فيه ترتيب الأحداث
كما يراها الكاتب،وكما خطط لها(وقد أبع طاهر مشي في هذا التمشي الإبداعي)،فيعمل على إبراز بعض الجوانب وتبئيرها،وإخفاء أو تأجيل البعض الآخر.


هذه القصة القصيرة جدا،عاطفية شديدة التركيز تكاد تكون -قصيدة عشقية-، تتناول الموضوع بأقل قدر من الكلمات..ويمكننا بسهولة إعادة الهيكل الأساسي في هذه القصة القصيرة للكاتب طاهر مشي؛فهي عبارة عن مقالة في الحب
على غرار مقالات الفلاسفة والأدباء الذين يغوصون في بيان موضوع من المواضيع الشائكة التي تتضمن تحليل العواطف والانفعالات الإنسانية التي يكتنفها الكثير من الغموض("وتأخذنني هواجس السفر، رحال أنا بين الفصول، تائه والأمل موؤود على عتبات الانتظار ، أتراني قد
ربحت المعركة الأولى أم أنني أحتضر في صمت مميت).. وبالرغم من أن القاص (طاهر مشي) ينتقل ببراعة من فكرة لأخرى فليس في هذه اللوحة القصصية القصيرة-في تقديري- أي غموض. فالصور والأفكار تنتصب واضحة تمام الوضوح،ونحن
ندرك حالا ماذا تعنيه بالنسبة للقاص المحب.. والقاص يستقصي في هذه -اللوحة المزخرفة بالعواطف والأحاسيس العشقية النبيلة كل الاحتمالات الواردة في مسألة الحب،والتي يمكنها أن تصاغ في قالب مقالة في التحليل النفسي..

يبدي-القاص(طاهر مشي)-حبه لمحبوبته وبأنه عاجز عن تفسير هذا الحب الذي يستثير في النفس المتناقضات التي ربما تنجم عن تنافر أساسي في طبيعة الإنسان، بين معتقده وسلوكه،أو بين نوعين من المعتقدات المتناقضة التي
يمكن أن توجد في الإنسان الواحد؛فهو حب يتميز بشيئين متضادين،حب الهوى والحنين،وحب الرشاد والعقل الرزين:"كم كنت صبورا،وربيعك المتمنع يغادر ككل الفصول،تتملكني لهفة البقاء،في محرابك طويلا،أستنشق عطورك المنثورة في كل الزوايا،ويعود نبضي المسلوب مغردا في رباك
من جديد.."

هذا النموذج يمكن أن يلتقي المرء به في أشخاص تمزقوا بين الطبائع التي نشأوا عليها،وبين العادات التي اكتسبوها من الخارج..هكذا يبدأ بتحليل هذا الشعور وتفصيله أكثر فأكثر،فيصف-طاهر-حب الهوى والشوق(تداعب
ذاكرتي بين حين وآخر نسمات شوقي إليك..) بأنه حب القلب العنيف،أما حب الرشاد الرزين فهو حب العقل الهادئ المستكين:"تتملكني لهفة البقاء،في محرابك طويلا.."

ولكأني بالطاهر يداعب حبيبته بالقول:
أحبك بالقلب في وقده ..أحبك بالعقل جم السكون

ختاما يحسن بنا،أن نلقي الضوء على جانب خاص،يخدم هذا الطرح،في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[3]:

إن سبب ميل الإنسان لآخر،رجل كان أو امرأة،هو بسبب رئيسي يتمثل في توفر مزايا نفسية وخلقية في هذا الإنسان،لا تتوفر لديه.لذا،يكون هذا الميل لإكمال النقص،وسد الخلل الذي يشعر به العاشق نحو معشوقه غالباً،كما أشارت
إلى ذلك-ضمنيا-هذه اللوحة القصصية الرائعة للطاهر مشي- وقلما،إن لم يكن مستحيلاً،في هذه الدنيا أن تجد إنساناً تتوفر فيه كل صفاتك الناقصة تماماً،فلا تنقص عنها أو تزيد.وإلا سيبلغ الهوى عندها درجة الهلاك..!

ولكن..لا تهلَك-يا-طاهر-لأنك تجعل من ابداعاتك رصيف انتظار،حلما نرجسيا تخلد فيه كل لحظة بلحظة.وتخليد هذه اللحظات لا يمكن أن يتأتى إلا عن طريق التغني بمحاسن الحبيبة الغائبة/الحاضرة في النص وخارجه. فالقاص البارع وكذا الشاعر يعكس حالته النفسية على جسد المرأة الذي
يتحول الى مرآة أحاسيسه ونزواته ورغباته العاطفية.كما أنه يكتب انطلاقا من تجربة معاشة، تظهر من خلال التركيز على وصف الذات وتحولاتها النفسية في حضور وغياب الآخر "الحبيبة":

ختاما أقول: طاهر مشي ليس فقط شاعر،وإنما إنسان حالم بكل اللغات والفنون، ولغته في الحب لغة عمياء حيث الكلمة للحواس،فالحبيبة هي الإيقاع الوحيد في فضاء القصيد..

هذا ويمكن القول، إن-المشهد الإبداعي-للطاهر مشي يعد من النصوصالإبداعية التونسية الأكثر جمالية من حيث التصوير والكتابة.نصوص عميقة، نحتت من أجل الخلود في عالم الكتابة الرومانسية.

وأرجو..أن تترجم أعمال هذا الشاعر/القاص(طاهر مشي) إلى لغات أجنبية لما تشكله من إبداع وازن، تختلط فيه كل الأساليب والأشكال الأدبية والإبداعية..

محمد المحسن (كاتب تونسي)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف