الأخبار
أخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضات
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الآلة تتعطل وعبادة التكنولوجيا بقلم: د. عواد أبوزينة

تاريخ النشر : 2020-06-02
بقلم: د. عواد أبوزينة/ عمٌان. الأردن

الذين قرؤوا قصة The Machine Stops للروائي الإنجليزي  E. M. Forster عرفوا رؤيته الخيالية العلمية الاستشرافية حول منجزات العلم والتكنولوجيا والإنسان قبل عقود من تحقق تلك الإنجازات وقبل الإنترنت وتقنية الفيديو والواي فاي والبلوتوث وما سيأتي. 

نُشرت القصة الواقعة بين القصة والرواية القصيرة (١٢٣٠٠ كلمة) في المرة الأولى في عام ١٩٠٩ ، ثم أعيد نشرها في عام ١٩٢٨ في مجموعة فورستر " اللحظة الخالدة وقصص أخرى" وقد جرى تبني القصة في عدة أعمال فنية أخرى مكتوبة ومتلفزة. وتم تضمينها في قاعة المشاهير للخيال العلمي في عام ١٩٧٣.

استوقفتني القصة كثيراً حين كنت أدرُس الدبلوم في الإعلام منذ زمن، إذ كلّفني الأستاذ بتحليل القصة آنذاك وقد فعلت، وكان مشروعي لمساق الدراما هو إعداد تلك القصة لكي تكون صالحة للمتمثيل للتلفزيون، وقد عانيت كثيرا في إنجاز ذلك الهدف على مستوى فهم النص بلغته الإنجليزية الثقيلة، ولكن الممتعة في رحلتها في عالم غريب، وفي تخيل المستوى الفني والثقافي المختلف عما ألِفتُ. وفي مستوى ثالث حاولت جهدي ان أكون كاتب أو منتج سينايو. أعتقد أنني أفلحت بامتياز في ذلك إن كانت العلامة التي حصلتُ عليها من الأستاذ تمثل مقياسًا لذاك الفلاح.

ولقد جربت معنى محتوى تلك القصة بنفسي وخبرته منذ سنوات، إذ أنني درّست في جامعة تقنية كانت تتبنى استعمال تقنيات الحاسوب منذ نحو ثلاثبن سنة، وكان علينا كأساتذة أن نُعِدَّ أنفسنا للزمن الرقمي، وأن نحافظ على التطور مع تقنيات الاتصال ومواكبتها باستمرار، وعلينا ان نبقى شديدي الاتصال بزمن الإنترنت والتعلم عن بعد، وتوظيف الإنترنت وبرامج إدارة التعليم والتعلم ودمج ذلك في أساليبنا ومناهجهنا بشكل جوهري. 

وبقدر فرحنا وسعادتنا بما قدّمه لنا الحاسوب من توفير للوقت وللجهد، ومن قدرة على حفظ المعلومات ويسر الوصول إليها ومشاركتها مع الآخرين والوصول إلى المتعلمين بيسر وسرعة وفي أي وقت، منذ زمن "سطح المكتب" القبيح في شكله، ثقيل الوزن، ثقيل الظل، إلى زمن اللابتوت والتابليت ثم الهواتف الذكية. 

بقدر سعاداتنا تلك  كنا نشعر بوطأة اعتمادنا الواسع على الحاسوب وتطبيقاته حين يُفقَد الاتصال بالخوادم، أو يتعطل الخادم، أو تنقطع الخدمة الإنترنتية لسبب أو لآخر فتتعطل أعمالُنا، وننتظر عودة الخدمة على أحرّ من الجمر. 

هذا التعطل كان يصيبنا بالشلل في العمل وتُستفَز الأعصاب وبخاصة في أوقات الاختبارات النهائية ورصد النتائج. كم فرحنا حين تم إنتاج برامج قادرة تلقائيا على حفظ ما تجري من عمل على الحاسب الآلي حتى اللحظة التي تنقطع فيها الخدمة أو يتوقف الحاسوب لاي سبب او عطل على عكس برامج قديمة او برامج لا تتمتع بخاصية الحفظ الاوتوماتيكي للعمليات الحاسوبية.

وقد خبرت ذلك مع كورونا. كورونا عطلت الإنسان الفاعل نفسه، أذ أجبرت مئات الملايين محجوزين في بيوتهم، ومعهم بقيت سيارتي ما يزيد عن شهرين نائمة في مرآب الميكانيكي تنتظر الإصلاح، وبعد رفع الحظر وفتح الأعمال قرر أن يعيدها لي أسوأ مما كانت. الحجة كورونا. ما فهمت كيف. لكنها طريقة الحرفيين عندنا في الزمن الرقمي. 

تذكرتُ القصة، قصة الآلة تتوقف/ تتعطل مع أن زمنا يفصل بيني الآن وبين ذلك الواحب الدراسي الذي ذكرته قبلاً، وأنا أعاني كمئات الملايين من الناس، العزلة في شقتي مع عدد قليل جدا من أفراد الأسرة، إذ حملت الأجنحة الأطفالَ الكبارَ في آفاق الأرض يضربون فيها، ولولا الاتصالات المسموعة والمرئية  لكنت الآن في " العصفورية" على رأي صباح أو على الأقل أغنى في زمن صباح الصبّوحة وليس صباح فخري، لأن " مال الشام" أصبح في "عُلَب العرايس" على راي أمي، وبخاصة عرايس زمن كورونا اللواتي لم يجدن لهن مطرح.

 الناس في القصة فقدوا القدرة على العيش على سطح الأرض، وعاش كل منهم في عزلة تحت الأرض في غرفة صغيرة ، وكانت تتم تلبية كل ما يحتاجون إليه روحيًّا وبدنيًّا عن طريق آلة عالمية ضخمة ومقتدرة، وكانت مُدارة جيدا في البدء.

هؤلاء الناس لم يكونوا يحبّون مغادرة عالمهم تحت الأرض، فسفر الأشخاص وتنقلهم  في القصة كان ممكنا لكنهم لا يفضلونه، وكان يتم الاتصال بينهم أو بهم عن طريق نوع من الاتصال المسموع المرئي بما يشبه نظام الفيديو الحالي، ومن خلاله يقوم الناس هناك بممارسة نشاطهم الوحيد وهو تبادل الأفكار ووجهات النظر والمعارف، فتنمو عقولهم على حساب عضلات أجسامهم التي ضمرت وضعفت، وتحولوا إلى ما يشبه كُتَلًا لحمية تفكّر وتتحدث، وتمارس أنشطتها الحيوية بواسطة الآلة التي تقدم لهم الطعام والشراب والدواء وتحملهم لقضاء حاجتهم الفطرية وتناولهم حاجياتهم كلها بالضغط على أزرار وظيفية  للآلة وهم خاملون. نشطت عقولهم وانهارت قواهم البدنية من غير عضلات.

الشخصيتان الرئيسيتان هما الأم فاشتي وولدها كونو ، يعيشان بعيدين متفرقين على جانبي العالم.  فاشتي راضية بحياتها ، مثل معظم سكان ذلك العالم ، تقضي وقتها في إنتاج "الأفكار" المستهلكة ومناقشتها بلا نهاية.  

وعلى نقيضها كان ابنها كونو ، هو مادي حسي ومتمرد.  يحاول كونو أن يقنع فاشتي المترددة  أن تقوم برحلة إلى غرفته على الطرف الآخر من ذلك العالم، وهناك يخبرها عن خيبة أمله مع العالم الميكانيكي. عالم أصبحت فيه الآلة رَبٌّا.

يخبر كونو والدته أنه زار سطح الأرض دون إذن من عالمهم السفلي،  وأنه رأى بَشَرًا آخرين على السطح يعيشون خارج عالم الآلة. ثم إن آلة العالم السفلي استعادته ، وهو مهدد بـ  "التشرد '' والطرد والموت المفترض من البيئة السفلية. 

 كأن الحرية والتطلع والاستكشاف والفردية والاستطلاع ممنوعة على أُناس ذلك العالم المُكدّس في جوف الأرض. لكن فاشتي ترفض مخاوف ابنها وتصفها على أنها جنون خطير، وتعود إلى الجزء الخاص بها في الطرف الآخر من العالم.

تواصل فاشتي حياتها الروتينية اليومية. ولكن يتفاجأ الناس في جوف الأرض بتطورين مهمين: أولهما إلغاء جهاز دعم الحياة المطلوب لزيارة العالم الخارجي.  يرحب معظمهم بهذا التطور لأنهم لا يهتمون بالأسفار، وهذا رمز للخضوع والرضوح للأوامر والتعليمات من غير مناقشة. هو عالم دكتاتوري فوقي السلطة، إئ يقوم فيه الجمهور بتنفيذ التعليمات فقط. إنهم متشككون ويخافون من التجربة المباشرة. 

 وثانياً إعادة تأسيس "تكنوبولي" ، وهو نوع من المُعتقَد، حيث تكون الآلة موضوع العبادة.  ينسى الناس أن البشر هم الذين أنشأوا الآلة، وأنها فعل أرادوه بأنفسهم، فأضحت مسلطة عليهم، ويعاملونها ككيان صوفي مقدّس تفوق احتياجاتها احتياجاتهم.

 انقسم الناس في ذلك العالم السفلي ٱزاء هذا المُعتقَد الميكانيكي، فقد نُظِر إلى أولئك الذين لا يقبلون ألوهية الآله على أنهم  "غير ميكانيكيين"  ومهددين بالتشرد.  

نتذكر هنا عالم أيرستريت ١ في رواية جورج اورويل ١٩٨٤ وسطوة الأخ الكبير مع أختلاف في قيمة الروايتين، وإن التقتا في الاستشراف والتسلط.

وهذا يشبه في وجوه كثيرة متطلبات العالم الرقمي هذه الأيام والذي أصبح أكثر إلحاحا على البشرية في ظل كورونا، ومتابعة الأفراد، وتلبية متطلبات أنشطة الحياة كلها الطبية والمعيشية. ولم يظهر لنا بعد من ذلك المستقبل سوى قمة جبل الجليد. قريبا قد نتحول نحن الأشخاص إلى ملفّات رقمية مفتوحة لمن ملك الباسوورد.

قلت من قبل إن الناس في ذلك العالم السفلي قد تحولوا إلى كتل لحمية ولم تعد عضلات أجسادهم بقادرة على أداء أي جهد عضلي كان، سوى قدراتهم الذهنية، وتصاب آلتهم التي يعتمدون عليها في كل شيء بالعطب والتعطل، وتدب الفوضى في ذلك العالم، وتتصادم الكتل اللحمية المفكرة بدون قدرة منهم على التحكم بحركتهم، ولا يعرفون كيف يصلحون آلتهم، حياتهم.

لقد فشلت اللجنة التنفيذية المكلفة بٱصلاح الآلة في إصلاحها، بسبب فساد اللجنة نفسها، إذ تم تجاهل مؤشرات تعطل الآلة وإصلاح أعطالها في الوقت الملائم، حين تم تجاهل مدى الحيوية المطلقة لتلك الآلة. 

 خلال ذلك يُنقَل كونو إلى غرفة بالقرب من فاشتي ويصدّق أن الآلة تنهار ، ويخبر فاشتي والدته بغموض أن "الآلة تتوقف".  

تستمر  فاشتي في حياتها ، ولكن في النهاية تبدأ العيوب في الظهور في الجهاز/ الآلة.  في البداية ، يقبل البشر التدهور كنزوة للماكينة ، التي هم الآن خاضعون لها بالكامل ، لكن الوضع يستمر في التدهور . وأخيرًا ، تنهار الآلة، مما يسقط معها "الحضارة".  يأتي كونو إلى غرفة فاشتي  المدمرة.  كل شيء تدمّر.

قبل أن يهلك الناس، يدركون أن الإنسانية وعلاقتها بالعالم الطبيعي هي ما يهم حقًا ، وأن المسؤولية ستقع على عاتق سكان السطح الذين لا يزالون موجودين لإعادة بناء الجنس البشري ومنع تكرار خطأ الآلة.

إذن استشرف فورستر قبل ما يزيد عن قرن فكرة الصراع بين الآلة وبين الإنسان وانحاز إلى جانب الإنسان لخطورة الاعتماد على الآلة.

نحن الآن نسير في الاتجاه المعاكس لما رسمه فورستر وانحزنا إلى جانب الآلة في كل شيء، فهل سنصل مع الوقت إلى نقطة البدء؟ إلى الحياة البدائية بعد أن تدمر الآلة نفسها بعقلها أو بأيدينا أم أن فكرة الأخ الكبير المتسلط الذي يراقب ويتحكم في كل شيء هي التي ستظل مهيمنة، وستهيمن أكثر بحيث تصبح الرقمية ربّاّ لهذا العالم الذي يميل يوماً بعد يوم إلى المحسوسات والماديات، ويتخلى عن منظومات القيم الأخلاقية والإنسانية.

أخاف من الثانية أكثر من الأولى.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف