
طقوس عشقية..في قصيدة:""من سوانا..نحن للعشق الفداء.." للشاعر التونسي القدير..طاهر مشي
"كم كان الاديب الفرنسي " كريستيان بوبان "صائبا تفوق في دقتها إصابة الكسعيّ حينما قال اننا نحتاج الى ساعتين او ثلاث وقد تطول نهارا على اكثر تقدير لكي ننهي قراءة رواية ما او بحث أدبي او فنيّ بينما نحتاج حيزا هائلا من الوقت ربما شهوراً او سنوات او حتى حياة طويلة بكامل أعمارها تلزمنا لقراءة قصيدة ."
دون اية مغالاة او تهويل اعترف اني اجهز نفسي جهوزية تامة وانسى كل شيء مما يحيط حولي واغفل حتى عما يجول في خاطري من تهويمات فكرية عامة أو خصوصيات شخصية تتعلق بي وبأقرب المقربين اليّ حينما ابدأ في قراءة قصيدة من قصائد الشاعر المدهش-د-طاهر مشي- حتى لكأني بها تشير إلي بالإقتراب منها كي أتملّى سطور ورقها،وانا هنا لا أعني جملة الكتابات الهائلة التي تسمى قصائد جزافا وتطاولا على الشعر (وهذا موضوع آخر يستدعي حبرا غزيرا..)
من المعلوم أنَّ الحبَ كحالة إنسانية سامية،وما يكتنفه من لواعج العشق وصور الجمال،شكل على مدى العصور حافزاً قوياً لإثارة إبداع الشعراء،فضلاً عن مساهمة إبداعية المنجز الشعري بفاعليةٍ في تميز بعض الشعراء عن نظرائهم.
ولا ريب أنَّ إبداعَ الشاعر يرتكز بشكلٍ أساس على الموهبة المقترنة بتنوع مصادر المعرفة التي يوظفها هذا الشاعر أو ذاك لرغبةٍ جامحة في التعبير عما يشعر به، أو قد يوجه بوصلتها نحو بلوغ المجد والإحساس بالتميز حيناً ما،مع العرض أنَّ الشعورَ الخفي الذي يؤرق الشاعر،ويرغب البوح به قصد إيصاله إلى المتلقي، يبقى على الدوام رهين ما يمتلكه من أدواتِ البناء الشعري التي بوسعها ترجمة ما بداخله من رؤى،وما يطرق في ذهنه من هواجس.
إنَّ القراءةَ المتأنية لقصيد طاهر مشي(من سوانا..نحن للعشق الفداء) تظهر بشكلٍ جلي أنَّ عاطفةَ الحب الصادق المقرونة بمسحة الجمال تشكل أبرز الينابيع التي أثارت قريحة الشاعر الإبداعية، وحفزته على البوح شعراً،إلى جانب تجسيد عواطفه رسماً ابداعيا بالحروف المنتقاة،لذا كان-عطر العشق-حاضراً بقوة في أروقة-القصيدة- فقد كانت القصيدة الوجدانية تشكل سمته الأساسية،وتعكس ما يخالج نفس الشاعر من مشاعرٍ جياشة ومتدفقة بالوجد والحب،والتحرق عطشاً وشوقاً صوب الجمال.
وهذه القصيد-أجازف بتسميتها (قصيدة تحترف الغزل البغدادي العريق،وتستعيد شيوخ العشق الشعري العراقي القديم) ولكأني بالشاعر -محمود درويش يستيقظ فجأة من مرقده الأبدي ليقول:"خيالك في قلبي..وذكراك في فمي.."
وتدعيماً لما ذكر،أرى من المناسب-أن أدغدغ وأداعب ذائقة المتلقي بهذة القصيد المفعمة بالغرام:
"من سوانا..نحن للعشق الفداء.."
قالت انتظرني انتهى فصل الخريف
من سوانا يسقه الفصل شذانا..
سأعود إليك وأشواقي محملة على خدي مرسومة شقت شفاهي من الغياب..من قحط السنين..من السراب..
وشمس الحقيقة..تكوي فؤادي..
سأعود وكم اشتقت الوداد وتاهت دفاتري بين الرفوف..
فكم ما جادت يداي بين الثنايا ..
تواترت أخبارنا حين كنا وكان اللقاء..
منتهانا سأعود وإن تجاوز العمر السنين التي قضيت في هوانا..
أنثر عطري يخضب وجنتيك..
أسقيك عقيق صافيا
هذا منايا سأعود سأهزمه الزمان وحين نلتقي سيعيش الحلم سوانا
(طاهر مشي)
على سبيل الخاتمة:
من الجدير –في هذه القراءة المتعجلة-أن نتبيّن معالم البنية الصوتية للتشكيل اللغوي في هذا الخطاب في محاولة لربط هذه المعالم بما لها من دور في إنجاز التجربة،وفي تحقيق قدرتها التأثيرية،فالملامح الصوتية التي تحدّد الشعر قادرة على بناء طبقة جمالية مستقلة (1)،والبنية الصوتية للشعر ليست بنية تزينية،تضيف بعضا من الإيقاع،أو الوزن إلى الخطاب النثري ليتشكّل من هذا الخليط قصيدة من الشعر،بل هي بنية مضادة لمفهوم البناء الصوتي في الخطاب النثري،تنفر منه،وتبتعد عنه بمقدار تباعد غايات كل منهما،وهذا يعني أنّ إرتباط الشعر بالموسيقى إرتباط تلاحمي عضوي موظّف،فبالأصوات يستطيع الشاعر أن يبدع جوّا موسيقيا خاصا يشيع دلالة معينة،واللافت أنّ هذه الآلية الصوتية غدت في نظر النقاد مرتكزا من مرتكزات الخطاب في الشعر العربي الحديث،وهذا المرتكز يقوم على معنى القصيدة الذي غالبا ما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر ما يثيره بناء الكلمات كمعان (2)
محمد المحسن
هوامش:
1-اللغة العليا ص:116جون كوبن.ترجمة أحمد درويش.ط2 القاهرة 2000
2-البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث ص:38-ط-الإسكندرية 1990
"كم كان الاديب الفرنسي " كريستيان بوبان "صائبا تفوق في دقتها إصابة الكسعيّ حينما قال اننا نحتاج الى ساعتين او ثلاث وقد تطول نهارا على اكثر تقدير لكي ننهي قراءة رواية ما او بحث أدبي او فنيّ بينما نحتاج حيزا هائلا من الوقت ربما شهوراً او سنوات او حتى حياة طويلة بكامل أعمارها تلزمنا لقراءة قصيدة ."
دون اية مغالاة او تهويل اعترف اني اجهز نفسي جهوزية تامة وانسى كل شيء مما يحيط حولي واغفل حتى عما يجول في خاطري من تهويمات فكرية عامة أو خصوصيات شخصية تتعلق بي وبأقرب المقربين اليّ حينما ابدأ في قراءة قصيدة من قصائد الشاعر المدهش-د-طاهر مشي- حتى لكأني بها تشير إلي بالإقتراب منها كي أتملّى سطور ورقها،وانا هنا لا أعني جملة الكتابات الهائلة التي تسمى قصائد جزافا وتطاولا على الشعر (وهذا موضوع آخر يستدعي حبرا غزيرا..)
من المعلوم أنَّ الحبَ كحالة إنسانية سامية،وما يكتنفه من لواعج العشق وصور الجمال،شكل على مدى العصور حافزاً قوياً لإثارة إبداع الشعراء،فضلاً عن مساهمة إبداعية المنجز الشعري بفاعليةٍ في تميز بعض الشعراء عن نظرائهم.
ولا ريب أنَّ إبداعَ الشاعر يرتكز بشكلٍ أساس على الموهبة المقترنة بتنوع مصادر المعرفة التي يوظفها هذا الشاعر أو ذاك لرغبةٍ جامحة في التعبير عما يشعر به، أو قد يوجه بوصلتها نحو بلوغ المجد والإحساس بالتميز حيناً ما،مع العرض أنَّ الشعورَ الخفي الذي يؤرق الشاعر،ويرغب البوح به قصد إيصاله إلى المتلقي، يبقى على الدوام رهين ما يمتلكه من أدواتِ البناء الشعري التي بوسعها ترجمة ما بداخله من رؤى،وما يطرق في ذهنه من هواجس.
إنَّ القراءةَ المتأنية لقصيد طاهر مشي(من سوانا..نحن للعشق الفداء) تظهر بشكلٍ جلي أنَّ عاطفةَ الحب الصادق المقرونة بمسحة الجمال تشكل أبرز الينابيع التي أثارت قريحة الشاعر الإبداعية، وحفزته على البوح شعراً،إلى جانب تجسيد عواطفه رسماً ابداعيا بالحروف المنتقاة،لذا كان-عطر العشق-حاضراً بقوة في أروقة-القصيدة- فقد كانت القصيدة الوجدانية تشكل سمته الأساسية،وتعكس ما يخالج نفس الشاعر من مشاعرٍ جياشة ومتدفقة بالوجد والحب،والتحرق عطشاً وشوقاً صوب الجمال.
وهذه القصيد-أجازف بتسميتها (قصيدة تحترف الغزل البغدادي العريق،وتستعيد شيوخ العشق الشعري العراقي القديم) ولكأني بالشاعر -محمود درويش يستيقظ فجأة من مرقده الأبدي ليقول:"خيالك في قلبي..وذكراك في فمي.."
وتدعيماً لما ذكر،أرى من المناسب-أن أدغدغ وأداعب ذائقة المتلقي بهذة القصيد المفعمة بالغرام:
"من سوانا..نحن للعشق الفداء.."
قالت انتظرني انتهى فصل الخريف
من سوانا يسقه الفصل شذانا..
سأعود إليك وأشواقي محملة على خدي مرسومة شقت شفاهي من الغياب..من قحط السنين..من السراب..
وشمس الحقيقة..تكوي فؤادي..
سأعود وكم اشتقت الوداد وتاهت دفاتري بين الرفوف..
فكم ما جادت يداي بين الثنايا ..
تواترت أخبارنا حين كنا وكان اللقاء..
منتهانا سأعود وإن تجاوز العمر السنين التي قضيت في هوانا..
أنثر عطري يخضب وجنتيك..
أسقيك عقيق صافيا
هذا منايا سأعود سأهزمه الزمان وحين نلتقي سيعيش الحلم سوانا
(طاهر مشي)
على سبيل الخاتمة:
من الجدير –في هذه القراءة المتعجلة-أن نتبيّن معالم البنية الصوتية للتشكيل اللغوي في هذا الخطاب في محاولة لربط هذه المعالم بما لها من دور في إنجاز التجربة،وفي تحقيق قدرتها التأثيرية،فالملامح الصوتية التي تحدّد الشعر قادرة على بناء طبقة جمالية مستقلة (1)،والبنية الصوتية للشعر ليست بنية تزينية،تضيف بعضا من الإيقاع،أو الوزن إلى الخطاب النثري ليتشكّل من هذا الخليط قصيدة من الشعر،بل هي بنية مضادة لمفهوم البناء الصوتي في الخطاب النثري،تنفر منه،وتبتعد عنه بمقدار تباعد غايات كل منهما،وهذا يعني أنّ إرتباط الشعر بالموسيقى إرتباط تلاحمي عضوي موظّف،فبالأصوات يستطيع الشاعر أن يبدع جوّا موسيقيا خاصا يشيع دلالة معينة،واللافت أنّ هذه الآلية الصوتية غدت في نظر النقاد مرتكزا من مرتكزات الخطاب في الشعر العربي الحديث،وهذا المرتكز يقوم على معنى القصيدة الذي غالبا ما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر ما يثيره بناء الكلمات كمعان (2)
محمد المحسن
هوامش:
1-اللغة العليا ص:116جون كوبن.ترجمة أحمد درويش.ط2 القاهرة 2000
2-البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث ص:38-ط-الإسكندرية 1990