الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اخناتون ونيفرتيتي الكنعانية صبحي فحماوي بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-06-01
اخناتون ونيفرتيتي الكنعانية صبحي فحماوي بقلم:رائد الحواري
سلاسة تقديم التاريخ في رواية
اخناتون ونيفرتيتي الكنعانية
صبحي فحماوي
العمل الروائي التاريخي يحتاج إلى طريقة وشكل أدبي يناسبه، كما أنه بحاجة إلى لغة خاصة تميزه عن جمود السرد التاريخي، إضافة إلى معرفة بتفاصيل الأحداث التي يُراد تقديمها، هذه الرواية كأمثلتها "قصة عشق كنعانية" تتحدث عن التاريخ القديم، ألف وثلاثمائة سنة قبل الميلاد، لكنها تتباين معها في أنها تبتعد عن الأسطورة وتركز على أحداث التاريخية، وهنا يكمن ابداع السارد، يدخلنا إلى عالم الماضي السحيق، وما فيه من أحداث وصراعات، لكنه يستخدم طريقة ناعمة وسلسة تمتع القارئ، فالعشق بين "إلهام" الكنعانية" التي ستسمى "نفرتيتي"، و"أمنحتب" الذي سيسمى "أخناتون"، مواضيع مثيرة ومحببة، والسارد هنا يتماثل بفكرة الرواية مع المسرحي الفرنسي "راسين"، الذي جعل نشأة/أسباب الأحداث التاريخية العظيمة الحب، والسعي وراء امرأة، ومسرحية "طيبة" خير دليل على ذلك، والتي تتحدث عن مصر كحال رواية "اخناتون ونيفرتيتي لكنعانية".
تكسير نمطية السرد
يحرر السارد نفسه من التدخل في الأحداث من خلال خلق "منظار الزمن" الذي يرى فيه الأحداث، فبدا وكأنه ليس أكثر من ناقل لما يشاهده في المنظار، فما يجري من أحداث وأفعال وأقول هو (مستقل) عن السارد، وهذا الأمر أعطا الرواية لمسة جمالية، من خلال (تكسير) نمطية السارد، الذي لجأ إليه الراوي في فصول الرواية وأحداثها، فكان كلما أراد (التهرب) من وصف مشهد جنسي، يلجأ لهذا التكسير ليثير القارئ أكثر: "...تطلب منه أن يقول فيها كلاما يشعرها أنها ما تزال امرأة فتية، يشتهيها الشباب ذو القدرة على الفعل.. ولتحقيق هذا ينحني أمامها ثانية، ويتجرأ على إثارتها بمداعبة يدويه تسيل لعابها، وقبل أن يمد يده الأخرى بإثارة ذكورية، يسدل الستار، ويغلق باب غرفة النوم على وجاق النار، فصرت لا أشاهد ما يحصل" 46، بهذا الشكل استطاع السارد أن يحرر نفسه من الدخول في تفاصيل لا يريد التعمق فيها، لكنها تثير القارئ أكثر، فتجعله يهيم بخياله بما يجري وراء الستار.
و"منظار الزمن" كان أيضا وسيلة لتقديم أحدث تاريخية صرفة: "وبناء على طلبي، ينقلني المنظار إلى عصر لاحق، حيث يدخلني إلى مستودع للملك اخناتون، الذي يسمى أرشيف العمارنة، أو رسائل العمارنة، أسير في سراديبه المذهلة، ثم اتوقف عند ألواح بدرية.. أطلع على وثائق رسمية امبراطورية كان الملك يخزن فيها كل ما لديه من مخطوطات .. أشاهد فيها كلمات ليست كالكلمات..
"أرجو أن يحاط سيدي الملك علما بأني ضريت بقوة من قوات العرب الراحلة
التي هاجمت الأراضي التي أعطاني إياها مولاي الملك
ولعله يحاط علما بأن إخواني تخلوا عني جميعا
إلا عبدك حيبا الذي خاض معي الحرب ضد العرب الرحل" ص60، فالسارد يقدم معلومات تاريخية مجردة، لكنها تأتي ضمن سياق السرد الروائي، من هنا يكمن تألق السارد، تقديم مادة تاريخية ـ كان من الصعب على القارئ الوصول إليها، من خلال نص روائي ـ وهنا تجتمع المتعة الروائية مع المعرفة التاريخية، مع سلاسة وسهولة السرد.
واللافت في "منظار الزمن" أنه جعل سرد الرواية يأتي من خلال (قناع) يبعد السارد على الإحراج، ولكنه في ذات الوقت هو من ينقل لنا الأحداث والمشاهدات، بمعنى أنه يستطيع أن يغيب/يخفي/يحجب ما يريده، وينسبه لمنظار الزمن، وهذا (اللعبة) أحدثت جمالية في الرواية، وأيضا أعطت السارد حرية (نقل) الأحداث بصورة (تبدو) محايدة.

،
المرأة في التاريخ
هناك أكثر من أمرة في الرواية، "تيي، إلهام، بدرية، موت نجمت" فتيتي و إلهام كنا لهما دور كدور الرجال في الأحداث، فالملكة "تيي" التي كان زوجها غارق في الملذات هي من تحافظ وتسير أمور المملكة المصرية، "وإلهام/نفرتيتي" هي التي ساعدت زوجها "أمنحتب/أخناتون" على تأسيس دوين التوحيد "أتون"، أما "موت نجمت" شقيقة "إلهام" فتقيم علاقة حب مع "حور محب" قائد الجيش المصري، وتشاركه التخطيط والاحتفاظ على خط متوازن بين اتباع الإله "أمون"، ودين التوحيد "أخناتون".
كما أن (غياب) "امنحتب الثالث" كليا عن الأحداث، حتى أننا لم نسمع صوته بتاتا، وكل ما جاء من معلومات متعلقة به كان على لسان زوجته "تيي" يؤكد على قوة وهيمنة المرأة/تيي، وإذا أضفنا إلى ذلك أن "أمنحتب" ما كان ليحقق انتصاراته السلمية في بلاد كنعان دون وصيا امه "تيي" ودون الدعم الذي قدمته له الأميرة "إلهام".
وما كان يستطيع أن يعلن الدين الجديد "أتون" دون الدعم الذي حصل عليه من "تيي وإلهام/نفرتيتي"، كل هذا يجعل المرأة هي سيدة الرواية دون منازع.
تتحدث "تيي" مع ابنها "أمنحتب" وتقدم له معرفتها في أدارة الدولة: "...لا شيء يسمى حقيقة، فنحن ولدنا في متاهة، ونعيش في متاهة، وسنوت في متاهة، فلا تفكر في الحقيقة، ولا نجعل أفكارك لسانا.. فهناك كلام العامة، وهو الإله أمون، كلام للخاصة، وهم أقرب الأصدقاء والمفكرين، كلام الخاصة الخاصة وهو أنت وحدك لا شريك لك، فلتقل وحدك لنفسك أن حقيقة الإله أتون، ولا تقل ذلك للناس، لأن الحقيقة هي ما يجمع عليه القوم، حتى لو كان خطأ.
...تعال لتستعد للإبحار إلى بلاد الكنعانيين، فالأمور تزداد تعقيدا هناك، وأبوك الامبراطور أمنحتب الثالث الفاجر بلذاته، لا يلتفت إلى أذرع إمبراطوريته العظمى" ص52و53، فغياب الملك "امنحتب الثالث" عن الأحداث أكد على دورة "تيي" وأهميتها في الحفاظ على وحدة المملكة المصرية وأدارتها، وهذا المشهد يؤكد على أنها كانت (تنكر ذاتها) وتتفانى في خدمه وطنها، فليس اصعب على المرأة من أن يتركها زوجها ويذهب إلى أخريات، لكن الملكة "تيي" كان تتجاوز عن هذه الاساءة، وترى أمور المملكة أهم من مشاعرها، لهذا اتجهت نحو ابنها "امنحتب" وقدمت له النصح، كما أنها ركزت على سلامة ووحدة اراضي الامبراطورية.
وتقدم النصح لولدها أثناء حملته العسكرية على بلاد الكنعانيين، واعطته الطريقة المثلى في التعامل معهم: "أريدك في هذه المواجهة أن لا تبدأ بالقتال، بل أن تتسلح بالحوار، وتحافظ على حسن الجوار، مع ملوك تلك البلاد وقادة جيوشهم، فلا تصطدم سيوف مقاتليك مع سيوفهم، إلا إذا وقع المحظور، مما لا تحمد عقباه، لا تدع رماحك تنطلق نحو حصونهم، ولا تقطر دماؤهم من سيوفكم، إلا إذا أجبرك الشديد القوي.. قم بواجبك نحو الامبراطورية يا ولدي" ص54، "تيي" تجمع بين الخبرة العسكرية وبين الدبلوماسية، فهي لا تريد الحرب، لكنها تريد أن تُظهر قوة مصر على كل من يحاول الخروج عليها، وتريد أن تحافظ على حياة الجنود من الطرفين، فهم (ذخيرة) لإمبراطورية في مواجهة الاعتداءات الخارجية.
وتسهب الشرح في كيفية ترتيب الحملة، كما يجب أن تكون: "فكر بما تحتاجه للإبحار، إضافة إل السفن وطواقم الجيش المدرب على القتال بعدده وأدوات حربة، ولتحملوا معكم إلى هناك مخزونا كافيا من الطعام والماء، فبعد بلاد النيل قد تشح المياه في بعض المواقع، حيث لا نيل.
وفي خروجك بجيشك العرمرم إلى بلاد كنعان لا تتجاوز أن تهزم ذنب الكلب أمامهم، فإذا ارعوو، كان به، وإلا فالسيطرة على بلادهم، بدون إراقة دماء.. فنحن مهما حصل، نعتبر أمة واحدة" ص78، "تيي" هنا تمثل القائد العام للجيش وحتى الملك نفسه، فالتوجيهات والتعليمات التي تعطيها ل"أمنحتب" تشير إلى خبرتها وحنكتها في ادارة الحرب والطريقة المثلى في التعامل مع (التمرد)، وخروج (الحلفاء) على الامبراطورية المصرية.
وهي لا تنسى التوصل بين الجيش والمركز في مصر: "...أذهب الآن إلى مزيد من الاستعداد، .. على أن تخبرني برسائل أسبوعية عن خطتك في السيطرة على جنون المعارك" ص80، كل هذا يجعلها امرأة ذات قدرات قيادية، ليس في السلم فحسب، بل في أدارة المعارك والتعامل مع المتمردين/المعارضين" أيضا.
وهذا التفاني في خدمة الدولة المصرية نجده عندما أصبح "أمنحتب" الملك "اخناتون" وأراد تقسيم معبد الكرنك بين الإله "أمون" والإله "أتون": "ولو أنني لا أرفع علم دينك الجديد يا ولدي، بل ألتزم بأمون، إله أبيك وجدادك، إلا أنني تحت إصرارك، لا أعارض تقسيم الكرنك الذي نحب ونقدس، فتأخذ لأتون حصة من القاعات والأديرة، ليمارس جماعتك فيها الذين الجديد.. على أن لا تؤذي أحدا من أتباع أمون، أو تستنفر الجيش ضدهم" ص121، اللفت في هذه الكلام أن "تيي" توازي من مشاعرها كأم، وأيضا كملكة، فهي تقر ولدها على ما يريد فعله، وفي ذات الوقت تنصحه بالطريقة الصحيحة التي لا تثير الآخرين عليه.
أما المرأة الكنعانية فنجدها في شخصية "إلهام/نفرتيتي" بدرية، موت نجمت" فنجد "إلهام/نفرتيتي" تتخوف من المعركة التي ستنشب بين حبيبها "أمنحتب" وأهلها: "...إذ كيف ستقوم معركة بيننا، وكيف سواجه ذلك القائد الشاب في معركة هادرة لا تبقي ولا تذر، والأدهى والأمر، كيف سيواجه أبي بهذه الجيوش التي تجمعت من كل ممالك كنعان؟،... سأهجم أنا وأمد كلتا يدي، لأقف الحرب بذراعي، وأقول لهم بأنني أحبه، فلا تمتد له يد إلا لتضمه إلى حضني.. سأكشف لهم كلهم أن كل هذه الجيوش لم تأتي، وتتجمع هنا، إلا لتحضر حفل زفافنا، سأقول لهم، يا ويلي، إذ كيف ستسيلون دماء قلبين على تراب مجدو؟، لا اعتقد ذلك.. لقد اتفقت معه على السلام والمحبة بين شعبينا، وقد فهم مني ما أضمرته من المحبة بيننا.. ولكن مهما حدث، سأضع روحي على حد سيف المعركة.. سأبذل جهدي لمنع هذا الدمار والمخيف" ص64و65، الجميل في الرواية إيجاد هذه المشاعر الناعمة في وقت الحرب، فالسارد يخفف على القارئ من صخب المعارك، ويقدم الحب، وأي حب، حب الشباب المندفع والنقي، لهذا تنحسر الحرب ويتقدم الوفاق، ويتم الصلح ويتم زواج "أمنحتب وإلهام".
ونجد "بدرية" القائدة الاجتماعية تجيب على تساؤلات النساء": "ما دمنا في لقاء نسوي، أريد أن اتعلم منكن سيدتي.. هل تجوز علاقة الحب قبل الزواج؟ فقالت بدرية:
الربة عنات تدعو للحب الطاهر البريء، ولكنه الحب غير المتورط بالممارسة الجنسية، وهي تدعو لعدم ممارسة الحب من دون التزام بعقد زواج، وتشدد على أن تلتزم المرأة بزوج واحد، وأن لا تعدد الأزواج" ص67، فرغم أن الأجواء كانت أجواء حرب، إلا أن هذا لم يمنع نساء الكنعان من تناول مسائل حساسة، وهذا يشير إلى الحرية التي كانت تنعم بها نساء كنعان في الماضي، وعلى أنهن كنا يتناقشن في أمور متنوعة ودون وجود أن محظورات أو ممنوعات.
التراتيل الأتونية
هناك أكثر من عشرة تراتيل دينية متعلقة بالإله التوحيد أتون، وهذا أضاف على الرواية جمالية أخرى، لما في هذه التراتيل من بياض وتمجيد للإله الواحد الأحد:
"يا من بأشعتك المرسلة إلينا
تستطيع الحيوانات الوقوف على أقدامها
والحركة، للقيام بأعمالها
والأنعام ترعى أعشابها
والطيور تتطلق سعيدة من أعشاشها
وترفرف بأجنحتها مسبحة بروحك
وكل الأشجار لا تعطي ثمارها إلا بنورك
والسفن لا تسير إلا بطاقتك
وكل طريق لا ينار إلا ببصيرتك
والأسماك لا تسبح في النهر إلا بقوتك
ولا تصعد من أعماق البحر، إلا بطاقة نورك
والكائنات الحية لا تعيش في البحار
إلا بأشعتك التي تنير قلبها كأنه نهار
أيها الذي تجعل من الماء حياة
وتخلق النفس التي تتناسل وتتكاثر
فتنعم الحركة والبركة على الأرض
أيها الإله الواحد الأحد
الذي أحييت الأرض نورك المنفرد
وأعطيت كل مكان من خيراتك
وأمنت له ظروف عيشه
الكل يحصل علة غذائه
من نورك العميم
وأنت تقدر عمره، وعطاءه
يسر لجيشنا سواء السبيل" ص97و98،
الجميل في هذه التراتيل تناولها للحياة، للطبيعة وما فيها من كائنات، ونحن نعلم أن الطبيعة احد عناصر التخفيف/الفرح التي يلجأ إليها الأدباء/الشعراء، فهي تمنح الكاتب والقارئ الفرح، كحال المرأة والكتابة/الفن" وإذا ما توقفنا عند الترتيل السابق سنجد حضور لافت للطبيعة وما فيها من بهاء وجمال، وكأن السارد يقدم لنا (أنشودة) غنائية عن الطبيعية، وإذا أضفنا إلى ذلك تقديم معلومات معرفة عن طبيعة إله التوحيد "أتون"، نكون قد حصلنا على معرفة وعلى متعة معا.

مواجهة الظلم
وما يحسب للرواية تقديمها امتعاض المجتمع من الظالم، والعمل على مواجهته، وعندما ترى الملكة، أعلى رأس في الدولة أن أتباعها يتطاولون في غيهم على الناس، فإنها تواجههم، وتضعهم عند حدهم: الملكة "تيي" تخاطب كبير الكهنة "ماريبتاج": "لقد استقويتهم على المملكة، فصارت الأتاوات التي يجمعها رجالكم من الناس على كل باب وفي كل طريق، أعلى من الحصص التي يدفعها المصريون للدولة، والأدهى والأمر من هذا أن الذهب والفضة الذي تأخذونه للمعابد معظمه لجيوبكم، ...أنتم تجبرون الناس على الصلوات في المعابد، وتبتزونهم بدفع المعلوم، فيصلون ويدفعون، متجاهلين النساء الجميلات اللواتي تحتفظون بهن في بعض زوايا المعابد لتمارسوا معهن الحب في أي وقت تشاؤون... وصارت ممتلكات الدولة تتراجع .. وقد يصل الأمر إلى ثورة عارمة ضدكم، ثورة تدمر الإمبراطورية كلها، وتقلبكم معها إلى درك أسفل" ص ص50و51، من هنا يمكننا تفهم موقف "الملكة تيي" من تمرد الكنعانيين على الحكم المصري، فهي ترى أن أوضاع الناس تسوء في ظل وجود أدارة فاسدة وفاشلة في الدولة وماليتها.
إذ كان هذا قول الملكة، فكيف حال الآخرين، المظلومين؟، يخبرنا الملك الكنعاني "رافائيل" عن أحوال بلاده في ظل الحكم المصري فيقول: "أنتم تعرفون أننا نواجه وضعا لا يطاق تفاقماته، من تعديات الفراعنة على ممالكنا الكنعانية، ابتداء من بحر كنعان العظيم، وصولا إلى بابل، الحدود الشرقية لبلاد شعبنا، والباب الشرقي للإله إل فتكون باب ال.
لقد تعودت بلادنا على التعامل مع المصريين بمحبة وأخوة، وتبادل تجاري، وعلاقات متوازنة، ولكن الفراعنة صاروا يستقطبون الانتهازيين من أبناء جلدتنا الكنعانيين، فيأخذونهم معهم إلى بلادهم، ويدربونهم على الإدارة التي يريدون، ثم يجهزونهم بوسائلهم الخاصة، ويرسلونهم ليكونوا حكاما على رؤوس ممالكنا، ليس لإثرائها، ولكن بصفتهم عملاء لهم" ص40، وبهذا يكون النظام المصري أصبح يتمادى في حكمه وفي تعامله مع الناس، إن كانوا في مصر أو في بلاد كنعان، وهذا استوجب وضع حد لهذا النهج الذي ينغص حياة الناس ويجعل حياتهم جحيم، من هنا جاءت الجيوش من المدن الكنعانية لتقف في وجه الظلم المصري، وتوقف الاستنزاف المادي والزراعي الذي ينهبه عملاء مصر وأعوانهم.
ويأتي الكاهن "إسماعيل" ليؤكد على ضرورة مواجهة الظلم والطغيان المصري، فيقول: "يا ابناء العشيرة: لقد ازدادت الضرائب والأتاوات والجزية التي يدفعها أفراد شعبنا لنظام الفرعون، فلم نعد نطيق لها صبرا، فخرجنا ثائرين، ليس لنا مطلب للحروب، وإنما مطلب للبقاء .. مجرد البقاء.. وبالمقابل وجدنا أنفسنا نحن الكنعانيين المسالمين، مضطرين لحماية فقرائنا ممن صاروا يغتصبون قوتهم بأظافرهم، وينهبون مشتهياتهم من عيون الأغنياء" ص42، وبهذا يكتمل الشهود على جريمة وظلم النظام المصري، الملكة المصرية "تيي"، والملك الكنعاني "رافائيل"، ورجل الدين "إسماعيل"، فمشهد الفساد كامل، وأصبح من الضروري مواجهته والخروج منه.

الأخلاق والمثل الكنعانية
في الجهة المقابلة نجد التمرد الكنعاني أخذ صورة المواجهة العسكرية، تجتمع الجيوش لمواجهة مع الجيش المصري، يتقدم (إسماعيل" الكاهن الكنعاني يخطب في الجنود: "...أوصيكم بأن لا تقتلوا غير المقاتلين الذين يهاجمونكم، وأن لا يغتصب أحدكم امرأة تستجير، ولا يشتهي أحدكم امرأة قريبه، ولا يسرق إلا تحت شدة الجوع والحاجة، ولا تدعوا أحدا يعاني من شدة الفقر، فقد يصل الفقر إلى درجة الكفر... ولا يشهد أحدكم شهادة زور،... أوصيكم أن تكرموا آباءكم وأمهاتكم، وأن تحسنوا إليهم" ص42، الظلم واحد في كل العصور والأمكنة، ومواجهته ضرورية للمجتمع وللدولة، فبإزالته يتطهر المجتمع وتتطهر الدولة، ولكن على البديل أن يمتلك ما هو أفضل، وهنا تأتي الأخلاق والمثل، فبدونها يكون النظام الجديد نسخة عن سابقه، لهذا نجد الكاهن "إسماعيل" يركز على الأخلاق، أكثر من استنفار الجنود للحرب والقتال.
أخلاق أمنحتب
في المقابل لا يقل المصري أخلاق عن الكنعاني، لهذا نجد الأمير "أمنحتب" يتحدث بروح إنسانية بعيدا عن لغة القوة والعنف، رغم أن مصر كانت تعد من أقوى الدول في تلك الفترة، لكن الأخلاق والتربية الإنسانية هي التي سادت في المنطقة: "...أنا شاب مسالم، لا أحب الحروب، ولا أحب قتل الحيوانات الآمنة، ولا أذبح الأيائل، بل أحب أن أراها وهي تطارد في الغابة، أو في السهوب الواسعة، تصوري يا أميرتي الصغيرة، لو أننا أبقينها على حيوانات البرية، ولم نأكل لحومها، لبقيت الطبيعة متكاملة بمكوناتها، ولصارت الحياة فيها أبهى وأجمل" ص28و29، بهذه الرؤية الإنسانية يرى "أمنحتب" الطبيعة والحياة الطبيعية، لو قارنا منطقه مع عصرنا لوجدناه من أنصار أو مؤسسي حزب الخضر.

الحياة الكنعانية
قلنا أن من جمالية الرواية النعومة التي جاءت بها المشاهد والأحداث، يقدم لنا السارد هذا المشهد التراثي، الذي يبدوا وكأنه جاء من الجنة: "وبين خضرة أوراق المحمة وأغصانها المتشابكة فوق قطوف عنبها الدانية، لدرجة تعتيم الأرض تحتها، ينحني عمال شباب أقوياء، ترافقهم صبايا فتيات، تجدهم يقطفون العنب، ويجمعونه في صناديق خشبية كبيرة، توضع مزدوجة فوق برادع حمير قوية.. أرى منها حمارا أبيض يقترب حجمه من حجم بقل، ويقوده عامل قوي العضلات، ويتجه به نحو جون عصير حجري مرتفع، كبير الاتساع.. حيث تثيرني أجساد ثلاث صبايا جميلات، وهن يرقصن أشباه عاريات، بسيقانهن المكشوفة إلى مستوى المكشوف، فوق قطوف العنب، وكل منهن تمسك بطرف التنورة التي لا تكاد تغطس شيئا من جسدها الملتهب الرغبة، وكأنهن في حفل رقص ساحر الفتنة.
أجدهن يتابعن الدوس المتواصل عليها بأقدامهن الحافية، فيفعصنها، لتسيل دماؤها حمراء قانية، بينما تعبئ صبية عصيرها النازف من ثقب سفلي للجرن المحفور في الصخرة المرتفعة عن الأرض، ليسمح بصب العصير الناتج، والذي ينزل مصفى في جرار فخارية مصقولة، ... ومن بعيد، يلفتني مشهد حب لشاب متدفق الحيوية، يقف ملتصقا بشابة بضة غضة، شبه عارية." ص21و22، فمثل هذه المشاهد جملت الرواية، حيث أخذت القارئ إلى زمن الاجداد والهناء الذي كانوا ينعمون به، فبساطة الحياة ومتعتها، وحضور الطبيعة بخيراتها، جعلت المشهد وكأنه قادم من السماء، من الجنة.



حياة الملوك في مصر
والمشاهد من مصر لا تقل جمالا عن الحياة الكنعانية، لكن الفرق بينهما، أن الأولى كانت في الطبيعة، في كروم العنب، والثاني كان في القصور الملكية:"... يدهشني مشهد آخر داخل قصر المحمية المعزول عن سائر خلق الله، والذي لا يقارن بقصره في طيبة، إذ أجد الملك يتحدث مع أحدى حورياته العاريات تماما، ووصيفاتها العاريات مثلها، من بنات عشتروت، (ربة العشق والبغاء المقدس) داخل قاعاته الكبرى.. لا أعرف ماذا يقول لهن.. فقط أجدهم يتضاحكون ويتلاعبون... أرى فتيات الحسان اللواتي، يأتين ويذهبن للقيام بأعمالهن المعتادة، بمنتهى البساطة، بدون تكلف، وهن عاريات، لا يستر أجسادهن أي لباس .. يا إلهي ...! ما هذا الفضاء الغامر بالجمال والمحبة" ص22، هكذا كان حال الملك، أما الملكة فهي أيضا لا تقل عن زوجها متعة وبهجة: "بعد تدليك جسد الملكة تيي السمين بعض الشيء بالغرين المجلوب من أحد الكهوف الملكية العميقة في نعر النيل النوبي، تقوم الوصيفات بغسلها بالماء الدافئ .. ثم يخرجنها بعناية فائقة، من الحمام، بينما تحتضنها وصيفتان بالمناشف القطنية الناعمة، لتجفيف جسدها، وهي تمازح ‘حدهن بقولها:
"أريد أن أستبدل كلا منكما بشاب يحتضنني ليقوم بتجفيفي بقوة فحل، فتجيبها أحداهن بقولها ضاحكة:
"إذا جففك فحلان بقوة، فسوف تتبلين بماء الذكورة يا مولاتي، وستطرين لأن تعودي فتتطهرين بالاستحمام من جديد، وتعلق ثانية باسمة على ما تسمع بقولها:
"وهل هناك أمتع من الابتلال بماء الذكورة" ص44، مثل هذه المشهد والأحاديث تضيف لمسة جمالية على الرواية، وتمتع القارئ وتسهل عليه التقدم أكثر من الأحداث، كما أن (انفتاح) الملكة على خدمتها وبهذا الوضوح يشير إلى الروح الشباب والرؤية المنفتحة التي تتعامل بها الملكة مع وصيفاتها، وإذا ما قارنا الكلام الملكة في الحمام مع الوصيفات، بذلك الذي وجهة به كبير الكهنة "ماريبتاج" يتبين لنا أن "تيي" تحسن الخطاب وتواجه كلا حسب موقعه ومنطقه، فهي في الحمام غيرها في الدولة، وهي مع البسطاء بسيطة وعادية، ومع الرسمين رسمية ومتشددة، ومع الابناء أم وناصحة، وهذا يؤكد على أهمية وقدرة ومكانة المرأة التي تستطيع أن تمارس كل هذه الأدوار وبشكل متألق وسليم.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف