الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رابحة بقلم:عبد العزيز شبراط

تاريخ النشر : 2020-06-01
رابحة
كانت القرية تبدو هادئة؛ وسكانها لطفاء و طيبون؛ وغير مبالين بأمور غيرهم؛يهتمون بأعمالهم ويحرصون على مصالحهم فقط ؛ ولا يتدخلون في الشؤون العامة للقرية أو يحاولون إبداء الرأي؛ والاطفال متجمهرين على دكاكين السكاكر؛يلعبون؛ يصيحون؛ وينطون على بعضهم البعض؛ كانت القرية تعيش زمنها وكأنها فاضلة و خالية من المشاكل والمتاعب؛ وحدها السيدة رابحة كانت تعرف ما يقع؛ وهي تنظف أمام باب منزلها؛ وتسب وتوزع اللعنات على كل المارة؛ وتنعت الرجال بالجبناء؛ وتصف النساء بالغبيات؛ وتثير الفوضى مع نفسها؛ ما ان تنطلق في السب والقذف والصياح؛ حتى يلتحق بها الاطفال و يتجمعون حولها و يعيدون كلامها ويشجعونها بالتصفيق والصراخ للمزيد؛ كان المشهد يبدو وكأن السيدة رابحة تقود جوقة من المتظاهرين؛ كانت وكأنها تؤطر حلقة من حلقات النقاش برحاب الجامعات؛ أو كأنها تخطب في الناس ليصوتوا من أجلها في انتخابات بلدية؛لم تكن هذه طبيعتها التي عاشتها مع زوجها طيلة الاربعين سنة من الزواج؛ لكن حياتها الهادئة؛ المتواضعة؛ انقلبت رأسا على عقب؛ منذ ان مات - قتل- زوجها السنة الماضية؛ متأثرا بجرح غائر بإحدى كليتيه؛ على إثر ضربة سكين حادة -مثل أقوال سادة القرية -؛ قالوا يوم المحاكمة أنها كانت ضربة طائشة غير مقصودة؛ بل قال الفقيه أن الرجل سقط على السكين فأصابته؛ ولا ذنب للفاعل وسيبقى حرا طليقا؛ ويسمح سيد القبيلة بدفن الجثة؛ وفي الحين يتم نسيان القضية.
تحولت رابحة من يومها الى امرأة عنيفة؛ساخطة على القرية؛ و كلما تذكرت يوم مقتل زوجها تصاب بأزمة حادة - كأموال سادة القرية-؛ فتسب رجال القرية وتنعتهم بفاقدي الشرف؛ وتعاتب النساء اللواتي لم يبكين معها يوم قتل زوجها؛ و لم يرافقنها الى المقبرة يوم الزيارة؛ بل لم يقدمن لها حتى واجب العزاء.
انها تذكر جيدا ذاك اليوم الذي كان عبوسا والسماء مغطاة بسحب سوداء غير ممطرة؛ و عباس ابن فقيه القرية يجري في كل الازقة؛ يصيح ويزمجر؛ ويلعن المارة ويسبهم؛ وبيده اليمنى سكين طويلة براقة؛ تلمع من بعيد عندما تنعكس عليها أشعة الشمس المغطاة بالسحب السوداء؛ سكين تستعمل خصيصا لذبيحة الجمال؛ كان يلوح بها في كل الاتجاهات؛ والناس يهربون من أمامه؛ والاطفال يختبئون خوفا؛ والنساء تولولن وتصيح؛ و فجأة تصيب السكين ظهر زوج رابحة؛ و يخر المسكين ارضا وسط بركة من دمائه؛ لم ينتبه عباس لفعلته؛ فترك المغضور لمصيره؛ وواصل طريقه يلعن ويسب الجميع؛ لم يجرؤ احد على ايقافه؛ أو حتى الاسراع لمساعدة المجروح؛ كان زوج رابحة مسنا يقتات هو وزوجته من مداخيل تجارته البسيطة؛ يبيع أمام منزله سلاطة وبقدونس وليمون؛وزوجته تشتغل بالبيوت؛ كانت نساء القرية تلوكن أن رابحة فقدت عقلها بعد مقتل زوجها غدرا؛رابحة لم تنس تلك اللحظة التي سقط فيها زوجها صريعا بين قدميها؛ وعجزت عن تقديم المساعدة اليه؛ واكتفت فقط بضمه لصدرها وهي تلطم وجهها بدمه الممزوج بالتراب؛ وتناجي ربها أن يأخذ لها حقها من الظالمين.
الاعيان والاسياد في هذه القرية يعيشون خارج القانون؛ و بأموالهم يشترون الجميع؛ يمارسون حياتهم كما يشاءون؛ و بجانبهم كل السلطات حتى الدينية منها؛رغم تعدد المساجد وقلة المدارس؛ فالاعيان يصنعون الحياة بهذه القرية على منوال العنف والقهر والأمية ونشر الجهل؛ وحدهم كانوا يفعلون ما يريدون؛ والآخرون مجرد خاضعين وخنوعين؛ في هذه القرية تحالف الفقيه والشيطان على الفقراء والمعدمين؛ وسمح هذا التحالف المجنون للاعيان والأسياد أن يحلوا ما يحرم الشيطان ويحرموا ما يحل الفقيه؛ فلا الحرام بين ولا الحلال بين؛ وحدها عملة المال تجعلك سيدا في هذه القرية؛ وتمنحك حق تسطير القانون؛ ونسخ هذا وتعديل الأخر.
كانت رابحة -رغم حالة الجنون التي تظهر عليها- مصرة على تغيير واقع هذه القرية؛ وإعادة تلوين وجهها؛ ومؤمنة بقوة الاطفال الذين يتجمعون حولها ويرددون ما تقول؛ كانت عازمة على مواصلة التنظيف أمام بيتها؛ الى أن تقتنع كل نساء القرية و تلتحقن بها؛ فتنظفن القرية بكاملها؛و حينها تنهار عملة المال وتحل محلها عملة النظافة والتنظيف.
ذات صباح بارد وممطر والضباب الكثيف يحجب الرؤيا؛ وأضواء الشارع الرئيسي باهتة وكأنها تحتج على أمر ما؛والناس منكمشين في بيوتهم؛ الا رابحة تقف وقفة السيدة الشامخة المتمكنة العازمة على التغيير؛ تواصل كعادتها التنظيف أمام بيتها؛ وتراقب الشارع الرئيسي؛ وتسب وتلعن كعادتها الجميع؛ يحدث اصطدام فجأة؛ يتردد صوته في كامل القرية؛ وكأنه رعد العاصفة أمام أعين رابحة؛ فتنطلق زغرودة قوية من فيها؛ تتحزم وتسمح لجسدها المتعب بالرقص والدوران حول نفسها؛ فيهرع الجميع لموقع الاصطدام؛النساء تولولن والرجال يتحسرون؛ والاطفال يتسللون بين أرجل الكبار للاطلاع على الواقعة؛ثم يصيحون :عباس ابن الفقيه صدمته السيارة؛ عباس ابن الفقيه يترنح وسط دماء سوداء متسخة تشتم منها رائحة نثنة فاسدة؛ مات عباس؛ مات عباس.
تحضر الشرطة و الفقيه و سادة القوم وأعيان القبيلة؛ ثم يسأل قائد الشرطة:
من صاحب السيارة ؟
"لا نعرف سيدي؛ لقد ذهب وترك السيارة؛ربما خاف وهرب" يرد احد المتجمهرين.
هرب؛ هههه اين سيهرب؟ سنجده و سيأخد اعدام ؛ بلا شك
"لا لا سيدي ! لن يحدث ذلك قبل أن يذوق عذاب السجن؛ وأرتاح من هول الفاجعة" يؤكد الفقيه.
"فليكن ما تشاء السيد الفقيه" يرد قائد الشرطة.
يتأهب رجال الاسعاف لحمل الجثة؛ ثم يتدخل الفقيه ويمنعهم ويطالب ببقاء الجثة مكانها حتى يظهر الجاني و يعتقل؛يوافق قائد الشرطة بلا تردد؛ ويتراجع رجال الاسعاف.
يبدأ الحاضرون يوشوشون؛ ويتبادلون نظرات الاستفهام بينهم؛ ويخمنون الاجوبة لارضاء قائد الشرطة.
سيدي القائد؛ ان صاحب السيارة هو ابن سيد القبيلة؛ لقد عاد للتو من بلاد الخارج حيث كان يتابع دراسته؛ يؤكد شيخ القبيلة الذي عاد اللحظة.
كم مرة كنت أنبهك؛ ان هذا الجري الذي تمارسه بالشارع العام ليس في مصلحتك وسيضرك يوما ما؛ لكنك كنت عنيدا مثل أمك؛ ها أنت صدمت سيارة ابن سيد القبيلة؛ وأحدث بها أعطابا كثيرة؛ سيكلفني اصلاحها ما قيمته ميزانية شهر من مصروف أمك واخوتك؛ يقول الفقيه مخاطبا جثة عباس.
ثم يلتفت نحو رجال الاسعاف ؟ ويأمرهم بحمل الجثة سريعا الى المقبرة؛ وهو يردد " إن إكرام الميت دفنه"؛ اسرعوا؛ علينا بتعجيل الدفن؛حتى لا تتحلل الجثة في هذا الجو البارد القارص.
يسرع رجال الاسعاف الى وضع الجثة في السيارة؛ ينتظم الحاضرون في صفوف وراءها؛ تتحرك السيارة ببطئ ويتبعها سكان القرية وهم يرددون وراء الفقيه " لا الاه الا الله محمد رسول الله".
وتطلق رابحة خلفهم زغرودتها الطويلة وهي تحدث الاطفال الذين تجمهروا كعادتهم حولها وتقول لهم: انتم من سينظف هذه المدينة من كل الغبار والشوائب العالقة بها؛
عبد العزيز شبراط كاتب من المغرب 08/05/2020
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف