الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المشهد عسكري والإجراءات صحية، كورونا المختفي أظهر للعلن المراقبة الضبطية

تاريخ النشر : 2020-05-24
بقلم:باسل ريان
أكتب في ظل هذه الجائحة العالمية، وأنا أدرك مخاطرها المتتابعة، كما أدرك بأن الخطر حقيقي، وأن هناك أناس يموتون في كل مكان، وأن شللا عاما قد أصاب معظم أنحاء العالم، لكن وأنا مهتم بدراسات المراقبة لا بد من نظرة نقدية للإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدولة، والتفحص في تداعياتها الاجتماعية، حيث ربما ينتهي المرض وتبقى عوارضه الجانبية بحاجة لعلاج.
إن المراقبة الصحية "المراقبة لأغراض صحية" خلال جائحة كورونا انتشرت وبشكل واسع وعالمي وليس فقط محلي، وقد تم اتباع المراقبة لأغراض صحية بهدف الحفاظ على الأرواح في ظل الخطر القائم، وفي الوقت الذي تظهر فيه الاعتبارات الصحية ذات أولوية سائدة، إلا أنها أحد أولويات متعددة أخرى في الحياة، فهل يمكن تبرير كل هذا الاختراق للحياة الخاصة بموجب ذريعة التدابير الصحية؟ فماذا عن الحقوق الليبرالية، والخصوصية، وحماية البيانات الخاصة، وحرية الحركة، وعسكرة الحيّز؟.
في العديد من البلدان حول العالم دفعت الجائحة بمجموعة نشاطات مراقبة وترصد وضبط غير مسبوقة، بهدف تعقب مسارات الفيروس وتركيز الرعاية الصحية في المناطق المصابة والتي سميت "بؤراً للفيروس"، ثم لإبطاء انتشار الفايروس وصولا للقضاء عليه، حتى من خلال التدخل في الديناميات اليومية للحياة بكل تشعباتها، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والدينية، وكل ما لها من ممارسات، ونشأت سياسة التباعد الاجتماعي، والحجر الصحي، والحد من الحركة "شبيه منع التجول في الذاكرة الفلسطينية". وفي دول متقدمة تم ربط مجموعات متعددة من البيانات التجارية وبيانات التواصل الاجتماعي وحتى بيانات المواقع المكانية من خلال الأجهزة الذكية، مع البيانات الصحية من أجل مراقبة الأنشطة التي من شأنها أن تشكل تهديدا للجهود الطبية الرامية لحصار الوباء والسيطرة عليه.
ولكن تداخل مفهوم مراقبة المرض مع مفهوم مراقبة الأفراد يضعنا على مساحة بينية رمادية تتداخل فيها حقوق المؤسسات المختصة في المجال الصحي مع حقوق المواطنين في الخصوصية، فأين يمكن في ظل هذه الجائحة تصنيف ما هو خصوصية في ظل هذه المراقبة الشاملة والضبط العالي للجميع باعتبارهم حالات محتملة لوباء عالمي؟ إن الإصابة بفيروس كورونا كانت تعطي الحق بالمراقبة الشاملة للأفراد، لكن الأكثر من ذلك هو المشاركاتية العالية التي كانت ترافق كل حالة مصابة، فبتنا نعرف العمر والأحوال العائلية والأسرية وطرق انتقال العدوى وأشكال المخاطة والأمراض المرافقة وسير التحركات والتنقلات وغيرها من المعلومات التي ليس من المفترض مشاركتها لو كنا مخيرين!
هذا بالإضافة لعسكرة نشاطات الحد من الوباء، أي قيام الأجهزة الأمنية في كثير من دول العالم ومنها فلسطين بمهمات وقائية صحية، هذا أدخل عناصر الأمن إلى المشهد، وبذلك يبدأ التساؤل عن مدى الربط أو الفصل بين كينونة هذه الأجهزة العسكرية الأمنية وبين مهمتها الجديدة في المجال الصحي، وهذا ربما لا يتفهمه الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني الذي يربط كثيرا بين ممارسات الضبط العسكرية وبين إرث المراقبة الضبطية الاستعمارية، بحيث تتبادر إلى ذهنه صور مختلطة من أنماط مشابهة من الضبطية الاستعمارية، والتي جبل الفلسطيني على مقاومتها، ليس لأنه مشاكس أو مثير للمشاكل، بل لأنه عاش كل ما يمكن أن يصدر عن الاستعمار من وحشية وقمع وملاحقة وضبط وترصد وسجن وجرح واعتقال ونفي وتشريد واقتلاع وتهجير، والقائمة تطول.
لذلك فبرأيي إن أي نشاطات مراقبة وضبط متعلقة بوباء كوفيد 19 يجب ان لا تكون ضمن دائرة اختصاص أي من الأجهزة الأمنية، حيث هي مراقبة لأغراض صحية وطبية، وكذلك تنفيذ قرارات مكافحة الوباء، فالحالة الوبائية الآن هي مسألة كارثة صحية، لكنها في نفس الوقت ليست مسألة أمن قومي، أو وطني، لذلك يجب الانتباه إلى مدى إنخراط الأجهزة الأمنية بما هي "أجهزة أمن" في هذا السياق، وتحديد طبيعة تدخلها وحصره في أنه معاونة لجهود صحية وليس هو بحد ذاته نشاطا أمنيا، بمعنى أن أفراد الأمن على حواجز المحبة، هم جزء من سلسلة تدابير طبية وصحية بهدف السيطرة على الوباء، وهم لا يقومون بنصب حواجز "بالمفهوم الأمني"، وهذا ينعكس على الشكل والممارسة، فرجل الأمن على حاجز المحبة هو في مهمة صحية وليست أمنية، فبالتالي المنطق الداخلي وبنية عملية المراقبة والتفتيش والرصد والتتبع يجب أن تكون بصبغة واعتبارات صحية طبية وليست أمنية بأي حال من الأحوال.
لكن لماذا قامت الدول باستخدام "القوة" كمفهوم ومن خلال أذرع القوة المشرعنة التي تمتلكها الدولة من أجل فرض وسائل الوقاية من الوباء ومواجهته؟ واضح انها مسألة تتعلق بالخصوصية البيولوجية للمرض وسرعة انتشاره وسهولة انتقاله بين الأفراد، فكان لا بد من سياسات صارمة لفرض التدابير الوقائية، ومن أهمها التباعد المكاني والاجتماعي، وهو ما لم يعتد عليه الناس بشكل عام، مع وجود تباينات في الردود العالمية عليه، بحسب تفاوت التغلغل الليبرالي في حياة الأفراد، فبعض المواطنين في بعض الدول تقبل هذا التدخل السافر في شؤونهم حتى بدون وباء، وبعض المواطنين الأكثر لبرلة خرجوا معترضين ومهاجمين لهذه السياسات، وأتذكر تصريح دونالد ترامب عندما قال بأنه يخشى أن تكون عواقب الحجر على الدولة أسوأ من عواقب المرض نفسه، لذلك كان لدى الدول المختلفة برامج مختلفة أيضا تتناسب وأوضاعها الخاصة وخصوصية أنظمتها السياسية والاقتصادية وكل الخصوصيات الأخرى.
وفي فلسطين كان خيار التشدد في تطبيق التعليمات الصحية والطبية لمواجهة وباء COVID 19، وهذا التشدد يتناسب مع مستويات ليست عالية من الليبرالية، ومع إمكانيات صحية وطبية متواضعة، خاصة وأننا لا زلنا نعاني من التبعية للاحتلال، فكل بنى دولتنا تصاغ بتبعيتها المباشرة والمقصودة للاحتلال الاسرائيلي. الأمر الذي جعل كل مؤسسات الدولة تتكامل في جهودها كل فيما يستطيع تقديمه لإنجاح هذه السياسات الوقائية، وكان النصيب الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية كبيرا، فالسطلة الفلسطينية وبعد أكثر من 25 عاما من المفاوضات لم تحقق الانتشار الكامل على كل الأراضي الفلسطينية، وبالتالي شكل الانتشار الجديد، العسكري المشهد والطبي المحتوى، شكل تحديا جديا أظهرت فيه المؤسسة الأمنية قدرتها وجاهزيتها السريعة.
لكن اتخاذ إجراءات مثل الحواجز والمراقبة البوليسية "العسكرية" أو فرض عقوبات مقترنة بخرق تعليمات الحظر والتباعد الاجتماعي وممارسات مكافحة الوباء تدفعنا للتساؤل حول فائدة هذه العقوبات في رفع وزيادة مستويات الوقاية من الوباء من جهة، وبين العقوباتية المرتبطة بالأجهزة الأمنية كونها أجهزة عقابية لا وقائية من جهة أخرى! فالمشهد العام تحول لمشهد عسكري، واصبح لدينا خليط من الإجراءات التي تم القيام بها ما بين الطبية والصحية والعسكرية والأمنية والوطنية، وكلها تقترن بممارسة سلطة القوة أو الضبط، والهدف نبيل جدا، وأدرك ذلك، لكن المشهد العام كان عسكريا.
لكن العسكرانية والعسكرة، هي مفاهيم معبأة بمعاني تستمد فاعليتها وناشطيتها الدائمة في حياة الفلسطيني من خلال الإرث الاستعماري الذي عشناه ولا زلنا نعيشه، فالإمتثال لأوامر الجنود، والهروب من ملاحقة الشرطة، والاختفاء من وسائل الرصد والتتبع والمراقبة، كلها مفاهيم وديناميات موسومة بالعلاقة مع "ممارسة قوة" استعمارية، فكيف يمكن فصل هذه الذهنية عن "ممارسات تدابير وقاية صحية"؟ لذلك ذكرت سابقا بأن أي نشاطات مراقبة متعلقة بوباء كوفيد 19 يجب ان لا تكون ضمن دائرة أي من الأجهزة الأمنية، حيث هي مراقبة لأغراض صحية وطبية.
وإلى ماذا وصلنا اليوم؟ حظر تجول، رصد وتتبع، عقوبات، التزام، عسكرة الحيّز العام، السيطرة عى الحشود، السيطرة على التواصل الاجتماعي، محاولة بيان فوائد التباعد الاجتماعي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي!! كلها تجارب دولية داعمة، وريادية لأعمال المراقبة الجماعية والتشديد البوليسي والعسكري، واقتحام الخصوصيات وتتبع البيانات الخاصة، وكل هذه الأعمال والممارسات هي ضرب من الكابوسانية المحدقة والتي لم نكن نعيشها في دهاليز كوابيسنا اللئيمة!!! إن فرض السيطرة على الشعب بما هو تجميع كلي أكبر من عدد الأفراد، ثم السيطرة على الأفراد بما هم نسيج اجتماعي متداخل ومتواصل، ثم السيطرة على الأفراد بكل خصوصياتهم الفردانية والليبرالية هو حلم مثالي للأنظمة التوتاليتانية أو القمعية أو التسلطية.
الخشية هي مع استمرار الوباء من جهة واستمرار تدابير الوقائية الصحية من جهة ثانية واستمرار اضطلاع الأجهزة الأمنية بدور فعّال في هذه التدابير من جهة ثالثة، قد ينتج عنه معارضة لهذه التدابير، ليس لموضوعها كتدابير وقائية طبية، بل لاختلاط المفاهيم الأخرى التي ستلقي بظلالها للمعادلة، وهي الدور المتوقع من ممارسات العسكرة عموما، والثقة بالإجراءات الحكومية في تخليصنا من مشاكلنا خصوصا. إن المعارضة عموما تكمن في النقيض، وإن وجود أي سلطة سيسهم في إيجاد معارضتها حتميا، لذلك فتدابير مواجهة وباء كوفيد 19 ستولد مع الوقت معارضتها، لذلك يجب العمل في الهامش الضيق المتاح، والذي تستطيع وزاراتنا اقتناصه من ثنايا الانتقالات النظرية بين وجود المرحلة ووجود نقيضها.
إن جزءاً من معارضة وسائل الرصد والتتبع والمشهد المعسكر هو ناتج عن انكشافها للعلن، لكنها في الماضي كانت ممارسات حاضرة وبشكل قريب لما هي عليه اليوم، لكنها كانت مستترة خلف وسائل تمويهية عديدة، فرقابة الدولة مستمرة وناشطة دائما، لكن انكشافها يزيل عنها شرعيتها المكتسبة من الصمت أو عدم المعرفة بها. وإن كان الهدف التالي للمراقبة هو الضبط إلا أنها تحولت لاحقا إلى أسلوب حياة كما يقول ديفيد ليون رائد دراسات المراقبة في كتابه المراقبة كأسلوب حياة، والخشية هي أن ينتهي الوباء وتستمر السيطرة كأسلوب حياة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف