الموت-سيرة ذاتية
نزيه بريك الجولان المحتل
صادرتنا الحربُ، الحربُ التي تتكِئ على كتفِ الحاكم ورأسِ المال، رأسُ المالِ الذي يتكِئ على السلاحِ، السلاحُ الذي يتكِئ على الموتِ، الموتُ الذي يتكِئ على الضعيفِ، والضعيفُ يتكِئ على دعاءِ أُمِه، أو على خطأٍ في التصويب.
صادرتنا الحربُ حتى الحرف الأخير، وطردتنا خارجَ السطرِ، وأمسَيَّنا حروفاً عاريةً تبحثُ عن حباتِ الخرزِ وأواني التشكيل.
صادرتنا الحربُ وسَكنتْ بيوتَنا مثل اليهودِ في الجولان وفلسطين، دون أن تشعرَ بوخزِ الضمير.
صادرتنا ومَدَّت رِجليها أطولَ من البساط، وراحتْ ترقصُ في ساحاتِ لغتنا اليومية، كعروسٍ في ليلةِ زفافها.
صادرتنا وصارت تَتمضمَض فينا كل صباح ومساءٍ وتبصُقنا إلى المقابرِ، والمخيماتِ والمنافي.
حصدت كل جوائز فنون الموت، وعلَّقَت أجسادنا على حبال التبغ، لتصبح صالحةً للتدخين.
صادرتنا الحرب على آخر قرشٍ وآخر نفسٍ، ولم يبقى لنا سوى لوحاتٍ سوريالية، ووقتاً يكفي لأقلِ من ربعِ البكاء اللازم، ولا يكفي لترتيبِ الذاكرة كل صباح ومساء في خزائن الدمع ورفوف الوجع.
صادرتنا والبيوتُ اختنقت بدمِها، والشمس حَجبت وَجهها...، والأنهرُ غيّرت وُجهتِها، والأشجارُ شرِبت ظلّها، والورودُ أقلعَت عن العطر، والنافذة اعتزلت النظرَ إلى الطريق، والحكواتي استبدلَ القصص... والهدهدُ جفّ ريقه باحثاً عن نقطة ماء في وجهِ الحياةِ.
كان الموتُ حقاً أقرَّهُ الله لنا، وصار واجباَ وطنياً بمرسوم رِآسي.
كان عابرُ سبيلٍ، وصار مقيماً، يحملُ الجنسية ورقماً وطنياً.
كان الموتُ أرضَ بورٍ منسية، وصار حديقةَ –حيوانات-، تفتحُ على مدارِ الساعةِ.
كان الموتُ يقفُ في آخر الصفِ أمام المخبز، وصار الخبزَ والخبازَ.
كان شحاذاً يقتاتُ على القدَرِ، وصار غنياً؛ مثل رجالِ السلطة وأمراء الحرب.
كان بواباً وبين طلقةٍ وضحاها صار صاحبَ العمارةِ.
كان الموت مُذَنَّباً يظهرُ ويختفي برمشةِ جناحِ دهشةٍ، وصار الدبُّ الأكبر.
كان يأتي من جهةِ السماء، وصار كالريحِ؛ يأتي من كل الجهاتِ، يدخلُ من البابِ الأمامي ومن ثقوبِ غربال البلادِ.
كان كأحجارِ النهرِ ينامُ كثيراً، وصار يمشي في الشوارع واثقَ الخطواتِ، يشاكسُ الفتياتَ، أو يجلسُ في المقاهي، يدخنُ الشيشة، ويكتبُ تقريراً عن كثافةِ الدخان، عن رائحةِ المقهى، وأنواعِ مشروباتِ اللغة الأكثر تناولاً، وبعد أن يقيسَ حرارة الطاولاتِ، يَلُفُّ التقريرَ كسندويشه في جريدة الوطن العاقر، وينتقل إلى هدفه الثاني.
كان صامتاً كليلِ صيفٍ حارٍ، وصار المُسحّرَ وقارعَ الجرسِ والخطيبَ والمؤذنَ والآمرَ بالمنكرِ والناهي عن المعروفِ.
كان يُدَندنُ كشجرة خريف تلفظ آخر أوراقها، وصار مطرباً يُسجلُ أغانيه مع "فيديو-كلب"، ويظهرُ على الشاشاتِ، ولديه صفحة على "الفيس بوك"، يُغرِّد كل يوم على "تويتر"، مُرفقاً صورة "سلفي" مع ضحاياه، ويحصدُ أرواح "اللايكات" العاطلة عن العمل.
كان مقطوعاً من شجرة، وصار له شجرةَ عائلة، وغابةً من القبورِ وارفةَ البكاءِ.
كان كلباً يعوي في البراري، وصار ذئباً يعوي في شاشةِ التلفاز.
كان أُميّاً بالكادِ يفكُ الحرفَ، ولا يعرفُ الفرقَ بين الألفِ وعصاةِ المعلمِ، أو عصاةِ السجانِ، وصار مثقفاً، كاتباً، خطيباً، يُلقي المحاضراتَ في المنتدياتِ الدولية.
كان أعزباً لا يملكُ ثمنَ المهرِ، وصار ربَّ عائلةٍ بشاربٍ وأنيابٍ، ويُنادونَه أبو الحياة.
كان الموتُ طالباً يتغيَّبُ كثيراً عن المدرسة، وصار معلماً بدوام كاملٍ وساعاتٍ إضافية إرضاءً للجهة المعنية.
كان نصيراً وصار رفيقاً، ثم عضواً –ذكرياً-، ورئيسَ فرعِ المعلوماتِ القاتلةِ.
كان مِثل مالكِ الحزين، يقفُ على رِجلٍ واحدةٍ، وصار يقفُ على أربعةِ أقدامٍ.
كان الموتُ بلا دولة، وصار –مثل الصهاينة-، عندهُ دولةً، ونشيداً وطنياً، ورئيساً، وجيشاً للتنكيلِ والتعفيشِ، وسفراء معتمدين برتبةِ "بالدم بالروح".
كانَ...، وصارَ...، وما زلنا غائبون، مغيبون وصامتون.
نزيه بريك الجولان المحتل
صادرتنا الحربُ، الحربُ التي تتكِئ على كتفِ الحاكم ورأسِ المال، رأسُ المالِ الذي يتكِئ على السلاحِ، السلاحُ الذي يتكِئ على الموتِ، الموتُ الذي يتكِئ على الضعيفِ، والضعيفُ يتكِئ على دعاءِ أُمِه، أو على خطأٍ في التصويب.
صادرتنا الحربُ حتى الحرف الأخير، وطردتنا خارجَ السطرِ، وأمسَيَّنا حروفاً عاريةً تبحثُ عن حباتِ الخرزِ وأواني التشكيل.
صادرتنا الحربُ وسَكنتْ بيوتَنا مثل اليهودِ في الجولان وفلسطين، دون أن تشعرَ بوخزِ الضمير.
صادرتنا ومَدَّت رِجليها أطولَ من البساط، وراحتْ ترقصُ في ساحاتِ لغتنا اليومية، كعروسٍ في ليلةِ زفافها.
صادرتنا وصارت تَتمضمَض فينا كل صباح ومساءٍ وتبصُقنا إلى المقابرِ، والمخيماتِ والمنافي.
حصدت كل جوائز فنون الموت، وعلَّقَت أجسادنا على حبال التبغ، لتصبح صالحةً للتدخين.
صادرتنا الحرب على آخر قرشٍ وآخر نفسٍ، ولم يبقى لنا سوى لوحاتٍ سوريالية، ووقتاً يكفي لأقلِ من ربعِ البكاء اللازم، ولا يكفي لترتيبِ الذاكرة كل صباح ومساء في خزائن الدمع ورفوف الوجع.
صادرتنا والبيوتُ اختنقت بدمِها، والشمس حَجبت وَجهها...، والأنهرُ غيّرت وُجهتِها، والأشجارُ شرِبت ظلّها، والورودُ أقلعَت عن العطر، والنافذة اعتزلت النظرَ إلى الطريق، والحكواتي استبدلَ القصص... والهدهدُ جفّ ريقه باحثاً عن نقطة ماء في وجهِ الحياةِ.
كان الموتُ حقاً أقرَّهُ الله لنا، وصار واجباَ وطنياً بمرسوم رِآسي.
كان عابرُ سبيلٍ، وصار مقيماً، يحملُ الجنسية ورقماً وطنياً.
كان الموتُ أرضَ بورٍ منسية، وصار حديقةَ –حيوانات-، تفتحُ على مدارِ الساعةِ.
كان الموتُ يقفُ في آخر الصفِ أمام المخبز، وصار الخبزَ والخبازَ.
كان شحاذاً يقتاتُ على القدَرِ، وصار غنياً؛ مثل رجالِ السلطة وأمراء الحرب.
كان بواباً وبين طلقةٍ وضحاها صار صاحبَ العمارةِ.
كان الموت مُذَنَّباً يظهرُ ويختفي برمشةِ جناحِ دهشةٍ، وصار الدبُّ الأكبر.
كان يأتي من جهةِ السماء، وصار كالريحِ؛ يأتي من كل الجهاتِ، يدخلُ من البابِ الأمامي ومن ثقوبِ غربال البلادِ.
كان كأحجارِ النهرِ ينامُ كثيراً، وصار يمشي في الشوارع واثقَ الخطواتِ، يشاكسُ الفتياتَ، أو يجلسُ في المقاهي، يدخنُ الشيشة، ويكتبُ تقريراً عن كثافةِ الدخان، عن رائحةِ المقهى، وأنواعِ مشروباتِ اللغة الأكثر تناولاً، وبعد أن يقيسَ حرارة الطاولاتِ، يَلُفُّ التقريرَ كسندويشه في جريدة الوطن العاقر، وينتقل إلى هدفه الثاني.
كان صامتاً كليلِ صيفٍ حارٍ، وصار المُسحّرَ وقارعَ الجرسِ والخطيبَ والمؤذنَ والآمرَ بالمنكرِ والناهي عن المعروفِ.
كان يُدَندنُ كشجرة خريف تلفظ آخر أوراقها، وصار مطرباً يُسجلُ أغانيه مع "فيديو-كلب"، ويظهرُ على الشاشاتِ، ولديه صفحة على "الفيس بوك"، يُغرِّد كل يوم على "تويتر"، مُرفقاً صورة "سلفي" مع ضحاياه، ويحصدُ أرواح "اللايكات" العاطلة عن العمل.
كان مقطوعاً من شجرة، وصار له شجرةَ عائلة، وغابةً من القبورِ وارفةَ البكاءِ.
كان كلباً يعوي في البراري، وصار ذئباً يعوي في شاشةِ التلفاز.
كان أُميّاً بالكادِ يفكُ الحرفَ، ولا يعرفُ الفرقَ بين الألفِ وعصاةِ المعلمِ، أو عصاةِ السجانِ، وصار مثقفاً، كاتباً، خطيباً، يُلقي المحاضراتَ في المنتدياتِ الدولية.
كان أعزباً لا يملكُ ثمنَ المهرِ، وصار ربَّ عائلةٍ بشاربٍ وأنيابٍ، ويُنادونَه أبو الحياة.
كان الموتُ طالباً يتغيَّبُ كثيراً عن المدرسة، وصار معلماً بدوام كاملٍ وساعاتٍ إضافية إرضاءً للجهة المعنية.
كان نصيراً وصار رفيقاً، ثم عضواً –ذكرياً-، ورئيسَ فرعِ المعلوماتِ القاتلةِ.
كان مِثل مالكِ الحزين، يقفُ على رِجلٍ واحدةٍ، وصار يقفُ على أربعةِ أقدامٍ.
كان الموتُ بلا دولة، وصار –مثل الصهاينة-، عندهُ دولةً، ونشيداً وطنياً، ورئيساً، وجيشاً للتنكيلِ والتعفيشِ، وسفراء معتمدين برتبةِ "بالدم بالروح".
كانَ...، وصارَ...، وما زلنا غائبون، مغيبون وصامتون.