الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل السادس من كتاب "مآلات التطرف في إسرائيل"

تاريخ النشر : 2020-05-19
الفصل السادس من كتاب "مآلات التطرف في إسرائيل"
بقلم:اللواء د. محمد المصري-   د. أحمد رفيق عوض

الفصل السادس

بؤر التكفير المحتملة في المجتمع الإسرائيلي

بالنظر إلى تاريخ الجماعات المتطرفة والإرهابية والسِيَر الشخصية لزعمائها وبعض أعضائها أو الذين اشتهروا فيها ومن خلالها، فيمكن القول: هناك بؤرُ متعددة يمكن أن ينشأ فيها مثل هذه الجماعات، إذ تُشكّل هذه البؤر بيئة حاضنة لهذا الفكر تغذيه وترعاه ليكون خطراً محدقاً بالمجتمع الذي أنتجه فضلاً عن العدو الخارجي، ومن هذه البيئات المحتملة ما يلي:

أ‌.       الحركة الاستيطانية: التي تضم في صفوفها حاخامات وطلاب توراة وجنود ومسئولون كبار ومطاردون وفقراء ومهاويس من كل الأنواع، الحركة الاستيطانية في الضفة المحتلة هي ذراع استعماري تستخدمه حكومة إسرائيل وتغذيه أطراف دولية متعددة ترى في الاستيطان مشروعاً لاهوتياً أيضاً، وبرأينا فإن المستوطنين – في لحظة من اللحظات – لم يعودوا مجرد جنود في مشروع استيطاني حكومي، بل أخذوا ينفصلون عن هذه الرؤية ويؤسسون لأنفسهم وظيفة أخرى – ليس فقط إلهية وإنما تاريخية وبشرية -.

المستوطنات الآن (2019) هي مستوطنات لا تشبه مستوطنات السبعينات من القرن الماضي على الإطلاق، صحيح أنها جزء من مجتمع استعماري يفرض سيطرته على المنطقة، ولكنها – في ذات الوقت – استقدمت معها كل عيوب ونواقص المجتمع الاستعماري الأم، يضاف إلى ذلك أن المجتمع الاستيطاني في الضفة المحتلة له مصالحه السياسية والاقتصادية والدينية، أي أنه أصبح أكثر تأثيراً في الدولة والمجتمع، وأصبح يجر معه المجتمع الاستعماري الأم لقضاياه وانشغالاته، إلى درجة أن قوى سياسية "يسارية" انتقدت الانفاق الكبير على الاستيطان والمستوطنين وعدم الاهتمام بالطبقات الفقيرة.

ليس هناك رقم دقيق لعدد المستوطنين في الضفة والقدس المحتلتين، ولكن يمكن القول أن عدد هؤلاء يقترب من مليون شخص، قد يختلفون في درجة التعصب أو التطرف، وقد يختلفون في دوافع الاستيطان، ولكنهم في معظمهم يُشكّلون كتلة بشرية قابلة للتنظيم والمبادرة من اجل الدفاع عن مصالحهم ورؤاهم الدينية المتطرفة، إن معظم الهجمات الإرهابية ضد الفلسطينيين ينفذها أشخاص يسكنون مستوطنات الضفة المحتلة، وهم أشخاص محميون ومدعومون من تنظيمات تحت الأرض وفوقها، وتحاول هذه التنظيمات أن تبدو وكأنها بعيدة عن أعين المخابرات الإسرائيلية، وقد يكون ذلك صحيحاً في بعض الأحيان[1].

إن المستوطنين في الضفة والقدس المحتلتين، الذين أصبحوا ثقلاً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وسياسياً، كما أصبحوا مجتمعاً مجاوراً للمجتمع الاستعماري الأم، فيما يوصف بأنه "إسرائيل ب"، فهم يكشفون عورات إسرائيل الأمنية والأخلاقية والسياسية، كما يهددون مستقبل الدولة والمجتمع فقط، فمن أوساطهم قد تظهر جماعات تطرف وتكفير للأسباب التالية:

1.    في حالة تسوية تتطلب طردهم كلياً أو جزئياً.

2.    في حالة تدهور أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية.

3.    في حالة ظهور شخصيات مهووسة ترى في إسرائيل دولة كافرة لم تحقق مطالب الرب.

4.    ازدياد عمق الشروخ الثقافية والعرقية.

وبالنظر إلى خمسين سنة من الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين، فإننا نلاحظ ارتفاع عدد الجماعات الإرهابية وانضمام فئات جديدة لهذه الجماعات، كما أن الفكر الحلولي – الذي عادة ما ينتهي إلى العنف – هو الفكر السائد بين هؤلاء، ولهذا السبب فإن احتمال ظهور تلك الجماعات كبير.

ب‌.   مؤسسات التعليم الديني: وهذه المؤسسات تُشكّل إحدى الدفيئات الخطيرة والجاهزة لإنتاج أجيال من المتطرفين، وخير مثال على ذلك مدرسة "مركاز هاراف" التي أُنشئت في عشرينيات القرن الماضي وتحوّلت إلى أن تكون الحاضنة الأساسية لكل الجماعات الدينية المتطرفة، وكذلك لتطورات التيار الديني القومي الذي كان وراء ظهور حزب المفدال، والذي كان وراء ظهور جماعة غوش ايمونيم، وحتى حزب البيت اليهودي الذي ورث كل هذا الإرث الديني والفكري[2].

وعلى الرغم من ان التعليم الديني في إسرائيل متعدد الاهداف ومتعدد المضامين، إلا أن معظمه يهدف إلى تعزيز دور الدين في المجتمع والدولة، وفي حين تقبل بعض هذه المدارس التعاون مع بقية مكونات المجتمع الإسرائيلي والاستفادة مما توفره الدولة من خدمات وحماية، إلا أن بعض تلك المدارس ترفض ذلك، كما ترفض حتى مغريات الحياة العلمانية، بما فيها الصور والجرائد ووسائل الاتصال، فصلاً عن تدريس الرؤية الحاخامية للتاريخ والسياسة والمستقبل.

يمكن القول إن بعض هذه المدارس الدينية يُنسّق مع جيش الاحتلال من أجل استيعاب الخريجين وتوظيفهم في وحدات خاصة بهم وتقديم ما يتناسب مع خلفياتهم الدينية، وقد أصبح هؤلاء ذوي عدد كبير وفي مختلف الوحدات القتالية، ولهم تأثير كبير، ليس داخل الجيش وحسب، وإنما في علاقتهم أيضاً بالمستوطنين[3].

المدارس الدينية على اختلاف أنواعها، تُقدّم رؤية حاخامية متطرفة لطلابها، وهي رؤية حلولية في معظمها، تقوم على تذويت الإله في الشعب والأرض، بحيث يتحول الفرد، كما الجماعة، جزءاً من منظومة إلهية لا يمكن لها سوى أن تتكامل وتتحقق، ولهذا فإن الرؤية الحلولية عادة ما تقع في العنف الشديد لتجد لنفسها تجسيداً مادياً أو لتفحص قوتها من خلال استخدام القوة، وبما أننا ندعي أن التطرف هو قوة جامحة تعمل باتجاهين، فإننا لا نعرف متى ستنقلب جماعات التطرف في تلك المدارس ضد مجتمعها، فهي الآن تعمل في أغلب الحالات ضد شعبنا الفلسطيني، ولكن، ورغم ذلك، فإننا ومنذ الآن نلحظ ارتداد هذا التطرف نحو المجتمع الذي أنتجه، فالعنصرية المستشرية ضد العرب الفلسطينيين من تهميش وإقصاء واتهام وعدم دمج، وكذلك في الاعتداء والانتقاص من مبادئ الليبيرالية وأركان الدولة الحداثية، ما هو إلا ارتداد وتدمير للمجتمع الذي ادعى الصهاينة الأوائل  أنهم يحلمون بإقامته ليكون منارة الشرق، وبالتأكيد فإن إسرائيل اليوم – رغم كلها ادعاءات بالقوة والتقدم – ليست منارة الشرق على الإطلاق، بل تتحول شيئاً فشيئاً إلى أن تكون أكثر شرقية من أي وقت مضى[4].

المدارس الدينية، بما تدرسه من مفاهيم – وهي عنصرية وغير عصرية – مؤهلة جداً لأن تنتج تلك الجماعات، لأنها – ببساطة – أنتجت مثلها وما تزال، إن معظم الجماعات الإرهابية في الضفة المحتلة هم من خريجي تلك المدارس، وأن كل من ارتكب جرماً بحق الفلسطينيين هو من خريجي تلك المدارس، تجدر الإشارة إلى أن يغال عمير، قاتل إسحاق رابين سنة 1995، كان خريج إحدى تلك المدارس، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن يغال عمير – رغم سجنه – فهو يحظى بمعاملة الفنادق الفاخرة.

ت‌.   المهاجرون المتشددون: ونقصد بهم أولئك المهاجرون جدد، وخصوصاً من دول الغرب الاستعماري، أولئك الذين يأتون من الغرب – العلماني الكافر – رافضين له باعتباره خاوياً وبدون روح، هؤلاء المهاجرون الذين يأتون بأعمار شابة ومهووسون بالأفكار المشبوبة، الحالمون بأنهم سيحققون رؤى الرب ونبوءاته في "أرض إسرائيل المقدسة"، يأتون هؤلاء إلى بلادنا وهم يعتقدون أنهم جند الرب القادرين على تحقيق ما عجز عنه المسئولون الحكوميون والأحزاب السياسية وحتى جماعات الإرهاب الموجودة أصلاً، ومن الطبيعي أن يتم اصطياد هؤلاء وتوظيفهم لخدمة الأهداف الاستيطانية، ويتم استغلالهم ومن ثم التبرؤ منهم أو حتى إدانتهم بعد أن يرتكبوا جريمتهم النكراء، إن خير مثال على هذه الحالات هو الحاخام مئير كهانا، المهاجر الأمريكي الذي أسس حركة كاخ في الثمانينات من القرن الماضي وتم حظرها فيما بعد، ولكنها لم تنته، بل ظهرت مرة أخرى تحت مسميات مختلفة، من أشهرها جماعة "كهانا حي"، الذي يقودها أحد عُتاة المتطرفين، ويدعى مارزيل، ويعيش في إحدى مستوطنات الضفة[5].

ليس من الصعب اكتشاف العلاقة بين التطرف، وحتى التكفير، وبين أولئك المهاجرين الشباب، فهذه الظاهرة وجدناها أيضاً في المنتسبين إلى داعش وغيرها من الحركات، الذين يأتون من دول الغرب المغوية.

تطرف المهاجرين نجده بدرجات أقل أو أكثر في موجات الهجرة اليهودية لدى اليهود الشرقيين الذين لم يشاركوا في بناء إسرائيل، نقصد هجرات سنوات الخمسينات من القرن الماضي، وكذلك المهاجرين الروس الذين قدموا إلى البلاد في سنوات الثمانينات ثم التسعينات من القرن الماضي، كل هؤلاء أظهروا أنواعاً من التطرف مختلفة، كلٌ "لأسبابه ودواعيه"[6].

ما ندعيه هنا يفسّر لماذا كان معظم المتطرفين – مفكرين ونشطاء في الميدان – هم من الأمريكيين والاستراليين والكنديين، حيث ينتشر الفكر الحلولي، وحيث تسود الرؤى الخلاصية، حتى بين أوساط المسيحيين الجدد.

هناك بنية متكاملة في الضفة والقدس المحتلتين للحركة الاستيطانية، فبالإضافة إلى ما توفره حكومات إسرائيل لهذه الحركة من بنية تحتية قومية، فإن هناك مرجعيات فكرية وعقائدية تجعل من المستوطنين وقوداً دائم الاشتعال والتعبئة والتحريض[7].

إن المجرم الذي أحرق المسجد الأقصى في العام 1968، والمجرم الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، والمجرمون الذين أحرقوا الطفل أبو خضير في العام 2015، هم الذين نقصدهم، مهاجرون صغار العمر مشبّعون برؤى دينية حلولية لا تجعلهم يفرقون بين الواقع والوهم، وبين مقاصد الله الرحيمة وبين مطامع البشر الدنيئة.

ث‌.   المؤسسة العسكرية: فكرة الانقلاب العسكري فكرة ليست خيالية أبداً، وقد تنبأ بها روائي إسرائيلي يدعى تسفيكا عميت في رواية له بعنوان "اللؤلؤة الزرقاء"، وتخيل فيها أن حركة دينية تكفيرية يعمل أفرادها في الجيش الإسرائيلي استطاعوا التنسيق بينهم ومن ثم نفّذوا انقلاباً عسكرياً سيطروا من خلاله على الحكم في إسرائيل واغتصبوا السلطة من العلمانيين، ويستطرد المؤلف في خياله أن الغرب الاستعماري – الذي خلق إسرائيل في شروط ولأهداف معينة – يضطر للتدخل لأن احتمال سيطرة المتدينين على الحكم في إسرائيل تضرب الأهداف الغربية أو تتجاوزها أو تدمرها، هذا هو ملخص رواية هذا الكاتب الإسرائيلي.

برأينا أن هذه الرواية تلخص كثيراً من الواقع[8]. ومنها أن إمكانية أو احتدام الصراع الديني العلماني في إسرائيل قد يصل إلى حد انتزاع السلطة من خلال انقلاب لعدم قدرة هؤلاء على السيطرة على الدولة من خلال الانتخابات أو التعليم أو الاندماج، ومنها أيضاً أن الغرب الاستعماري لا يريد لإسرائيل أن تتجاوز أدوارها، ومنها أيضاً أن الصراع الحقيقي في إسرائيل بين "وظيفتها الاستعمارية" وبين "هويتها اليهودية"[9].

ولن نكرر ما ذكرناه في هذا الكتاب عن ازدياد عدد المتدينين الذين يعملون في الجيش الإسرائيلي وعن تأثيرهم وعن التحول الكبير الذي طرأ على تركيبة الجيش الإسرائيلي نفسه، وحتى الخدمة العسكرية وأثرها على الفرد والمجتمع، إذ لم يعد الجيش الإسرائيلي كما كان في السابق، بل أخذ "يتدين" وأخذ يستعين باليهود الشرقيين والنساء والطوائف الأخرى[10].

هل من الممكن أن تظهر جماعة إرهابية أو متطرفة تكفيرية من داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؟ هذا احتمال قائم، خصوصاً إذا لم تعد مؤسسات الدولة تتمتع باحترام كبير، كالكنيست والمحكمة العليا، أي إذا تدهورت قيم الديموقراطية والليبرالية ولم يعد هناك وزن للقانون وتساوي الفرص.

هل إسرائيل اليوم تتجه نحو هذا المنعطف؟ نعتقد أن ذلك صحيح وملاحظ، فقد صار الكنيست ذريعة لتشريع العنصرية والكراهية، إن هذا الكنيست يقوم فعلياً بتهميش خُمس سكان الدولة وتحميلهم المشاكل والأزمات كلها، هذا الكنيست ذاته هو الذي يشرعن عمليات المصادرة والقتل والتشريد لشعب آخر.

أكثر من ذلك، فإن الجماعات المتطرفة والإرهابية لا تعمل من خلال الكنيست، بل تعمل من خارجه للتأثير عليه أو لتغيير سياساته، إن هذا الأسلوب – نقصد العمل خارج المؤسسات الحكومية ومؤسسات الدولة – نجح في تغيير إسرائيل من سبعينات القرن الماضي وحتى الآن.

وباستقراء الحوادث فإننا نتوقع أن يزداد حجم هذه الظاهرة أفقياً وعمودياً.

ج‌.    بؤر أخرى محتملة: قد تكون هناك بؤر أخرى محتملة لظهور جماعات التكفير والتطرف مثل بعض النخب الأكاديمية المتطرفة، ولنأخذ مثال ذلك المؤرخون الجدد، وخصوصاً بيني موريس[11]. كما أن جامعة بار إيلان تضم عُتاة الأكاديميين المتطرفين من أمثال مردخاي كيدار الذي دعا ضمن أمور أخرى إلى اغتصاب امهات مقاتلي حماس.[12] وهناك العشرات من أمثال هؤلاء بدرجات تقل أو تزيد.

إلى ذلك قد تنتج الأحزاب والحركات الإسرائيلية جماعات متطرفة من منطلق الخلافات أو عدم الجدوى أو استعجالاً أو رغبة في أخذ القرار بعيداً عن القنوات الرسمية، وهذا ما رأيناه يحدث كثيراً في الأحزاب الإسرائيلية، وخصوصاً المتطرفة منها، حيث يخرج من الليكود أعضاء متطرفون من أمثال موشيه فيغلين، ومن المفدال جماعة غوش ايمونيم ومن الأحزاب التوراتية جماعات مثل تدفيع الثمن وجماعات الهيكل المتعددة.

وأخيراً، يمكن لمدن التطوير وأحزمة الفقر والموشافات البعيدة عن المركز وأحياء الفقر في الأطراف والشرقيون الغاضبون وغيرهم من الجامعات الأثنية التي تشعر بالظلم أو الإهمال أن ينشأ من بين صفوفها مثل هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية.

ومن الممكن أن يقود تلك الجماعات المتطرفة والإرهابية مستوطنون من الجنود أو الشبان المهووسين دينياً، وكذلك فقراء المدن وتجمعات مدن التطوير والقادة العسكريون المؤدلجون الذين يشعرون بالإهمال أو الانتقام أو الهوس الديني، وكذلك المهاجرون الجدد من دول الغرب الاستعماري.

سيعترض معترض على ذلك بالقول: هل هذا ممكن؟ أو هل من معوقات لذلك؟

ونجيب أن نعم، هناك معوقات لنشوء جماعات متطرفة وإرهابية قد تقلب الأوضاع في إسرائيل حالياً، تتمثل في:

1.    ليس هناك إرث للانقلابات العسكرية في إسرائيل.

2.    ما يزال النظام الإسرائيلي قادراً على امتصاص الاحتجاجات واستيعابها.

3.    الأخطار المحدقة بإسرائيل، دولةً ومجتمعاً، تحول دون التفكك.

4.    ما تزال إسرائيل دولة جذب اقتصادي واجتماعي كبيرين.

5.    ما تزال المعتقدات الصهيونية والدينية ذات تأثير جماهيري.

6.    ما تزال إسرائيل، نظاماً ومجتمعاً، فيه آليات قادرة على توزيع الثروة والسلطة.

7.    لم تصل درجة التدهور العامة إلى مستوى ينذر بانفجار الأوضاع.

8.    ما يزال المجتمع الإسرائيلي قادراً على التواصل والحوار.

9.    ما يزال الغرب الاستعماري قادراً وراغباً في حل أزمات إسرائيل الوجودية.

10. لم يتعرض المجتمع الإسرائيلي ولا الدولة الإسرائيلية إلى اختبار حقيقي لأزمتها الاجتماعية والفكرية.

تأثير جماعات التطرف والإرهاب على المجتمع والدولة حتى الآن

بناءً على ما ندعيه من أن التطرف في كل مجتمع إنما هو استجابة لخللٍ في ذلك المجتمع، وأن هذا التطرف عارض مرضي لابد له أن يترك آثاراً مدمرة في كل الاتجاهات، فإن جماعة التطرف والإرهاب في إسرائيل، ومنذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، أثرت في إسرائيل، مجتمعاً ودولة، كما أثرت فينا أيضاً، فضلاً عن علاقات إسرائيل بيهود الخارج وكذلك القوى العالمية، أي أن جماعات التطرف الإسرائيلية ليست حدثاً داخلياً ولا ظاهرة محلية، بل على العكس من ذلك، فهي تطور في الذهنية والبنية المجتمعية وتغير في السلوك السياسي والأمني، وبرأينا فإن أثر تلك الجماعات المتطرفة والإرهابية تجسد فيما يلي:

أولاً: عملت هذه الجماعات على تعميق الاستيطان في الضفة والقدس وقطاع غزة وتوسعته وتزويد المستوطنين بالقوى البشرية والحماسة الدينية، وقدّمت نماذج جديدة للصهيوني الذي لم تنته مهمته ولا رسالته، وشكّلت هذه الجماعات رأس الحربة لرأسمال متوحش ورؤية حلولية أكثر توحشاً، ولهذا فإن هذه الجماعات أدارت ما يشبه حركة استيطانية موازية أطلقت عليها حكومات إسرائيل المستوطنات غير الشرعية، ويبدو هنا المشهد فانتازياً، فالاستيطان غير الشرعي سرعان ما يصبح شرعياً، لأنه لا يمكن "لليهودي أن يطرد يهودياً".

ثانياً: شكّلت هذه المجموعات تهديداً حقيقياً لسياسيين وأحزاب، إلى درجة أن مسئولين وأحزاباً يضطرون إلى مجاملة هذه الجماعات، بحيث يتجنب الجميع توجيه الانتقاد لها أو محاسبتها، بل على العكس من ذلك، فإن كثيرين يطلبون ود هذه الجماعات ودعمها أيضاً، وهو ما يُشاهد في الحملات الانتخابية، ومعنى ذلك أن هذه الجماعات – ورغم انها تخرق القانون – إلا أنها أصبحت ذات ثقل ووزن تقرر فيه توجهات الدولة والحكومة.

ثالثاً: اطروحات هذه الجماعات الفكرية والسياسية لم تعد في الهامش، بل أصبحت في المركز تماماً، واستطاعت هذه الجماعات، وعلى مدى خمسين سنة تقريباً، أن تصبح اطروحاتها السياسية والأمنية هي ذات الاطروحات الرسمية إلى حدٍ كبير، وهو ما انعكس في ابتعاد التسوية وتعميق التشدد وزيادة المواجهات، ولا يعني ذلك أن هذا هو العامل الأساسي في ذلك، ولكنه عامل كبير ومهم.

رابعاً: أثّرت هذه الجماعات – وبناءً على النقطة السابقة – في المجتمع الإسرائيلي، بحيث انزاح في مجمله نحو أحزاب اليمين الديني والقومي، وانعكس ذلك على السياسات الاقتصادية والمزاج العام في الثقافة والأدب والإعلام.

خامساً: ازدياد القوى المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي واشتداد تأثيرها، ألحق الضرر بصورة مؤسسات الدولة، كالكنيست والمحكمة العليا واحترام القانون والحفاظ على القيم المدنية والحداثة، وهي إحدى ملامح التعصب عادة، حيث ترى الجماعة ذاتها أعلى من الدولة وأن عقائدها أهم من التزامات الدولة الحداثية.

سادساً: تفشي ظواهر العنف والانعزال والعنصرية واختراع العدو الداخلي والطوابير الخامسة، وذلك لإضفاء شرعية على التطرف والإرهاب باعتباره السلاح الأخير والناجع للمواجهة.

سابعاً: التطرف عادة ما يميل إلى البحث عن القيادات القوية، والتي تُظهر احتراماً أقل للدبلوماسية والأعراف والقوانين، والتي تكون أكثر فظاظة ووضوحاً وصلفاً، ولهذا فإن التطرف عادة ما يخلق قيادات شعبوية وسطحية وعنيفة، تبحث عن مثيلاتها في المحيط والعالم، وهو ما نجده بشكل مثالي في إسرائيل، إذ زادت مثل هذه النوعية من القيادات "الصغيرة والوقحة".

ثامناً: هذه الجماعات كانت أحد العوامل الهامة في تعزيز الفكر الحلولي المشيحاني العنيف في نهاياته ومآلاته، وقد التقى هذا الفكر مع التيارات الأُخروية في الدول الغربية الاستعمارية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب خارج بحث هذا الكتاب، الأمر الذي حوّل كلا المجتمعين، الأمريكي والإسرائيلي، إلى كيانين أكثر توحشاً ورغبة في الاستعمار والهيمنة، استعجالاً لأوهام وخيالات لا تلتقي مع أهداف كل الأديان السماوية على وجه أكيد.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف