الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحب في القرآن بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-05-17
الحب في القرآن بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
الحب في القرآن

( عادل بن مليح الأنصاري )

الشعر ديوان العرب , والشعر هو الوعاء الذي حفظ ونقل لنا قصص العشق قديمها وحديثها , والشعر كذلك نقل لنا الكثير من المعاني السامية كالشجاعة والكرم والمروءة والاعتزاز بالنفس والكثير من صور الحياة المجتمعية بما فيها الحروب والثأر وغيرها , كما خلد العديد من الأحداث والشخصيات التي لولا الشعر ربما لم تصل إلينا بهذا الشكل البلاغي المبدع .
وإلحاقا لموضوعي السابق (الروح الثالثة) , أحببت أن أستدرك فكرة فاتتني رغم أنها كانت بين منعطفات تفكيري وقتها , وقد أشرت فيها أن (الروح الثالثة) وهي الحب أراها كروح غير مادية تجمع بين روحين ماديين وهما الذكر والأنثى .
وقبل ذلك مر بخاطري سؤال , الحب كعلاقة إنسانية فطرية خلقها الله تعالى في قلوبنا لتجعل الرباط الإنساني بين الذكر والأنثى أكثر جمالا ورغبة وضرورة إذا ما وُجد بين الأزواج , ولكن القرآن اشتمل على الكثير من التوجيهات في أمور الحياة المختلفة , ولم يغفل عن بعض العلاقات الإنسانية , كبر الوالدين , وطاعة ولي الأمر , والأمر بالتشاور , وفي الحقوق والبيع والمواريث , ودعا إلى الأخلاق الحسنة , والتعامل بالرفق واللين , والكثير مما لا يمكن حصره هنا , ونحن نعلم أن القرآن الكريم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في فترة انتشر فيها الشرك بمكة , وغرق العالم في انحرافات الأديان وبعدت الإنسانية عن توجيه الأنبياء وكتبهم , ثم تم نور الله على الإنسانية بدءا بتلك البقعة المباركة ابتداءا من مدينة الرسول الأعظم وحتى شتى بقاع العالم .
ورغم أن القرآن الكريم أعاد علاقة الإنسان بربه كما يجب أن تكون , إلى أنه لم يغفل عن تنظيم أمور الحياة الأخرى سواء اقتصادية أو اجتماعية أو أسرية وغيرها , ولكن العربي الذي عاش عذوبة الشعر وأخذه الخيال بعيدا مع قصص المحبين هل يجد تهذيبا لتلك المشاعر في القرآن الكريم ؟
في القرآن الكريم نجد هذه الآية :

( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) .

وهنا رُبط الحب بالضلال المبين لأنه خارج إطار الزوجية , ولكنه وصف المشاعر التي تعوض الحب بما هي أفضل وأرقى وأسمى من مشاعر الحب التي ربما كثيرا تتصف بالتسرع ويشوبها الكثير من إحساس الرغبة , وربما تختلط فيه مشاعر الروح مع رغبة الجسد حتى يصعب التفريق بينهما , من المنطقي أن نقول أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه , فعدم الإشارة لمشاعر المحبة بين الذكر والأنثى قبل الزواج , فيه إشارة لكونها مشاعر قد تؤذي الإنسان , فالإنسان الذي يرتبط بأخر بسبب محض رغبة عاطفية وشهوة جسدية عابرة لن يلبث أن يفيق منها ولو بعد حين , وخاصة بعد أن يتلاشى ذلك الشغف وتلك الرغبة بحكم المعايشة اليومية واكتشاف سلبيات الآخر , ويكفي للحب جريمته التي سطرها الكثير من الشعراء عبر بكائياتهم وأنينهم وحتى ذهاب عقولهم , لا ننكر أن الواقع ربما يخبرنا عن بعض قصص الحب التي استمرت بين المحبين حتى الممات , ولكن أغلب تلك القصص يُكتب لها الاستمرار بعد الزواج , وربما تظل بدون زواج وفي حالة الفراق بينهما مجرد ذكرى وغصة في الذاكرة لا أكثر .
ولكن الله سبحانه وتعالى لم يغفل عن أدق المشاعر العاطفية للبشر , ولكنه أبدل الحب القائم على الرغبة العاطفية والجسدية , بالمودة والرحمة , قال تعالى :
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

ولا يخفى علينا هنا مالهذه الكلمتين من معاني سامية ومشاعر إنسانية راقية لا تلوثها رغبات الدنيا والشهوات العابرة , فالحب عندما يجمع الزوجين قد يتأثر بتغير المعطيات الظاهرية , فالحب يقوم غالبا على جمال المظهر وحلو الكلام والصفات المميزة لكليهما , وربما بعض الظروف التي ساهمت في ولادته وقد تنتهي لسبب ما , ولكن المودة والرحمة ستظل في القلوب ما ظلت الحياة .
ما أعجب هاتين الكلمتين , فأيهما أقرب لتقلبات الحياة من مرض وفقر وإعاقة وعجز وشيخوخة , هل هو الحب أم المودة والرحمة , ربما ينبع الحب من القلب , ولكن المودة والرحمة تولد من القلب والعقل والروح , فلو كان الحب هو روح ثالثة تجمع بين المحبين , فالمودة والرحمة هي روح وقلب وعقل وضميروعقيدة تجمع بين الأزواج , وإذا كان في الحب ولع وألم وأنين , ففي المودة والرحمة سكن وهدوء واحتواء , وما أعظمه من فرق .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف