الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الروح الثالثة بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-05-15
الروح الثالثة بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
الروح الثالثة

( عادل بن مليح الأنصاري )

عن الحب أتحدث , ليس هناك بشر أو ربما حتى مخلوق تدب فيه الروح لا يعرف أو يسمع أو يقع في الحب , ربما يختلف البشر كثيرا لطبيعة خلقهم وتعقيدات تكوينهم في تعاملهم مع الحب أو ربما تعامل الحب معهم , فلو افترضنا وجود نوع من الحب "حتى لو كان حب غريزي يقوم على فطرة الجنس والحفاظ على الأنواع عند بقية المخلوقات " , فنحن لا نعرف حقيقة ما هو نوع الشعور الذي يتملك تلك المخلوقات عند وقوعها في تلك اللحظات الحميمية الفطرية , هل هو نوع من الشعور اللاإرادي أم هو شعور محسوس ومقترن بالرغبة في ممارسة المتعة ؟ , ولكنه ربما هو شعور يأخذ صورة من صور الحب التي تتناسب مع تلك المخلوقات .
وبعيدا عن البحث في هذه الإشكالية في تعريف الرغبة الفطرية والانجذاب بين المخلوقات الأخرى , ولكننا من المؤكد نتشارك بصورة أو بأخرى بيننا وبينهم في طقوس الانجذاب نحو الآخر بطريقة أو بأخرى , ويمكن أن ندخل في إشكاليات كثيرة , مثل هل يصح أن نخلط بين الحب كشعور وبين الرغبة الفطرية في التقرب للآخر ؟ هل يمكن الفصل بين الحب وبين الرغبة الفطرية ؟ ما مدى العلاقة بين الحب كشعور والرغبة الفطرية كحاجة أو ميل ؟

ثم السؤال الأعمق والأكثر تعقيدا , كيف يولد الشعور بالحب ؟

في البداية من الممكن أن نؤكد على وجود الرغبة الفطرية والشعور بالمتعة في العلاقات بين المخلوقات الأخرى من حيوانات وحشرات وغيرها , كما هي في البشر من حيث المبدأ , ولكن الشعور بالحب سواء مقترنا بالممارسة الفطرية أو بدونها قد يتفرد به البشر (غالبا) .
من الصعب جدا أن نحتوي حديث الحب في مقالة سريعة , فهذه القصة ربما تكون في حجم الوجود البشري كافة , فحواء خُلقت لآدم من أجل أن يسكن إليها , وحكايات الحب كانت وماتزال وستكون هي النافذة الخلفية لحقيقة حياتنا وأسرارنا وربما سعادتنا وتعاستنا في آن واحد , ومما لاشك فيه أننا وفي خضم مشاكلنا والسير في مراحل حياتنا , وعلاقاتنا وما نواجهه ليل نهار عبر ساعات يومنا , لا تزور الابتسامة شفاهنا ولو خلسة إلا عند المرور بكلمة حب , أو نقرأ قصة حب , أو نشاهد مشهد عن الحب , أو أغنية تتغنى عن الحب , والأهم عندما نتذكر تجربة حب .
ومن المؤكد أن البعض عكس ذلك , فهو يقع فريسة للحظات حزن عند المرور بكل تلك الأشياء التي سبقت , لأن له تجربة مريرة حول هذا الشعور الإنساني الغامض , بل ربما طغت مشاعر الأسى والحزن في كثير من المواقف لمرور كلمة الحب أمام السمع أو الذاكرة , لذلك كان أكثر الشعر الذي تحدث عن الحب هو شعر الفقد والخيانة ربما , والفراق , أو الحب من طرف واحد , وقد سالت حروف الشعراء حول ذلك كأنهار المياه وملأت كتب الأدب والشعر , هل لأن الإنسان أضعف وأقل قدرة على تحمل تلك المشاعر الخفية التي تتهشم عند أبسط هفوة بشرية , ربما تتدخل عوامل سلوكية ونفسية كثيرة لقتل أو إضعاف الحب كما يمكن أن نجده عبر تاريخ العشق والعشاق , فالعوامل المختلفة بين البشر من أنانية وإخلاص وفقر وغنى وجمال وقبح وحلاوة لسان وسلاطته , وأحيانا اختلاف البيئات وأساليب العيش والتربية أو الديانات والطائفية والطبقية , كلها عوامل قد تهتز لها الأرض تحت أقدام المحبين , وهنا تمر مراحل التوافق والعشق بمراحل تختلف بين العنفوان وحتى التلاشي , في قصص التاريخ للمحبين نجد الشواهد كثيرة , فمنها ما سقط وانهزم أمام تلك العوامل ومنها ما قاوم وسطر تلك العلاقة بأحرف من الأبدية في جبين التاريخ , وتلك الأسماء كلنا نعرفها ولا مجال لسردها هنا .

العلاقة هنا ثلاثية لا شك في ذلك , فهناك الرجل والأنثى والحب .
ثم تتدخل الظروف المحيطة لترسم المسار لهذه الثلاثية إما بالبقاء أو الفناء , لنتفق أن هناك رجل , وهناك امرأة , ثم يدخل الحب بينهما بطريقة أو بأخرى , فالرجل معلوم , والمرأة معلومة , أما ذلك الشعور الغريب فهو مجهول في طريقة تدخله , وفي طريقة جمعهما , أو في طريقة خروجه من بينهما أحيانا , فهي علاقة بين مادي ومادي وغير مادي , ولكن هذا الغير مادي قد يغير ويؤثر في حياة الماديين أيما تأثير , فقد يصل للجنون أو الموت أو السعادة أو الشقاء !!! .

ولكن كيف يولد أو ينبثق أو يتفجر هذا الحب الغير مادي بين شخصين ويتسلل إلى قلبيهما دون إذن أو تخطيط أو دراسة ؟
كيف يتم الانجذاب والارتياح والتعلق لدرجة تساوي الحياة ذاتها عند البعض فجأة , وأحيان في موقف عابر أو موقف غريب وفي أي وقت ومكان ؟
هل هناك قواعد وشروط ودراسات يضعها الشخص (ذكرا أو أنثى) لمن يشاركه هذا الشعور ؟
أم أنها عاصفة تضرب خبايا قلبه دون سابق إنذار ؟
في اعتقادي أن كل الدراسات التي تقول أن الحب يولد بناء على توافق معين في الصفات والميول والأهداف سواء في الوعي أو اللاوعي , هي دراسات غير حقيقية , والدليل سهل جدا , فكثير من قصص الحب قد تحدث في ثواني معدودة دون سابق إنذار أو وقت لتحقيق تلك الدراسات , بل على العكس قد يتفاجأ احدهما أن الآخر يختلف عنه في كل تلك الأمور التي يتحدث عنا بعض العلماء والباحثين , ومع ذلك لا يستطيع كرهه أو التخلي عنه مهما بلغت تلك الاختلافات .

ولن تستطيع تلك الأسرار الكيميائية المرتبطة بهرمونات مثل (الدوبامين والسيروتونين والتستوستيرون والأستروجين وغيرها , أن تقنعنا كيف يتم اختيار الآخر بناء على التوافق بينه وبين من يحمل تلك الهرمونات , وحتى الدراسات النفسية ربما تكون عاجزة في تفسير تلك المشاعر التي تعصف بقلبين دون سابق إنذار وتخطيط وإرادة .
إن تبرير وجود أشياء مشتركة عبر دراسات مثل (المركب الرئيسي للتلاؤم النسيجي) , والتي تلعب دورا في اختيار الشريك عن طريق بروتينات تتحكم في تركيبها مورثات جينية توجد على الغشاء السيتوبلازمي للخلايا بواسطة حاسة الشم (في رأيي) مضحكة نوعا ما , فهل سمعنا في قصص العشاق كلهم من أحب لأنه شم رائحة معينة في حبيبه ؟ (حتى لو حدث صدفة في إحداها فهي حادثة نادرة أو عابرة وليست مقياسا , وربما وقع الحب قبل أن يشم تلك الرائحة وإلا مالذي دعاه لمحاولة الشم إلا أن الحب قد وقع ) !!! .

عموما لو بحثنا في تلك الدراسات سندخل في عالم عجيب من المسميات مثل ( هرمون الدوبامين , هرمون الأوكسيتوسين ) , ورغم أن المحاولات والدراسات المتخصصة لا نهاية لها والتي تحاول فك رموز ذلك الشعور وكيف يتم جمع قلبين بدون مقدمات أو دراسات أو حتى مجرد الرغبة في ولادة ذلك الشعور , إلا أن الحقيقة التي نشعر بها والتي نستلهمها من كتابات العشاق والمحبين والشعراء , أنه شعور عاصف ولا مسبب له ويتسلل خلسة وبدون سابق إنذار ليعتصر قلوب المحبين برغم اختلافاتهم وبرغم أديانهم وطوائفهم وطبقاتهم وحالاتهم الاجتماعية والمادية , والتاريخ في ماضيه وحاضره يؤكد لنا تلك الحقيقة بلا هرمونات ولا دراسات ولا فلسفات .

إن الحب هي روح ثالثة , غير مادية , عابرة خفية تمر في لحظات وتندمج مع روحين ماديين بشكل غريب وخفي , لتتحد بهما حتى تفارقهما بنفس الطريقة , أو ربما تظل مختلطة بروحيهما حتى يفارقا الحياة , واسألوا المجانين والمعذبين وصريعي الهوى عبر التاريخ .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف