الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كتاب "المترجم كاتب الظل" لكارلوس باتيستا.. تذكرة سفر مع إرهابيين يحتجزون لغات مختلفة‎‎‎‎

تاريخ النشر : 2020-05-03
كتاب "المترجم كاتب الظل" لكارلوس باتيستا.. تذكرة سفر مع إرهابيين يحتجزون لغات مختلفة‎‎‎‎
كتاب "المترجم كاتب الظل" لكارلوس باتيستا.. تذكرة سفر مع إرهابيين يحتجزون لغات مختلفة

علاء كعيد حسب / شاعر و كاتب صحفي
 
قبيل بداية انتشار فيروس كورونا بالمغرب، صدر عن منشورات مركز الحمراء للثقافة و الفكر، كتاب "المترجم كاتب الظل" للكاتب الفرنسي البرتغالي كارلوس باتيستا، بتقديم و ترجمة من الناقد و المترجم الدكتور محمد آيت العميم.

الكتاب الذي جاء في مائة و أربع صفحات من الحجم المتوسط، تضمن، إلى جانب مقدمة المترجم و مقدمة و تذييل الكاتب، أربعة فصول؛ حمل أولها عنوان: فن الحب، و الثاني: فن الخيانة، أما الثالث فجاء تحت عنوان: فن الإغواء، فيما جاء الفصل الرابع بعنوان: فن الفرار.

"لماذا نترجم؟" سؤال طرحه مؤلف كتاب "المترجم كاتب الظل" كارلوس باتيستا، بصفته مترجما، في محاولة لفهم الغاية من وراء هذا الفعل الأدبي الذي يمثل البريق الحضاري للأمم، فيجيب عن تساؤله الخالد الذي لا يموت: "الترجمة لها صلة باندفاع مغامرة العشق.. و الإمساك بالأسرار و اقتحام الصيغ الحاسمة". مؤكدا بأن "المترجم يكسر الصمت الذي يفصل بين اللغات و الشعوب.. ناقل و مجدد في الآن نفسه"، دافعه في ذلك تلذذه بإذاعة "الصدمة التي يتلقاها من العمل الأصلي في لغته".

من جهته، اعتبر محمد آيت العميم، في مقدمته، الترجمة ضرورة بشرية اقتضاها تعدد الألسنة، و "لأن البشر  يتكلمون لغات مختلفة وجدت الترجمة" كوظيفة تقرب البعيد و تستضيف الغريب و تمد "حبل النجاة للإخوة الذين تشعبت بهم السبل و تاهوا في غابة اللغة"، مشيرا بأن المترجم "دليل في متاهة اللغة، و هو حبل آريان الضامن للخروج منها".

الكتاب تذكرة سفر مع مترجمين من خلفيات مختلفة، في ماهية الترجمة و أهدافها. فإذا كانت أول آية في إنجيل يوحنا تُستهلُ بـ"في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله"، و كان أول ما نزل من القرآن الكريم الآيات الأولى من سورة العلق؛ و هي قوله تعالى"إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ و ربك الأكبر الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لا يعلم"، فلأن الكلمة، بتعددها، كانت و لا زالت الشغل الشاغل للبشر، و ما الترجمة سوى اختصار لرحلة فعل القراءة من بابل إلى الآن.

بابل المدينة التي تخلد مجدها بسقوطها و تفتتها إلى لغات عديدة و تحولها إلى ماخور اللغات، كانت الشرارة الأولى، المدونة، للانعتاق من وهم قدرتنا على فهم الكون و بعضنا بلغة واحدة. من هنا بدأت رحلة الترجمة المحفوفة بالمجد للرؤية بآلاف العيون و اللعب بآلات عديدة و الإضاءة بشموع لا تحصى. و كتاب "المترجم كاتب الظل" يعانق، من أوجه عدة، هذه الرغبة الإنسانية في فك شيفرات اللسان البشري. لغة لا نفهمها لا وجود لها، وحدها الترجمة تمنح حقيقة لتعدد اللغات.

و بإضاءاتنا لكل ما ليس كاملا حقيقة في اللغة، وفق رؤية الكاتب كارلوس باتيستا، تكشف الترجمة، كل ما يظل سديميا في الطبيعة البشرية، لذا فالمترجم هو القارئ الوحيد الذي يفترض فيه أن يمنح للكلمات الأصلية كمية من الزمن و جودة الانتباه مساوية للكمية و الجودة التي أعطاها لها المؤلف نفسه، و عليه، أيضا، الإجابة على مطلبين يبدوان متناقضين في وقت واحد: الإخلاص و الأناقة، الحرف و الروح. كما أن "المترجم كاتب الظل"، يشدد على أن الأمر لم يعد يتعلق بالترجمة و إنما بإعادة الكتابة و التأسيس للترجمة كعمل مختلف ببعد آخر، تسطره الرهافة الروحية للمترجم التي تمكنه من منح إيقاعه الخاص لإيقاع النص الأصلي. و استدل الكاتب على ذلك، بما قاله ميلان كونديرا في كتابه "فن الرواية": "ترجمت رواية "المزحة" إلى جميع اللغات الغربية لكن يا للمفاجأة، في فرنسا أعاد المترجم كتابة الرواية مزخرفا أسلوبي. و في إنجلترا قص الناشر كل المقاطع التأملية، و أقصى الفصول الخاصة بالموسيقى مغيرا ترتيب الأجزاء، لقد أعاد ترتيب الرواية. و في بلد آخر، التقيت مترجمي، و هو لا يعرف حرفا واحدا في اللغة التشيكية، فسألته كيف ترجمت الرواية؟ قال: بقلبي. و أخرج صورتي من محفظته. كان لطيفا جدا حتى كدت أعتقد أنه من الممكن أن نترجم بفضل التجاوب القلبي عن بعد".

كما يضيء باتيستا في مُؤلَفِه جوانب من الصراع الأزلي بين الكاتب و المترجم من جهة و المترجم و القارئ من جهة أخرى، مشيرا إلى أن المترجم سيُنظَرُ إليه دائما مثل "إرهابي يحتجز لغة أجنبية رغم أن ذنبه الوحيد أن حياته مجتاحة بكلمات سرها كان يرهق المعجم، و أنه أنفق جهدا كبيرا و غير معقول من أجل نشاط ناكر للجميع يقوم فيه بدور التابع".

و يذهب "المترجم كاتب الظل" إلى أن على المترجم - انطلاقا من فكرة أن ترجمة متميزة هي في الآن نفسه عمل حب و شيء فاخر - التفكيرُ من جديد فيما تخيله الكاتب لأنه مسؤول عن نقائصه. و يشير باتيستا في مؤلفه بان ترجمة حرفية، كلمة كلمة، هي خسارة كبرى شبيهة بتقبيل امرأة من فوق غطاء ، مستحضرا ما قاله أرنستو ساباتو: "أتذكر أنني حضرت، منذ مدة، عرض مسرحية "ماكبت"، كانت الترجمة سيئة كرداءة الممثلين و الديكورات المبهرجة. لكنني خرجت و قد أثار الشغف التراجيدي مشاعري. لقد انتصر شكسبير على مترجمه".

كما لم يفوت نظرة الآخرين إلى المترجم، فمنهم من يراه كاتبا أدنى أو نصف كاتب، و منهم من يعتبره كاتبا أعلى أو ما بعد كاتب، فيما يذهب الباقون إلى تصويره كمساعد كاتب أو كاتب موازٍ. مؤكدا بان أول ما يلاحظه ذباب النقد على المترجم، دون الوصول إلى الأصل، هو: جراحاته. و أن لذة المترجم القصوى تكمن في تجاوز النص الأصلي و تجديده، كما أكد ذلك الكاتب و المترجم فاليري لابرو حين سألته صحافية: أي ثناء يحلم بسماعه كل مترجم؟ فأجاب: ثناء قارئ مزدوج اللسان يفضل الترجمة على النص الأصلي؟.

"المترجم كاتب الظل" لكارلوس باتيستا بترجمة و تقديم من محمد آيت العميم، مؤلَف قيم كتب بلغة شفافة بسيطة و أفكار متسلسلة واضحة، يدفعنا إلى إعادة التساؤل عن مقومات الترجمة و الغاية منها، و يحرضنا عليها كفعل أساسي و حاسم في تشكيل وعينا الإنساني و تقدمنا خطوة حضارية أخرى، يستحقها تاريخنا الحافل بالترجمات الخالدة.


المغرب

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف