الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الواثق!بقلم:محمد عمر المصري

تاريخ النشر : 2020-04-29
الواثق!

مسرحية قصيرة من مشهد واحد

محمد عمر المصري

يُفتحُ الستار على مجموعة من طلاب الصف الأول الثانوي على مقاعد فصل دراسي، ثم يدخل معلم مادة اللغة العربية ملقياً التحية على الطلاب فيردون عليه، ثم يتجه إلى السبورة الذكية، فيظهر نصاً يبدو صغيراً عن بُعد، فيحدد المعلم النص ويكبره ليظهر بوضوح، ويقرأه على مسامع الطلاب:

-       المعلم: "يغرسُ برمحه تلك المباهج! تحركه بواعثُ العقيدة بمنطقٍ حكيم! يهابه رستم في قادسيته، رغم قِصر قامته وصفاقة ملبسه! بإيمانه زالت دولة"! (يتجه المعلم بوجهه إلى الطلاب قائلا): أتدرون عمن أتحدث؟

-       الطالب أحمد: نعم يا أستاذ، أنت تتحدث عن الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه.

-       المعلم: نعم، أحسنت يا أحمد! ومن هو رستم المذكور في الفقرة؟ (يشير بمؤشر معدني بيده إلى اسم رستم على السبورة الذكية).

-       الطالب ابراهيم: إنه رستم قائد جيش الفُرس في معركة القادسية.

-       المعلم: جيد، إنه بالفعل رستم القائد الفارسي المحنك، صاحب الصولات والجولات في حروب الفُرس آنذاك.

-       يتجه المعلم إلى الطالب شنودة قائلاً بلُطف: هل ذاكرت درس معركة القادسية جيداً يا شنودة؟

-       الطالب شنودة: نعم يا أستاذ.

-       المعلم: في أي سنةٍ كانت تلك المعركة؟

-       الطالب شنودة: في سنة 15 هجرية.

-       المعلم: في عهد مَن مِن الخلفاء الراشدين؟

-       الطالب شنودة: في عهد عمر بن الخطاب، (ثم أردف بحماس) وكانت بقيادة سعد بن أبي وقاص.

-       المعلم: رضي الله عنهما، جيد يا شنودة، اجلس.

-       ينادي المعلم على الطالب أسامة فيقف الطالب، ويحدد المعلم النص المكتوب القائل: (رغم قصر قامته، وصفاقة ملابسه)، اشرح لنا معنى هذا الكلام يا أسامة.

-       يقول أسامة بتردد: يصف النص ربعي بن عامر بأنه كان قصير القامة (يظهر التردد في عيني أسامة بوضوح، ثم يتابع مصوباً نظره تجاه المعلم)، وربما كان يلبس ملابس غير لائقة!

-       يضحك بعض الطلاب بصوتٍ خافت لكنه مسموع، فيتدارك المعلم الأمر، ويقول موجهاً حديثه لأسامة: كان ربعي قصير القامة، مهلهل الملبس عندما أتى إلى رستم في مجلسه!

-       الطالب ابراهيم: لكن يا استاذ لماذا ظهر بهذا المظهر أمام قائد جيش الفُرس، أليس من اكتمال معالم العزة أن يظهر بملابس أنيقة في هذا المجلس؟!

-       المعلم: بلى يا ابراهيم، والهندام الجميل أمر مطلوب، لكن عزة النفس لها أبعاد أكثر بكثير من مجرد هندام يزين الجسم، (يصوب المعلم نظره إلى جميع الطلاب وهو يتراجع خطوات للخلف قائلاً) فالإرادة والعزيمة هي الإزار الحقيقي الذي يغطي الجسد، ويحول بينه وبين اليأس والقنوط. (ثم يعيد النظر إلى ابراهيم مرة أخرى قائلا): واستفسارك هذا يا ابراهيم قد أجاب عنه ربعي بن عامر في مجلس مشورة سعد بن أبي وقاص.

-       إبراهيم: وماذا قال في ذلك؟

-       المعلم: لما دبَّ الخوف في قلب قادة الفرس المتغطرسين بقوتهم وعتادهم، وتبدل أمنهم خوفاً بعدما ظنوا أن دولة الفرس لا تخضع أو تلين، ولا سبيل لتسلل الخوف إلى الجنود المرابطين على جبهات القتال وساحاتها، فالقائد الخائف يمكن استبداله بآخر، أما جيش يدب فيه الذعر والخوف فلا سبيل لإذكاء نار التحدي فيه إلاَّ بمعجزة كبرى! (ينظر إلى قاعة الجمهور ويتابع): في ظل هذه الأجواء المضطربة لم يسع رستم إلا أن يطلب تفاوضاً مع المسلمين ينتهي بصلح أو بهدنة على أقل تقدير، فأرسل إلى سعد بن أبي وقاص قائد جيش المسلمين يطلب وفدا للتحاور والتفاوض.

-       الطالب عبد الرحمن: وهل كان جيش الفرس قليل العدد والعتاد حتى يخشى جيش المسلمين ويطلب التفاوض معه؟

-       المعلم: كان جيش الفرس يفوق بكثير جيش المسلمين من حيث القوة والعدد، لكن أتدرون ما الفارق؟

-       يرفع الطالب أحمد يده قائلا: نعم إنها الثقة في النصر، حيث يقول تعالى: "وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".

-       المعلم: أحسنت يا أحمد، فالثقة في وعد الله تعالى أمر عظيم، يتبعه أيضا أن نتوكل على الله ونأخذ بالأسباب، لقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".  

-       يرفع الطالب أسامة يده فيأذن له المعلم بالحديث فيقول: وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر"، فالرعب الذي يلقيه الله في قلوب الأعداء هو جزء من النصر!

-       المعلم: أحسنت يا أسامة. والآن دعونا نستعرض حوار ربعي بن عامر مع رستم، بدءاً من ذلك الاجتماع المصغر الذي عقده سعد بن أبي وقاص للرد على طلب رستم أن يرسل إليه وفدا للتفاوض. حيث وافق معظم من كان في الاجتماع على إرسال الوفد، ما عدا ربعي بن عامر الذي رأى أن يرسل المسلمون شخصاً واحداً فقط للتفاوض مع رستم ودعوته للإسلام، وعندما سأله سعد عن الحكمة من ذلك، قال له ربعي: إن هؤلاء قوم يتباهون، وإننا لو فعلنا ذلك يرون أننا قد جعلنا لهم مكانة عظيمة، وأقمنا لهم الهيبة، ولكني أرى أن ترسل لهم واحداً فقط؛ فيشعروا أننا غير مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم.

-       الطالب شنودة: ولماذا اختار سعد ربعي بالذات؟

-       المعلم: في الحقيقة فإن سعدا لم يختر ربعي، فعندما تجادل القوم حول رأي ربعي سأله سعد قائلا: ومن نرسل؟ قال ربعي: دعوني أذهب إليه، فوافق سعد وبقية القوم على طلبه.

-       اتجه المعلم نحو السبورة الذكية، قائلا: دعونا نستعرض الآن هذا الحوار التاريخي الرائع بين ربعي بن عامر موفد جيش المسلمين وبين رستم قائد جيش الفُرس لنستشعر تلك الثقة التي ظهرت جلية في شخصية ربعي. (يتقدم المعلم نحو الطلاب فيقول بحماسة): امتطى ربعي ظهر جواده، مرتدياً ثياباً بسيطة، يظهر منها غمد سيفه، كما تظهر بعض السهام فوق ظهره، لابساً درعاً حديدية تغطي نصفه الأعلى، وتبدو على ملامح وجهة الجدية والصرامة. (يضع المعلم يده على كتف الطالب شنودة ثم يواصل حديثه قائلا له): هل استطاع ربعي أن يدخل بهذا المنظر إلى خيمة رستم؟

-       الطالب شنودة: رفض الحراس أن يدخل عليه بسيفه وفرسه في بادئ الأمر، فقال لهم ربعي: أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب، وإلا رجعت. فأخبروا رستم بذلك، فقال: ائذنوا له بالدخول.

-       (يربت المعلم على كتف ابراهيم ويسأله قائلا): صف لنا المشهد يا ابراهيم عندما دخل ربعي خيمة رستم.

-       يقف الطالب إبراهيم ويقول: دخل ربعي بفرسه على البساط الممتد أمامه، فوجد الوسائد المطرزة بالذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البساط فيقطعه، وجلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه.

-       المعلم: نعم، لجأ رستم إلى طريقة الأغراء، فزين مجالسه بالنمارق، وأظهر اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة، بيد أنهم فوجئوا برجل قصير القامة، عليه ثياب بسيطة، وأسلحة متواضعة، وفرس صغير، ولم يزل ربعي راكباً فرسه حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها، وأقبل على رستم.

-       تحرك المعلم إلى الأمام قليلا ثم قال: بدأ رستم بالكلام؛ فقال لربعي: ما دعاك لهذا؟ أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟ فقال له: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم. فقال له رستم: ما جاء بكم؟

-       يشير المعلم إلى الطالب أسامة قائلا: ماذا كان رد ربعي على سؤال رستم؟

-       الطالب أسامة: قال له ربعي: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

-       المعلم: نعم أحسنت، وهذه هي المهمة الأساسية في الفتوحات الإسلامية، وقد وضح ربعي ذلك بجلاء لرستم وحاشيته حيث قال: إن الله قد ابتعث هذه الطائفة؛ لتقوم بمهمة وليست للبحث عن الغنائم، أو الطغيان في البلاد، فمن قبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر. فقال له رستم: قد تموتون قبل ذلك. فقال ربعي: وعدنا الله أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا. فقال له رستم: قد سمعت مقالتك، فهل لك أن تؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟

-       يقترب المعلم من الطالب عبد الرحمن قائلا: وبم رد عليه ربعي يا عبد الرحمن؟

-       الطالب عبد الرحمن: وافقه على طلبه لمدة يومين، فقال له رستم: لا، ولكن أعطني أكثر؛ إنني أخاطب قومي في المدائن. فقال ربعي: إن رسول الله قد سنَّ لنا أن لا نمكن آذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاثة أيام، فإني أعطيك ثلاثة أيام، بعدها؛ اختر الإسلام ونرجع عنك أو الجزية، وإن كنت لنصرنا محتاجًا نصرناك، وإن كنت عن نصرنا غنيًّا رجعنا عنك، أو المنابذة في اليوم الرابع، وأنا كفيل لك عن قومي أن لا نبدأك بالقتال إلا في اليوم الرابع، إلا إذا بدأتنا.

-       المعلم: تعهد ربعي لرستم أن لا يحاربه المسلمون إلا في اليوم الرابع. فقال له رستم: أسيِّدُهم أنت؟ أي: هل أنت سيد القوم ورئيسهم حتى تضمن لي أن لا يحاربوني؟ فقال له ربعي: لا، بل أنا رجل من الجيش، ولكنَّ أدنانا يجير على أعلانا. فهو يقصد أن أقل رجل منا إذا قال كلمة، أو وعد وعداً لا بُدَّ وأن ينفذه أعلانا. هكذا قال له ربعي بن عامر، ثم تركه وانصرف.

-       يتوجه المعلم إلى الطالب أحمد قائلا: دعنا ننتقل إلى مصير رستم فيما بعد، ماذا حدث له في المعركة؟

-       الطالب أحمد: قتله هلال بن علقمة في اليوم الرابع من معركة القادسية.

-       المعلم: حقق المسلمون نصرا عظيما في معركة القادسية، فقد كانت من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فُتحت بها العراق، وانهزمت فيها دولة الفرس، وكانت تلك المعركة إيذانا بنهاية دولة الفرس إلى الأبد، ومهدت لمعركة نهاوند التي فتح بها المسلمون بلاد فارس في السنة الحادية والعشرين من الهجرة!

-       يدقق المعلم ببصره وجوه الطلاب قائلا لهم: أريد طالبا منكم يتقمص شخصية ربعي لأسأله سؤالا واحد! (يرفع الجميع أيديهم، وبعد برهة يختار المعلم الطالب أسامة، ويشير إليه أن يتقدم ليكون وجهه نحو قاعة الجمهور، وعلى يمينه بقية الطلاب).

-       المعلم: ألم تخش رستم يا ربعي عندما دخلت خيمته ورأيته جالسا بين حاشيته؟

-       الطالب أسامة: إن الخوف يتلاشى مع الإيمان بالمبدأ والثقة في وعد الله تعالى، والثبات على الحق! فأصحاب المبادئ يضحون في سبيلها بالغالي والنفيس ولا سبيل لتسلل الخوف أو الريبة إلى نفوسهم. (ثم يردد مع حركات تعبيرية على وجهه ويديه):

أَقولُ لها وقد طارت شَعاعًا    من الأَبطالِ ويحكِ لن تُراعي

فإِنكِ لو سألتِ بقاءَ يومٍ        على الأجلِ الذي لكِ لم تُطاعي

فصبراً في مجالِ الموتِ صبرًا   فما نيلُ الخُلود بِمُستَطاعِ

يسدل الستار مع تصفيق الجمهور
................................
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف