الأخبار
38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطيني
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل الثالث من كتاب "مآلات التطرف في إسرائيل"

تاريخ النشر : 2020-04-27
الفصل الثالث من كتاب "مآلات التطرف في إسرائيل"
بقلم:اللواء د. محمد المصري-   د. أحمد رفيق عوض


الفصل الثالث

هل تنتظر إسرائيل عملاً لا عقلانياً لتحطيم الشيطان؟

تبدو إسرائيل خلال العقود الأخيرة أكثر تماثلاً مع ماضيها، أي قبل قيامها في العام 1948، وليس من الصدفة أن توصف بأنها "غيتو كبير واحد"، ذلك أن مميزات الجيتو الصغير وقرى الشتيتل التي تناثرت في الأراضي الشرقية لبولندا والحدود الروسية في القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر، عادت للظهور مرة أخرى على شكل تعددية في الهويات الثقافية والخلافات الفكرية والعقائدية، وعادت المنافسات الشديدة حقيقية وجدية، ولم يشكل الصراع الديني العلماني في إسرائيل الحديثة شأناً جديداً في الصورة الشاملة للصراعات المتعددة، فالصراع الديني العلماني داخل المجتمعات اليهودية لم يبدأ مع قيام إسرائيل ولن ينته أيضاً في مستقبل الأيام .

ولا يتوقف هذا الصراع بين التيارات الدينية والعلمانية فقط، وإنما بين التيارات الدينية ذاتها، فالصراع بينها لا يقل ضراوة وشراسة عنها مع العلمانيين، هذا ما كان في الماضي وهو ما يشاهد الآن . وهي صراعات تميزت بالعنف الشديد، فمن الخطأ اعتبار أن الجيتو اليهودي كان منعزلاً وأنه انشغل فقط بدراسة التوراة، ففي تفحص للصورة عن قرب، نرى أن هذا الجيتو لم يحافظ على نفسه من خلال الإقناع أو الإيمان وإنما بالعنف أيضاً . ارتباط الدين اليهودي بالعنف له ما يسوغه ويشرعه تماماً، وذلك من خلال التوراة ذاتها وكذلك التلمود بشقيه وكذلك مقولات الفكر الكابالي الذي ذهب بعيداً في إضفاء فكرة الحلول الإلهية على الجماعات اليهودية "وأرض إسرائيل"، بحيث وصل بعض المؤمنين بهذا الفكر إلى اعتبار أن كل شخص يهودي هو جزء من الذات الإلهية . وهو فكر استعاد وما زال، شعبيته وقوته، من خلال الحركات والأحزاب المشيحانية، ولا يقتصر الأمر على المجتمع المتدين، وإنما في قطاعات كبيرة ممن يطلق عليهم اسم "العلمانيين" - يمينيين كانوا أم يساريين- . فمن يُفترض أنهم علمانيين، مثل حزب العمل وحزب ميرتس، كانوا أكثر دعماً للحركات والأحزاب المتدينة في نشاطاتها الاستيطانية والتعليمية والاجتماعية . ورغم ذلك، فإن المتدينين، كانوا وما زالوا أقرب إلى اليمين العلماني دائماً، وهي علاقة متبادلة ومستمرة ولا يبدو أنها قابلة للانفصام.

الخلافات التي ثارت وتثور كل مرة، يدخل فيها هذا اليمين في تسوية سياسية أو إقليمية ما، ورغم أن الطرفين يمتلكان رؤيتين سياسيتين مختلفتين فيما يتعلق بمفهوم الديمقراطية ومفهوم الصهيونية . إلا أن أسباب العلاقة بين المتدينين -مع أنواعهم - وبين اليمين - على أنواعه - مستمرة ومرشحة للاستمرار للأسباب التالية :

1. يتبنى الطرفان رواية متشابهة للعالم، من حيث الإيمان بوجود هوة عميقة تفصل بين اليهود وغير اليهود، ومن حيث تحديد العلاقة مع غير اليهود، وقد انقسم زعماء الحركات الدينية حول أفضل السبل للتعامل مع غير اليهود في حالة القوة وحالة الضعف، فمن قائل أنه يجب أن يبقى اليهود هادئين حتى لا يستفزوا غير اليهود - حسب تعبير الحاخام شاخ - ومن قائل أنه يجب أن يمتلك اليهود القوة للدفاع عن النفس - حسب تعبير الحاخام لوبوفيتش - . ورغم أن الحاخامين عارضا السلام مع العرب - وخاصة مع مصر - لأن المصريين يريدون إبادة اليهود، إلا أن السلام معهم سيقلل الضحايا من اليهود - حسب شاخ -، أو يجب أن يكون السلام جزء من عملية عدم تقديم تنازلات - حسب الحاخام لوبوفيش -، هذان الموقفان المتناقضان ظاهرياً المتسقان في جوهرهما، عبّر عنهما الحاخام عوفاديا يوسيف في العام 1996، عندما وافق على تقديم "تنازلات" إسرائيلية في أي اتفاق سلام مع العرب الفلسطينيين، وكانت حجة هذا الحاخام في ذلك، أن إسرائيل ضعيفة جداً، فهي لا تستطيع أن تهدم كل الكنائس في فلسطين، وهي ضعيفة جداً للاحتفاظ بكل المناطق المحتلة، ولهذا ليس من الخطأ أن "تتنازل" إسرائيل عن أراض معينة كي تتجنب حرباً تسقط فيها أرواح يهودية . لا يختلف اليمين العلماني عن التيار المتدين في إسرائيل في رؤية هذه الهوة والعمل تحت رعبها ومخاطرها الحقيقية والمتخيلة، إن هذا الفهم والرؤية المشتركة تفسر إلى حد كبير المواقف السياسية الداخلية والخارجية التي يتخذها اليمين العلماني عندما يكون في السلطة، وكذلك في عدم تخلصه من الرموز الدينية والموروث الديني، وإن أدخل عليها كثيراً أو قليلاً من عمليات العلمنة، فإن جوهرها الديني واضح تماماً، إن تردد وحذر اليمين العلماني بعض الأحيان، وتطرفه في أحيان أخرى، إنما هو تعبير بشكل أو بآخر عن تلك المخاوف المتراكمة والعميقة من الآخرين، وبهذا يمكن أيضاً تفسير قبول بيغن لتوقيع اتفاقية سلام مع مصر في أواخر السبعينات، وبنفس القدر يمكن فهم الإجراءات العملية التي استطاع نتنياهو من خلالها أن يجمد اتفاق أوسلو في أواسط التسعينات، فالمراوحة بين مفهومي الحاخامين المذكورين آنفاً هي عملياً ما يحكم الفكر اليميني العلماني وسياساته إلى حد بعيد، وبالمناسبة، فإن هذه المراوحة بين الموقفين المتناقضين ظاهراً والمنطبقين باطناً، أديا ضمن أمور أخرى، إلى التنصل من كل الاتفاقات، حتى الدولية، كما نرى الآن (2019).

2. النقطة السابقة تقود إلى تشابه الخطاب الديني والخطاب اليميني العلماني من حيث انطلاق الخطابين من شعورين متضادين تماماً، الخوف من العالم من جهة، والثقة المفرطة بالذات من جهة أخرى، إن ما يعزز تعايش وصراع هذين الشعورين في الخطابين، الاعتقاد "بالفرادة اليهودية" . إن هذا الخليط من فصام المخاوف المتطرفة والثقة بالذات، يؤيدان إلى خطاب يعتمد جنون القوة "للتغطية على الخوف الوجودي اللاشعوري من العالم كله" . ومن مميزات هذين الخطابين؛ الخوف من الغرب ورأيه العام، والخوف من اليسار الإسرائيلي لأنه أقل يهودية، والخوف من الاندماج، والخوف من الحياة بشكل طبيعي بين الأمم، والخوف من أية اتفاقية سلام قد تهدد النسيج الاجتماعي الداخلي، والخوف من أية أفكار أو آراء جديدة تهدد الرؤية الرسمية أو التاريخ .... إلخ، هذان الخطابان أسسا ويؤسسان إلى ما يسمى بفوبيا الأمن الإسرائيلية، وهي فوبيا عامة وشاملة تستغل وتُستخدم كفزّاعة في أية مفاوضات أو في كل الاتفاقات.

3. الخطاب الديني يبرر لليمين العلماني سياسته غير الموجودة في الاعتبارات الاستراتيجية قصيرة المدى لإسرائيل، ولكن هذا التبرير يُنتزع من ذلك "التاريخ الطويل للعلاقة الخاصة بين الله وشعبه المختار" . إن هذه التبريرات قد تبدو متناقضة، ولكنها مجدية كثيراً في السياسة، وخاصة لليمين الذي لا يستطيع أن يقدم تبريرات دينية مقنعة، وبهذا المفهوم، فإن الخطاب الديني يعطي شرعية لليمين العلماني بشكل أو بآخر، وهذا يمتد أيضاً إلى العلاقة بين المتدينين وإسرائيل الصهيونية العلمانية رسمياً، فإسرائيل - بالنسبة لهذا الخطاب - إما أن تكون مرحلة من مراحل الخلاص أو مقدمة له - كما يدعي حزب المفدال ومن بعده البيت اليهودي - أو أنها دولة لليهود تحمي الدم والتوراة والشعب - كما يدعي حزب يهودوت هتواره – وهو الفكر الذي استطاع أن يتحول إلى فكر شعبوي تماماً يحكم إسرائيل الآن، وهو ما نراه في المطالبة بالاعتراف بالدولة اليهودية والمطالبة باعتراف العالم بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

وإذا كان هناك ثمة خلاف بين المتدينين واليمين العلماني حول الصهيونية والديمقراطية، فإن هذه الخلافات كانت وستظل موجودة ويمكن التعايش معها أيضاً.

فالأحزاب الدينية لا تؤمن بالديمقراطية، ولا تجري انتخابات داخلية فيها، ومجلس حكمائها من الحاخامات لا يكشف عن مناقشاته ولا اعتباراته، ولا ينتخب هذا المجلس، بل يتم تعيين أعضائه بطرق غامضة، ويقوم هذا المجلس بتعيين مرشحيه للكنيست حسب اعتبارات لا يعلمها أحد، كما أن أعضاء الكنيست من الحزب الديني لا يستطيعون اتخاذ أي قرار دون العودة إلى مجلس الحكماء، والحزب حكر على الذكور، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الحزب الديني القومي أو المفدال أو البيت اليهودي فيما بعد، فهم أكثر انكشافاً، كما أنهم يُشركون النساء في العمل النسائي، ودليل ذلك دور الوزيرة شكيد، لهذا، فإن هناك معارك حامية الوطيس بين الحريديم وهذا الحزب . وعلى الرغم من عدم إيمان هذه الأحزاب بالديمقراطية، إلا أنها تستفيد منها وتتعايش معها، وبالنسبة للصهيونية، فإن اليمين العلماني والمتدينين يؤمنان بأن كراهية العالم لليهود صفة أبدية، وهذه مقولة أساسية من مقولات الصهيونية، وهي المقولة المركزية فيها . ولكن الأيدولوجية الحريدية تفترق عن الصهيونية في مسألتين هما:

أولاً: تجميع اليهود.

ثانياً: إقامة دولة يهودية.

وبالنسبة للمسألة الأولى، فإن التلمود يذكر أن الله أخذ على اليهود ثلاثة عهود هي: عدم التمرد على غير اليهود، وأن لا يهاجروا إلى فلسطين بكثافة قبل مجيء المسيح، وأن لا يُصلّوا بقوة شديدة من أجل استعجال مجيء المسيح حتى لا يأتي قبل موعده المحدد .

ومن الواضح أن العهدين الأولين يتعارضان مع الفكر الصهيوني بشكل حاد، ولهذا فإن المتدينين الحريديم عادة، يعلنون معارضتهم للصهيونية، ويعتقدون أن إسرائيل بشكلها الحالي ما هي إلا منفى آخر لليهود، ولكن، ورغم ذلك، فإن اليهودية استطاعت أن تتعايش وأن تلائم نفسها مع الأوضاع كلها، وعلى أرض الواقع، فإن هذه المعتقدات، وإن تجلت في عدم استعمال الرموز الصهيونية الواضحة من قبل هؤلاء الحريديم، إلا أن قطاعات أخرى من المتدينين لا تقرهم على ذلك أولاً، كما أن هؤلاء الحريديم الذين يعتقدون أن إسرائيل منفى آخر، يشاركون في النظام السياسي لهذا المنفى ويستفيدون من تشريعاته وقوانينه ومنافعه الدنيوية العلمانية . وما بين رؤية إسرائيل كمرحلة من مراحل الخلاص أو مجرد منفى آخر أو دولة قومية طبيعية أو دولة أقامتها قوى الإمبريالية وتؤدي وظيفة، يتفجر النقاش المحتدم والمستمر بين الهويات المتعددة، وهي هويات تتخذ أشكالاً اقتصادية واجتماعية أيضاً، ومن هنا نشأ الصراع على الموارد والسلطة ومواقع التأثير، ولكن ورغم جدية الخلافات وحقيقتها، إلا أنه لا يجب الحكم على هذه الخلافات أو الشروخ بحيث تدفع المراقب إلى القول أن إسرائيل قد تواجه انشقاقات أو حروباً أهلية، فكما يقول فون كلاوزيفتش؛ إن وضع المجتمع في حالة حرب يعكس حقيقة وضعه في حالة السلم . وذلك يعني أن التركيب السكاني الإسرائيلي، بما فيه من طبقات مهيمنة وأخرى مهمشة، وما فيه من هويات ثقافية متعددة، وما فيه من شروخ أثنية وعرقية وسياسة يجب فهمه من خلال سياق التاريخ والسياسة، حيث أن "وظيفة" النظام السياسي تحدد اتجاهاته وأهدافه وأعماله ودوره، لا يمكن لهذا النظام أن يتجاوز دوره ومربعه الذي رسم له، ومن جهة أخرى، فإن ما يهدد هذه "الوظيفة" هو هذا البحث المحموم عن "الهوية" التي تريد أن تنأى عن الغرب وقيم الغرب ورأي الغرب، إن الحركات الدينية المشيحانية ومثيلتها الكتلة الدينية الشرقية، وإلى حد ما بعض أجنحة الأحزاب العلمانية اليمنية، تعلن صراحة أنها لا تريد الانصياع لمبادئ الغرب وأفكاره ونماذجه، وإذا كان صحيحاً أن كل جيل هو أكثر يهودية من الجيل الذي يسبقه . فإن إسرائيل تتجه أكثر فأكثر إلى أن تعبر عن يهوديتها أكثر من وظيفتها، ويمكن القول أن مساحات الاحتكاك والصدام في الرؤية والتوجهات ستزداد ما بين إسرائيل والقوى الغربية التي تدعمها، فيما يتعلق بمصالح الطرفين ومرجعياتهما الفكرية والعقائدية، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك بالقول، إن من الممكن أن تضطر القوى الغربية الداعمة لإسرائيل أن ترفع أو تقلل حجم التغطية السياسية والمالية عن إسرائيل لإعادتها إلى وظيفتها المرسومة، ومن الواضح أن مثل هذا الوضع لن يحدث دون مقدمات أو ضغوط أو مواجهة عربية وإسلامية، أو عندما تتحول العقائد اليهودية إلى ممارسات سياسة خطيرة تهدد مصالح الغرب بشكل حقيقي لا يمكن الدفاع عنه أو تغطيته أو تبريره.

الخشية الحقيقية تتمثل في أن هؤلاء المتدينين الحريديم أو المتدينين القوميين المتطرفين، وبشكل فردي أو جماعي، قد يقومون بأعمال غير محسوبة أو مغامرات، تدفع الجميع إلى أوضاع سياسية وأمنية غير مخططة، وخارجة عن السيطرة (كما حدث عندما اغتيل إسحق رابين عام 1995 مثلاً، فتوقفت العملية السلمية تماماً)، يقول إيمانويل هيمان مستخلصاً ومستشرفاً مستقبل القوى الدينية في إسرائيل ما نصه "للأسف، يكفي أن تعطي أرضاً لهؤلاء المؤمنين وأن يمسكوا السلاح بأيديهم، حتى يتحول البعض منهم إلى أصوليين قوميين ويحاولوا فرض أنفسهم بالقوة، وحيث أن موجههم هو الله، فإنهم قادرون على ارتكاب كل التجاوزات، لأن خلافاتنا الإنسانية التافهة لا تساوي شيئاً أمام التدبير الإلهي العظيم، والذين يملكون وحدهم مفاتيح أسراره" .

هذه الخشية من هذه الأعمال المتوقعة أو المفاجئة، يشير إليها ستيرنهل أيضاً بالقول "واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تهدد المستوطنات في المناطق - يقصد المناطق المحتلة - قدرة إسرائيل على تطوير مجتمع حر ومنفتح، ولكن، مثل كل المحاولات السابقة للكولونيالية، فإن ما يريد اليمين الإسرائيلي فرضه على الفلسطينيين، لابد وأن ينتهي، العامل الوحيد غير المؤكد هو الثمن الأخلاقي والسياسي الذي سيدفعه المجتمع الإسرائيلي للتغلب على المقاومة التي ستبذلها النواة الصلبة للمستوطنين ضد أي حل عادل ومنطقي" .

المخاوف التي يُحذر منها كثير من الباحثين السياسيين وعلماء الاجتماع الإسرائيلي وغير الإسرائيلي، يجب أن لا تعمي العيون عن حقيقة أن القوى الدينية، المتطرفة والمعتدلة، هي عملياً ما ميز المجتمعات اليهودية عبر تاريخها الطويل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التركيب الديموغرافي لمثل هذا المجتمع سيؤدي بالضرورة إلى مثل هذه الوظائف، وإن تعددية الهويات ستؤدي إلى مثل هذه الأزمات، وإن فكراً مثل الفكر الصهيوني الذي وصل إلى طريق مسدود - بفشله في خلق هوية مشتركة وصنع السلام وخلق دولة عادية - سيؤدي إلى أن تحل الهويات اليهودية المتعددة، معتدلها ومتطرفها، مكان هذا الفكر، لنلاحظ مثلاً تفكك هذه الهويات في انتخابات 2019، حيث كان الخلاف العميق بين معسكر اليمين بالذات، رغم التقارب والتشابه في الرؤى والبرامج.

ويذهب يسرائيل شاحاك بعيداً حول إمكانية قيام الحريديم أو المتدينين القوميين "بعمل لاعقلاني لتحطيم الشيطان" . وذلك من خلال التسلل إلى مواقع متقدمة في الجيش أو التحكم في القوة النووية . ذلك أن إسرائيل - التي لا يجب أن تتنازل عن الأرض التوراتية في أية تسوية باعتبارها الدعامة الأرضية لعرش الرب - . إنما هي ليس إلا مملكة إسرائيل كما أرادها الله . هذه المخاوف التي يُعبر عنها شاحاك لا تغيب عن النخبة المهيمنة في الجيش الإسرائيلي، التي عمدت إلى بعض وسائل التحكم بخدمة هؤلاء المتدينين المتطرفين في الجيش، وذلك من خلال خدمتهم في فرق خاصة، أو توزيع خدمتهم ما بين الدراسة وفترات الخدمة العسكرية ومن خلال التكيف مع غيرهم من أفراد الجيش.

منير شفيق، من جهة أخرى، يقلل إلى حد كبير من صدوع التركيب السكاني الإسرائيلي وكذلك من تناقضات الهويات المتعددة، بقوله إن كل الخلافات بين الأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية، هي خلافات يغلب عليها التنافس على السلطة أو على إعادة بناء معادلة التوازن الداخلي، وإن اتخذ في بعض الأحيان صراعات على بعض القوانين ذات المرجعية الدينية أو العلمانية، وستظل هذه الخلافات في منزلة ثانوية "لأن التناقض الأساسي لا ينبع من تناقضات المجتمع الإسرائيلي، وإنما من تناقضاته مع الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين" . ويحذر شفيق من قراءة تناقضات المجتمع الإسرائيلي بمعزل عن أمرين اثنين هما: علاقة إسرائيل بالغرب، وعلاقة إسرائيل بالمحيط العربي الإسلامي، فهاتان العلاقتان تعملان عادة باتجاه تقليل أثر التناقضات الداخلية، بحيث أنها لا تؤثر على "وظيفة إسرائيل"، بمعنى آخر، لتكن إسرائيل علمانية جداً أو يهودية جداً، أو مزيجاً من الاتجاهين، ولكن، يجب أن لا تفقد وظيفتها أو تقل كفاءتها في تنفيذ ذلك، إن التنازع بين الاتجاهين، دفع وصف إسرائيل بأنها "دولة من فوضى ونصف دولة يهودية" .

إن مخرجات هذا النظام بالذات تشكل مدخلاته أيضاً، فمجتمع المهاجرين يؤدي إلى التنوع، والتنوع يؤدي إلى التنافس، والتنافس يؤدي إلى الصراع على السلطة والموارد، الأمر الذي يؤدي إلى محاولة تغيير الحصص حسب الثقل النوعي والضغط المنظم، مما يؤدي إلى مزيد من التنافس والصراع والصدوع، ولكن هذا الصراع محكوم بسقف البيئة الإقليمية والعالمية، وبتفصيل أكبر، فإن التنافس يؤدي إلى التقوقع الطائفي والاثني، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى التمسك بالهويات باعتبارها تضع حدوداً بين القطاعات المختلفة، وعلى الرغم من ما يبدو أنه مشهد متناقض ومنقسم، إلا أن الأمر كما لخصه الدبلوماسي الأميركي مارتن إنديك بالقول "يخطئ من يظن أن هذه الدولة آخذة في الانحلال، فلديها مؤسسات قومية، وإن كان جزء منها يحتاج إلى اجتياز تغييرات معينة، إلا أنها مؤسسات قوية" . ما الذي يقصده إنديك "بالمتغيرات المعينة"؟ هل قصد تقليم أظافر القوى الدينية المتطرفة؟ هو لم يفصح عن ذلك أبداً.

وعلى هذه كله، يمكن إجمال مخرجات العلاقة ما بين "التركيب" و"الهوية" و"الوظيفة" في إسرائيل على النحو الآتي:

1. تتكشف إسرائيل أكثر فأكثر عن كونها تعبيراً عن تاريخ اليهودية المتنوعة والمتعددة والمختلفة، حيث أن اليهودية تحتمل المقولة ونقيضها، "فكل الكلمات هي من وحي الله أيضاً" حسب ما ورد في التلمود، أي أن الاختلاف هو جزء من هذه الثقافة، تتعايش معه، بل وترى فيه مصدر قوة، رغم أن ذلك أدى في الماضي، كما في المستقبل، إلى اللجوء إلى العنف، الذي قد يزداد كلما كان هناك تسويات إقليمية، فليس من المستغرب إذن أن تظهر جماعة "الخردليم" أو الخردل بالعربية بعد اتفاق أوسلو، من بين جماعات المستوطنين الذين قبلوا أو سكتوا على اتفاق أوسلو، حيث رأت جماعة الخردل أن اتفاق أوسلو أوقف عملية الخلاص المشيحاني . كما أن التشدد هو ظاهرة يهودية معروفة تاريخياً، فدائماً كانت هناك جماعة متشددة أو جماعات متشددة، وبعد اضمحلال الفكر اليساري الاشتراكي العمالي الذي سيطر على الحياة والحكم في إسرائيل لمدة ثلاثة عقود، فإن "اليهودية" - على أنواعها - هي التي ملأت الفراغ الناتج، وهو الآن ما نراه في جماعات شبيبة التلال وتدفيع الثمن وجماعات أخرى مثل لهفوت وجماعات استيطانية أخرى تتخذ من العنف والقتل والحرق أُسلوباً في التعامل مع الفلسطينيين وحتى مع مخالفيهم من اليهود في حالات نادرة حتى الآن.

2. سيكون من الطبيعي والمتوقع أن تتأثر السياسات الإسرائيلية على المستوى الداخلي والخارجي بهذه اليهودية الطاغية، باعتبارها جوهر النظام وعنوان الانتماء لجميع الطوائف والقطاعات، أي أنه باختفاء "فرن الصهر" الذي استخدمته الحركة العمالية الصهيونية لمدة طويلة، فإن "فرن الصهر" الجديد هو الانتماء للدين، بشكل تقليدي أو متطرف أو محافظ أو غير ذلك من مسميات برعت أجهزة الإحصاء الحكومية الإسرائيلية في تفصيلها، لهذا السبب – ربما - يُفسر ظهور وثيقة طبريا في العام 2004 التي أجمع عليها رجالات اليمين واليسار معاً، فالهوية الجمعية الآن هي هوية دينية أكثر من أية هوية أخرى، وما هذا المطلب الرسمي والشعبي على اعتبار أن إسرائيل دولة يهودية سوى جزء من تأكيد تلك الهوية، وطبعاً بعيداً عن فرض شروط تعجيزية للعملية السلمية أو هروباً منها.

3. الصراع بين الأحزاب المختلفة والقطاعات الأثنية المتعددة هو نتيجة طبيعية للتركيب الديموغرافي الإسرائيلي باعتباره مجتمع مهاجرين لم يتكون بعد بصورته النهائية، فهناك ملايين عديدة من اليهود تعيش في أوطانها حيث ولدت، وعمليات الاندماج سريعة إلى درجة أن إبراهام بورغ، النائب السابق لرئيس الكنيست، حذر من تلك العمليات، وقال إن ذلك يشكل أحد المخاطر الوجودية لإسرائيل في المستقبل . كما اعتبر أن الجهود غير كافية للعمل على استيعابهم واستقدامهم وتعزيز الروابط معهم، وليس من المتوقع في المستقبل أن تنتهي مثل هذه الصراعات رغم عمليات العلمنة السريعة ومحاولة إيجاد دين رسمي مقبول من جميع الأطياف الإيديولوجية والدينية الإسرائيلية، فمن الملاحظ أن الاتجاه يميل أكثر إلى "تديين" الحياة السياسية وليس "علمنة" الدين، إن وتيرة الصراعات وطبيعتها واتجاهاتها تحت السيطرة إلى حد كبير، من خلال "شعور العلمانيين والمتدينين على حد سواء بعدم الرضا" . وكذلك من خلال إيمان الجميع بأن إسرائيل هي دولتهم التي يجب أن لا يتم التفريط بوحدتها، إن تهويل هذا الصراع حتى من خلال كتابات وأبحاث العديد من الإسرائيليين وغيرهم يجب أن يُنظر إليه ليس من خلال مصطلحات الأبحاث والفهم الإسرائيلي وإنما من خلال مصطلحات خاصة تصلح لدراسة الحالة، وهو ما يقترحه منير شفيق في فهم الخلافات . الذي أضاف أن من الخطأ الاعتقاد بأن على المجتمع أن يكون منسجماً ومتآلفاً ويوزع السلطة والموارد بشكل متساوٍ على كل قطاعاته، أو أن يكون ذلك عائقاً أمام وحدته واستمراره .

4. الهوية الإسرائيلية هي هويات إسرائيلية عديدة على المستوى الثقافي والديني، ولكن الإسرائيلية، كمواطنة واستحقاق، هي أيضاً واقع حقيقي له تأثيره على كامل المنطقة، بكلمات أخرى، هناك هويات دينية عديدة، مختلفة ومتعارضة، ولكن المواطنة (ورغم كل ما يقال عن عنصرية قوانينها) تمنح جميع تلك الهويات معنى اجتماعياً وسياسياً، وقد عمل سياسيون وباحثون ومفكرون يهود على نحت وخلق العلاقة (المتخيلة أو الحقيقة) بين اليهودية والإسرائيلية، من خلال القول إن إسرائيل تستطيع أن تكون يهودية (ضد الديموقراطية بسبب تعارضها مع الشريعة) وديمقراطية (بسبب أن إسرائيل تمارس تداول السلطة والانتخابات الحرة)، واستطاع هؤلاء أن يوفروا الغطاء الفكري والتاريخي والديني للمؤمنين بين "الأزمان المختلفة التي يحياها كل من العلمانيين والمتدينين" . وقد يخدع المرء نفسه إذا اعتقد أن الإسرائيليين الحاليين يشعرون بالفصام أو يشعرون بوخز الضمير بسبب أن يهوديتهم ضد ديمقراطيتهم، أو أن تكون هذه المسألة مثار نقاش بعيداً عن دوائر البحث الأكاديمي والجدل الرفيع بين المختصين، وعودة إلى وثيقة طبريا، التي صاغها مفكرون وسياسيون وباحثون وكتاب من مختلف الأطياف السياسية، ليتم التعرف إلى أي مدى يمكن أن تصل راحة الضمير الإسرائيلية، اليهودية تفترض أن اليهود "غير طبيعيين" لأن أهدافهم إلهية، واليهودي العادي، فضلاً عن المتدين، يصدق ذلك ويعيشه، حتى اليسار العمالي الاشتراكي، لم يخرج عن هذه الرؤية، المشكلة في هذا اليسار أنه كان دائماً متردداً وغير حاسم، فمن جهة، يحاول أن يقدم صورة حداثية عن إسرائيل الطبيعية الديمقراطية، ومن جهة أخرى، فإنه لا يستطيع أن يتخلص من أرث طويل لجماعات يهودية لا يمكن لها أن تعيش في وحدة واحدة منسجمة، ولهذا، انهار اليسار أو يكاد .

إن التركيز على هذا الشرخ الفكري والسياسي (الذي يضخم دائماً) ما بين اليهودية والديمقراطية لا يزعج أحداً في إسرائيل، وإذا ما عبر أحدهم عن انزعاجه، فإنه يبدو نوعاً من تطهير النفس ليس إلا، مثلاً، هذا بوعز عفرون، مؤلف كتاب "المحاسبة القومية" يكتب بنوع من الجدل الذي لا يقدم ولا يؤخر "ماذا تفعل إسرائيل إزاء هذا التناقض الواضح في تركيبتها الاجتماعية والدينية والثقافية وسط هذا الكم من السكان العرب، أخشى أن تقوم الحكومة الإسرائيلية، أي حكومة، سواء الحالية أو القادمة - لا فرق - بعكس ما ينبغي فعله، لابد من تغيير السياسة الداخلية والخارجية معاً، ينبغي التوقف وإجراء محاسبة للنفس" . ولكن محاسبة النفس هذه عملية تحتاج إلى عقود كثيرة حتى تكتمل، وهناك الكثير من محاسبات النفس اليهودية التي قدمها باحثون ومفكرون دون نتائج سوى تقديم المبرر والغطاء والراحة النفسية لصانعي القرار والجمهور، ونُذكّر بظاهرة المؤرخين الجدد التي انقلبت على نفسها، لقد تعود اليهودي أن لا يرضى، وأن لا يثق، وأن يشكو دائماً، وأن يشك دائماً، إن ما يبدو نوعاً من الفصام الفكري والعقائدي إنما هو جزء من المشهد لا يكتمل إلا به، ولن يتوقع أحد أن تنقسم إسرائيل على نفسها لأنها لم تحدد بعد حدود يهوديتها وحدود ديمقراطيتها، والعالم - على الأقل العالم الليبرالي الديمقراطي الغربي - يقبل هذه الدولة ويدعمها، بل أكثر من ذلك، هناك تيارات عقائدية وسياسية وحكومية غربية تعتقد أن التعامل مع إسرائيل يجب أن يكون مختلفاً، فكما قال جيري فالويل - صاحب التأثير الكبير على رؤساء أميركا والجمهور الأمريكي: "لا نستطيع أن نحكم على إسرائيل وتصرفاتها بمعايير بشرية وأن نخضعها لأحكام أخلاقية يخضع لها سائر البشر" . وهو بالضبط ما قاله نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس عندما قال أن رئيسه دونالد ترامب هو خيار الله لمساعدة إسرائيل، والمسألة الأكثر الأهمية، أن من الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلاً، أن تمارس دولة كل صنوف الاحتلال والعنصرية، ثم لا تجد مبررات ومسوغات كافية لهذا الأمر، فمن الذرائع الإلهية، إلى ذرائع قدر الرجل الأبيض، إلى ذرائع نشر العلم والديمقراطية .... إلخ، وليس من العجب أيضاً أن تكون شعارات الحرب العالمية الأولى والثانية وحروب الخليج الثلاثة وكذلك الحرب على ما يسمى الإرهاب، هي ذات الشعارات المتكررة والمعهودة، الديمقراطية والأمن والسلام . وعليه، فإن إسرائيل لن ترتكز على مفاهيم الديمقراطية لتبربر احتلالها وعنصريتها، وإنما – بالتأكيد - ستستند إلى مقولات الدين اليهودي الذي يغطي كل الأفعال، حتى تلك الأكثر وحشية .

5. يلخص ديفيد ديوك، عضو الكونغرس الأميركي السابق، العلاقة بين الدين اليهودي كهوية نهائية ودولة إسرائيل كتحقيق لهذه الهوية بالقول "الدين اليهودي، كما وصف التلمود، أقل اهتماماً باليوم الآخر من اهتمامه ببقاء الشعب اليهودي وبقوته، وبما أن عقيدة الشعب المختار هي التي تحرك الدين اليهودي، فإن الديانة اليهودية بأكملها مصابة بمرض مزمن، هو تلاوة حكايات الاضطهادات الماضية وسردها، وبالتالي، فإن اليهودية هي العقيدة الوحيدة في العالم التي ترعى العزل العرقي والنخبوية والتمركز العرقي الذاتي والتعالي على الآخرين، إن إسرائيل الحديثة هي الدولة الغربية الدينية الوحيدة بصراحة، والتي تدعي دون خجل أن غايتها تحقيق تقدم دين واحد وشعب واحد فريد، وتُعرّف إسرائيل الدين اليهودي بأنه دين دولة، مع الفصل بين الكنيست والدولة في القوانين المدينة والدينية، ومع ذلك، يُعرف معظم اليهود في دولة إسرائيل بأنهم علمانيون، رغم أن دولتهم دينية" .

هذا الواقع يجعل إسرائيل فريدة حقاً في ذلك التداخل والتكامل والمزج بين الدين والسياسة بطريقة لا يمكن فهمها دون النظر إلى تاريخ الجماعات اليهودية من جهة وكذلك إلى طبيعة الدين ذاته . وحسب ديفيد ديوك أيضاً "الإيمان بالإله كان ضرورياً للحفاظ على القبيلة .. والعرق لدى دولة إسرائيل الصهيونية أهم بكثير من العقيدة الدينية .. وأصبحت حماية الهوية القومية للشعب اليهودي السبب الرئيسي لوجود اليهود" .

6. إن السياسات الداخلية والخارجية للنظام السياسي الإسرائيلي، والتي تشكل الناتج أو المخرج الأخير لهذه التفاعلات بين الوظيفة والتركيب والهوية، تتمثل في تكريس الاحتلال وتعميق الاستيطان، وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والعداء الكامل للمنطقة كلها، والتحالف مع المخططات الاستعمارية وخدمتها من جهة، وكذلك من المزيد من التنافس القطاعي والتقوقع الثقافي واشتداد الصراع على السلطة والمزيد من التشدد القومي والديني من جهة أخرى .

7. إن ما قيل آنفاً إنما يصب في فرضية هذا الكتاب التي تقول إن التطرف والغلو الإسرائيلي يتصاعد دون توقف أو دون كوابح، فالأرضية مهيأة تماماً لهذه الظاهرة لأن تتجذر وأن تتجلى بأبشع صورها على شكل ما يشبه الانتحار الجماعي كما حصل في تاريخ قديم، او صراع داخلي، أو على شكل تغيّر في وظيفة إسرائيل كلها في حالة أن الغرب المستعمر وجد مصلحة أخرى في مكان آخر.

إن ما ندّعيه هنا من أن هوية إسرائيل آخذة في التغيّر لتصبح أكثر يهودية، وبالتالي أكثر تشدداً، إنما تعني أيضاً ابتعاد أو تخلي إسرائيل عن الغرب المستعمر أو تخلي الغرب المستعمر عنها، كما أن تغيّر التركيبة السكّانية الإسرائيلية يعني تغيّر مضمون النظام السياسي الإسرائيلي ليصبح أكثر تعبيراً عن "التنوع" الديني والطائفي والعرقي، أي ما يشبه انفجار هويات، مع ما يرافق ذلك من تشدد وغلو وانعزال.

نعتقد هنا بقوة أن وظيفة وتركيبة وهوية إسرائيل المستقبلية سيصيبها تغيير كبير لن تجد معه سوى مزيدٍ من التشدد والغلو وظواهر التكفير المتجه للداخل والخارج في آنٍ معاً.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف