الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ما بعد حلم الفيل بقلم:محمد سليمان الدرقاوي

تاريخ النشر : 2020-04-26
ما بعد حلم الفيل  بقلم:محمد سليمان الدرقاوي
مابعد حلم الفيل  ( الجزء الثاني  من قصة حلم الفيل
ما بعد الحلم
ست سنوات ،وثلاثة اشهر ،واثنان وعشرون يوما، هي المدة التي لم تعرف ساكنة العمارة من هي زهرة صاحبة الشقة رقم 21 من الطابق السابع سوى أن من تسكنها امرأة وحيدة ،اشترت لها بنتها الشقة ،وسافرت للعمل في احدى دول الخليج ،حارس العمارة وحده والذي كانت زهرة سخية معه ،تجود عليه وعلى أسرته بعطايا وهبات ، كان يعلم من خلال المراقبة الالكترونية التي وفرتها له ودادية لمراقبة العمارة من داخل سكناه ،بخروج السيدة قبل الفجر بقليل في سيارتها،ولا تعود الا ليلا ،وقد دفعه الفضول ليسألها يوما فادعت ان لها أختا مريضة بالرعاش وزوجها مصاب بالزهايمر ، يسكنان في مدينة قريبة ، تقضي معهما اليوم الى ان يناما ، فتقفل دونهما الباب وتعود لبيتها ،
لاحظ الحارس من خلال المراقبة اليومية الالكترونية أن السيدة مذ خرجت من شهر تقريبا لم تعد ، حين اتصل بها هاتفيا للاطمئنان عليها ، اتاه الرد كونها في بيت أختها التي توفى زوجها ،ثم لحقت به اختها في اقل من أسبوع ، قدم الحارس تعازيه وعرض عليها ان كانت في حاجة الى خدماته فطمأنته كون أبناء المرحومة موجودين ويقومون باللازم ..
حين كلم الحارس زهرة ، فالرد لم يكن يأتيه الا من مدينة بورصة التركية ، حيث كانت تبحث زهرة عن مزودين لتقليعات نسائية جديدة انتقلت اليها بعد ان قضت أياما من الراحة في يلوا المدينة الغافية على بحر مرمرة ذات المياه الباردة والغابات الشاسعة والسواحل الخلابة والمنتجعات المانحة للحيوية، ولم تعد للوطن الا بعد شهر لتدخل العمارة في صفة زهرة الحقيقية وقد أصبغت على نفسها بعض علامات الاسى والحزن ،كون أمها مريضة في بيت المرحومة خالتها ،وقد تأخذها معها الى الخليج من أجل العلاج ..
جمعت زهرة من البيت كل ما هي في حاجة اليه داخل حقيبتين جلديتين ، ثم فتحت خزانتها الحديدية واخذت منها صندوقة صغيرة الحجم ،ثقيلة الوزن ومحفظة مدرسية وضعتهما في احدى الحقيبتين ، أحكمت سد باب شقتها ، ثم دخلت المصعد الكهربائي تجر حقيبتيها الثقيلتين الى المراب حيث سيارتها وعلى لسانها آيات من الذكر الحكيم ...
أوقفت السيارة في مكان محروس ، اخذت المحفظة المدرسية وتوجهت نحو أحد المصارف .. مكثت مدة غير يسيرة ثم عادت الى سيارتها ونفس المحفظة المدرسية في يدها لكنها أخف وزنا مما كانت عليه ...
ركبت سيارتها وانطلقت مخلفة دعوات حارس المراب وهو يجهر بالحمد ..
لم تسافر زهرة الى تركيا الا بعد ان درست أكثر من اتجاه لضمان استمرار ما تريد تنفيذه ، فهي لن تترك حياتها للصدفة ، ولن تفكر في العودة الى حرفتها التي وفرت منها الكثير من الاموال، والتي لا يمكن أن يحلم بهاموظف ولو كان ساميا بأجرة مرتفعة ، فزهرة حين ولجت عالم التسول فذاك لا يعني انها فقدت القدرة ،او وسيلة تأمين دخل شهري ، فقد مرت بأكثر من مهنة كل واحدة منها قادرة أن توفر لها عيشا محترما ،لولا تهافت الرجال عليها ، والنظر الى جسدها كبضاعة للاستغلال ،أكثر من الاستفادة من ذكائها وقدراتها على العمل والابداع فيه ، هي مدينة لرجل واحد من عاملها بالاحترام لما اسداه لها من خير وعون ومساعدة ، كان هو ابن صاحب البيت الذى آوى والديها سنوات ،وآواها من بعدهما ،وكان له اثر كبير في حياتها ، فهو الوحيد الذي لم يرفع الى جسدها بصرا بإحراج أو يطلب مقابلا من هذا الجسد رغم ما أغدقه عليها من أفضال ..
دخلت زهرة عالم التسول كوسيلة لبلوغ غاية أدركتها من متابعتها لأهل التسول ، كونهم اقوام ليسوا فقراء كما يتظاهرون ،وانما بنوا مدارجهم على الخداع والجشع ، وقد غامرت بنفسها لتجني من وراء التسول ما يحقق لها غاية محددة في الزمان ، وان الخبرة التي خرجت بها قادرة ان تجمع منها مجلدات من المشاهدات والمواقف لا عن المتسولين فقط وحيلهم ،وانما كذلك عمن يتعاملون معهم من محترفي السياسة والنقابات وادارات حكومية ، ولكل فئة من هؤلاء غاية يتوسلها من وراء غض الطرف عن التسول لربح يجنيه ، لهذا لا يمكن قطع دابر التسول الا بقطع المتعاملين معه..
سافرت زهرة أياما الى البرتغال لتبحث في أسواق تقليعاتها الجديدة ، اقتنت الكثير مما يناسب ذوقها ،وتوخت أن يكون بداية لما تفكر في إنجازه ، لكنها لم تعد من البرتغال الا وهي تتصنع مسحة حزن وحداد مدعية وفاة والدتها اثر عمرة في السعودية وهناك تم دفنها ..
اناقة زهرة وذوقها جعلاها تحدد مجال ماتنوي تسوقه لتصير محترفة للتجارة الالكترونية ، وقد رات بما راكمته من خبرة في مهنها السابقة وفي مراقبة الناس وهي تمارس التسول أن أكبر منتج قابل للاستمرار هو البسة الشباب من الجنسين على شرط أن تكون في مستوى جميع الطبقات تمتاز بالبساطة في اللون والشكل .
هكذا بنت خطتها وحددت اهدافها ورسمت طريق مشروعها التجاري وما يتطلبه من استراتيجية للتسوق والتمويل والدعاية والاعلان لماهي مقبلة عليه ،كما استطاعت التعاقد مع أنثى كانت تعرفها من ايام عملها في متجر الالبسة فأسست لزهرة نطاقا إلكترونيا خاصا بها ، وأنشأت لها متجرا على الانترنت وحققت لها تصميما رائعا اضافت اليه زهرة من ذوقها وحسها الجمالي الشيء الكثير ..
لقد استطاعت زهرة أن تتعامل مع أكثر من شركة تتزود منها بما تريد بعد اختيارات دقيقة ، كما تمكنت من ضمان أكثر من موزعة في مدن مختلفة مستغلة خبرتها وعلاقاتها السابقة وهي تشتغل في متجر الملابس وقد أبانت يوم افتتاح متجرها الالكتروني عن سمو ذوق وروعة اختيار ، فما عرضته من أنواع واشكال من الألبسة حقق لها اقبالا ابهر كل من تعامل معها،خصوصا وان كل طلبية كانت تصل بسرعة و في الوقت المحدد بلا تأخير ولا مقابل..
بعد ثلاثة اشهر من فتح متجرها الالكتروني وجدت في صندوق بريدها المنزلي رسالة تدعوها لمكتب عميد مركز الشرطة الاقليمي لأمر يهمها ، لم يأخذها خوف من الرسالة لأنها تعلم انها تعمل في الوضوح وأنها اتخذت كل ما يلزم من الاجراءات الادارية قبل فتح متجرها الالكتروني ، لكن ركبها شيء من التفكير القلق :لماذا ؟ ربما قد شرعت الدولة في تفعيل قانون أجرام التسول ، لكن لن تطبقه بمفهوم رجعي وهو ما قد ينطبق عليها ،فالدولة لم تخرج قانونها من بين الرفوف كما أخرجت غيره كقانون من أين لك هذا ؟الا بعد ضغط من قبل جمعيات المجتمع المدني ، ولن تلبث أن تطويه كما تعودت بعد أن تهدأ الضجة ..
جلست زهرة أمام ضابط الشرطة التي تركها تنتظر فترة غير يسيرة قبل أن يستقبلها ، كان شابا أربعينيا أنيقا ، أدركت بحسها وذوقها من خلال ربطة عنقه ذات العقدة النظيفة و حسن كي قميصه الابيض ورائحة عطره انه رجل يهتم بهندامه ؛بعد أن قدمت له روقة تعريفها سألها وقدلاحظت تركيز نظره على صدرها وكأنه يتفحص مقاييسه :
السيدة زهرة هل يمكن اخباري بمصدر أموالك ؟
أثارته بسمة مقتضبة منها ، فقال : أسألك لتجيبي لا لتضحكي..
أنيق لكن تنقصه دقة الملاحظة وقراءة من يجلس أمامه ، توهم ضحكتها اغراء أو محاولة لاستدراج ..
قالت وقد سددت اليه نظرات من قوة ذكائها : وأنا مستعدة أن أجيبك بشرط ان تخفف من نظراتك الى صدري .. ظننت الاستدعاء من أجل شيء عاد أما وهو محضر عن مصدر الأموال فهنا يلزمني استدعاء محامي..
احست زهرة باضطراب الرجل من خلال تململه على الكرسي الذي يجلس عليه ، ركز في بطاقتها الوطنية ثم قال:
ـ لم نصل بعد الى هذه المرحلة،
بسرعة داهمته بقولها : سأكون صريحة معك حتى لا اضيع وقتك ووقتي ، وحتى أكفيك كثرة التخمين والتأويل ، وحتى سوء الظن ، فانا لم أحتل يوما منصبا يؤهلني لان أمد يدي لأموال عمومية أو خاصة ، ولم اشتغل يوما في المضاربات العقارية أو التهريب ،ولا دخلت سوق المخدرات بالتعاطي او التجارة ، أول أموالي جمعتها من عملي في متاجر ومكاتب مهن حرة ، ثم من عطايا رجل أحسن الي بعد احسانه لوالدي يمكن أن ازودك بعنوانه ورقم هاتفه اذا شئت ..
أدركت زهرة أن الضابط يتابع حديثها بآذان تنتظر هفوة يلتقطها ليبني عليها اتهاما يمسك برقبتها ، فربما تعمد ألا يكتب شيئا حتى لا تغيب عنه كلمة مما تقول .. تابعت بعد صمت :
ثم جمعت الباقي والكبير.. مرة أخرى تتعمد الصمت لتصدر تنهيدة عميقة تحرق بها صبر الضابط الذي شرع يستعجل ما ستقول ،هي تريد أن يسبقها فيكشف علمه بمصدر أموالها .. تدرك أن ما ماقامت به من تجارة يعد نوعا من تبييض الاموال في شرع القانون، لكن فعلها كان قبل تجريم التسول ..
كم من أموال التسول قد جمدها أصحابها تحت الحصائر والافرشة والوسائد ، وعلى البطون والسيقان ..تضيع هباء ،لا تبيض الا يوم موت اصحابها ..
احست بنفاذ صبره وهو يترقب منها بقية العبارة فقالت :
ـ جمعت الباقي من حرفة التسول ..
استغرب الضابط من اعترافها العفوي ،استغرابه من برودة دمها وهي تكشف عن حرفتها ،فضحكت عيناه في اندهاش وقد قطب ما بين حاجبيه وهو يلتقط عبارتها الأخيرة ..
تابعت : نعم ست سنوات من التسول ، تجارة المذلة والنفس الصغيرة واليد السفلى ...ولكنه مشروع للاثراء السريع ..ومنفعة للوصوليين في هذا الوطن..أليس كذلك ؟
انخرس الضابط امام صراحة زهرة ،، وشجاعة اعترافها عما في نفسها ، ووجد نفسه أمام أنثى من طينة خاصة ،لا تريد أن تخفي حقيقة ، محضر مفتوح لا يواري صغيرة ولا كبيرة أو يزيف حقيقة ، ابهرته بجمالها قدر انبهاره بدقة ملاحظاتها وصراحتها ، ونظرتها الذرائعية للحياة وهذه طينة من البشر قلما صادفها في حياته فجميع من يجلسون اليه يكون لديهم شيء ما يريدون اخفاءه..
انتظرت زهرة أن يقول الضابط شيئا فبادرته : سيدي الكريم ، في الحقيقة أني اتبعت الطريق القبيح والمذل ، طريقة بلوغ النتيجة بقطع النظر عن عواقب الوسيلة لاكتسب قدما راسخة في حياتي ،لكني أؤدي ضرائبي عن آخرها ، وما سبق أن اسأت لاحد ،او سرقت أحدا ،أو دسست سلعة بها عيب مع غيرها لاي كان ، أو تطاولت على ما في يد غيري طمعا او غيرة وحسدا ، فمن هذا الذي قدم بي شكوى حتى اعادني الى ماضي مذلة التسول وأنا أجاهد النفس على محوها من حياتي ...
رفع الضابط راسه اليها وقد وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه ، فهو لم يستدعها رسميا ،وانما وشاية من أخيه الحاج الذي أوهمه أن السيدة ربما تتاجر في الممنوعات ، قال: سيدتي الكريمة أكبرت فيك هذه الشهامة فكل كلمة منك كانت تحفر في نفسي بصدقها وضوحا بلا التواء ..
تنهد وكأنه يحس بندم انسياقه الى استدعائها، تطلع الى وجهها والذي لم تغب عنه سحنة الرضى ثم قال : هل تعرفين السيد حمدون .. ؟
تبسمت وحركت راسها ايجابا ثم قالت : طبعا أعرفه ،هو زوج السيدة المحترمة صاحبة متجر الملابس في الشارع الرئيسي .. وقد سبق ان اشتغلت في متجر زوجته أربع سنوات الى ان عوضها اثر احد سفرياتها ، وبدأ يتحرش بي ، فتركت له المتجر ..ثم رفضت العودة اليه رغم إلحاح صاحبته، فانا ما تعودت أن أنحني لالتقط شيئا سقط مني ..
حرك الضابط راسه بالايجاب وقال : هو من قدم بك شكاية باسم بعض أصحاب المتاجر .. فمتجرك الالكتروني.. قد ضايقهم ..
قالت مستنكرة : ضايقتهم بمتجري الالكتروني !! .. أن لست فراشة في شارع حتى اضايق المتاجر ،لكن ليس غريبا أن يصدر هذا منه ، نفوس تتستر باللحي والجلابيب وفي اعماقها يرتع إبليس .. شكرا سيدي، قم بواجبك وانا مستعدة أن اجلس معه أمام قاضي التحقيق ، وأقف معه في المحاكم ، لان الله تعالى حين يريد أخذ ظالم يزين له سوء أعماله..
قام الضابط من مكانه ،اعاد لها بطاقتها الوطنية ،وشكرها على صراحتها وصدقها فقالت : والمحضر ألا اوقعه ؟ ضحك وقال :انا لم أكتب محضرا ، اصارحك أنا اخو حمدون ، فدعيني اتصرف بما سيرضي ضميري لا عاطفتي ..
تقدمها الى ان فتح لها الباب بنفسه، جدد الاعتذار لها ،ثم ودعها وفي صدره اثر من التقدير بليغ ..
غادرت زهرة مقر الشرطة وهي تخزي نفوسا حقيرة ،تغلغلت فيها ثقافة من عادات تؤمن بالاقوال بلا أفعال وبالمظاهر زي خداع ، ثقافة يرتديها البعض ومنها يشكل نسيجه الفكري ،ومظهره المتناقض بلاخوف من ربه ؛
كما تأسفت لموقف ضابط استغل منصبه ونفوذه لتلبية رغبة اخيه ،
بلا حجة ولادليل ، دون أن يدرك خطورة ما فعل وهو ابن القانون، فغيرها قد يتابعه بشكوى استغلال النفوذ والوظيفة ...
خرجت زهرة الى الشارع وقد تركت مركز الشرطة خلفها وهي تنظر للطريق أمامها ، والى حركت الناس السريعة وكيف يتهافتون على أعمال ينجزونها ،وسعادة يتوسلونها ،كل بطريقته الخاصة ..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف