من روايتي الجديدة
زعودة (09)
عصر الوجع قلب المبروك و هو يتسكع في شوارع أوكسفورد العتيقة ، و قد كانت عيناه مشرئبة صوب تلك المباني المتلاصقة بالأرض المزخرفة بالأبراج و الحدائق ، في تحالف فني بين الطبيعة و إبداعات الإنسان ، إنه يعيش حلما تاريخيا في مدينة خرجت من العصور الوسطى و تواصلت في الاجيال ، لتهزم صورا احتفظ بها من أيام الطفولة في اولاد اعلي ، و ظهور بواذر البلوغ بثانوية الكندي بجيجل و الحي الجامعي نحاس نبيل في قسنطينة ، وكيف كانت النقاشات قائمة حين ذاك عن الهجرة و الهروب من وطن سقطت منه الطموحات شاقوليا نحو نفس الهوة التي ابتلعت أحلام الأجداد ، فجدوة الاستقلال الذي انتزعوه بالأرواح و بثمن غال فقدت تركيزها بالتقادم و الخيانة ، و ابتلعتها الممارسات الرخيصة التي اعقبته ، في خلط الأوراق بطريقة مهينة للواقع و تحديا لجهود الشرفاء في الميلية و جبال الشمال القسنطيني ،
كان المبروك تائها و شاردا ، حين دلف إلى المخمرة و انتشى بقهوة في جوفها المعتم بالمساء ، تلفت في الفراغ و مسحة الحزن تحبس الشرود في وجهه ، قالت له من تركن جسدها على نفس المسافة من حافة التيهه
- مرحبا ،،، أنا السيدة قرينر أستاذة كل اللغات ،،،؟؟ فهي تعزف نفس النغم لنفس الإقاع ، الذي ملأ التوجس قلب أم المبروك يوم ودعته بالدموع ذات صباح خريفي ، و ألحت عليه أن تراه يسند حلم أمه بالوفاء و الصدق من أجل زغودة و انتزاعها من مخالب النسور و الذئاب
أشار إلى صدره المحاصر بالضيق ، الموحش بالغربة ، دلف بيده إلى جيبه كمن يبحث عن شيئ يملء به الفراغ المترامي في المسافات و الشكوك
- أنا ،،، أنا،،، و قد انحبست الكلمات في حلقه،،؟
وبإنجليزية معطوبة فكك شفرة السؤال ، وهمس الجواب
قال لها : حين أخذتني أمي إلي دار الدراوش بالعنصر ، قالوا لها سميه المبروك على اسم جده و دعيه يهيم في أرض الله ، فجده اختطف تفاحة آدم من جبال الديس خلف ظهر المدينة ، وكانت حاملا في شهرها التاسع ، تزوجها عنوة لكسر الشهامة في قلوب أشراف العشيرة ، أنجبت له كسولة ممزوجا بالمذلة و الهوان ، حارب فرنسا و حارب الثورة أيضا ، و هو يحارب الإرهاب اليوم و يتقاضى ثلاث معاشات ، إحداها بالعملة الصعبة من صندوق الإعانات للجيش الفرنسي جراء المساهمة في تصفية الفلاقة في جبل مشاط ،
كانت تسمع له بنهم ، وكان شغوفا بالإستماع ،
.../...
يتبع
شقيف الشقفاوي
زعودة (09)
عصر الوجع قلب المبروك و هو يتسكع في شوارع أوكسفورد العتيقة ، و قد كانت عيناه مشرئبة صوب تلك المباني المتلاصقة بالأرض المزخرفة بالأبراج و الحدائق ، في تحالف فني بين الطبيعة و إبداعات الإنسان ، إنه يعيش حلما تاريخيا في مدينة خرجت من العصور الوسطى و تواصلت في الاجيال ، لتهزم صورا احتفظ بها من أيام الطفولة في اولاد اعلي ، و ظهور بواذر البلوغ بثانوية الكندي بجيجل و الحي الجامعي نحاس نبيل في قسنطينة ، وكيف كانت النقاشات قائمة حين ذاك عن الهجرة و الهروب من وطن سقطت منه الطموحات شاقوليا نحو نفس الهوة التي ابتلعت أحلام الأجداد ، فجدوة الاستقلال الذي انتزعوه بالأرواح و بثمن غال فقدت تركيزها بالتقادم و الخيانة ، و ابتلعتها الممارسات الرخيصة التي اعقبته ، في خلط الأوراق بطريقة مهينة للواقع و تحديا لجهود الشرفاء في الميلية و جبال الشمال القسنطيني ،
كان المبروك تائها و شاردا ، حين دلف إلى المخمرة و انتشى بقهوة في جوفها المعتم بالمساء ، تلفت في الفراغ و مسحة الحزن تحبس الشرود في وجهه ، قالت له من تركن جسدها على نفس المسافة من حافة التيهه
- مرحبا ،،، أنا السيدة قرينر أستاذة كل اللغات ،،،؟؟ فهي تعزف نفس النغم لنفس الإقاع ، الذي ملأ التوجس قلب أم المبروك يوم ودعته بالدموع ذات صباح خريفي ، و ألحت عليه أن تراه يسند حلم أمه بالوفاء و الصدق من أجل زغودة و انتزاعها من مخالب النسور و الذئاب
أشار إلى صدره المحاصر بالضيق ، الموحش بالغربة ، دلف بيده إلى جيبه كمن يبحث عن شيئ يملء به الفراغ المترامي في المسافات و الشكوك
- أنا ،،، أنا،،، و قد انحبست الكلمات في حلقه،،؟
وبإنجليزية معطوبة فكك شفرة السؤال ، وهمس الجواب
قال لها : حين أخذتني أمي إلي دار الدراوش بالعنصر ، قالوا لها سميه المبروك على اسم جده و دعيه يهيم في أرض الله ، فجده اختطف تفاحة آدم من جبال الديس خلف ظهر المدينة ، وكانت حاملا في شهرها التاسع ، تزوجها عنوة لكسر الشهامة في قلوب أشراف العشيرة ، أنجبت له كسولة ممزوجا بالمذلة و الهوان ، حارب فرنسا و حارب الثورة أيضا ، و هو يحارب الإرهاب اليوم و يتقاضى ثلاث معاشات ، إحداها بالعملة الصعبة من صندوق الإعانات للجيش الفرنسي جراء المساهمة في تصفية الفلاقة في جبل مشاط ،
كانت تسمع له بنهم ، وكان شغوفا بالإستماع ،
.../...
يتبع
شقيف الشقفاوي