
قراءة في ديوان الشاعرة خديجة بوعلي " أفول المواجع "
عندما يتحول الألم و الوجع وقودا يلهب مشاعر الشاعر
و يتذفق شلالا من الأشواق و الحنين
بقلم:محمد الصفى:
و نحن نتصفح ديوان " أفول المواجع " للشاعرة خديجة بوعلي تتضح لنا بشكل جلي الهيمنة الذاتية و الموضوعية التي ترتكز عليها الشاعرة من خلال قصائدها ذات النفس الطويل على مستوى الكتابة و سبر أغوارها، من خلال جملة من الكلمات و الرموز التي تستخدمها لإيصال الفكرة، قصائد تمثل خلجات أنثوية رقيقة بامتياز، متجلية في الوجد و الشوق و الحنين و الصفاء العذري، مع استحضار للصورة الذكورية كضرورة حاضرة في شعور الشاعرة ولا شعورها في إطار جدلية إنسانية وجودية، وواقعية، متباينة أساسها الحب والتجاهل، مع عشها للوطن كانتماء و جوهر للهوية، من خلال فضح القذارة التي تلوثه و تجعل مواطنيه تائهين في دوامة الانتظارات . ديوان " أفول المواجع " هو بمثابة لوحة أبدعتها شاعرة مبدعة، رسمتها بمشاعرها الرقيقة و بألوان حروفها المتزنة و مساحات تعبيرية يغلب عليها الأسلوب البسيط و المرن، الذي يجعل المتلقي يهيم في شلال من الأشواق و الحنين النابع من قلب نابض بالحياة و الروح المرهفة بالمشاعر الحساسة التي تتدفق ألما و حزنا.
ولعل أول ما يثير القارئ لأي كتاب هو عنوانه، كونه مفتاح مختلف مكوناته و عوالمه، وعتبة ديوان خديجة بوعلي الموسوم بـ " أفول المواجع" مفتاح نجاحه لأنه بكل بساطة أثار فضولي، بدءا من اللون الذي خط به، اللون الأبيض، لون البراءة والنقاء و الأمل، مما جعلني أشرع في قراءته حال توصلي به، وإذا انتقلنا لمحاورة عتباته نجد أن الشاعرة قد جعلته يتفرع إلى وحدتين دلاليتين، كلمة ( أفول ) التي تشكل قيمة استثنائية لما تحمله من دلالات ترمز للغروب و الزوال، و كلمة ( المواجع ) المضافة للأفول، و هي مواجع تحملها الذات المنهكة، مواجع قد يتقاسمها معها كل من يذوب في ذات شاعرية، وزوالها و أفولها مرتبط بعنوان العزيمة و الإصرار اللذان تتسلح بهما الشاعرة للمواجهة، بغية تحقيق التوازن المرغوب فيه بين طموحات هذه الذات و إحباطات و انكسارات الواقع ولو من خلال الحلم كما عبرت عنه الشاعرة من خلال قصيدة " نكاية في الوجع"
سأراقص الأغصان و الوتر
أطرب ضفاف الحلم
و نوارس البحر
أنظم مع الريح طيب الأمل
سيقاني أفقا بها أحداق الملل
ضفائري
أمشطها بالحب و النغم
يتكون ديوان أفول المواجع من 94 صفحة من الحجم المتوسط، تتخلل محتوياته ثلاثون قصيدة، موزعة بين الحب و الشوق و الحنين المغلف بنوتات الألم التي تواجهها الشاعرة، كروح و ذات، محاولة من خلالها ملامسة مواضيع ترتبط بتيمة الحب في مفهومه الواسع، الذي يحدد جوهر العملية الإبداعية عند الشاعرة خديجة بوعلي، و كقيمة للتشبث بالأمل و الانفراج. على العموم فهذه بعض مضامين القصائد الشعرية في ديوان الشاعرة، التي تختزل مختلف الأسئلة التي تؤرق الذات الشاعرة، وتعكس مواقفها الفكرية ورؤيتها الوجودية، العشق و الذات، العشق و الآخر، العشق و الوطن، إنها ثنائية الألم و الإبداع كما عبر عنها الكاتب و الناقد الجزائري ابراهيم مشارة " وإن كانت ثنائية الألم والإبداع ظاهرة موجودة في كل الكتابات الأدبية، قديما وحديثا، وسيظل الألم هو الطريق إلى ذروة الجلجلة على حد وصف شاعرنا إلياس أبي شبكة، ولكن المشكلة أنه ليس في مقدور أي إنسان أن يخلد معاناته ويؤبد ألمه ويفرض على الزمان اسمه وإبداعه وبذلك ينفلت من هاوية النسيان، فالإبداع في الأصل موهبة لها ملكاتها الفطرية في وجدان صاحبها ويكون الألم عند البعض الوقود الذي يلهب مشاعر الأديب فيسابق الريح ويحرق المراحل ويخلد في شرخ الشباب وفي نضارة الصبا."
إنها الذات المشبعة بالهموم و الآلام، آلام الذات " و الآخر" و آلام الأمة " الوطن العربي"، محولة إياها لسمفونية شعرية تتراقص أوتارها مشكلة لوحات لغوية و تصويرية بالغة الجمال في كل أبعادها الإنسانية و الوطنية و الوجدانية، جاعلة من العشق ذاك البلسم الذي يشفي كل الجراحات، و قد برعت الشاعرة خديجة بوعلي في تطرقها لموضوع الحب و الدفاع عنه معتبرة غياها إكسير و أكسجين و مذاق و طعم الوجود و بدونه لا مكان لكينونة الإنسان لدرجة أنها شبهت في أحلامها محبوبها بالضياء متمنية أن يستمر ذاك الحلم إلى مالا نهاية، تقول في قصيدتها " عفوا "
فأنت نكهة الحياة و لمعان اللون
أنت شلالات تتفتح بها
أسارير الكون
أنت الحب
مذاق الوجود و الطعم
إكسير أنت ...
أكسجين في ذروة الحر
و كما للعشق لذة عند " بوعلي " فله شهقة عذاب مقرونة بموت المشاعر خصوصا عندما يحتد غياب الحبيب، و هو ما استأثر كثيرا على قصائد الديوان، ففي قصيدة " للغياب رنين " نقرأ ذاك الحزن العميق الصادر عن شوق و حنين للحبيب من أعماق الذات الشاعرة، جاعلة من الغياب جسدا فضا أحدث كسرا في هذه الذات " كسرني الغياب/ أجلاني بين الهضاب/ و الوهاد .... كسر مرآتي الغياب/ ..." (1) و تارة نجدها تشبهه بالخريف العاصف الذي يأتي على الأخضر و اليابس من العواطف و الأحاسيس " عم الضباب العين و الفؤاد/ غادرت البلابل الأغصان/ تعطلت عن البوحو الغناء/ هل للربيع عود بعدك؟ / غيابك خريف للأبد " (2)، غياب حرك كل فصولها و تضاريسها و ألهبها نارا تتلظى شوقا و حنينا و رعشة تجوبها طولا و عرضان محولا كل الأشياء الجميلة لمصدر حزن و ألمن غياب يسلب للروح قدرتها على الحياة في ذاتها تاركا لها سوى أحلام متناثرة بأهداب عيونها كنور هادئ و عرشا لأمير روحها الغائب، معلنة له ولائها ورضاها، حين تقول :
أميرا للروح توجتك
بين الهدب و الجفن
أسكنتك
عرشا رصعته بالزمرد
من أجلك
أهل و أهل أنت لذلك (3)
ورغم دروب الألم التي تسبح فيها الذات من غياب و بعد يبقى خيط الأمل معلقا من خلال الأخبار التي تاتيها عنه، أخبار بمثابة معبر أمان و اطمئنان للذات المعلقة بسحر الحبيب و ضياء و شحنة أمل في الحياة و البقاء، كونه بلسما شافيا من كل العلل و الأوضاع، و ربيعا تزهر به روحها ( تنشر نورا يبدد ظلمة / اللوعة و الاحتراق / بلسم أنت لكل الجراح / بك أفلت المواجع / و غادرت كواكب الحياة / سلسبيل أنت / تروي الأماني / و تبرعم المسرات ) (4) لتدخل في حالة تضاد لما عليه بفعل المواجع التي تحاصرها من حين لحين، فرغم الغياب فتذكره بلسم من كل الأوجاع، و هو في نفس الآن موقظ لهذه الأوجاع ( متى تتفتح الأماني / و يملأ عبقها أرجاء روح / مؤثثة بالضياع؟ / متى أستجمع أنفاسا / أذبلها الخريف ) (5)
ويتضمن الديوان مجموعة همسات عاطفية و صور بلاغية تحاكي الذات " الجماعية "، بلغة عبرت من خلالها خديجة بوعلي عن حالات و أوضاع يومية يعيشها المواطن في ظل انتظار إصلاحات لم يكتب لها الانجاز على أرض الواقع، و التي تبقى من أسباب تخلفنا، انتظارات عبرت عنها بالهرم و ووأد الأماني، كما جاء في قصيدتها " عندما تشيخ الأماني " ( هرمنا ... هرمنا / و شاخت أمانينا / ظننا أن التقدم / إلأى الأمام / لا، إلى الخلف / حتما سيؤوينا / هتكت شرائق آمالنا / فما اكتملت/ و لا أنارت عتماتنا ) ليبقى التطلع للغد الأفضل حق مشروع، ( سنظل ننشده / ما حيينا.. )
و في صورة شعرية بليغة المعاني نجد خديجة في غمار الحلم العربي المنشود، و هي تصرخ ( كفى) مما تعانيه الشعوب العربية من استبداد و ظلم و جور و قتل و تعذيب و فقر، لم يعد معها المواطن العربي يشعر بالأمان في موطنه و هو ما عبرت عنه في قصيدة " صدى الوجع":
رمي الأمان بسهام
الغدر ظلما و جورا
هلع... خوف ... وجع
بل خجل
في عيون
كل ذي نخوة
فبكل لغات العالم
كفى!
عموما و على سبيل الختم، فديوان " أفول المواجع " هو تعبير صادق عن أحاسيس مختمرة في الذات العاشقة ( عشق للروح، عشق للآخر، عشق للحياة ) بعمق أنين المواجع و المأساة الإنسانية، وعن الاغتراب الوجودي للإنسان في زحمة أسئلة انطولوجية لدى الشاعرة " خديجة بوعلي " ، محاولة فك خيوطها و الوصول للحقيقة لإزالة حلكة البياض بأسلوب شاعري رقيق يتميز بالتكثيف والاختزال، والمزج بين ضراوة الواقع المعيش و التطلعات للغد الأفضل الذي نشده البشرية جمعاء حيث الحب و الصفاء و الرخاء و العدالة الاجتماعية و الأمن بكل تلاوينه.
مراجع و هوامش:
(1) من قصيدة : للغياب رنين
(2) من قصيدة : للغياب رنين
(3) من قصيدة : أميرا أعلنتك
( 4) من قصيدة : أفول المواجع
(5) من قصيدة : تساؤلات
عندما يتحول الألم و الوجع وقودا يلهب مشاعر الشاعر
و يتذفق شلالا من الأشواق و الحنين
بقلم:محمد الصفى:
و نحن نتصفح ديوان " أفول المواجع " للشاعرة خديجة بوعلي تتضح لنا بشكل جلي الهيمنة الذاتية و الموضوعية التي ترتكز عليها الشاعرة من خلال قصائدها ذات النفس الطويل على مستوى الكتابة و سبر أغوارها، من خلال جملة من الكلمات و الرموز التي تستخدمها لإيصال الفكرة، قصائد تمثل خلجات أنثوية رقيقة بامتياز، متجلية في الوجد و الشوق و الحنين و الصفاء العذري، مع استحضار للصورة الذكورية كضرورة حاضرة في شعور الشاعرة ولا شعورها في إطار جدلية إنسانية وجودية، وواقعية، متباينة أساسها الحب والتجاهل، مع عشها للوطن كانتماء و جوهر للهوية، من خلال فضح القذارة التي تلوثه و تجعل مواطنيه تائهين في دوامة الانتظارات . ديوان " أفول المواجع " هو بمثابة لوحة أبدعتها شاعرة مبدعة، رسمتها بمشاعرها الرقيقة و بألوان حروفها المتزنة و مساحات تعبيرية يغلب عليها الأسلوب البسيط و المرن، الذي يجعل المتلقي يهيم في شلال من الأشواق و الحنين النابع من قلب نابض بالحياة و الروح المرهفة بالمشاعر الحساسة التي تتدفق ألما و حزنا.
ولعل أول ما يثير القارئ لأي كتاب هو عنوانه، كونه مفتاح مختلف مكوناته و عوالمه، وعتبة ديوان خديجة بوعلي الموسوم بـ " أفول المواجع" مفتاح نجاحه لأنه بكل بساطة أثار فضولي، بدءا من اللون الذي خط به، اللون الأبيض، لون البراءة والنقاء و الأمل، مما جعلني أشرع في قراءته حال توصلي به، وإذا انتقلنا لمحاورة عتباته نجد أن الشاعرة قد جعلته يتفرع إلى وحدتين دلاليتين، كلمة ( أفول ) التي تشكل قيمة استثنائية لما تحمله من دلالات ترمز للغروب و الزوال، و كلمة ( المواجع ) المضافة للأفول، و هي مواجع تحملها الذات المنهكة، مواجع قد يتقاسمها معها كل من يذوب في ذات شاعرية، وزوالها و أفولها مرتبط بعنوان العزيمة و الإصرار اللذان تتسلح بهما الشاعرة للمواجهة، بغية تحقيق التوازن المرغوب فيه بين طموحات هذه الذات و إحباطات و انكسارات الواقع ولو من خلال الحلم كما عبرت عنه الشاعرة من خلال قصيدة " نكاية في الوجع"
سأراقص الأغصان و الوتر
أطرب ضفاف الحلم
و نوارس البحر
أنظم مع الريح طيب الأمل
سيقاني أفقا بها أحداق الملل
ضفائري
أمشطها بالحب و النغم
يتكون ديوان أفول المواجع من 94 صفحة من الحجم المتوسط، تتخلل محتوياته ثلاثون قصيدة، موزعة بين الحب و الشوق و الحنين المغلف بنوتات الألم التي تواجهها الشاعرة، كروح و ذات، محاولة من خلالها ملامسة مواضيع ترتبط بتيمة الحب في مفهومه الواسع، الذي يحدد جوهر العملية الإبداعية عند الشاعرة خديجة بوعلي، و كقيمة للتشبث بالأمل و الانفراج. على العموم فهذه بعض مضامين القصائد الشعرية في ديوان الشاعرة، التي تختزل مختلف الأسئلة التي تؤرق الذات الشاعرة، وتعكس مواقفها الفكرية ورؤيتها الوجودية، العشق و الذات، العشق و الآخر، العشق و الوطن، إنها ثنائية الألم و الإبداع كما عبر عنها الكاتب و الناقد الجزائري ابراهيم مشارة " وإن كانت ثنائية الألم والإبداع ظاهرة موجودة في كل الكتابات الأدبية، قديما وحديثا، وسيظل الألم هو الطريق إلى ذروة الجلجلة على حد وصف شاعرنا إلياس أبي شبكة، ولكن المشكلة أنه ليس في مقدور أي إنسان أن يخلد معاناته ويؤبد ألمه ويفرض على الزمان اسمه وإبداعه وبذلك ينفلت من هاوية النسيان، فالإبداع في الأصل موهبة لها ملكاتها الفطرية في وجدان صاحبها ويكون الألم عند البعض الوقود الذي يلهب مشاعر الأديب فيسابق الريح ويحرق المراحل ويخلد في شرخ الشباب وفي نضارة الصبا."
إنها الذات المشبعة بالهموم و الآلام، آلام الذات " و الآخر" و آلام الأمة " الوطن العربي"، محولة إياها لسمفونية شعرية تتراقص أوتارها مشكلة لوحات لغوية و تصويرية بالغة الجمال في كل أبعادها الإنسانية و الوطنية و الوجدانية، جاعلة من العشق ذاك البلسم الذي يشفي كل الجراحات، و قد برعت الشاعرة خديجة بوعلي في تطرقها لموضوع الحب و الدفاع عنه معتبرة غياها إكسير و أكسجين و مذاق و طعم الوجود و بدونه لا مكان لكينونة الإنسان لدرجة أنها شبهت في أحلامها محبوبها بالضياء متمنية أن يستمر ذاك الحلم إلى مالا نهاية، تقول في قصيدتها " عفوا "
فأنت نكهة الحياة و لمعان اللون
أنت شلالات تتفتح بها
أسارير الكون
أنت الحب
مذاق الوجود و الطعم
إكسير أنت ...
أكسجين في ذروة الحر
و كما للعشق لذة عند " بوعلي " فله شهقة عذاب مقرونة بموت المشاعر خصوصا عندما يحتد غياب الحبيب، و هو ما استأثر كثيرا على قصائد الديوان، ففي قصيدة " للغياب رنين " نقرأ ذاك الحزن العميق الصادر عن شوق و حنين للحبيب من أعماق الذات الشاعرة، جاعلة من الغياب جسدا فضا أحدث كسرا في هذه الذات " كسرني الغياب/ أجلاني بين الهضاب/ و الوهاد .... كسر مرآتي الغياب/ ..." (1) و تارة نجدها تشبهه بالخريف العاصف الذي يأتي على الأخضر و اليابس من العواطف و الأحاسيس " عم الضباب العين و الفؤاد/ غادرت البلابل الأغصان/ تعطلت عن البوحو الغناء/ هل للربيع عود بعدك؟ / غيابك خريف للأبد " (2)، غياب حرك كل فصولها و تضاريسها و ألهبها نارا تتلظى شوقا و حنينا و رعشة تجوبها طولا و عرضان محولا كل الأشياء الجميلة لمصدر حزن و ألمن غياب يسلب للروح قدرتها على الحياة في ذاتها تاركا لها سوى أحلام متناثرة بأهداب عيونها كنور هادئ و عرشا لأمير روحها الغائب، معلنة له ولائها ورضاها، حين تقول :
أميرا للروح توجتك
بين الهدب و الجفن
أسكنتك
عرشا رصعته بالزمرد
من أجلك
أهل و أهل أنت لذلك (3)
ورغم دروب الألم التي تسبح فيها الذات من غياب و بعد يبقى خيط الأمل معلقا من خلال الأخبار التي تاتيها عنه، أخبار بمثابة معبر أمان و اطمئنان للذات المعلقة بسحر الحبيب و ضياء و شحنة أمل في الحياة و البقاء، كونه بلسما شافيا من كل العلل و الأوضاع، و ربيعا تزهر به روحها ( تنشر نورا يبدد ظلمة / اللوعة و الاحتراق / بلسم أنت لكل الجراح / بك أفلت المواجع / و غادرت كواكب الحياة / سلسبيل أنت / تروي الأماني / و تبرعم المسرات ) (4) لتدخل في حالة تضاد لما عليه بفعل المواجع التي تحاصرها من حين لحين، فرغم الغياب فتذكره بلسم من كل الأوجاع، و هو في نفس الآن موقظ لهذه الأوجاع ( متى تتفتح الأماني / و يملأ عبقها أرجاء روح / مؤثثة بالضياع؟ / متى أستجمع أنفاسا / أذبلها الخريف ) (5)
ويتضمن الديوان مجموعة همسات عاطفية و صور بلاغية تحاكي الذات " الجماعية "، بلغة عبرت من خلالها خديجة بوعلي عن حالات و أوضاع يومية يعيشها المواطن في ظل انتظار إصلاحات لم يكتب لها الانجاز على أرض الواقع، و التي تبقى من أسباب تخلفنا، انتظارات عبرت عنها بالهرم و ووأد الأماني، كما جاء في قصيدتها " عندما تشيخ الأماني " ( هرمنا ... هرمنا / و شاخت أمانينا / ظننا أن التقدم / إلأى الأمام / لا، إلى الخلف / حتما سيؤوينا / هتكت شرائق آمالنا / فما اكتملت/ و لا أنارت عتماتنا ) ليبقى التطلع للغد الأفضل حق مشروع، ( سنظل ننشده / ما حيينا.. )
و في صورة شعرية بليغة المعاني نجد خديجة في غمار الحلم العربي المنشود، و هي تصرخ ( كفى) مما تعانيه الشعوب العربية من استبداد و ظلم و جور و قتل و تعذيب و فقر، لم يعد معها المواطن العربي يشعر بالأمان في موطنه و هو ما عبرت عنه في قصيدة " صدى الوجع":
رمي الأمان بسهام
الغدر ظلما و جورا
هلع... خوف ... وجع
بل خجل
في عيون
كل ذي نخوة
فبكل لغات العالم
كفى!
عموما و على سبيل الختم، فديوان " أفول المواجع " هو تعبير صادق عن أحاسيس مختمرة في الذات العاشقة ( عشق للروح، عشق للآخر، عشق للحياة ) بعمق أنين المواجع و المأساة الإنسانية، وعن الاغتراب الوجودي للإنسان في زحمة أسئلة انطولوجية لدى الشاعرة " خديجة بوعلي " ، محاولة فك خيوطها و الوصول للحقيقة لإزالة حلكة البياض بأسلوب شاعري رقيق يتميز بالتكثيف والاختزال، والمزج بين ضراوة الواقع المعيش و التطلعات للغد الأفضل الذي نشده البشرية جمعاء حيث الحب و الصفاء و الرخاء و العدالة الاجتماعية و الأمن بكل تلاوينه.
مراجع و هوامش:
(1) من قصيدة : للغياب رنين
(2) من قصيدة : للغياب رنين
(3) من قصيدة : أميرا أعلنتك
( 4) من قصيدة : أفول المواجع
(5) من قصيدة : تساؤلات
