الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إشكالية المنطق بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-04-22
إشكالية المنطق بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
إشكالية المنطق

(عادل بن مليح الأنصاري)

هل هناك علاقة بين التفكير والمنطق ؟
من المؤكد أنها علاقة قوية , كعلاقة العام بالخاص , فالتفكير سلوك عام يشترك به معظم الناس على اختلاف ثقافاتهم وأعمارهم وبيئاتهم , ولكن المنطق هو سلوك خاص يتدخل لتهذيب وكبح جماح التفكير , أو ربما تنقيته من التسرع والرعونة والبعد عن الدقة ومعرفة سلامة النتائج .
ونجد للمنطق تعريفات عدة , وأحدها , أن المنطق هو ( العلم الذي يدرس القواعد العامة للتفكير , الصحيح من جهة , ومن جهة أخرى هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ , وترشده إلى تصحيح أفكاره ) .
ويعتبر أرسطو هو أول من كتب عن المنطق , ثم تطورت الأفكار حول المنطق منذ ذلك الوقت وحتى العصر الحديث , وليس هنا مجال لذكرها , ولكن أحدث الدراسات " أن المنطق هو الذي يبني صدق الحكم على النتائج العملية " , والتفكير كما قلنا سلوك بشري عام يشمل الجميع , ولكن الإنسان بحاجة لقواعد عامة تضعه على المسار الصحيح في عملية التفكير وسلامة النتائج .
وللمنطق في مجال التفكير مجالات هامة تجعل الإنسان المفكر إنسان راقي التفكير ومصدر أمان لمن حوله , فمثلا من بداية اختيار سلامة نطقنا للكلمات ومدلولاتها , والبعد عن تأثير الشهوات والأهواء والدعايات الكاذبة , وحتى نقد الأفكار والنظريات العلمية , فنتبين الخطأ والشذوذ فيها عن طريق تدخل المنطق .
ويجب معرفة أنواع المنطق باختصار لأهمية ذلك , فهو ينقسم لقسمين :
- المنطق الرسمي ( وهو يعبر عن حقائق ثابتة لا جدال فيها , وهو ضروري لأن الاتفاق عليه واسع , ولا يمكن الاستغناء عنه ) .
- المنطق الغير رسمي ( وهو التفكير اليومي العادي للإنسان , والتحليل الشخصي للتفكير ) , وهو ينقسم لقسمين :
- الاستدلال الاستنتاجي , وهو تقسيم العام إلى أفكار متعددة .
- الاستدلال الاستقرائي , وهو عكس الاستنتاجي , وهو الوصول من الأفكار المتعددة استنتاج عام .

انتهينا من موضوع المنطق باختصار شديد , هل من حقنا أن نبحث عن دور المنطق في حياتنا اليومية منذ ظهور علم المنطق على الأقل (أي ما قبل التاريخ) وحتى الآن ؟
فإذا كان المنطق يقود ويتدخل في توجية وتحليل التفكير الإنساني , ويهذبه من الشوائب والتهور والشذوذ , فلماذا تعج أحداث التاريخ البشري بتلك التشوهات والتهورات والشوائب ؟
كوارث البشر منذ قتل ( قابيل لهابيل ) , وحتى عصر (كرونا) والتي أودت بملايين الأرواح , وأفرزت التشرد والفقر والاستبداد والاستعباد , والظلم والقهر والاستعمار , أين المنطق فيها وعنها ؟
أكبر كوارث التاريخ اتخذ قراراتها (علية القوم) من زعماء وساسة وقادة وسياسيين أصحاب قرار ونفوذ , فهل هم يفتقرون للمنطق , أم يمتلكون منطقا خاصا بهم يقود تفكيرهم المليء بالموت والدمار والاستعباد والاستعما لمنطق غريب يؤمنون به ؟
هل يمكن الخروج من حتمية تعريف المنطق كما وضعه الفلاسفة
وهو ( العلم الذي يدرس القواعد العامة للتفكير , الصحيح من جهة , ومن جهة أخرى هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ , وترشده إلى تصحيح أفكاره ) ؟
هل العصمة من الخطأ , والإرشاد إلى صحيح الأفكار يتضمن حروبا عالمية فتكت بملايين البشر ؟
فكل فتوحات وحروب العالم القديم وما تضمنه من قتل ودمار وخراب وهدم لمعالم الحضارة والإنسانية حول العالم (كمكتبات بغداد) يدخل ضمن المنطق؟
هل أطماع وجنون القادة في التاريخ يبرر كل ذلك الموت والدمار فقط لإرضاء رغبة التوسع والجشع وأمراض العظمة ؟
كم من حرب ودمار قام لأسباب (غير منطقية) حتى لعقل السفيه , كم من قرارات اتخذها أفراد وتسببت في كوارث لأمم وأجيال ومجتمعات تفتقر (للمنطق البسيط) ؟
هل نحتاج لأمثلة على ذلك ؟
في تاريخنا العربي مثلا : هل من المنطق أن تقوم حرب لـ40 سنة من أجل قتل ناقة ؟
وهل من المنطق أن تقوم حرب أخرى لنفس المدة من أجل سباق بين حصانين ؟
وفي تاريخنا الحديث يموت 17 مليون إنسان و20 مليون إصابة من أجل قتل شخص وزوجته , نعم هذه الحادثة قشة في تاريخ الصراع العالمي , ولكنها السبب المباشر , فأين المنطق في حل تلك المشكلة بهذا العدد من الضحايا ؟
وهل من المنطق أن يتخذ رجل واحد (هتلر) قرارات الحرب ليكون ضحيته بأكثر من 2.5% من إجمالي عدد سكان الأرض في ذلك الحين ؟
وقس على ذلك الكثير من الأحداث والقرارت قديما وحديثا ومستقبلا .

لو جمعنا هذا الركام الهائل والسجل الضخم لجرائم البشر ونتائج تفكيرهم , هل نجد أي منطق في تلك الأفكار ؟
ما فائدة عبقرية البشر في خلق علم كالمنطق إذا كان لم يمكنهم من كبح جماح فكرة واحدة أدت لكوارث عالمية وضحايا بشرية بالملايين , العالم بالذات اليوم يعج بالفقر والقهر والجوع والتشرد في أماكن كثيرة في العالم , كما يعج بالأثرياء والاقتصاديات الضخمة والموارد الهائلة , ولكن المنطق لم يتدخل لحل تلك المعضلة .
الخلاصة :
أن المنطق فلسفة تقبع في برج عاجي , تُستخدم من قبل البعض للبهرجة الثقافية وربما (السفسطة المحضة) , وهي فلسفة متعالية لم تستطع الأخذ بالتفكير البشري لبر الأمان , ولم توجهه للخير أو تنبهه لمكامن الخطأ , وسيظل البشر يعتمدون على التفكير المجرد ويهرولون خلف نتائجه السطحية , ولن يكون للمنطق الفلسفي دور في تحسين معيشته .
إن كل أحداث اليوم , وفي كل رقعة من العالم تؤكد أن المنطق بعيد جدا عن تفكير أصحاب القرار , ويبدوا أن دور المنطق فقط يكون فاعلا في المدن الفاضلة التي يشيدها بعض الفلاسفة في رؤوسهم فقط .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف