الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بَلَاغَةُ السِّمَاتِ اْلأُسْلُوبِيَةِ فِي النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ، سُورَةُ سَبَإٍ أُنْمُوذَجاً ج2 بقلم: حمزة الوسني

تاريخ النشر : 2020-04-13
بَلَاغَةُ السِّمَاتِ اْلأُسْلُوبِيَةِ فِي النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ، سُورَةُ سَبَإٍ أُنْمُوذَجاً، (الجزء الثاني)
بقلم: حمزة الوسني.

الفصل الثاني (نظري) في الأسلوب القرآني

"أسلوب القرآن ذو بعد حجاجي، وأن الحجاج فيه ناشئ عن .طريقة
له في القول مخصوصة، فضلا عن نشوئه من مضامين هذا القول"
عبد الله صولة: 'الحجاج في القرآن'ص: 53.

سنحاول في هذا الفصل بعون الله الكشف عن مميزات الأسلوب القرآني الفريد، فبعدما حددنا بلاغة الأسلوب بشكل عام، وتوصلنا إلى أن أي وجه أسلوبي إلا ويكون حجاجيا وجماليا في آن واحد وذلك بحسب نوع الخطاب، كانت الأساليب القرآنية أيضا متضمنة في هذا الطرح، لذلك خصصنا هذا الفصل لدراسة طبيعة أسلوب القرآن وبحثنا عن بلاغته في التراث العربي القديم والحديث والمعاصر.

المبحث الأول: خصائص سبكه، وآثارها الإقناعية
أسلوب القرآن الكريم هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختياره للألفاظ، ولا غرابة أن يكون للقرآن أسلوب خاص به، فإن لكل كلام إلهي أو بشري أسلوبه الخاص به، وأساليب المتكلمين وطرائقهم في عرض كلامهم من شعر أو نثر تتعدد بتعدد أشخاصهم، بل تتعدد في الشخص الواحد بتعدد الموضوعات التي يتناولها والفنون التي يعالجها (1) ، ولله المثل الأعلى فالنص القرآني، نزل بأسلوب عربي خالف بذلك كل الرسالات السماوية بل وخالف كل تعبير بشري ليصير بعدها المثل الأعلى في الاشتقاق والاقتباس .

ويمكن رصد خصائص أسلوب القرآن الكريم بشكل عام فيما يلي(2):

فصاحة ألفاظه
إذا تأملنا الخطاب القرآني وجدنا الإبداع ظاهرا في احتوائه أفصح الألفاظ الرائعة المعبرة؛ التي يستحسنها السمع، فأي مفردة منه تناولتها بالفحص وجدت حروفها متآلفة.
فتجد في مفرداته البليغ الرصين؛ الجزل في موطنه، والفصيح القريب اللين في موطنه أيضا، ولو استعرضته كله مرارا وتكرارا ما رأيت فيه البتة لفظا حوشيا موحشا، ولا هجينا مذموما؛ أو ثقيلا كريها مما تنفر منه الطباع المهذبة؛ أو تمجه الأسماع المُرهَفة.

مناسبة الألفاظ للمعاني:
هذه الخصيصة يتفرد بها أسلوب الخطاب القرآني، فربما تخير الألفاظ للمعاني المتداولة يسهل؛ لكن الأمر شاق مع المعنى البارع، وهذا ما نجده مكينا في خطاب القرآن؛ الذي أتى بألفاظ بديعة لمعان جديدة في العقيدة والشريعة.

الدقة في الاختيار:
كل لفظة من ألفاظ الخطاب القرآني تُختار بشكل دقيق؛ لتؤدي المعنى بطريقة بليغة، وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة.
يقول الجاحظ: " وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها، وغيرها أحق بذلك منها. ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الكريم ( الجوع ) إلا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر، والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة. وكذلك ذكر ( المطر)؛ لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام. والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وبين ذكر الغيث (...).
والجاري على أفواه العامة غير ذلك، لا يتفقدون من الألفاظ ما هو أحق بالذكر، وأولى بالاستعمال (... ) والعامة ربما استخفت أقل اللغتين وأضعفهما، وتستعمل ما هو أقل في أصل اللغة استعمالا؛ وتدع ما هو أظهر وأكثر، ولذلك صرنا نجد البيت من الشعر قد سار ولم يسر أجود منه وكذلك المثل السائر ".(3)
فالجاحظ يشير إلى الدقة الشديدة في اختيار ألفاظ الخطاب القرآني؛ لأن المعنى يتغير ويحسن بلفظ، ويصبح رديئا بآخر.

حسن النظم:
فالنظم أكثر ما يشد ويجذب في خطاب القرآن، وبه فاق جميع أنواع الخطاب؛ لأن الكلمة تحسن في موطن وتتألق؛ في حين تظهر شوهاء شنيعة في موقع.

جودة السبك:
تتماسك ألفاظ الخطاب القرآني بشكل يشد بعضها بعضا؛ لتتآخى جرسا وإيقاعا؛ إذ يستحيل الاستغناء عن كلمة من الآيات دون الإخلال بالمعنى؛ لأن الكلمات في القرآن مختارة لمغزى يقصد الخطاب إبلاغه.

دقة الفواصل:
يُذيِّل الخطاب القرآني بفواصل تمنحه طابعا خاصا مميزا، هذه الفواصل ترتبط ارتباطا وثيقا ودقيقا بالمعاني، ولذلك دور عظيم " فالفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، توجب حسن إفهام المعاني(4)"

بعد استعراضنا لخصائص الأسلوب القرآني المتمثلة في فصاحة الألفاظ، مناسبة الألفاظ للمعاني، الدقة في الاختيار، حسن النظم، جودة السبك دقة الفواصل.. سنخصص الحديث الآن عن خصائص سبكه والمتمثلة في :

مسحة أسلوبه اللفظية:
إن مسحة أسلوب القرآن خلابة عجيبة، تتجلى في نظمه الصوتي وجماله اللغوي(5)، وذلك ما يسمح لأي غرض بلاغي أن يستقيم في ظل هذا الجرس الجمالي الذي يحمل التأثير بطريقة عذبة ذات لمسة جمالية.

إرضاؤه العامة والخاصة من المتلقين(6):
أي أن أسلوب القرآن الكريم يراعي المتلقي بجميع أنواعه، فإذا ما سمعه العامة فهموا منه على قدر استعدادهم ما يرضي عقولهم وعواطفهم، وأحسوا جلاله وذاقوا حلاوته، وكذلك الخاصة؛ فإنهم سيفهمون منه بقدر جهدهم وتطلعهم العلمي والثقافي، وهكذا.. وهذا ما لا نجده في أي أسلوب آخر.

إرضاؤه العقل والعاطفة:
-أي الحجاج والجمال-، فلا هو أسلوب يرتبط بعرض الحجج والأدلة فقط، ولا هو يرتبط بالرونقة والجمالية، إنه أسلوب يجمع بين الجمال والحجاج أو يخاطب العقل والعاطفة على حد تعبير الأستاذ عبد العظيم الزرقاني ، أنظر ذلك في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ(6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَٰلِكَ الْخُرُوج (11) ﴾ {سورة: ق.}
إذا تأملناه نجده أسلوبا يمتع ويقنع في آن واحد، حتى في الجملة التي هي بمثابة النتيجة من مقدمات الدليل إذ قال في الآية: ﴿كَذَٰلِكَ الْخُرُوج ﴾ فلا غبار على أن في الآيات جمع بين المحاججة والجمال(7).

جودة سبك أسلوبه وإحكام سرده:
ومعنى هذا أن القرآن مترابط الأجزاء متناسب تناسبا قويا، على حين أنها مؤلفة من حلقات، لكل حلقة منها وحدة مستقلة في نفسها ذات أجزاء، ولكل جزء وضع خاص من الحلقة، ولكل حلقة وضع خاص من السبيكة(7).

براعة أسلوبه في تصريفه القول، وثروته في أفانين الكلام:
بمعنى أوضح فإن أسلوب القرآن يعرض المعنى الواحد بطرق متعددة ومتنوعة، كل منها درجة من المحاججة والإقناع. ومن أراد التفصيل أكثر في هذا فلينظره في محلها(8).
هذا بإجمال ما يمكن تلخيصه من خصائص الأسلوب القرآني بصفة عامة، فهو أسلوب لا يضاهيه أسلوب آخر مهما بلغ منتهى النظم والحبكة، وهذا هو ما يدفعنا لدراسته بقدر ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لكشف بلاغته التي تكنت وتسرت من وراء بديعه وصوره.

المبحث الثاني: البعد الحجاجي والجمالي في أسلوبه

أولا، في التراث العربي القديم:
نزل القرآن الكريم بلغة وأسلوب عربي، يجمع بين اعتباره وسيلة إبلاغية وبين كونه وسيلة معرفية جمالية، نزلت بلسان عربي مبين، والأسلوب المبين هنا يفسر إعجاز القرآن الكريم من خلال علاقة اللغة ببعديها الإبلاغي ، لكن لو تأملنا لحظة وأخذنا كتب البلاغة، وعلوم القرآن، وكتب التفاسير التي انصبت على دراسة النص القرآني قديما، وألقينا عليها نظرة فاحصة لوجدناها تبوئ المكون الجمالي فيه مكانة مرموقة، وتجعل منه الغاية الأساس من نشوء تلك الأساليب البديعية والبيانية في النص القرآني، فلا تكاد تجد -إلا نادرا- مفسرا أو باحثا أو بلاغيا يربط الأسلوب القرآني بغرضه السبيي الذي قيل من أجله، وهذا لا يعني أنهم لم يعوا ذلك إطلاقا أو لم يلحظوه بشكل من الأشكال(9).
فهم لا ينكرون أن القرآن الكريم نصه نص بياني وحجاجي بامتياز، فهو بين كل فينة وأخرى يحاجج الكفار والمشركين، بشتى الوسائل والأساليب، فعمل المفسرون حينها على استخلاص حجاجيته انطلاقا من تصورهم المحكوم بالمنطق وبعلم الجدل فوجدوا في القرآن مقدمات ونتائج فقاموا برصدها واستخراجها. وكيف يغفلون عنه-أي الحجاج- وقد ورد لفظه في النص القرآني عشرين موضعا أو يزيد. لكنهم دائما ما كانوا يتوارون عن ربط مكون الأسلوب بغرضه الحجاجي، ويتوارون عن ذلك، دون أن يعني هذا عدم ملامستهم لذلك أحيانا. ويمكن توضيح ذلك بمثال، وذلك من خلال رد الجاحظ في نص بلاغي على النصارى، الذين أنكروا على القرآن قوله على لسان اليهود: ﴿ يَدُ اللهِ مَغْلُولُةً ﴾ [الآية 64 سورة المائدة]. بتقديم تفسير حجاجي، يقول:
" إن أراد الله الإخبار عن كفر قوم وسخط عليهم، فليس لهم عليه أن يعبر عن دينهم وعيوبهم بأحسن المخارج، ويجليها بأحسن الألفاظ وكيف وهو يريد التنفير عن قولهم وأن يبغضهم إلى من سمع ذلك عنهم.
ولو أراد الله تعالى تليين الأمر وتصغيره وتسهيله لقال قولا غير هذا..." (10)
يظهر جليا كيف أن الجاحظ نظر إلى التعبير المجازي باتصاله مع الموقف التواصلي.
ونجد عبد القاهر الجرجاني والسكاكي يؤكدان ويفصلان القول في المجاز ووظيفته البلاغية، فأي متكلم أو خطيب بحسب رأي الجرجاني عندما يؤلف جملة فمن أجل أن يقرر أمرا أو ينفيه فالمجاز في ذلك ليس مجرد وسيلة تزيينية إضافية، بل هو مكون أساس في بناء ذلك المعنى، وخاصة في القرآن الكريم، فالتشبيه والتمثيل والاستعارة.."أصول كبيرة كان جل محاسن الكلام – إن لم نقل كلها – متفرعة عنها، وراجعة إليها، وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرفاتها وأقطار تحيط بها من جهاتها"(11)
وبهذا المعنى؛ فالجملة المنزاحة عندما تؤدي وظيفة إخبارية فهي تثبت وتنفي، وهي إذ تقوم بالإثبات والنفي فهي تؤدي وظيفة حجاجية. (12)
كما يوضح الجرجاني أن الوظيفة البلاغية للجملة المجازية في القرآن الكريم، أوضح وأقوى في جملة لا يقع فيها الانزياح، " فأما إذا كان المجاز في المثبت كنحو قوله تعالى : ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [سورة فاطر، آية: 9 ]، فإنما كان مأخذه اللغة، لأجل أن طريق المجاز بأن أجرى اسم الحياة على ما ليس بحياة تشبيها وتمثيلا، ثم اشتق منها – وهي في هذا التقدير – الفعل الذي هو أحيا واللغة هي التي اقتضت أن تكون الحياة اسما للصفة التي هي ضد الموت، فإذا تجوز في الاسم فأجرى على غيرها فالحديث مع اللغة فاعرفه"(13)
والسكاكي عندما يعيد النظر في مفهوم المجاز، فليس معنى ذلك أنه يجرده من وظيفته الحجاجية، بل الأصح أنه لا يميل إلى الفصل بين نظام العقل ونظام اللغة، ويجعل المجاز بالخصوص كله لغويا، ووظيفته هي وظيفة حجاجية تتصل بالعقل واللغة والاعتقاد والمشترك بين المتخاطبين. وتتضح هذه الوظيفة الحجاجية عندما يربط بين مفهوم الاستدلال ومفهوم البيان، "فمن أتقن أصلا واحدا في علم البيان كأصل التشبيه والكناية أو الاستعارة ووقف على كيفية مساقه كتحصيل المطلوب به، أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل"(14) فوظيفة البيان إذن بالنسبة له حجاجية، تتعلق بكيفية توظيف وجوه البيان من تشبيه وكناية وغيرهما في سياق تخاطبي معني من أجل تحصيل المطلوب،(15) والبيان أساس النص القرآني وأسلوبه، فكان هو أيضا مندرج ضمن تلك الوظيفة.
وبعبارة أخرى فالتشبيه والكناية والاستعارة وغيرها من وجوه البيان في القرآن الكريم وفي باقي الخطابات بالنسبة للسكاكي هي من مسالك الاستدلال والحجاج، كما يتضح أن الجملة المنزاحة تدعي دعوة، وتثبت أو تنفي أمرا، ووظيفتها بالتالي لا يمكن أن تكون إلا استدلالية حجاجية، وبالمقابل فالاستدلال "ليس عملية عقلية استنباطية محضة، بل عملية خطابية، لذلك قد لا يخرج الاستدلال عن دائرة التشبيه والاستعارة، وبشكل أعم عن دائرة المجاز"(16)
ويؤكد السكاكي على أن الاستدلال البياني أو المجازي أكثر تأثيرا من غيره، فإن أرباب البلاغة وأصحاب الصياغة للمعاني مطبقون على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه، وأن الكناية أوقع من الإفصاح بالذكر -وهكذا..- (17)
وتعود هذه القوة التأثيرية للانزياح في نظرهما إلى أنه لا يؤدي وظيفة حجاجية استدلالية خالصة، أي أنه لا يخاطب في المخاطب عقله وذهنه فحسب، بل يخاطب النفس والانفعال أيضا، ولاشك أن قوة الانزياح أو قيمته تعود عند البلاغي إلى قدرته على التأثير في الوقت نفسه على عقل المخاطب ونفسيته، ولهذا نجد الجرجاني ثم السكاكي بقدر ما يتوسعان في ربط الانزياح بالادعاء والاستدلال بقدر ما يقدمان إشارات كثيرة تفيد تعلقه بالنفس. –أيضا-.(18)
والخلاصة أن القدماء لم يتطرقوا إلى الغرض الحجاجي للأساليب البلاغية، لكنهم لامسوا دورها وإن بشكل من الأشكال، كما أشاروا إلى دورها الكبير في الحجاج والإقناع، كما لاحظنا ذلك عند كل من الجاحظ والجرجاني والسكاكي فإنها من جهة أولى تؤدي وظيفة استدلالية وتتوجه بالأساس إلى عقل المخاطب، ومن جهة ثانية تؤدي وظيفة نفسية، وتستهدف التأثير في نفسية المخاطب، ولا يمكن فصل هذا الرأي بتاتا عن أسلوب القرآن الكريم الذي جاء بمعهود العرب في تصريفه للقول.

ثانيا: في التراث العربي الحديث والمعاصر
فبعد ما أشرنا إلى رأي القدماء الذين وجهوا أسلوب القرآن الكريم وجهة جمالية في معظم الأحيان إن لم نقل كلها، وأن ملامسة بعضهم للبعد الحجاجي كما فعل الجرجاني والسكاكي وابن جني كان محاولة لتفسير مكامن النظم فيه والإعجاز، إلا أن المحدثين أيضا استظلوا –وللأسف- بمظلة 'ما ترك الأولون للاحقين من نظر أو اجتهاد'، وساروا هم أيضا في نفس المنوال يجترون ويعيدون المتن شرحا أو اختصارا أو تعليقا أو عنونة ..لكنّ دراساتهم " على الرغم من (...) -أنها- وجهت البلاغة وجهة جمالية، إلا أن مقاربتها للنص القرآني بما تقوم عليه بلاغته من تلازم بين نزعتي التصوير الجمالي والوظيفة الحجاجية، أملت على بعض الدارسين الإذعان إلى هذه الحقيقة، والإقرار بأن مفهوم البلاغة القرآنية لا يجوز اختزاله في البعد الجمالي الخالص، بل هو بعد يمتزج فيه التصوير والحجاج؛ أي إن النص القرآني بقدر ما يعمل على تصوير الحياة الإنسانية، يتجه أيضا إلى التأثير في مشاعر المتلقي لتغيير سلوكه وأفعاله(...) وفي سياق حديث سيد قطب، وتحليله لتأثير القرآن، أورد مجموعة من الآيات التي تثبت أنه تأثير في الشعور يراد منه إحداث تغيير في المعتقدات والسلوك والأفعال؛ فالذين سمعوا القرآن وتلقوه فاضت دموعهم وبكوا وخشعوا وسجدوا واقشعرت جلودهم ورقت قلوبهم ثم دخلوا الإسلام بعد ذلك)...)وعلى الرغم من أن سيد قطب كان منشغلا بتدبر مكونات التصوير بمفهومه الجمالي، ولم يحرص على صياغة مثل هذا الإطار النظري في تصوره لبلاغة القرآن، إلا أنه لم يكن بعيدا عنه. "(19)
كما يستوقفنا هنا أحد الباحثين المعاصرين، الذين كان له الفضل كل الفضل في كشف لثام هذه الكنز الدفين في النص القرآني بشكل جلي وواضح، والذي ستر وأغفل منذ زمان، فلقد تطرق لهذا القضية بالذات وأولاها اهتمامه، فقام جاهدا دراسة وتتبعا وجهدا ليحاول ربط أسلوب القرآن الكريم بغرضه الحجاجي بصفة خاصة، وأسلوب باقي الخطابات بصفة عامة؛ إنه الدكتور الراحل عبد الله صولة،(20) الذي عمل على إبراز والكشف عن هذا المكون وربطه باستراتيجية اللوجوس وفصل في ذلك تفصيلا طيلة صفحات كتابه الضخم، إلا أنه لم يعن بمكوني الإيتوس والباتوس الباقيين(21)، فهو لم يعن بكل أنواع الحجاج المستخدمة في النص القرآني، كما أنه لم يقدم تفسيرا واضحا "للعلاقة الكامنة بين الأسلوب والحجج، وإن كان منطلقه في تحليل الوجوه الأسلوبية في القرآن صحيحا، إذ يقول إن الأسلوب والحجاج في النص القرآني أمر واحد(22)"
يظهر جليا كيف أن المحدثين أيضا لم يهتموا بالبعد الحجاجي في الوجوه الأسلوبية إلا إذا استثنينا بعد المحاولات والإسهامات القليلة جدا كعمل السيد قطب. لكن مع ذلك فقاطرة الاجتهادات لتغيير زاوية النظر للبلاغة تتقدم لما نرجوه بشكل أكثر جلاء ووضوحا في الوقت المعاصر، خصوصا مع تفتح البلاغيين العرب على الأطروحات الغربية، وخاصة فيما يخص البلاغة الجديدة، وكذلك محاولتهم في تطبيقها وترسيخها على التراث العربي، وخاصة على القرآن الكريم الذي هو مصدر هذا التراث ومحتواه.

خلاصة القسم النظري
وفي نهاية هذا القسم، تنيخ قافلتنا رحالها في ساحة الختام فنقول على سبيل التقرير لا الافتراض: معلوم أن القرآن الكريم أنزل لكافة الناس وللأمة الكونية بشكل كلي بشيرا ونذيرا، فهو يرغب الكافرين في الإيمان بالفوز بالجنة والحياة الناعمة، ويرهبهم من النار إن هم انقادوا إلى أهوائهم واتبعوا شهواتهم. كما أنه يعد المؤمنين بالجزاء الكريم في الآخرة ويأمرهم باتباع شريعة الله التي سطرها الله تعالى لهم مع خالقهم ومع الخلق جميعا. أي إن النص القرآني يسعى إلى إقناع المتلقين فالكافرين منهم بالإيمان بالله وباتباع دينه وأوامره، والمؤمنين بالتمسك بدينهم والحرص على مخالفة الشيطان ووساوسه وإغراءاته، وكل هذا يعرض في قالب أسلوبي متماسك وجمال متناسق، مليء بالصور البلاغية المنزاحة والمنمقة كما رأينا.
إن إعجاز القرآن الكريم يرجع بالدرجة الأولى إلى طريقة نظمه وأساليبه، فهو نص إقناعي يروم التأثير في المتلقين وحملهم على الفعل، من الكفر إلى الإيمان، ومن العصيان إلى التوبة، هذا هو الأسلوب القرآني، جاء ليغير الوضعية، وليس ليكون زخرفا يطرب السامعين في المحافل والمجالس، جاء ليجعل من الكلمة بذرة ناعمة تقذف في القلوب بنعومة وتزيل منه ضره وبؤسه، إنه التأثير بالجمال، والإقناع بالإمتاع، والفعل بالطرب، والجمال في خدمة الحجاج، والإمتاع قافلة سيارة للإقناع، الأسلوب الماتع والأنيق يخلد بمحتواه ويصير متوارثا عبر الأجيال، هكذا هو أسلوب القرآن صمد -بأمر الله- حفظا وقراءة ودراسة وتفسيرا عبر أزمان خلت منذ أن نزل ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾ {سورة:الحجر.}.
فالقارئ أو المحلل المتمعن يجد أن كل هذه الصور أو الأوجه الأسلوبية الموجودة في القرآن، ما استعملت إلا ولغرضها الحجاجي الصرف الذي هو التأثير والإقناع، وما تلك الجمالية التي تنطوي عليها تلك الصور المنزاحة إلا عاملا مساهما لتكون أكثر إقناعا ومحاججة.
إن أساليب وصور القرآن الكريم جاءت محكمة ومحددة تحديدا يعجز المرء عن تصورها، ولا يمكن إلا أن تكون ذات غرض القرآن الأسمى الذي هو التأثير في المتلقين، وحملهم على ترك عبادة الهوى والأصنام، إلى اتباع دين الله والإيمان به وبوحدانيته وبالغيب وغير ذلك من أصول الإسلام والإيمان. وكذلك حض المؤمنين على التوبة واتباع شرعة الله، فأساليبه منصهرة مع هذا الغرض، ومع باقي الأغراض الجزئية الأخرى ومتداخلة معها أيما تداخل، من استعارة وكناية وجناس وغير ذلك... أي إقناع المتلقي عن طريق استمالة تفكيره ومشاعره معا حتى يتقبل قضية ما، وذلك بالأساليب البيانية والصور الجمالية، المنصهرة مع مكونات الخطاب الحجاجي وغرض القرآن بسياقه الكلي والجزئي.
وهنا في الأخير نكون قد قررنا حجاجية الأسلوب في كل الخطابات، سواء الحجاجية منها أو التخييلية، كما دللنا على كون القرآن الكريم خطاب موجه ليقنع المتلقين الكونيين بالدرجة الأولى، وأن أساليبه المحكمة والبليغة متداخلة مع هذا الغرض الأسمى، فهي حجاجية دون شك.

وفيما يأتي في هذا الفصل سأحاول أن أستقرئ بعض السمات الأسلوبية في سورة سبأ، وأدرس وظيفتها الحجاجية كما سلف الحديث عنها.

الفصل الثالث (تطبيقي) الغرض البلاغي لسورة سبإ

لقد شد الأسلوب القرآني منذ نزول الوحي اهتمام العرب، فخر جبابرة البيان صاغرين لبلاغته؛ لأنه كلام الخالق المعجز. كل كلمة فيه لها وقع على النفوس، وكل عبارة تجمع هذه الكلمات تصور لنا معنى كاملا بشكل دقيق.
والحق أقول لا يمكننا تصور مدى تفرد أسلوب الخطاب القرآني إلا بالمعرفة الدقيقة لعلم البلاغة "فالإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خص الله به كتابه من حسن التأليف وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع؛ والاختصار اللطيف إلى غير ذلك من محاسنه؛ التي عجز الخلق عنها؛ لأن البلاغة تُعتبر من أهم وسائل إدراك الإعجاز القرآني، وذلك بأن يتمكن البليغ فيها ويتقنها ويفهم أساليبها وفنونها " . (23)
فأسلوب الخطاب القرآني معجز اتصالا وانفصالا، أما الانفصال: فعباراته الدالة على الحقيقة؛ والمجاز المعبرة بأساليب التشبيه؛ والاستعارة؛ والكناية... أسلوب لين إذا أراده الله كذلك، وعنيف قاصف إن أراده ذلك.
والاتصال: يظهر في طريقة تركيب الجمل المترابطة مع أخواتها، بشكل يجسد مشاهد تختلف من موضع لآخر لا سبيل للبشر بها؛ ولا طاقة لهم في اتباعها؛ أو السير على منوالها . (24)
إنه أسلوب يروم الخطاب مرة بصيغة العموم، وتارة بصيغة الخصوص، ويوجه كلامه تارة للمرسلين؛ وأخـرى للمسلمين؛ والمؤمنين؛ والكافرين؛ والمنافقين...
إن هذا الفصل قد اختص بعرض سورة سبإ والتعرف على موضوعاتها وأغراضها البلاغية الكبرى، وذلك كي يسهل علينا ربط تلك السمات الأسلوبية بهذه الأغراض تداوليا وعمليا في الفصل الأخير ، فأقول مستعينا بعون الله وتوفيقه:

المبحث الأول: بين يديْ السّورة

التعريف بالسورة:
سورة سبأ من السور المكية، التي تهتم بموضوع العقيدة الإسلامية، وتتناول أصول الدين، من إثبات الوحدانية والنبوة والبعث والنشور؛ باستثناء الآية السادسة فإنها مدنيّة، قال تعالى: ﴿ وَيَرَي اَ۬لذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْعِلْمَ اَ۬لذِےٓ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ اَ۬لْحَقَّ وَيَهْدِےٓ إِلَيٰ صِرَٰطِ اِ۬لْعَزِيزِ اِ۬لْحَمِيدِۖ (6) ﴾
عدد آيات السورة أربعةٌ وخمسون آيةً، وهي السورة الرابعة والثلاثون بعد سورة الأحزاب وقبل سورة فاطر في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة لقمان، وتقع في الجزء الثاني والعشرين، والحزبين ثلاثةٌ وأربعون وأربعةٌ وأربعون من المصحف الشريف.

سبب التسمية
سبأ، هذا اسم رجل سميت به الأرض وسمي به المكان الذي كان تقيم فيه عائلةٌ مالكةٌ كان فيها ملوك كالفراعنة، فسُميت السورة باسم تلك المملكة العريقة المعروفة في تاريخ الزمان والتي كان لها شأنٌ وكانت فيها عبرة وآية.﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾. وقد استوطنوا منطقة اليمن فكانوا في نعيمٍ ورخاءٍ واستقرارٍ، إلّا أنّهم عندما كفروا بالله تعالى دمّرهم الله وأرسل عليهم سيل العرم عذاباً لهم ليتّعظَ من يأتي بعدهم.

عرض السورة:

اِ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِے لَهُۥ مَا فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِے اِ۬لَارْضِ وَلَهُ اُ۬لْحَمْدُ فِے اِ۬لَاخِرَةِۖ وَهُوَ اَ۬لْحَكِيمُ اُ۬لْخَبِيرُۖ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِے اِ۬لَارْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ اَ۬لسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ اَ۬لرَّحِيمُ اُ۬لْغَفُورُۖ (2) وَقَالَ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ لَا تَاتِينَا اَ۬لسَّاعَةُۖ قُلْ بَل۪يٰ وَرَبِّے لَتَاتِيَنَّكُمْۖ عَٰلِمُ اُ۬لْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٖ فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِے اِ۬لَارْضِ وَلَآ أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرُ إِلَّا فِے كِتَٰبٖ مُّبِينٖ (3) لِّيَجْزِيَ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِۖ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ (4) وَالذِينَ سَعَوْ فِےٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٞ مِّن رِّجْزٍ اَلِيمٖۖ (5) وَيَرَي اَ۬لذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْعِلْمَ اَ۬لذِےٓ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ اَ۬لْحَقَّ وَيَهْدِےٓ إِلَيٰ صِرَٰطِ اِ۬لْعَزِيزِ اِ۬لْحَمِيدِۖ (6) وَقَالَ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَيٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمُۥٓ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ اِنَّكُمْ لَفِے خَلْقٖ جَدِيدٍۖ (7) اَفْتَر۪يٰ عَلَي اَ۬للَّهِ كَذِباً اَم بِهِۦ جِنَّةُۢۖ بَلِ اِ۬لذِينَ لَا يُومِنُونَ بِالَاخِرَةِ فِے اِ۬لْعَذَابِ وَالضَّلَٰلِ اِ۬لْبَعِيدِۖ (8) أَفَلَمْ يَرَوِاْ اِلَيٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِ وَالَارْضِۖ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ اُ۬لَارْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسْفاٗ مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِۖ انَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبْدٖ مُّنِيبٖۖ (9) ۞وَلَقَدَ اٰتَيْنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضْلاٗ يَٰجِبَالُ أَوِّبِے مَعَهُۥ وَالطَّيْرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ اُ۬لْحَدِيدَ (10) أَنِ اِ۪عْمَلْ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرْ فِے اِ۬لسَّرْدِۖ وَاعْمَلُواْ صَٰلِحاًۖ اِنِّے بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٞۖ (11) وَلِسُلَيْمَٰنَ اَ۬لرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٞ وَرَوَاحُهَا شَهْرٞۖ وَأَسَلْنَا لَهُۥ عَيْنَ اَ۬لْقِطْرِۖ وَمِنَ اَ۬لْجِنِّ مَنْ يَّعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِۦۖ وَمَنْ يَّزِغْ مِنْهُمْ عَنَ اَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ اِ۬لسَّعِيرِۖ (12) يَعْمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَالْجَوَابِۦ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۖ اِ۪عْمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْراٗۖ وَقَلِيلٞ مِّنْ عِبَادِيَ اَ۬لشَّكُورُۖ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ اِ۬لْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَيٰ مَوْتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ اُ۬لَارْضِ تَاكُلُ مِنسَاتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ اِ۬لْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ اَ۬لْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِے اِ۬لْعَذَابِ اِ۬لْمُهِينِۖ (14) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٖ فِے مَسَٰكِنِهِمُۥٓ ءَايَةٞۖ جَنَّتَٰنِ عَنْ يَّمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُۥۖ بَلْدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞۖ (15) فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ اَ۬لْعَرِمِ وَبَدَّلْنَٰهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيُ ا۟كْلٍ خَمْطٖ وَأَثْلٖ وَشَےْءٖ مِّن سِدْرٖ قَلِيلٖۖ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلْ يُجَٰز۪يٰٓ إِلَّا اَ۬لْكَفُورُۖ (17) ۞وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اَ۬لْقُرَي اَ۬لتِے بَٰرَكْنَا فِيهَا قُريٗ ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرْنَا فِيهَا اَ۬لسَّيْرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً اٰمِنِينَۖ (18) فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْف۪ارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَٰهُمُۥٓ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍۖ اِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٖ شَكُورٖۖ (19) وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمُۥٓ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاٗ مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَۖ (20) وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَٰنٍ اِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُّومِنُ بِالَاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِے شَكّٖۖ وَرَبُّكَ عَلَيٰ كُلِّ شَےْءٍ حَفِيظٞۖ (21) قُلُ اُ۟دْعُواْ اُ۬لذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اِ۬للَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٖ فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِے اِ۬لَارْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٖ وَمَا لَهُۥ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٖۖ (22) وَلَا تَنفَعُ اُ۬لشَفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنَ اَذِنَ لَهُۥۖ حَتَّيٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ اُ۬لْحَقَّۖ وَهُوَ اَ۬لْعَلِيُّ اُ۬لْكَبِيرُۖ (23) ۞قُلْ مَنْ يَّرْزُقُكُم مِّنَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ قُلِ اِ۬للَّهُۖ وَإِنَّآ أَوِ اِيَّاكُمْ لَعَلَيٰ هُديً اَوْ فِے ضَلَٰلٖ مُّبِينٖۖ (24) قُل لَّا تُسْـَٔلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْـَٔلُ عَمَّا تَعْمَلُونَۖ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ اَ۬لْفَتَّاحُ اُ۬لْعَلِيمُۖ (26) قُلَ اَرُونِيَ اَ۬لذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِۦ شُرَكَآءَ كَلَّاۖ بَلْ هُوَ اَ۬للَّهُ اُ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْحَكِيمُۖ (27) وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيراٗ وَنَذِيراٗ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ (28) وَيَقُولُونَ مَت۪يٰ هَٰذَا اَ۬لْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَۖ (29) قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٖ لَّا تَسْتَٰخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةٗ وَلَا تَسْتَقْدِمُونَۖ (30) وَقَالَ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّومِنَ بِهَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانِ وَلَا بِالذِے بَيْنَ يَدَيْهِۖ وَلَوْ تَر۪يٰٓ إِذِ اِ۬لظَّٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمُۥٓ إِلَيٰ بَعْضٍ اِ۬لْقَوْلَۖ يَقُولُ اُ۬لذِينَ اَ۟سْتُضْعِفُواْ لِلذِينَ اَ۪سْتَكْبَرُواْ لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُومِنِينَۖ (31) قَالَ اَ۬لذِينَ اَ۪سْتَكْبَرُواْ لِلذِينَ اَ۟سْتُضْعِفُوٓاْ أَنَحْنُ صَدَدْنَٰكُمْ عَنِ اِ۬لْهُد۪يٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَۖ (32) وَقَالَ اَ۬لذِينَ اَ۟سْتُضْعِفُواْ لِلذِينَ اَ۪سْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ اُ۬ليْلِ وَالنَّه۪ارِ إِذْ تَامُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُۥٓ أَندَاداٗۖ وَأَسَرُّواْ اُ۬لنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ اُ۬لْعَذَابَۖ وَجَعَلْنَا اَ۬لَاغْلَٰلَ فِےٓ أَعْنَاقِ اِ۬لذِينَ كَفَرُواْۖ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ (33) وَمَآ أَرْسَلْنَا فِے قَرْيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ اِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَۖ (34 (وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَٰلاٗ وَأَوْلَٰداٗ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَۖ 35) )قُلِ اِنَّ رَبِّے يَبْسُطُ اُ۬لرِّزْقَ لِمَنْ يَّشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ (36) ۞وَمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُم بِالتِے تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْف۪يٰٓ إِلَّا مَنَ اٰمَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحاٗ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ اُ۬لضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِے اِ۬لْغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَۖ (37) وَالذِينَ يَسْعَوْنَ فِےٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ فِے اِ۬لْعَذَابِ مُحْضَرُونَۖ (38) قُلِ اِنَّ رَبِّے يَبْسُطُ اُ۬لرِّزْقَ لِمَنْ يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ لَهُۥۖ وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَےْءٖ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيْرُ اُ۬لرَّٰزِقِينَۖ (39) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاٗ ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ ايَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَۖ (40) قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ اَ۬لْجِنَّۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّومِنُونَۖ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٖ نَّفْعاٗ وَلَا ضَرّاٗ وَنَقُولُ لِلذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ اَ۬لنّ۪ارِ اِ۬لتِے كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَۖ (42) وَإِذَا تُتْل۪يٰ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَنْ يَّصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٞ مُّفْتَريٗۖ وَقَالَ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمُۥٓ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٞ مُّبِينٞۖ (43) وَمَآ ءَاتَيْنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدْرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٖۖ (44) وَكَذَّبَ اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَٰهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِےۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِۦۖ (45) ۞قُلِ اِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ اَن تَقُومُواْ لِلهِ مَثْن۪يٰ وَفُرَٰد۪يٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۖ مَا بِصَٰحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۖ اِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيْنَ يَدَےْ عَذَابٖ شَدِيدٖۖ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنَ اَجْرٖ فَهُوَ لَكُمُۥٓۖ إِنَ اَجْرِيَ إِلَّا عَلَي اَ۬للَّهِۖ وَهُوَ عَلَيٰ كُلِّ شَےْءٖ شَهِيدٞۖ (47) قُلِ اِنَّ رَبِّے يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّٰمُ اُ۬لْغُيُوبِۖ (48) قُلْ جَآءَ اَ۬لْحَقُّ وَمَا يُبْدِۓُ اُ۬لْبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُۖ (49) قُلِ اِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَيٰ نَفْسِےۖ وَإِنِ اِ۪هْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِےٓ إِلَيَّ رَبِّيَۖ إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيبٞۖ (50) وَلَوْ تَر۪يٰٓ إِذْ فَزِعُواْ فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖۖ (51) وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنّ۪يٰ لَهُمُ اُ۬لتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ (52) وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبْلُۖ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖۖ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِے شَكّٖ مُّرِيبٍۖ(54(


بعدما عرفنا بسورة سبإ وإن بشكل مقتضب، وعرضنا كل ما يحيط بها خارجيا، من مناسبتها وعدد آياتها وتسميتها... ننتقل الآن إلى طرق مواضيعها ومقاصدها والتي تشكل الغرض البلاغي منها فنقول:

المبحث الثاني: الغرض البلاغي لسورة سبإ

موضوعات السورة:
أتت سورة سبأ العظيمة على ذكر العديد من الموضوعات المهمّة، والتي تَعني كل الناس؛ لما لها من أثرٍ كبير على حياتهم، كما تناولت في أجزاء منها موضوع نعم الله تعالى، التي قد يغفل عنها الكثيرون، ممّا قد يؤدّي إلى خسارتهم في الدنيا والآخرة؛ إن لم يتداركوا أنفسهم:
- فابتدأت السورة الكريمة بتمجيد الله جل وعلا ، الذي أبدع الخلق ، وأحكم شئون العالم، ودبر الكون بحكمته ، فهو الخالق المبدع الحكيم ، الذي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وهذا من أعظم البراهين على وحدانية رب العالمين ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَتِ وَمَا فِي الَارْضِ..﴾ الآيات.
- وتحدثت السورة عن قضية هامة ، هي إنكار المشركين للآخرة، وتكذيبهم بالبعث بعد الموت، فأمرت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم، على وقوع المعاد، بعد فناء الأجساد، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَاتِينَا السَّاعَةُ..﴾ الآية.
- وتناولت السورة قصص بعض الرسل ، فذكرت " داوود " وولده " سليمان " عليهما السلام، وما سخر الله لهما من أنواع النعم، كتسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير، والجبال تسبح مع " داوود " إظهارا لفضل الله عليهما في ذلك العطاء الواسع ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا..﴾ الآيات.
- وتناولت السورة بعض شبهات المشركين ، حول رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين ، ففندتها بالحجة الدامغة، والبرهان الساطع ، كما أقامت الأدلة والبراهين على وجود الله ووحدانيته ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ اِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)﴾ الآيات.
- وختمت السورة بدعوة المشركين إلى الإيمان بالواحد القهار ، الذي بيده تدبير أمور الخلق أجمعين ﴿ قُلْ اِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ.. ﴾ الآيات.

مقاصد السورة
المقاصد الكلية التي تضمنتها السورة هي موضوعات العقيدة الرئيسة: توحيد الله، والإيمان بالوحي، والاعتقاد بالبعث.. وتفاصيل ما تضمنته السورة من مقاصد وفق التالي:

- إبطال قواعد الشرك:
وأعظمها إشراك آلهة مع الله، وإنكار البعث، فابتدأ سبحانه السورة بدليل على انفراده تعالى بالإلهية، ونفي الإلهية عن الأصنام، ونفي أن تكون الأصنام شفعاء لعبادها.
- التركيز الأكبر في السورة على قضية البعث والجزاء.
- إثبات إحاطة علم الله بما في السماوات وما في الأرض: فما يخبر به فهو واقع، ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.
- - إثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم: فيما أخبر به، وصدق ما جاء به القرآن، وأن القرآن شهد به علماء أهل الكتاب.
- إلزام الحجة على منكري النبوة.
- بيان معجزات داود وسليمان عليهما السلام.
- تقرير سنة من سنن الله في عباده:
وهي أن النعم التي يمنحها الله عباده، إنما تدوم بشكر المنعم، وشكر المنعم إنما يكون بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والاهتداء بهديه، وأن النعم تتحول إلى نقم وهلاك، إذا أعرض الإنسان عن هدي ربه، بفعله ما نهى الله عنه، وتركه ما أمره الله به، وسلوكه سبيل المفسدين والمكذبين والضالين، كما حصل مع قوم سبأ.
- تهديد المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركة من قبل:
وأن جَعْلَهم لله شركاء كفران لنعمة الخالق؛ فضرب لهم المثل بمن شكروا نعمة الله واتقوه، فأوتوا خير الدنيا والآخرة، وسخرت لهم الخيرات مثل داود وسليمان، وبمن كفروا بالله فسلطت عليه البلايا في الدنيا، وأعد لهم العذاب في الآخرة مثل سبأ.
- التحذير من تغرير الشيطان، وأنه عدو للإنسان.
- بيان أن الإيمان والعمل الصالح -لا الأموال ولا الأولاد- هما قِوام الحكم والجزاء عند الله.
- بيان أنه ما من قوة في الأرض ولا في السماء تعصم من بطش الله، وما من شفاعة عنده إلا بإذنه.
- وعد المنفقين والمصدقين بالإخلاف.
- تبشير المؤمنين بالنعيم المقيم.
- بيان أن العودة إلى الحياة بعد الممات لتدارك ما فات أمر محال.
إن هذه الموضوعات وهذه المقاصد الكبرى التي قامت عليها سورة سبإ، لتمثل الغرض البلاغي للسمات الأسلوبية كما سنرى في الفصل الآتي.


الثبت البيبليوغرافي:
1. محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، المكتبة العصرية، ج:2، ص:277
2. د. عبدالله علمي، سمات الخطاب القرآني: دراسة في الأسلوب، الألوكة الشرعية، رابط الموضوع
3. البيان والتبين، الجاحظ، ج1/ص: 40.
4. الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1/ص: 53.
5. نفسه، ص: 283.
6. نفسه، ص: 287.
7. المرجع السابق نفسه، ص: 287.
8. نفسه، ص: 289.
9. نفسه، ص: 291.
10. محمد مشبال،في بلاغة الحجاج، ص:316.
11. رسائل الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ج:3، ص: 346.
12. عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، شرح وتعليق وتحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي وعبد العزيز شرف، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1411ه/ 1991 م، ص: 26.

13. حسن المودن: حجاجية المجاز والاستعارة، مقال ضمن كتاب: الحجاج مفهومه ومجالاته، ج 3، ص: 156
14. الجرجاني: أسرار البلاغة، مصدر سابق، ص : 345.
15. السكاكي أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي, مفتاح العلوم , تحقيق:نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، ط:2 , 1042 ه/ 1132 م، ص: 435.
16. حسن المودن، مرجع سابق، ص: 158.
17. حبيب أعراب، الحجاج والاستدلال الحجاجي، عناصر استقصاء نظري، مقال ضمن كتاب: الحجاج مفهومه ومجالاته، دراسات نظرية وتطبيقية في البلاغة الجديدة، ط:1، ص: 43.
18. السكاكي: مفتاح العلوم، مصدرسابق، ص: 412.
19. حبيب أعراب، الحجاج و الاستدلال الحجاجي، مرجع سابق، ص:161.
20. محمد مشبال، البلاغة والأدب، ص: 100-101.
21. الدكتور عبد الله صولة، صاحب كتاب: 'الحجاج في القرآن، من خلال أهم خصائصه الأسلوبية' الذي كان أطروحة لدكتورته التي ناقشها بكلية الآداب بمنوبة سنة: 2001، وقد بين طيلة صفحاته أسلوب القرآن الكريم الحجاجي، وكيف أمكن أن يكون حجاجيا.
22. ويمكن الإشارة إلى عمل محمد مشبال الذي سد ما رآه ثغرة في كتاب صولة، فربط مكون الأسلوب القرآني بالإيتوس ، فانطلق من هذه التساؤلات "كيف يبني المتكلم في النص القرآني صورة لفظية لذاته؟ وكيف يسهم الأسلوب في هذا البناء بحيث يستمد جزءا من تشكيله لصفات المتكلم؟ " كما عالج إيتوس الذات الإلاهية بحذر شديد، وربطه بالوجوه الأسلوبية دون أن يمس العقيدة الإسلامية أو يخرق أصلا من أصول الدين الإسلامي، ووضع له تقنياته الخاصة في التحليل لكي يتجنب ما يشين البحث الرصين، وذلك ضمن كتابه: 'في بلاغة الحجاج'، والكتاب الذي أشرف عليه 'بلاغة الخطاب الديني'.
23. الصناعتين، أبو الهلال العسكري، ص: 167.
24. أضواء بلاغية على جزء الذاريات، عبد القادر حسين، ص: 4.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف