الشعر في مواجهة كورونا
زمن كورونا.. زمن الشعر؟
د. محمد عبدالله القواسمة
بدأ فيروس كورونا مؤثرًا قويًا في كل نواحي الحياة، وفاعلًا رئيسًا على الساحة العالمية، منذ ظهوره في ووهان الصينية وامتداده إلى بلاد العالم، فحصد كثيرًا من الأرواح، ونشر الرعب والخوف في الناس، وألزمهم بيوتهم في حالة لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلًا، فلا غرابة أن يكون لكل إنسان وسيلته في التصدي لهذا الفيروس اللعين. ولعل من أهم هذه الوسائل لجوء كثيرين إلى الشعر دون غيره من الأجناس الإبداعية. ولم يكن هذا اللجوء خاصًا بالشعراء وحدهم بل بغيرهم أيضًا من سياسيين واقتصاديين ومفكرين وعلماء نفس واجتماع...
وتجلى اللجوء إلى الشعر في النشاطات المختلفة التي غُصت بها منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ومن هذه النشاطات: تكوين التجمعات، وإقامة الندوات واللقاءات الشعرية، وإعداد مقاطع الفيديو بقصائد متنوعة، والإعلان عن المسابقات الشعرية وبخاصة للأطفال الذين لزموا البيوت، وانقطعوا عن المدارس والمراكز التعليمية بسبب الحجر البيتي. وأقبل كثيرون حتى ممن لم يكونوا يومًا شعراء إلى الحديث عن الشعر والشعراء، ونظم القصائد ونشرها إلكترونيًا.
لا شك في أن اللجوء إلى الشعر في هذه المرحلة يعود إلى أسباب كثيرة، تتمحور في الميزات الخاصة للشعر من ناحية، وطبيعة النفس البشرية من ناحية أخرى؛ فالشعر هو الفن الجميل الذي يثير الجمال في النفس، ويحث على مواجهة المصائب، ويبعث الأمل في الانتصار عليها، كما أنه يخفف الهموم، ويشرح الصدور، وينقي الوجدان من شوائب العاطفة، ويغري بالخير ويدفع إليه. وهو لا يحتاج من المتلقي إلى جهد كبير في فهمه وحفظه، كما أن الشاعر لا ينتظر انتهاء الحدث أو مرور مدة على حدوثه حتى يكتب عنه بل إنه قد يتأثر بما يجري أمامه فيفيض قلبه في الحال شعرًا، بخلاف الروائي فيحتاج إلى مدة طويلة قد تطول شهورًا وربما سنين على انقضاء الحدث حتى يتناوله بالكتابة.
أما بالنسبة إلى طبيعة النفس البشرية فهي في أوقات الأزمات والمصائب والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما يحدث في هذا الزمن الكوروني العجيب، تلجأ إلى من تأمل بأن يعينها أو يخلصها مما هي فيه من كآبة وحزن، فتجد أمامها الفن، وبخاصة الشعر أداة مهمة من أدوات المقاومة والاحتمال. فإذا كان فيروس كورونا يلتصق بالعين أو الفم أو الأنف؛ ليمر إلى الرئتين، ويميت الإنسان فإن الشعر يلتصق بالقلب مباشرة؛ لينعش الروح، ويعزز جهاز المناعة لدى لإنسان، ليبقى على قيد الحياة.
ويحضرنا في هذا المقام ما جرى في مقر المفوضية الأوروبية ببروكسل، حين أنهى ايريك مامير المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي مؤتمره الصحفي، في خضم الاحتفال بيوم الشعر العالمي، بمقطع باللغة الإنكليزية من قصيدة للشاعرة الأمريكية ايميلي ديكنسن يتحدث عن المقاومة والأمل؛ وذلك لرفع معنويات الذين أصيبوا بجائحة كورونا أو عانوا من جرائها. وكان مامير نفسه قد أنهى مؤتمرًا سابقًا بمقطع من قصيدة" الربيع" للشاعر الفرنسي فيكتور هيغو، يتحدث عما يوحيه الربيع من الحب والفرح والأمل؛ ليخفف أيضًا من الأوجاع النفسية التي استبدت بالناس في ظل إجراءات العزل التي نفذت في معظم الدول الأوروبية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
لعل هذه التحولات التي شهدتها الحياة الإنسانية بفعل فيروس كورونا المستجد، أعادت إلى الشعر أهميته، وأظهرت دوره في المحافظة على الروح الإنسانية من الانكسار في معركة الصمود أمام الكوارث التي أحدثها هذا الفيروس اللعين. هل نستطيع القول في غمار التحولات التي نالت جوانب حياتنا المختلفة، بعودة الشعر ليتبوأ المكانة التي فقدها في العقود الماضية لصالح الرواية؟ هل نستطيع القول بأن هذا الزمن الذي ظهرت فيه كورونا هو زمن الشعر لا زمن الرواية؟
ربما..
[email protected]
زمن كورونا.. زمن الشعر؟
د. محمد عبدالله القواسمة
بدأ فيروس كورونا مؤثرًا قويًا في كل نواحي الحياة، وفاعلًا رئيسًا على الساحة العالمية، منذ ظهوره في ووهان الصينية وامتداده إلى بلاد العالم، فحصد كثيرًا من الأرواح، ونشر الرعب والخوف في الناس، وألزمهم بيوتهم في حالة لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلًا، فلا غرابة أن يكون لكل إنسان وسيلته في التصدي لهذا الفيروس اللعين. ولعل من أهم هذه الوسائل لجوء كثيرين إلى الشعر دون غيره من الأجناس الإبداعية. ولم يكن هذا اللجوء خاصًا بالشعراء وحدهم بل بغيرهم أيضًا من سياسيين واقتصاديين ومفكرين وعلماء نفس واجتماع...
وتجلى اللجوء إلى الشعر في النشاطات المختلفة التي غُصت بها منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ومن هذه النشاطات: تكوين التجمعات، وإقامة الندوات واللقاءات الشعرية، وإعداد مقاطع الفيديو بقصائد متنوعة، والإعلان عن المسابقات الشعرية وبخاصة للأطفال الذين لزموا البيوت، وانقطعوا عن المدارس والمراكز التعليمية بسبب الحجر البيتي. وأقبل كثيرون حتى ممن لم يكونوا يومًا شعراء إلى الحديث عن الشعر والشعراء، ونظم القصائد ونشرها إلكترونيًا.
لا شك في أن اللجوء إلى الشعر في هذه المرحلة يعود إلى أسباب كثيرة، تتمحور في الميزات الخاصة للشعر من ناحية، وطبيعة النفس البشرية من ناحية أخرى؛ فالشعر هو الفن الجميل الذي يثير الجمال في النفس، ويحث على مواجهة المصائب، ويبعث الأمل في الانتصار عليها، كما أنه يخفف الهموم، ويشرح الصدور، وينقي الوجدان من شوائب العاطفة، ويغري بالخير ويدفع إليه. وهو لا يحتاج من المتلقي إلى جهد كبير في فهمه وحفظه، كما أن الشاعر لا ينتظر انتهاء الحدث أو مرور مدة على حدوثه حتى يكتب عنه بل إنه قد يتأثر بما يجري أمامه فيفيض قلبه في الحال شعرًا، بخلاف الروائي فيحتاج إلى مدة طويلة قد تطول شهورًا وربما سنين على انقضاء الحدث حتى يتناوله بالكتابة.
أما بالنسبة إلى طبيعة النفس البشرية فهي في أوقات الأزمات والمصائب والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما يحدث في هذا الزمن الكوروني العجيب، تلجأ إلى من تأمل بأن يعينها أو يخلصها مما هي فيه من كآبة وحزن، فتجد أمامها الفن، وبخاصة الشعر أداة مهمة من أدوات المقاومة والاحتمال. فإذا كان فيروس كورونا يلتصق بالعين أو الفم أو الأنف؛ ليمر إلى الرئتين، ويميت الإنسان فإن الشعر يلتصق بالقلب مباشرة؛ لينعش الروح، ويعزز جهاز المناعة لدى لإنسان، ليبقى على قيد الحياة.
ويحضرنا في هذا المقام ما جرى في مقر المفوضية الأوروبية ببروكسل، حين أنهى ايريك مامير المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي مؤتمره الصحفي، في خضم الاحتفال بيوم الشعر العالمي، بمقطع باللغة الإنكليزية من قصيدة للشاعرة الأمريكية ايميلي ديكنسن يتحدث عن المقاومة والأمل؛ وذلك لرفع معنويات الذين أصيبوا بجائحة كورونا أو عانوا من جرائها. وكان مامير نفسه قد أنهى مؤتمرًا سابقًا بمقطع من قصيدة" الربيع" للشاعر الفرنسي فيكتور هيغو، يتحدث عما يوحيه الربيع من الحب والفرح والأمل؛ ليخفف أيضًا من الأوجاع النفسية التي استبدت بالناس في ظل إجراءات العزل التي نفذت في معظم الدول الأوروبية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
لعل هذه التحولات التي شهدتها الحياة الإنسانية بفعل فيروس كورونا المستجد، أعادت إلى الشعر أهميته، وأظهرت دوره في المحافظة على الروح الإنسانية من الانكسار في معركة الصمود أمام الكوارث التي أحدثها هذا الفيروس اللعين. هل نستطيع القول في غمار التحولات التي نالت جوانب حياتنا المختلفة، بعودة الشعر ليتبوأ المكانة التي فقدها في العقود الماضية لصالح الرواية؟ هل نستطيع القول بأن هذا الزمن الذي ظهرت فيه كورونا هو زمن الشعر لا زمن الرواية؟
ربما..
[email protected]