الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حكم زيارة المسجد الأقصى في ظلال الاحتلال بقلم: د. سامي عطا الجيتاوي

تاريخ النشر : 2020-04-10
حكم زيارة المسجد الأقصى في ظلال الاحتلال - المؤيدون لزيارة الأقصى في ظلال الاحتلال : (الحلقة السادسة )
1- الدكتور تيسير التميمي: قاضي القضاة السابق في السلطة الفلسطينية :
بين وقت وآخر تثير مسألة دعوة الأمة من العرب والمسلمين إلى زيارة مدينة القدس المحتلة جدلاً واسعاً بين أبنائها ، فمن مؤيد إلى معارض ، ومن موجب ومحلل إلى محرم ، ولتوضيح هذه المسألة أقول :
إن هذه الزيارة ـ شأنها شأن كل عمل يصدر عن المسلم ـ قد تكون حلالاً وقد تكون حراماً ، فقد تكون تطبيعاً مع الاحتلال واعترافاً بهيمنته عليها ، وشرعنة لمحاولاته تهويدها ، وطمس معالمها العربية والإسلامية ، وتغيير هويتها ، وقد تكون رباطاً في سبيل الله ، ودعماً لصمود أهلها ، وتكثيراً لسوادهم ، وتكثيفاً للحضور العربي والإسلامي فيها ، ودفاعاً عن مسجدها الأسير وشداً للرحال إليه ، فالأمر أولاً منوط بنية الزائر ، ثم بما سيصدر عنه من تصرفات وأعمال أثناء الزيارة .
ومن المعلوم أن الفتوى الشرعية ليست مجرد إبداء رأي فقهي ، بل هي إنزال الحكم الشرعي على الواقع ، ومن هذا المنطلق ينبغي علينا قبل الإفتاء بتحريم زيارة القدس ، أن نشخص واقعها ونعرفه ونتفهمه وندرسه جيداً ، وأن نعرف سلوك زائرها ووجهته وماذا سيفعل فيها .
أما عن واقع القدس فكما هو معلوم وملحوظ ومشهود لمن يتابع الأحداث والأخبار فهي معزولة الآن تماماً عن محيطها الفلسطيني ، بجدار الفصل العنصري والحواجز العسكرية والمعابر الحدودية التي وضعتها سلطات الاحتلال على مداخلها ، وهناك منع دائم لأبناء الضفة الغربية والقرى المجاورة للقدس دخولها والصلاة في مسجدها ، بل حتى المجاورون للمسجد الأقصى المبارك من المقدسيين يمنعون دخوله ممن تقل أعمارهم عن الخمسين ، وفي مقابل ذلك تقتحم الجماعات اليهودية المتطرفة المدعومة من جيش الاحتلال ساحات المسجد يومياً وتقيم صلواتها التلمودية فيها .
كما أن مدينة القدس المحتلة تعتمد في اقتصادها على الفلسطينيين الذين يأتون للتسوق من أسواقها فهم شرايين الحياة فيها ، وحينما تقطع هذه الشرايين عن القلب فالنتيجة الحتمية هي موتها . يضاف إلى ذلك الإعلانات المستمرة والصريحة من قبل المسؤولين الإسرائيليين عن مشاريع صهيونية ممنهجة ومتسارعة لإسكان اليهود اليمينيين وغلاة المستوطنين ، مكان أبناء القدس الأصليين بعد طردهم منها ، وفي بيوتهم المصادرة ، وعلى أراضيهم التي تقام فيها البؤر الاستيطانية .
فهل نترك القدس لقمة سائغة للمحتلين الغاصبين ، أم نفعّل ما أمرنا به - صلى الله عليه وسلم - بقوله: { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى } رواه مسلم ، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد صلى فيه أصلاً بكل الأنبياء والمرسلين ليلة الإسراء والمعراج قبل الفتح الإسلامي لها في عهد عمر بن الخطاب ، أفلا نتأسى به !
لذا فإنني أناشد مجدداً سائر من يتمكن من أبناء هذه الأمة حكاماً ومسؤولين وشعوباً جماعات وأفراداً أن يستجيبوا لأمر حبيبهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشدوا رحالهم إلى المسجد الأقصى المبارك ، أن يتوجهوا إلى المدينة المقدسة بنية الرباط فيها : فلْيصلِّ المسلمون في مسجدها ، وليصلِّ المسيحيون في كنيستها ، وأناشدهم مؤازرة أهلها ودعم صمودهم بالشراء من حوانيتهم وأسواقهم العربية ، والمبيت في فنادقهم العربية ، إنعاشاً لاقتصادها ، وليتمكن المقدسيون من مواجهة حملات التطهير العرقي والعنصري التي تمارس ضد مدينتهم ، وليتجولوا في أزقتها وحواريها وشوارعها ، وليزوروا آثارها وعمائرها التاريخية ، وليتعرفوا على معالمها الدينية والحضارية ، وأن يطلعوا على معاناة أهلها وإجراءات تهويدها وانتهاكات حرمة مسجدها ، فهذا من أقوى صور الحفاظ على وجهها ومشهدها العربي والإسلامي ، وليفشلوا محاولات تهويدها . كما أدعو أغنياء الأمة ورجال أعمال لإقامة مشاريع استثمارية على أرضها وإنشاء الأوقاف لصالحها ، فثري يهودي واحد يدعى مسكوفيتش دعم الاستيطان اليهودي في القدس بمئات ملايين الدولارات من ماله الخاص ، وخصوصاً مستوطنة رأس العامود في القدس .
فإذا منعت سلطات الاحتلال الغاشمة أهل القدس وأهل الضفة الغربية وأهل قطاع غزة دخولها ودخول مسجدها رغماً عنهم ، وإذا تخلت الأمة بمحض إرادتها واختيارها عن القدس وعن أهلها فمن لهم ! وكيف سيواجهون هذه المخططات وإجراءات التهجير القسري وحدهم بصدور عارية وبلا نصير من بني جلدتهم ! وأنى لهم أن يثبتوا على تراب وطنهم وأرضهم ويرابطوا فيها !
أما تحريم زيارة القدس باعتبارها تطبيعاً مع الاحتلال ، ففي رأيي أنه اجتهاد خاطئ ومجانب للصواب ، ودعوة مريحة للاحتلال وداعمة لأهدافه السياسية ، لأن القدس في هذه الحالة سوف لن يبقى فيها ـ على ضوء ما ذكرت من إجراءات التهويد والتطهير العرقي ـ إلا اليهود ، والمشروع الصهيوني المخطط له أن يكون عدد السكان اليهود في القدس عام 2020م مليون يهودي ، فكيف سنحفظ الوجود الإسلامي والعربي فيها ! والبقية الباقية من أهلها العرب الأصليين بمن ستقوى ظهورهم وصدورهم !
كما أن حصر جواز زيارتها في الفلسطينيين وحدهم تجريد لقضيتها من عمقها العربي والإسلامي ، وهذا مما سيضعفها على المستوى العالمي . فمدينة القدس ليست للفلسطينيين وحدهم ، وإنما هي للأمة ، لأنها جزء من عقيدتها ودينها بنص القرآن الكريم ، قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (الإسراء: 1 )، فهي عنوان عزتها وكرامتها ، كما أن لها بعداً عالمياً لما تضم من كنوز حضارية وتراث إنساني ، لذا تعمل إسرائيل على مصادرتها وطمسها وتهويدها وإلغائها . ففي كل يوم تصدر قراراتها بهدم المباني والعمائر التاريخية في القدس ، وأعلن مسؤولوها في أكثر من مناسبة عن المخطط الصهيوني الرامي إلى تهويد الحوض المقدس والبلدة القديمة التي تضم كل التراث الإنساني : المسجد الأقصى المبارك ، وكنيسة القيامة ، والعمائر والمباني التاريخية ، وهي تعمل على تنفيذ ذلك بشكل كامل لتحويله إلى مدينة يهودية مقدسة ، وتخطط لاستحضار عشرة ملايين سائح لإطلاعهم على الحضارة والكنس اليهودية على أنقاض المقدسات الحضارة الإسلامية كذباً وزوراً وتزييفاً للحقائق التاريخية والدينية .
ولي أن أتساءل : سبق أن وقعت القدس قبل قرون تحت احتلال الفرنجة لسنوات وعقود طويلة ، فأين فتاوى العلماء بتحريم زيارتها على المسلمين ، كان فيها العز بن عبد السلام سلطان العلماء ، وأبو حامد الغزالي حجة الإسلام ، وابن تيمية شيخ الإسلام ، فهؤلاء أعلام في العلم والفتوى والجهاد بالكلمة وغيرها في تاريخ الأمة الإسلامية ، زاروها ولم يقولوا ـ من خلال ما علمت وقرأت واطَّلعت ـ بأنهم لن يدخلوا القدس ما دامت تحت حراب الاحتلال الصليبي ، بل على العكس من ذلك ، فهذا أبو حامد الغزالي دخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي من باب الأسباط فرأى 360 حلقة علم في ساحات المسجد الأقصى المبارك فبكى لانخفاض مستوى إقبال الناس على العلم .
وخضعت الجزائر للاحتلال الفرنسي أكثر من 130 عاماً ، ولم نسمع أحداً من العلماء حرم دخولها على غير الجزائريين بسبب احتلالها ، ومثلها مصر والشام وغيرها من بلاد العرب والمسلمين التي خضعت للاحتلال الفرنسي أو البريطاني أو الإيطالي .
إن زيارة مدينة القدس المباركة يمكن أن تكون تطبيعاً إذا كانت ذهاباً إلى المحتلين بهدف عقد اتفاقيات تجارية أو استثمارية أو اقتصادية أو سياحية معهم والمبيت في غنادفهم والتسوق من أسواقهم والتنزه في شواطئهم ، أما زيارتها كمسلمين للصلاة في المسجد الأقصى المبارك وبنية الاعتكاف والرباط فيه ودعم صمود أهل القدس فهذا واجب مفروض على كل من يستطيعه ، فالقدس تضيع من بين أيدينا ، وأصبحت مستباحة لليهود وللغرباء ، فهل نحرمها على أبنائها وعلى المسلمين والمسيحيين !
فالقدس في وضع خطير للغاية ، فالحفريات على قدم وساق تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك تسببت بانهيارات في ساحاته ، وتصدعات في أعمدته وجدرانه وبالأخص الجدارين الجنوبي والشرقي ، حتى الأتربة والصخور التي يقوم عليها أزالتها إسرائيل وفتحت شبكة من الأنفاق أسفله فأصبح الآن معلّقاً في الهواء ، وتراهن إسرائيل على هزة أرضية أو زلزال ليهدم تلقائياً فتقيم الهيكل مكانه ، واستولت على مفاتيح باب المغاربة منذ عام 1967م ، ومن يومها لم يسمح لنا بالمطلق أن ندخل منه أو أن نمر عبره ، وهدمت الطريق المؤدي إليه وأنشأت مكانه جسراً خشبياً ، وتخطط لإقامة جسر أكبر يستوعب دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وآلافاً من الجنود والمستوطنين ، وآلافا من الجماعات اليهودية ليدخلوا إلى المسجد الأقصى المبارك في الوقت الذي يريدون ، وسبق لها قبل عامين أن حاصرت المعتكفين فيه بهدف ارتكاب مجزرة في ساحاته ومن ثم الدخول إليه لتقتل وتعتقل من كان فيه .
جميع الفلسطينيين الآن يمنعون الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ، ولا يوجد مكان عبادة في العالم مسجد أو كنيسة أو غيرهما يحدد أعمار من يسمح لهم بدخوله والصلاة فيه ، لا يوجد مكان عبادة في العالم يعتقل المصلي حينما يأتي للصلاة فيه إلا المسجد الأقصى المبارك ، فإسرائيل تسعى لقطع الصلة بين القدس وبين كافة المسلمين والمسيحيين لتحكم السيطرة عليه ولتستفرد به لتنفذ مخططاتها ضده بعيداً عن أنظار العرب والمسلمين والعالم ، فينبغي ألاَّ نكون عوناً لها في تحقيق ذلك .وإذا كان دخول العرب والمسلمين القدس المباركة حراماً فما حكم زيارتهم أقاربهم في سائر المدن الفلسطينية ؟ هل هي حرام لأنها تتم بتأشيرات وقرارات وتصاريح من الاحتلال ؟ هل يصل الأمر إلى تقطيع الأرحام وصلات القربى وحرمان الفلسطينيين من قدوم أهليهم وذويهم إليهم !
لكل ذلك أقول : إنه يجب إن كان هناك فتوى بالتحريم إعادة النظر فيها ، وهذا من باب الأخذ بفقه الأولويات ، ولا ننسى القاعدة الفقهية " لا ينكر تغير الفتوى بتغير الزمان " بل حتى ولا بتغير المكان والإنسان والأحوال . 2-الدكتورمحمود الهباش،وزير الأوقاف السابق في السلطة الفلسطينية :
انتقد وزير الأوقاف في السلطة الفلسطينية محمود الهباش الفتوى التي أصدرها رئيس اتحاد علماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي بتحريم زيارة القدس لغير الفلسطينيين، زاعمًا أن الفتوى "خاطئة"؛ لأنها تقدم خدمة مجانية للاحتلال الذي يريد عزل القدس.
وأكد الشيخ القرضاوي أن من حق الفلسطينيين وحدهم دخول القدس، أما غيرُهم فلا يجوز أن يدخلوها تحت مظلة العلم "الإسرائيلي".
وقال للصحافيين خلال مشاركته في افتتاح مؤتمر نجدة القدس قبل يومين: إن تحريم زيارة غير الفلسطينيين للقدس يأتي "كونه يضفي شرعية على كيان غاصب لأراضي المسلمين، ويجبر على التعامل مع سفارة العدو للحصول على تأشيرة منها".
وجاءت فتوى القرضاوي ردًّا على الدعوة التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للعرب والمسلمين لزيارة القدس في مؤتمر القدس الدولي الذي اختتم أعماله في العاصمة القطرية الدوحة.
ودعا الهباش في بيان صحافي اليوم الثلاثاء الشيخ يوسف القرضاوي إلى التراجع عن فتواه التي يحرم فيها على غير الفلسطينيين زيارة القدس، معتبرًا أن "هذه الفتوى الخاطئة تخالف صريح القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فضلاً عن أنها تقدم خدمة مجانية للاحتلال "الإسرائيلي" الذي يريد عزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي والإسلامي، ولا يرغب برؤية أي وجود عربي أو إسلامي في القدس، ويضع كل العراقيل والعقبات أمام وصول الفلسطينيين والعرب والمسلمين و"المسيحيين" إلى مقدسات المدينة، ويعمل في الوقت نفسه على تكثيف الوجود اليهودي لتهويد المدينة المقدسة والاستيلاء على مقدساتها".
ورأى الهباش أن "زيارة القدس هي فريضة شرعية وضرورة سياسية، وأنها حق مشروع لجميع المسلمين و"المسيحيين"، وواجب مقدس على المسلمين بنص صحيح السنة النبوية المشرفة".
وأضاف أنه "لم يثبت أن أحدًا من علماء المسلمين قد أفتى بمثل هذه الفتوى العجيبة، حتى في فترات الاحتلال الأجنبي للمدينة المقدسة، سواء في زمن الصليبيين أو التتار أو الإنجليز، كما أن الأمر النبوي بزيارة القدس والأقصى هو أمر عام في جميع الأوقات والأحوال والظروف، وليس خاصًّا بوقت أو ظرف دون آخر، فضلاً عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر بذلك لم يكن المسجد الأقصى في يد المسلمين، بل في يد الحكم الروماني، ولو كانت زيارته خاصة بوقت دون آخر، لبينها القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة"، حسب قوله.
واعتبر الهباش أن "زيارة المسلمين للقدس حتى وهي تحت الاحتلال تتشابه مع زيارة النبي
- صلى الله عليه وسلم - للمسجد الحرام بعد صلح الحديبية وهو تحت حكم المشركين، والأصنام تنتشر بالعشرات داخل الكعبة المشرفة وحولها، ولم يقل أحد بأن ذلك كان تطبيعًا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين، أو اعترافًا بشرعية حكمهم لمكة المكرمة، بل كان ذلك تأكيدًا لحقه في المسجد الحرام" وفق قوله.
ودعا الهباش كل الذين يفتون بتحريم زيارة القدس إلى "أن يتقوا الله فيما يقولون، وألا يكونوا عونًا لـ"إسرائيل" على القدس وأهلها المرابطين الذين يتطلعون إلى تواصل كل أبناء الأمة معهم لدعم صمودهم وتعزيز بقائهم في مدينتهم"، وأكد أنه "مستعد لمواجهة ومناظرة أي شخص بالحجة والبينة والدليل الشرعي، وكذلك بالرؤية السياسية القائمة على حفظ مصالح الأمة وحقوقها، خاصة في فلسطين والقدس"، على حد تعبيره.
3- الشيخ محمد الأمين أكتوشني الشنقيطي :
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم وبعد :
فالجدل الذي أثارته زيارة الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري للقدس لا يخلو أن يكون منشؤه سياسيا أو يكون شرعيا؛ فإن كان سياسيا وفرضنا أن هذه الزيارة غير صواب فما كنت أتوقع أن الأمر يستحق أن تصل فيه هذه الضجة إلى ما وصلت إليه ، فالرجل ليس من رجالات السياسة حتى يشنع هذا الخطأ في حقه؛ إذ الخطأ إنما ينبغي أن يشنع في حق أهل ميدان نوعه : فكما لا يشنع عادة في حق السياسيين خطؤهم في حكم شرعي ، كذلك لا ينبغي أن يشنع على رجال الدين خطؤهم في السياسة، مع أن للزيارة مسوغات سياسية مقنعة في رأيي ورأي كثيرين.
وإن كان منشأ الجدل المذكور شرعيا – وهو ما يوحي به كون حملة لوائه لهم انتماءاتهم الدينية المرموقة، وهو أيضا اللائق أن تقوم فيه ضجة على داعية إسلامي بحجم الحبيب الجفري ، فإني سأعرض فيه على حضرات السادة متزعمي هذه الحملة ، شبها بدا لي في رأيي المتواضع أنها كانت كفيلة بأن تدرأ هذه الضجة عن الحبيب الجفري في الزيارة المذكورة ، ليبينوا لي هل أنا موفق في هذا العرض أم لا ؟ :
أولا : لا شك أن مما لا ينكره المعارضون للزيارة ، أن شد الرحال لزيارة بيت المقدس والصلاة فيه أمر ثابت مرغب فيه بالأحاديث الصحيحة الصريحة التي تضيق هذه العجالة عن سردها، وهم أعرف بها مني، وإذا كان الأمر كذلك ، فالأصل مشروعيتها ومدعي خلاف ذلك ، عليه أن يبين ما ذا عمل مع هذه الأحاديث فهل نسخت – والنسخ لا يقع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم – أو أولت ، أو عارضها ما هو أقوى منها، عليه أن يبين أي ذلك وقع معضدا بنصوص من المتقدمين من فقهاء وشراح حديث. خاصة وأن كثيرا من مشنعي هذه الزيارة – وليس كلهم – تعودنا منهم أنهم لا يولون اهتماما لكلام العلماء، وإنما الحجة عندهم فيما قال الله ، أو قال رسوله ، وبأسانيدهم الخاصة ، لا فيما علمه الذين يستنبطونه منهم.
أما التعلل بأن الزيارة تطبيع ، أو أنها لا تصب في مصلحة القدس ، أو أنها تخالف فتاوي معاصرة فلم يتضح لي – وقد يكون لقصور باعي - أن أيا من هذه الثلاثة يصلح لمعارضة النصوص؛ فالتطبيع مصطلح سياسي معاصر، لم نجد له ذكرا في كتب التعريفات لا عند الجرجاني ولا غيره حتى نعرف فيه رأي المتقدمين الذين هم أعرف منا بتفسيرات النصوص ، هل يصلح أن يكون مخصصا أو مقيدا لأحاديث الباب.
وأما كون الزيارة مخالفة للمصلحة ، فالمصلحة هنا إذا تنزلنا نقول أقوى حالاتها أن تكون من المصالح المرسلة التي شدد إمام الحرمين الجويني النكير على الإمام مالك في اعتبارها، مع أنها لم يخل مذهب من اعتبارها ، شاء أم أبى ، ولا شك أن كثيرا من الفروع الفقهية في مختلف المذاهب كانت هي مدركه. ولا شك أن حسن الظن بالسادة الأفاضل المعارضين للزيارة يقتضي أنهم إنما عارضوها حمية للدين، وغيرة على القدس ، وأنهم يرونها مخالفة للمصلحة، لكن الذي يظهر أن هذه المصلحة لا تصل حتى لأن تكون مرسلة فيصح التعليل بها عند من يعتبر المصالح المرسلة؛ إذ الوصف المرسل في اصطلاح الأصوليين هو ما لم يشهد له شرع باعتبار ولا بإلغاء، بل الواضح أنه من باب الوصف الغريب الذي علمه الشارع وألغاه ، والذي أطبق الأصوليون على أنه لا يعلل به ولذلك أجمعوا هم والفقهاء على تخطئة يحيى بن يحيى الليثى تلميذ مالك حين اعتبره في فتوى أفتى بها حاكم الأندلس إذ ذاك في واقعة مشهورة مليئة بها الكتب.
وأيضا، التعليل به يقدح فيه بالقادح المسمى عند الأصوليين بفساد الاعتبار الذي هو عبارة عن مخالفة القياس، أو التعليل لنص أو إجماع.
وأما الاستناد لفتاوى معاصرة ، فمع احترامنا لمن صدرت منهم ، وحسن ظننا بهم، أنهم إنما أرادوا إظهار الحق ، وقالوا ما أداهم إليه اجتهادهم ، نقول إنها إذا غضضنا النظر عن مخالفتها للنصوص معارضة بمثلها، فإننا نعرف علماء حقا أجلاء قطعا لا يقصرون عن مثل مصدريها ، يرون أن هذه الفتاوى ليست مصيبة ، وأن القدس لا ينبغي أن تترك لليهود لوحدهم.
ثانيا : أن احتلال الكفار لبلد من بلاد المسلمين ليس أمرا طارئا بل لا يكاد يخلو منه زمن ، ومن أشهر وقائعه احتلال الروم لبيت المقدس ، الذي دام ما بين عامي 492 و 583 هـ ولم نجد في كتب التاريخ ولا في كتب الفقه والنوازل ولم يفدنا به منتقدو الزيارة أن فقيها كائنا من كان أفتى بعدم جواز دخول هذه البلاد ما دامت محتلة ، هذا مع حرص الفقهاء على البحث في حكم كل واقعة نزلت ، بل كثيرا ما يفترضون وقوع غير واقع ويبحثون حكمه. ولا شك أنه لو وقع مثل هذه الفتاوي على مر عصور الفقه الإسلامية لنقل إلينا؛ إذ الكتب تنقل ما هو أقل أهمية من هذا من غث وسمين.
ثالثا : أنني أرى أن احتجاج الحبيب الجفري على مشروعية زيارته هذه للقدس بزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكة في عمرة القضاء ، ومكة إذ ذاك تحت حكم قريش احتجاج في محله. وإذا كان بعض ممن يكتب على صفحة التواصل الاجتماعي قد سخر من هذا الاحتجاج ، ووجه سؤالا للحبيب الجفري يقول له : فهل أنت صالحت اليهود لتدخل عليهم كما صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة ؟ فأقول له إن المسلمين حين خروجهم من المدينة متوجهين لمكة بنية العمرة ومعهم هديهم لم يكن إذ ذاك بينهم صلح مع قريش وإنما الصلح الذي جرى في الحديبية الذي يشير إليه هذا الكاتب أمر جر إليه الواقع ، لما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قريشا خرجوا ومعهم العوذ المطافيل ، وقد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أن لا يدخل عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أبدا. فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث لهم الرسل – ومنهم سيدنا عثمان بن عفان – يبين لهم أنه إنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته ، يريد منهم أن يتركوه والمسلمين يعتمرون ، ولم تزل الرسل بينه وبينهم تترى حتى جاء سهيل بن عمرو وعقد معه الصلح المذكور ، الذي كان من ضمنه أنه يرجع عنهم هذا العام ، ويخرج عنه قريش العام القادم لمدة ثلاثة أيام حتى يعتمر هو وأصحابه. ولا شك أن سلطة قريش على مكة حينها غير شرعية لكنها واقع لا بد من التعامل معه ، وهذا ما يخطر بخلدي أن أسأل السادة العلماء فيه سؤال جاهل مسترشد هل يمكن أن يستأنس به للتأشيرة التي دندن حولها الكثيرون التي هي – والحمد لله – لم تكن.
وإذا كان بعض الكتاب اعترف بضرورة زيارة المسلمين دائما للقدس لكن ليس بحجم شخصية مثل الحبيب الجفري إذ زيارة مثل هذه الشخصية دعم للاحتلال فأقول له: أتدري من زائر مكة في عمرة القضاء ؟
رابعا : لقد شكك الدكتور أسامة الأشقر في استدلال الحبيب الجفري بزيارة الإمام الغزالي لبيت المقدس وهو إذ ذاك محتل، وقال بالحرف "ولم أجد أحدا من أهل العلم ذكر ما قاله الشيخ الجفري وإلا فليأتنا ببيان ذلك" فأقول له : إن الذي يظهر أن ما قاله الحبيب الجفري صحيح فإن الشيرازي في طبقات الفقهاء( ) وقاضي شهبة في طبقات الشافعية( ) ذكرا أن الغزالي بعد ما حج رجع إلى دمشق ، ومكث عشر سنين بمنارة الجامع ، وصنف فيها كتبا منها الأحياء، ثم سار إلى القدس والأسكندرية. وقد ذكر السبكي في طبقات الشافعية الكبرى( ) ، ومعاصره نجم الدين الطرسوسي في ( ) أن حجه كان عام 488 هـ ، ومعروف أن احتلال القدس كان عام 492 فإذا حسبنا السنين العشر من بعد عام الحج حتى ولو لم نحسب ما يأخذه السفر إلى دمشق من الوقت سيكون زار القدس على أقرب تقدير عام 498 وهو قطعا بعد الاحتلال. وهذه المدة قد تفهم أيضا من الطرسوسي حيث قال إن الغزالي رجع بعده من ( الحج ) إلى دمشق ثم سار إلى بيت المقدس بعد ما بنى مدرسة ورباطا في مسقط رأسه.
بل ذكر عبد الحي الحنبلي ( ) ما هو صريح في ذلك ولفظه " ( فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين فحج ورجع إلى دمشق ، واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع ، وصنف فيها كتبا يقال إن الإحياء منها ثم سار إلى القدس والإسكندرية")
ولو فرضنا أن الغزالي لم يزر بيت المقدس أيام احتلاله فقد زاره في هذه المدة أبو المظفر السمعاني الذي لا يقل جلالة عن الغزالي والذي ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ( ) بما نصه :
( الإمام الحافظ الكبير الأوحد الثقة ، محدث خراسان أبو سعد عبد الكريم بن الإمام الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن العلامة مفتي خراسان ، أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي السمعاني الخراساني المروزي، صاحب المصنفات الكثيرة ، ولد بمرو في شعبان سنة ست وخمس مئة زار القدس والخليل وهما بأيدي الفرنج تحيل وخاطر في ذلك، وما تهيأ ذلك للسلفي ولا لابن عساكر.كما زارها أيضا المحدث أبو المظفر سعيد بن سهل المشهور ب"الفلكي" بعد ما أخذ له نور الدين محمود زنكي الإذن من الإفرنج.) ذكر ذلك ابن أبي جرادة في بغية الطلب في تاريخ حلب( ) والصفدي في الوافي بالوفيات ( )
وفي الختام أقول: إننا جميعا كلما كان مطلبنا الحق لا نبالي على يد من ظهر، وطهرت نفوسنا من الأحقاد والضغائن وشهوة الغلبة كلما ضاقت الفجوة بيننا. ويرحم الله الشافعي حيث يقول "ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ...اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..
4- الدكتور الشيخ علي جمعة ، مفتي جمهورية مصر العربية السابق:
غضبٌ عارم ضد "خطيئة" المفتي المصري السابق : علي جمعة فى حق القدس .. والمطالبة بإقالته ، فقد تواصل الغضب العارم ضد زيارة مفتي جمهورية مصر العربية لمدينة القدس المحتلة التي وصفها البعض بـ"الخطيئة" وزيارة "الخزي والعار" ووصلت ردود الفعل الغضبة إلى حد المطالبة بإقالته الشيخ علي جمعة فور عودته..
قال الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر خلال حديثه مع قناة الجزيرة مباشر : إنه وبشكل شخصي يرفض زيارة القدس وهي تحت الاحتلال معلنا أن الأزهر سيعقد اجتماعه لمناقشة ذلك وإن مجمع البحوث الإسلامية سيتخذ موقفا في ذلك الأمر معربا عن دهشته مما فعله فضيلة مفتي الديار المصرية مشيرا إلى أن فضيلته لم يستشر شيخ الأزهر في ذلك .
وأضاف عزب أن قضية زيارة القدس تحت الاحتلال هي قضية خلافية تعليقا على تصريح مفتي القدس بأن زيارة القدس هي مساندة للشعب الفلسطيني ، وأكد عزب أن الأزهر حريص على نصرة القضية الفلسطينية وعلى نصر القدس والمقدسيين.
وأكد دكتور أسامة ياسين الأمين العام المساعد لحزب الحرية والعدالة ورئيس لجنة الشباب بمجلس الشعب رفض الحزب بشكل قاطع للزيارة مهما كانت المبررات والأسباب، مؤكدا أنها تمثل كارثة حقيقية وضربة موجهة للجهاد الوطني الذي نجح في إفشال كل محاولات التطبيع طوال السنوات الماضية.
وأشار ياسين إلي أن النظام السابق الذي كان يتمتع بعلاقات متينة مع قادة إسرائيل قد فشل في فرض التطبيع علي الشعب المصري، وبالتالي فإنه ليس مقبولا أن تحدث مثل هذه الزيارة بعد الثورة التي شهدت توافقا بين الموقف الشعبي والرسمي الرافضين لوجود أي علاقات مع الكيان الإسرائيلي – على حد تصريحه – طالما استمر الاحتلال والاستيطان وحصار غزة .
وأوضح الأمين المساعد أن مفتي الديار المصرية عندما ذهب للمسجد الأقصى مخالفا في ذلك كل الفتاوى الصادرة من علماء المسلمين ومن بينهم الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، لم يكن يمثل نفسه، وإنما يمثل أحد المسئولين في المؤسسة الدينية الرسمية، وبالتالي فإن ما قام به لا يقبل تبريره ولا يمكن تمريره بل يجب مسائلته بالشكل الذي لا يسمح بتكرار مثل هذا الموقف من أي شخصية اعتبارية رسمية بما فيه إضرار بالقضية الفلسطينية ولا يخدمها بأي حال من الأحوال
وطالب خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية بإقالة علي جمعة مفتي الجمهورية فور عودته من زيارته التي وصفها بالخزي والعار، ومن غير المعقول أن يدخل أي شخص لزيارة القدس حتى وإن كان ضمن وفد رفيع المستوي دون الحصول علي موافقة السلطات الإسرائيلية ولا يجوز أن يذهب المفتي إلي القدس في زيارة سرية جاء ذلك فى مداخلة لسعيد على قناة المحور مع الإعلامي عمرو الليثي..
وشدد سعيد على ضرورة إعادة النظر في بقاء مفتي الجمهورية و د. أحمد الطيب شيخ الأزهر في مناصبهما الحالية فور عودة جمعة من زيارته للقدس ، ووجه المتحدث باسم الجبهة السلفية رسالة إلي مفتي الجمهورية خلال مداخلته الهاتفية بإصدار بيان عاجل يشرح فيه أسباب وملابسات زيارته المفاجئة للقدس فور عودته للبلاد واختتم مداخلته ملوحا بضرورة إقالته
وقال الكاتب والأديب يوسف القعيد في مداخلة هاتفية لبرنامج “مانشيت” مع الإعلامي جابر القرموطي انه ذهل حين سماع خبر زيارة المفتى للقدس وهى بمثابة تطبيع مجاني مع إسرائيل وهدية للعدو الصهيوني الذي لم يقدم أي شئ في المقابل...وأضاف القعيد أننا كمصريين مازلنا لم نستطع محو عار زيارة الرئيس السادات لإسرائيل من قبل وانه ضد أي زيارة من أي نوع للكيان الصهيوني ،فموقف المفتي الآن وزيارته غير مفهومة، ولكنه أعترض على تصريح صفوت حجازي الذي طالب فيه بعزل مفتي الجمهورية الشيخ علي جمعة من منصبه لما فعله وقام بزيارة القدس ،وأكد القعيد أنه ضد هذا الطلب ويجب أن نعرف سر هذه الزيارة وكيف حصل المفتي على التأشيرة وهل حصل على موافقة من إسرائيل لزيارة القدس .
و علق عصام سلطان عضو مجلس الشعب ونائب رئيس حزب الوسط على زيارة الدكتور علي جمعه مفتي الجمهورية للقدس ” أنها جاءت لتقسم الأمة إلى نصفين, التواصل الذي يقصده الفلسطينيين ليس ما فعله المفتي ...وصرح سلطان على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي ( تويتر ) إن مساندة الشعب الفلسطيني بمواجهة العدوان الغاشم الواقع عليهم ومواجهة عمليات تهويد المقدسات – على تعبيره
وقال الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أن زيارة الدكتور علي جمعه مفتي جمهورية مصر العربية للقدس جاءت وعليها علامات تعجب كثيرة.
وتساءل الخطيب أمس خلال برنامج ال10 مساءً ( العاشرة مساءً )الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي ” لماذا هذه الزيارات بعد الثورات العربية ، وألم يعلم الشيخ علي جمعة أن هذه الزيارة تتم بحراسة من أمن الكيان الصهيوني ...وقال الخطيب “إن منع الفلسطينيين من دخول القدس والسماح بدخول آخرين لهي محاولات واضحة من الكيان المغتصب لتهويد القدس ” ، كما أكد على أن مصاحبة مفتي القدس الشيخ محمد حسين للشيخ علي جمعة ما هي إلا مصاحبة موظف في الدولة لنظيره ، مؤكدًا على كامل احترامه لشخصهما ولكنه رفض في نفس الوقت ما حدث بشكل قاطع وطالب العرب والمسلمين بالتضامن مع القضية بشكل أكبر.





المعارضون لزيالرة المسجد الأقصى المبارك في ظلال الاحتلال 1- د. حسام الدين عفانه المقدسي : توجه سائل للأستاذ الدكتور: حسام الدين عفانه - أستاذ أصول الفقه - ((وهو من قرية "أبو ديس" من "ضواحي القدس" ويستطيع أن يرى المسجد الأقصى من قريته، إلا أنه لا يستطيع أن يذهب إليه بسبب جدار الفصل العنصري !! ولا بد من تصريح من سلطات الاحتلال !!؟؟)) ، بالقول : ما قولكم في الفتاوى المتضاربة حول زيارة المسجد الأقصى المبارك والقدس بتأشيرة إسرائيلية، أفيدونا ؟ فكان جوابه في فتوى مفصلة تحت عنوان : ( رؤية شرعية في فتاوى زيارة الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية ) ( نقلاً عن المركز العربي للدراسات والأبحاث : رقم الفتوى (178695 )) قال فيها : : كثُر الحديث والنقاش في قضية زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية، وتحدث فيها جمعٌ كبيرٌ من المشايخ ، والمفتين ، والمتعالمين ، والكتاب ، والصحفيين والسياسيين وغيرهم، فكانوا بين مؤيدٍ لها ومعارض، ولتجلية القول في هذه النازلة المعاصرة من ناحية شرعية لا بد من تبيان الأمور التالية: أولاً: قضية زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية، نازلة فقهية معاصرة، تحتاج إلى تأصيلٍ فقهيٍ وفق ضوابط دراسة النوازل الفقهية عند العلماء،ومن هنا يُستبعدُ قولُ غير أهل الشرع في بيان الحكم الشرعي فيها. ثانياً: هذه القضية مسألةٌ معاصرةٌ، لم يرد بخصوصها نصوصٌ خاصةٌ من الكتاب والسنة، وبناءً على ذلك تبحث وفق ما قاله الفاروق عمر- رضي الله عنه _ في كتابه الشهير لأبي موسى الأشعري -رضي الله عنه - حيث قال: [ثم الفهمَ الفهمَ فيما أدلي إليك، مما ليس في قرآنٍ ولا سنةٍ، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشباه، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى، وأشبهها بالحق]( ). ومن المعلوم أن النصوص من كتاب الله ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما نصت على كل الجزيئات، قال الإمام الشاطبي: [ الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمورٍ كليةٍ وعباراتٍ مطلقةٍ تتناول أعداداً لا تنحصر،ومع ذلك فلكل معينٍ خصوصيةٌ ليست في غيره ولو في نفس التعيين]( ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه عن الحشيشة: [ وأما قول القائل: إن هذه ما فيها آيةٌ ولا حديثٌ: فهذا من جهله؛ فإن القرآن والحديث فيهما كلماتٌ جامعةٌ هي قواعد عامة وقضايا كلية. تتناول كل ما دخل فيها وكل ما دخل فيها فهو مذكورٌ في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص] ( ) . ثالثا: عند دراسة المسائل الشرعية عامة والنوازل المعاصرة يجب التجرد في البحث، ومجانبة الأهواء، وترك الاستطالة في أعراض أهل العلم، وإن خالفوا في مسائل، فإن العلم رحمٌ بين أهله، ووشيجة العلم أقوى من وشيجة القربى والنسب، والعلم ذمةٌ بين المشتغلين به، ويجب إحسان الظن بأهل العلم عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث) ( ) متفق عليه، وينبغي ترك النيات لرب الأرض والسموات. رابعاً: هنالك توسعٌ ظاهر ومبالغة غير محمودة في زماننا في إطلاق الألقاب والصفات على المنتسبين للعلم الشرعي، نحو العالم العلامة، والإمام الأكبر، والداعية الإسلامي، والمفكر الإسلامي، وكذلك فإن كثيراً من حملة الشهادات العليا في العلوم الشرعية، تحملهم شهاداتهم ولا يحملونها! خامساً: تسييس الفتوى من الأمور التي تخرج الفتوى عن جادة الصواب، فإذا سيقت الفتوى موافقةً للسياسة، فالغالب أن لا تنضبط بالضوابط الشرعية، فلا يجوز جعل الدين عامةً والفتوى خاصةً مطيةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو إرضاءً للحكام. سادساً: للمسجد الأقصى المبارك مكانةٌ عظيمةٌ عند أهل السنة والجماعة، فمن ذلك قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ( الإسـراء : 1) . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تُشدُ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمسجد الأقصى)( ) وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن سليمان بن داود - عليه السلام - لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله - عز وجل - ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأوتيه، وسأل الله - عز وجل - حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحدٌ لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) ( ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال:(تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل أمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وصححه العلامة الألباني، بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى.( ) ومع ثبوت هذه الفضائل للمسجد الأقصى المبارك فإن زيارته سنةٌ مستحبةٌ وليست واجبة باتفاق أهل العلم، وعلى ذلك تدل النصوص الشرعية..... وعليه فالقول بأن زيارة الأقصى والقدس تُعد واجباً وفريضةً شرعيةً، دعوى باطلةٌ شرعاً، كما قال بعض المؤيدين للزيارة: [يجب على المسلمين زيارة القدس]. واستدل بعض الصحفيين على وجوب زيارة المسجد الأقصى المبارك بحديث شد الرحال المذكور سابقاً، وهذا الحديث لا دلالة فيه على الوجوب المزعوم باتفاق أهل العلم. سابعاً: القول بتحريم زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية،مسألةٌ أثيرت منذ أكثر من أربعين سنة، ولم يكن الشيخ الدكتور القرضاوي هو أول من أثارها، بل سبقه إلى ذلك عددٌ من العلماء، منهم شيخ الأزهر السابق الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود حيث رفض أن يكون مع السادات في زيارته للقدس. وكذلك الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ومفتي مصر السابق حيث قال: [إن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم...والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلى أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلى الصلوات وعلى كل مسلمٍ أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير]. وكذلك الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق حيث قال: [إن تلك الزيارة لن تتم في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وإن ذلك ينطبق على كل علماء المؤسسة الأزهرية الذين يتبنون الموقف نفسه] وقال أيضاً: [أرفض زيارة القدس، وهي مكبلة بسلاسل قوات الاحتلال الإسرائيلية؛ لأن زيارة أي مسلمٍ لها في الوقت الراهن يُعد اعترافاً بمشروعية الاحتلال الإسرائيلي، وتكريساً لسلطته الغاشمة] وكذلك الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي الذي قال: [إن زيارة القدس لا تحقق مصلحةً للمسلمين، لأنها تتم في ظل احتلال اسرائيلي وبإذن من سلطات الاحتلال] وكذلك الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق حيث قال: [لن أزور القدس والمسجد الأقصى إلا بعد تحريرهما من وطأة الاحتلال الإسرائيلي، لأن زيارتي لها الآن أو أي مسلم على مستوى العالم تُعد تكريساً للاحتلال، واعترافاً بمشروعيته...لكن بإذن الله تعالى سأزورها ونزورها جميعاً وهي حرة مسلمة...وهذه المدينة المقدسة أمانة في عنق المسلمين، ولابد أن يبذل الجميع كل الجهد لتحريرها واستردادها بأية طريقةٍ من الطرق] وكذلك الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية الذي أيد تحريم الزيارة للقدس،ولكن بشرط أن نبذل كل ما نملك لتحرير المسجد الأقصى... وإن زيارة المسلمين من غير الفلسطينيين للأقصى يعطي شرعية لإسرائيل لاحتلال القدس والمسجد الأقصى] وكذلك الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي قال: [إن الذهاب إلى القدس الآن يعطي انطباعاً بأن الأمور عادية، ثم أنه يلزم الداخل إلى القدس الحصول على تأشيرة وهو اعتراف بشرعية إسرائيل وأن التواصل يكون بالنصرة والصلة الدائمة عبر المساعدات الفعالة التي تعطي قوةً لإخواننا الفلسطينيين] وكذلك مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر فقد جدد رفضه زيارة القدس تحت الاحتلال حيث عقد مجمع البحوث الإسلامية جلسة طارئة بمشيخة الأزهر (19/4/2012) برئاسة الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب‏,‏ شيخ الأزهر‏,‏ وناقش أعضاء المجمع على مدى ثلاث ساعات متواصلة زيارة المفتي - علي جمعة - للمسجد الأقصى, وأعلن المجمع أن الأزهر الشريف يؤكد موقفه الرافض لزيارة القــدس والمســجد الأقصى وهما تحت الاحتلال الإسرائيلي, وفي ختام جلسته جدد الأزهر الشريف قراره الرافض لزيارة القــدس والمسـجد الأقصى وهما تحـت الاحتلال.وأكد أن الأزهر الشريف استمر علي دعمه لقراره السابق بعدم جواز السفر الي القدس والمسجد الأقصى وهما تحت الاحتلال الاسرائيلي وذلك لما يترتب عليه من ضرورة الحصول علي تأشيرات من المحتل الاسرائيلي ويعد نوعا من التطبيع. وكذلك الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد عثمان شبير – باحث إسلامي ، والشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى ورئيس رابطة علماء فلسطين، والشيخ عكرمة صبري مفتي فلسطين سابقاً وغيرهم كثير ثامناً: ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر فإن هنالك بعض رجال الدين من النصارى قالوا بمنع أتباعهم من زيارة القدس ومنهم المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس الذي قال: [إنني أرفض زيارة القدس في ظل الاحتلال فهذا موقف مبدئي أتمسك به وسأبقى ولكنني لا أشكك بمصداقية أو وطنية من يخالفونني الرأي.إن الذي يحرر القدس هو ليس زيارتها في ظل الاحتلال وإنما أن يتخذ العرب قراراً استراتيجيا بتحريرها واستعادتها وهذا القرار لم يؤخذ بعد باستثناء بعض المواقف والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك] .. وقبله البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية الذي رفض ذهاب الأقباط للقدس وقال: [الشعب يعتبر أن زيارة القدس نوع من التطبيع مع إسرائيل ونحن لا نرغب أن نطبع مع الإسرائيليين إلا إذا تمَّ إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإنني لن أذهب إلى القدس إلا وهي محررة،ولن أعطي جواز سفري للسفارة الإسرائيلية كي أحصل على تأشيرة الدخول]. تاسعاً: ما ساقه المؤيدون لزيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية من أدلة لا تنهض لإثبات صحة الدعوى، فمثلاً القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى في المسجد الأقصى المبارك بالأنبياء والمرسلين ليلة الإسراء والمعراج قبل الفتح الإسلامي، واعتبار ذلك دليلاً على جواز الزيارة، كلامٌ باطلٌ،لأن الأمر يتعلق بمعجزةٍ خارقة للعادة. وكذلك قياس زيارة المسجد الأقصى المبارك وهو تحت الاحتلال على زيارة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - للمسجد الحرام إثر صلح الحديبية قياسٌ مع الفارق كما يقول الأصوليون. ... وهكذا يقال في بقية الأدلة التي سيقت لتبرير الزيارة. عاشراً: دعوى أن عدداً من علماء الأمة الكبار قد زاروا المسجد الأقصى والقدس إبان الاحتلال الصليبي لها كما قال أحدهم: [سبق أن وقعت القدس قبل قرونٍ تحت احتلال الفرنجة لسنواتٍ وعقودٍ طويلة، فأين فتاوى العلماء بتحريم زيارتها على المسلمين؟ كان فيها العز بن عبد السلام سلطان العلماء، وأبو حامد الغزالي حجة الإسلام، وابن تيمية شيخ الإسلام، فهؤلاء أعلام في العلم والفتوى والجهاد بالكلمة وغيرها في تاريخ الأمة الإسلامية، زاروها ولم يقولوا ـ من خلال ما علمت وقرأت واطَّلعت ـ بأنهم لن يدخلوا القدس ما دامت تحت حراب الاحتلال الصليبي، بل على العكس من ذلك، فهذا أبو حامد الغزالي دخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي من باب الأسباط فرأى 360 حلقة علم في ساحات المسجد الأقصى المبارك فبكى لانخفاض مستوى إقبال الناس على العلم] . وأقول : هذا الكلام يدل على جهل فاضح بالتاريخ فسلطان العلماء العز بن عبد السلام ولد سنة 577هـ وتوفي سنة 660 هـ أي لما حررت القدس من يد الصليبيين سنة 583 هـ كان عمره ست سنوات... وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فمولده سنة661هـ أي بعد تحرير القدس من يد الصليبيين بحوالي سبعين سنة ، وتوفي ابن تيمية سنة 728هـ. وأما أبو حامد الغزالي فلم يدخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي بل دخلها قبله بأربع سنين، قال ابن كثير في أحداث سنة 488هـ: [وفي ذي القعدة منها خرج أبو حامد الغزالي من بغداد متوجهاً إلى بيت المقدس تاركاً لتدريس النظامية، زاهداً في الدنيا، لابساً خشن الثياب بعد ناعمها، وناب عنه أخوه في التدريس ثم حج في السنة التالية ثم رجع إلى بلده، وقد صنف كتاب الاحياء في هذه المدة] ( ) . ومن المعلوم أن القدس سقطت بأيدي الصليبيين سنة492 هـ. وقد حوَّل الصليبيون المحتلون المسجد الأقصى إلى إسطبل لخيولهم، فلم يكن هنالك صلاة ولا حلقات علمٍ خلال تلك الفترة التي امتدت حوالي تسعين عاماً ؟! أحد عشر: إن المعتمد الأساسي للمانعين من الزيارة هو النظر في مآلاتها وما يترتب عليها من التطبيع مع الاحتلال كما قال د.محمد شبير: [فإذا كانت الزيارة تنطوي على تطبيعٍ مع الاحتلال الصهيوني، وإقرارٍ له على احتلال القدس والمسجد الأقصى وباقي فلسطين، فلا تجوز تلك الزيارة، وبخاصة إذا كان الزائر لا يدخل إلى فلسطين والقدس إلا بتأشيرة خاصة من دولة الاحتلال الصهيوني في الأرض المحتلة، أو من إحدى سفاراتها في خارج الأرض المحتلة، فلا يجوز للمسلم المقيم في كافة البلاد أو غيره الحصول على تأشيرة بقصد زيارة المسجد الأقصى والقدس. أما إذا كانت تلك الزيارة لا تنطوي على تطبيعٍ مع العدو الإسرائيلي، كما إذا كان الزائر يحمل جواز سفرٍ إسرائيلي، أو هويةٍ إسرائيلية: كالفلسطيني الذي يقيم في المناطق المحتلة قبل عام(1948)ولا يزال، والفلسطيني الذي يقيم في الخارج، ولكنه خرج للعمل في الخارج، وهو يحمل إذن خروجٍ ودخولٍ مسبقٍ؛ فيجوز لهم الذهاب لزيارة القدس والمسجد الأقصى والصلاة فيه] وهذا نظر سديد وفقهٌ حسن. ثاني عشر: مئات آلاف الفلسطينيين ممنوعون من زيارة المسجد الأقصى المبارك ومن الصلاة فيه، بل كثيرٌ من أهل القدس ممنوعون من ذلك.ومنهم العلماء والدعاة. ثالث عشر: آلاف الفلسطينيين يعيشون في القدس وأحيائها فهؤلاء أولى الناس بزيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه بشكلٍ يومي، ومع الأسف الشديد فإنك لا تجد في كثيرٍ من الصلوات الخمس إلا أعداداً قليلة من المصلين بمقدار صف أو صفين، بينما تجد كثيراً من هؤلاء يشدون الرحال لزيارة المناطق السياحية كطبرية وإيلات!! وخلاصة الأمر: إن زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية، نازلةٌ فقهيةٌ معاصرةٌ، تحتاج إلى تأصيلٍ فقهيٍ وفق ضوابط دراسة النوازل الفقهية عند العلماء، ولا يجوز لغير أهل الشرع أن يتحدثوا عن الحكم الشرعي فيها. وأما أن يتناولها السياسيون والكُتَّاب والصحفيون وغيرهم من جوانب أخرى فذلك شأنهم. وإن تسييس الفتاوى من الأمور التي تخرجها عن جادة الصواب، فلا يجوز جعل الدين عامةً والفتوى خاصةً مطيةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو إرضاءً للحكام. وللمسجد الأقصى المبارك مكانة عظيمة عند أهل السنة والجماعة، ومع ذلك فإن زيارته سنةٌ مستحبةٌ وليست فريضة، والقول بتحريم زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة إسرائيلية، مسألةٌ أثيرت منذ أكثر من أربعين سنة، وأفتى بذلك عددٌ من العلماء منهم بعض شيوخ الأزهر ومفتين مصريين سابقين وغيرهم. ودعوى أن عدداً من علماء الأمة الكبار قد زاروا المسجد الأقصى والقدس إبان الاحتلال الصليبي لها، دعوى باطلة، وما ساقه المؤيدون للزيارة من أدلةٍ لا تنهض لإثبات صحة الدعوى، والمعتمد الأساسي للمانعين من الزيارة هو النظر في مآلاتها وما يترتب عليها من التطبيع مع الاحتلال وأن المفاسد المترتبة عليها أكثر من المصالح، ومعلوم عند الفقهاء قاعدة: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" فإذا تعارضت مفسدةٌ مع مصلحةٍ قُدِّم دفعُ المفسدة غالباً. وأن الأنفع والأجدى هو توفير أوجه الدعم الأخرى لقضية الأقصى والقدس وفلسطين وتخليصها من الاحتلال....والله الهادي إلى سواء السبيل

.2- الدكتور أسامة الأشقر :
البيان الوافي في الرد على شبهات مبيحي زيارة المسجد الأقصى
تحت الاحتلال الصهيوني وبيان خطرها
لم تكن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني لتثير حفيظتي لو أنها جاءت من شخصيات سياسية مطبّعة فقد اعتدنا منهم هذه الاستفزازات لمبررات واهيات، بل إنهم لا ينتظرون تبريراً أصلاً ما دام ذلك يتوافق مع مراد حلفائهم السياسيين في العالم ؛ ولكن الذي يدفع المرء للغضب جداً هو جرأة نفر من الفقهاء والعلماء والدعاة على صدم مشاعر المسلمين واستفزازهم بمعية أرباب الحكومات ؛ وهو أمر ينبغي أن نقف عليه طويلاً : فما سر أن يذهب اثنان من أعلام الدعاة والفقهاء إلى بيت المقدس في معية زعامات حكومة عربية تفتح أبوابها للتطبيع بأنواعه، وتعلن اعترافها بالكيان الصهيوني، واعترافها باحتلال شطر كبير من القدس نفسها - وأعني به الشطر الغربي من المدينة المحتلة - ؟ ، ولماذا يترافق هذا مع دعاية سياسية عالية الطنين في ضرورة زيارة هذه الأماكن؟ بل إن السلطة الفلسطينية في رام الله وهي واحدة من أكبر أجهزة التطبيع والتي تنال تمويلها من المجتمع الغربي ، ومن الضرائب التي تجنيها دولة الكيان الصهيوني لها ، هذه السلطة التي لا تكتفي برفع الصوت في كل منبر سياسي للدعاية للتطبيع، بل إنها حملت نحو مائة فلسطيني هذه الأيام من مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان لزيارة الضفة الغربية بحجة زيارة الوطن ، بموافقة إسرائيلية كاملة وتصريح زيارة موثق ، وفيها شروط إسرائيلية واضحة بعدم دخول المرفوضين أمنياً !
وقد تابعت مع كثيرين حجج المطبعين من هؤلاء القوم ، ولا يعنيني هنا أن أذكر أعيانهم فقد جهروا بعملهم وبعضهم ما زال يدافع عن خطيئته فيما التزم بعضهم بالاعتذار الضمني، فأنا أتعامل هنا مع الأفعال وليس الأشخاص ، ولا أبيح لأحد أن يستخدم نقاشي وكلامي في خصوماته السياسية والفكرية للانقضاض على أحد، والعبرة عندي أن ما فعله هؤلاء خطيئة يجب بيانها وكشف الشبهات فيها ، ولست هنا في معرض الجدال الأصولي أو الفقهي الذي لا يمس جوهر ما نتحدث عنه ، إذ إن بعض الجهات تستخدم مشروعية زيارة المسجد الأقصى واستحبابها للتغطية على الجريمة التي ارتكبوها ، وهو ما سنفصله في هذه الورقات ، وما يعنيني أيضاً هو أن أكشف للفقهاء والعلماء خطورة هذا الفعل الذي يقع فيه بعض المجترئين دون سؤال لأهل العلم والشأن ، وأن أساعد هؤلاء العلماء في تفنيد شبهات بعض المنتسبين إليهم، ممن لبَّست عليهم كثرة مرافقتهم للسلاطين وتزيين ذلك لهم .
وقد فرحتُ بتجديد فتوى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بشأن الزيارة والإدانة الضمنية التي وجهوها لمفتي الجمهورية المصرية في زيارته الشخصية للقدس بدعوة ملكية !
الحجة الأولى : لا توجد أختام إسرائيلية على الجواز !
الختم على جواز السفر هو من أفعال السيادة التي تمارسها الدول على أراضيها بإعلان الدولة موافقتها على دخول الأجنبي إلى أرضها ، وهو ما تفعله سلطات الكيان الصهيوني مع كل أجنبي أو فلسطيني غير مقيم في القدس راغب في زيارة بيت المقدس ، ولأن الصهاينة يعلنون سيادتهم الكاملة على بيت المقدس دون اكتراث لوضعها القانوني في الشرائع الدولية التي تعتبر الشطر الشرقي من القدس أرضاً محتلة ، والتزام جميع دول العالم بالإجراءات التي يفرضها الاحتلال لدخول المدينة ، فإن هذه السيادة في عرف القانون الدولي سيادة ذات بعد قانوني أيضاً ، لأن الدولة المحتلة مسؤولة عن الأرض التي تحتلها والسكان الذين فيها.
ولأن الحاجة الإسرائيلية كبيرة جداً في حث العرب والمسلمين على زيارة المسجد الأقصى والسياحة فيه كما سأشرح بالتفصيل ، فقد راعت الدولة الصهيونية بالاتفاق مع أصدقائها العرب على تخفيف مظاهر السيادة الإسرائيلية والتي تتسبب في اعتراض العلماء والمثقفين والسياسيين الوطنيين على هذه الإجراءات الصهيونية ، ولذلك لجأ هؤلاء إلى حيلة جديدة تتمثل في إعداد قوائم سفر أو جوازات مؤقتة لمن ترشحه الدولة الصديقة للزيارة ، شرط موافقة الدولة الصهيونية عليها ، واستكمال الإجراءات السيادية المعتادة على هذه الوثائق التي لا يطّلع عليها الواقعون في مؤامرة التطبيع . أي أن هؤلاء المشايخ الذين وقعوا في فخ التطبيع حصلوا على موافقة إسرائيلية كاملة وختم إسرائيلي على وثيقة رسمية تحوي أسماءهم.
ودولة الكيان الصهيوني التي تجعل من القدس عاصمة أبدية وموحدة لها لا تجامل في أمر فرض سيادتها على هذه المدينة ، ومن يظن غير ذلك فهو واهم ، وإن ما تفعله مع حلفائها هو تيسير الإجراءات بما يهوّن من شأن الاستفزاز لضمان مصالح أكبر .
الحجة الثانية : الزيارة دعم كبير لصمود القدس وأهلها ! ولا يجوز ترك القدس وحدها بيد اليهود !
تبدو هذه الحجة العاطفية مقنعة للعامة نظراً لسطحيتها وسهولة تسويقها، وبروز بعض الجهات الفلسطينية المروجة لها ، وهي جهات تطبيعية معروفة تورطت في أكثر من التطبيع إلى حيث التنسيق الأمني اليومي ، حفاظاً على المصلحة الأمنية الصهيونية أولاً بتدمير البنية التحتية للمجاهدين وعزلهم عن المجتمع الفلسطيني ، ويزعم هؤلاء أن القدس باتت وحيدة في مواجهة المحتل وأنها لا تجد من يناصرها في مواجهة التحديات الصهيونية الضخمة ، وأن حضورنا الدائم هناك يمنع المحتل من الاستفراد بالمدينة ، ويعزز الرقابة عليها ، وأن ذلك يكشف عن الجرائم اليومية بحق المدينة .
وهذه التقريرات المذكورة هنا لا تحتاج إلى زيارة تطبيعية لكشفها ، فالإعلام المتخصص والعام يكشف منذ عقود عن الوجه القبيح للصهيونية وأعمال التهويد الدؤوبة ، وهناك عشرات المؤسسات العربية والإسلامية ومئات المؤسسات المقدسية التي تناضل من أجل وضع العرب والمسلمين في صورة ما يجري ، دون أن تحظى أعمالهم بالحضور الملائم ، وكان أولى بالعلماء والدعاة أن يستمعوا لصرخاتها، وأن يعلنوا تضامنهم معها ، وأن يفتحوا المجال في منابرهم للمساهمة في واجب الإعلان والتبليغ على الأقل ، وهو الأمر الذي قل أن تجده فيهم ، إذ لم يجعلوا من هذه القضية أولوية لهم ، بل كانت إن أحسنّا الظن في قائمة اهتماماتهم !.
والقدس لم تكن يوماً وحدها ، فالمقدسيون اليوم الذين يقطنون في محافظة القدس يزيد تعدادهم عن ربع مليون، لكن المشكلة أنهم محرومون من الزيارة في مواسم كثيرة ، بل إن الفلسطينيين في الضفة الغربية صارت الصلاة في القدس من أحلامهم التي يفعلون الكثير لجعلها حقيقة ، وإذا كان من جهد يبذل هنا ، فهذا الجهد ينبغي أن يكون في توطين هؤلاء المقدسيين وتمكينهم من حماية الأقصى والرباط فيه ، ولا يمكن لزيارة عابرة أن تقدم شيئاً يذكر في مواجهة الآلة الصهيونية اليومية التي تفعل الكثير كل دقيقة .
ولا يعني هذا أننا نعني الفلسطينيين والمقدسيين وحدهم ، بل إننا ندعوا كل من يحمل جوازاً لدولة أجنبية غير عربية أو مسلمة تعترف بالكيان الصهيوني أن يذهب إلى المدينة ويشارك في فعاليات التضامن والنصرة بكل ما أوتي من قدرة ، وندعو أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 م ، وفي أرض الجولان السوري المحتل ، أن ينصروا القدس بحضورهم ، لأن هذا الحضور لا تستفيد دولة الكيان الصهيوني منه، بل إنه يكاد يكون مرفوضاً لديهم ، فهم يريدون زيارات تخدم خططهم السياسية والاقتصادية والأمنية ، لا زيارات تفتح المجال لمواجهات وصراعات ، ولو أن العلماء والفقهاء الذين بادروا إلى مفاجأة الناس بفعلهم هذا ، حثوا الناس على هذا الأمر، ويسروا لهم أسبابه بما لهم من علاقات وإمكانات ، لكان أولى وأجدر بالثناء والقبول .
والمشكلة اليوم ليست في أن نترك المحتل يفعل ما يشاء ، لأنه يفعل ما يشاء حقاً في القدس دون رادع ، وإنما المشكلة هي في عجزنا عن الردع حتى بكلمة موجعة مؤثرة ، فهو يفعل ما يشاء ويعلن عن ذلك بوقاحة وتفصيلٍ، ويفتخر بذلك في كل مكان ، ولو أننا تقصينا ما يعلن المحتل عنه من سياسات التهويد وأعمالها ، لأغنانا عن كثير من المشاهدات ، فهذه اعترافاته المعلنة .
وبمعنى آخر فإن هذه الزيارات لهؤلاء الدعاة لا تحقق معنى النصرة ، ولا تزيد الأمر وضوحاً، ولا تقدم وسيلة دعم أو إسناد ، بل ضررها أكبر من ذلك كما نشرح .
الحجة الثالثة : السلطات الشرعية الفلسطينية شجعتنا على الزيارة ورحبت بذلك علناً .
السلطة الفلسطينية اليوم سلطة خرجت نتيجة التزام دولي وموافقة إسرائيلية وتقديرِ مصلحة إسرائيلية أيضاً ، وهي اليوم تقوم بدور النائب عن المحتل في تقديم الخدمات للفلسطينيين ، وتحمّلها أعباء تحصيل الدعم والمعونة والمساعدات الدولية ، ودور تأمين الاحتلال ومنع الاعتداء عليه ، والإجهاز على أي مقاومة ضده ، ومشروع هذه السلطة من أوله إلى آخره هو مشروع إداري وأمنيّ ليس فيه شيء من المصلحة الشرعية ، بل إن هذه السلطة أخلت بواجب الجهاد ، وانضمت إلى الغاصب المحتل ، فهي سلطة نيابة عن المحتل ، وغير شرعية بالمفهوم الديني ، وغاية هذه السلطة كما شرحنا مراراً أن تستمر في تحصيل الأموال لدفع رواتب العاملين فيها ، وتنظيم دخول المساعدات المشروطة وإدارتها ، وهي اليوم معروفة بأنها فاشلة سياسياً لم تستطع تحقيق أي إنجاز سياسي ألزمت نفسها به ، ولا تملك أية خيارات سوى التفاوض مع المحتل ، لتحصيل بعض المكاسب المؤقتة ، لا تحصيل حقوق ثابتة .
وهذه السلطة الفاشلة العاجزة المكلفة بهذه الأمور ، تحتاج إلى امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد من عجزها ، وتخلف برنامجها ، وسقوط رؤيتها السياسية ، فلذلك تعمل هذه السلطة ليل نهار من أجل تلويث كل من تقدر على تلويثه بالتطبيع، للاحتجاج به على سوء سلوكها ، وسقوط رأيها في جعل التطبيع سلوكاً مقبولاً
وأكثر من كان يحتفي بزيارات الدعاة إلى القدس هم رموز التطبيع الذين عُرف عنهم الإغراق في التنسيق الأمني ، ومواجهة الحالات الجهادية ضد الاحتلال . لأن ذلك من شأنه أن يشجّع الكيان على تقديم تنازلات تفاوضية، وتجعله يتخذ قرارات "شجاعة" بطمأنينة ودون خوف كما يزعمون.
وبوضوح شديد فإن السلطة الفلسطينية اليوم هي أحد أهم أدوات التطبيع في المنطقة ، وأخطر جسورها ، بغرض تحقيق التواصل غير المباشر مع الصهاينة ، من خلال جهات " فلسطينية محايدة " . ويجدر هنا التوضيح بأن سلطات الكيان الصهيوني لا تمانع في وصول أي شخصية دينية أو أدبية إلى مناطق السلطة. بل هي ترحّب بذلك، ما دام الزائر يأتي بموافقتها أو علمها ، ولن يمارس أي دعوى تحريضية ضدها ، وسيخدم دعواها الديمقراطية القائمة على احترام الخصوم ( لا الأعداء). ومن المهم الرد على ما يروج له سياسيوا السلطة بأن زيارة السجين هنا في فلسطين ليست تطبيعاً مع السجان . وهي مقولة مضللة تعتمد عنصر المشابهة في الوصف وتتجاهل المقدمات والنتائج، والدليل أن السجّان الصهيوني يشجّع على هذه الزيارة ويسهّل إجراءاتها، وفي الوقت نفسه يضع العقبات أمام أهل المعتقلين الذين يرغبون في زيارة أبنائهم . ونقول لكل عالم وداعية ومثقف: إننا نحن نحتاج إليك خارج هذا السجن، كي ترسم لنا آفاق الحريّة الممكنة.
وإذا كان هؤلاء الدعاة بحاجة إلى من يعرفهم بالواقع ، ويشرح لهم خطورة أعمالهم ، فهناك جهات علمية ودعوية إسلامية كثيرة تعي خطورة هذا الأمر ، وهي مستعدة أن تعينهم على الفهم ، ولا يستطيع أحد حتى من رموز هذه السلطة الفلسطينية أن يزايد على أمثال الشيخ رائد صلاح ، والحركة الإسلامية في 48 ، وهي التي تجعل من حماية الأقصى واجبها وشعارها وسلوكها اليومي.
والشيء المؤسف أن الاحتلال بينما كان يرحب بزيارة الرجلين للقدس وييسر إجراءاتها كان شيخا القدس الشيخ حامد البيتاوي- رحمه الله - والشيخ رائد صلاح ، تتجدد قرارات منعهما من الاقتراب من المسجد الأقصى ودخول القدس.
الحجةالرابعة : الزيارة تحت الاحتلال فعَلَهَا علماء كبار أيام احتلال الصليبيين للقدس ولا يوجد من منع الزيارة سابقاً في هذه الحالة.
كنت تحدثت في مقالة سابقة عن سقوط دعوى الاحتجاج بزيارة الإمام الغزالي للقدس في زمان احتلالها من الصليبيين ، وهي الزيارة التي احتج بها الحبيب الجفري في جملة ما احتج به ، فجاء شيخٌ وصفه الحبيب الجفري في صفحاته الإلكترونية بالعلامة يقال له محمد الأمين أكتوشني الشنقيطي فردّ عليّ وأكد حصول زيارة الغزالي للقدس ، واستنتج الأكتوشني من كلام بعض المؤرخين أن الإمام أبا حامد الغزالي حج إلى بيت الله الحرام سنة 488هـ ، وأنه أقام في دمشق عشر سنوات ، وأن بعض المؤرخين قالوا إن زيارته للقدس كانت بعد استيطانه في دمشق ، وافترض أن الزيارة ستكون وفق حساباته عام 498 هـ أي في الوقت الذي كانت فيه مدينة بيت المقدس تحت الاحتلال ...وهذا استنتاج خاطئ من وجوه :
- أن مدينة بيت المقدس حينها كانت تحت سيطرة صليبية كاملة قاسية ، ولم تكن هناك أية اتفاقيات مع أية قوة إسلامية ، بل كانت حروباً مستعرة طُرد فيها آلاف المسلمين من المدينة ، بل هُجرت مدن بأكملها مثل مدينة الرملة ، ودمرت مدن أخرى حول بيت المقدس كما حدث مع عسقلان ، وكان الريف الفلسطيني هو آخر أماكن وجود المسلمين يعملون في الفلاحة والخدمات ، وقد قُتل في تلك السنوات الأولى من الاحتلال الصليبي عدد من العلماء منهم : الإمام الجوال مكي بن عبد السلام المقدسي الرميلي ، وكان كثيرون منهم قد فروا قبل سيطرة الصليبيين على المدينة ، وبقي في المدينة الحاميات العسكرية وآلاف اللاجئين من المدن الفلسطينية المنكوبة قبل وصول الصليبيين إلى بيت المقدس ، وأستبعد جداً أن يكون الإمام الغزالي زار بيت المقدس في تلك الحقبة الأولى من الاحتلال الصليبي الدمويّ.
- وقد تحدث ابن الأثير في الكامل بوضوح أن الغزالي رحمه الله سافر إلى دمشق وزار القدس عام 488 هـ يقول ما نصه في حوادث هذا العام : " وفيها – أي عام 488 هـ - توجه الإمام أبو حامد الغزالي إلى الشام وزار القدس وترك التدريس في النظامية ، واستناب أخاه وتزهد ولبس الخشن وأكل الدون ، وفي هذه السفرة صنف إحياء علوم الدين، وسمعه منه الخلق الكثير بدمشق وعاد إلى بغداد بعدما حج في السنة التالية ، وسار إلى خراسان " وربط زيارة القدس بزيارة دمشق في ذلك العام يوضح تقارب ميقات الزيارتين إلى دمشق والقدس .
- وأما الدليل القاطع فهو ما حكاه الغزالي نفسه عن رحلته إلى بيت المقدس في كتابه "المنقذ من الضلال" ، إذ يقول ما نصه - مع اختصارات لا تؤثر في موضع الجدل - : " ففارقت بغداد، وفرقت ما كان معي من المال ... ثم دخلت الشام، وأقمت به قريباً من سنتين ... فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق، أصعد منارة المسجد طول النهار، وأغلق بابها على نفسي، وثم رحلت منها إلى بيت المقدس، أدخل كل يوم الصخرة، وأغلق بابها على نفسي. ثم تحركت في داعية فريضة الحج، والاستمداد من بركات مكة والمدينة وزيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الفراغ من زيارة الخليل - صلوات الله وسلامه عليه - ، وسرت إلى الحجاز، ثم جذبتني الهمم، ودعوات الأطفال إلى الوطن، فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه، فآثرت العزلة به أيضاً حرصاً على الخلوة، وتصفية القلب للذكر. وكانت حوادث الزمان، ومهمات العيال، وضرورات المعيشة، تغير في وجه المراد، وتشوش صفوة الخلوة، وكان لا يصفو لي الحال إلا في أقوات متفرقة. لكني مع ذلك لا أقطع طمعي منها، فتدفعني عنها العوائق، وأعود إليها. ودمت على ذلك مقدار عشر سنين" . فهذا النص يحسم بوضوح أنه توجه إلى الشام عام 488 هـ وأمضى في دمشق سنتين ثم رحل إلى بيت المقدس أي قبل الاحتلال الصليبي لها، ثم توجه إلى الحج بعد زيارة مدينة الخليل جنوبي بيت المقدس ثم عاد إلى وطنه ؛ وأن السنوات العشر التي حكاها المؤرخون لم تكن سنوات إقامة دائمة في دمشق ، وإنما سنوات الاستغراق الصوفي أثناء وجود الغزالي في الشام بين دمشق والقدس والحجاز ؛ وبذلك تسقط حجة أخرى للشيخ الجفري والشيخ أكتوشني الشنقيطي، وهناك حجج أخرى لي أؤكد فيها هذا مضمون النص من كلام شهود زاروا القدس مع الغزالي ورافقوه في دمشق والقدس وكانت لهم معهم طرائف وحكايات أوردها المؤرخون بأسانيدهم ، سأوردها في موضعها لاحقاً إن شاء الله إذا لم يقتنع المشايخ الأجلاء بحجتي هذه .
- ويحتج الشيخ أكتوشني أن الإمام أبا محمد عبد الكريم السمعاني زار القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي ، ونقل كلاماً للإمام الذهبي يؤيد ما ذهب إليه ، ولو قرأ الشيخُ كلام الذهبي جيداً لعرف أن الذهبي يستنكر ذلك أو يستغربه ، إذ إن ما فعله السمعاني لم يكن مألوفاً آنذاك؛ يقول الذهبي : " زار - أي السمعاني - القدس والخليل وهما بأيدي الفرنج؛ تحيّل، وخاطر في ذلك ، وما تهيّأ ذلك للسلفي ولا لابن عساكر " ؛ وكلام الذهبي واضح في أن ما فعله السمعاني لم يستطع فعلُه كبار الحفاظ المرتحلين في طلب الحديث كابن عساكر والحافظ السلفي ، أي أن السمعاني كان يقوم بعمل استثنائي لم يفعله أحد من معاصريه مخاطراً بحياته ، ومستخدماً الحيلة في ذلك ، ولم نعرف تلك الحيلة التي اجترحها السمعاني لفعل ذلك ، والتغطية عليها دون توضيح يوحي بأنها حيلة غير مأمونة .وأما زيارات الأعلام الآخرين لبيت المقدس فقد كانت في مواسم الهدنة المؤقتة بين جيوش المسلمين ومملكة بيت المقدس الصليبية ، والتي كان من شروطها تمكين المسلمين من زيارة بيت المقدس والسماح بمرور الحجاج المغاربة ، ولا يخفى أن تلك الهدنة كانت عسكرية بين جيوش متقاتلة ولم تكن في مثل حالتنا التي تحالف فيها بعض دولنا مع المحتل ، وعمل على حمايته وضبط حدوده ورعاية أمنه ، ومع ذلك فقد مُنع كثيرون من زيارة بيت المقدس لانفساخ الهدنة منهم الإمام أبو النجيب السهروردي الذي لم يستطع تحقيق حلم الزيارة عام 558 هـ ؛ والطريف في الأمر ورود بعض الروايات التي تتحدث عن زيارات نفر من الصوفية لبيت المقدس للصلاة فيه، أيام نور الدين زنكي في مواسم الهدنة ، إضافة إلى جماعات من المغاربة القادمين من الأندلس بحراً الذين كانوا يدفعون مبالغ كبيرة للصليبيين للسماح لهم بالمرور لأداء فريضة الحج ، وكثيراً ما يقع هؤلاء في الأسر إذا انفسخت الهدنة وهم في أرض الأعداء فكانت هناك صناديق خاصة لفداء الأسرى المغاربة وتحريرهم.
الحجةالخامسة: منعُ الزيارة من المصالح المرسلة التي لم يتفق العلماء عليها .
من أغرب ما وقفت عليه من تبريرات أن منع بعض الفقهاء لزيارة الأقصى تحت الاحتلال يندرج في جملة المصالح المرسلة ، ثم أفاض بعضهم في أن هذه المصالح ليست محل اتفاق وهي غير ملزمة في الفتوى إن رأى غيرُك غيرَ اجتهادك ؛ والحقيقة أننا نتحدث هنا عن مفاسد جمة من هذه الزيارات وهي مفاسد سياسية كبيرة تؤدي إلى مفاسد شرعية مباشرة ، فالتطبيع يعني الانتقال في العلاقات بين الطرفين (المتنازعين) من مرحلة العداء إلى مرحلة طبيعية ، وتنتفي فيها حالة التناقض أو الحرب وتقوم على أساس المصالح المتبادلة ، وحسن الجوار والتعاون في الميادين والمجالات كافة.
وجوهر التطبيع هو إحداث تغيير على الجانب العربي والإسلامي.. على أن يبدأ هذا التغيير بالتسليم بوجود "إسرائيل" كدولةيهودية في المنطقة.. ويمتد إلى تقييد قدرات العالم العربي العسكرية وتغيير معتقداته السياسية.. وإعادة صياغة شبكة علاقاته.. إضافة إلى تحقيق مطالب أمنية وإقليمية... وصولاً إلى تغيير المواقف تجاه هذا الكيان.. بصورة جذرية.
وبقدر ما يبدو التطبيع في ذاته هدفاً من أهداف الاستراتيجية الصهيونية ، لتحقيق أهداف العدو في المنطقة ، فإنه أيضا يعد أداة من أدواتها في العمل، ويتكامل مع أدوات العمل الأخرى من عسكرية ودبلوماسية.. فالعمل العسكري مهما كانت طاقاته وقدراته يبقى عاجزاً عن تحقيق جزءهام من الأهداف الحيوية للحركة الصهيونية؛ فهو مثلاً عاجز عن تحقيق إدماج "إسرائيل" في المنطقة، وعاجز عن تلبية احتياجاتها المنظورة لمصادر المياه، كما أنه عاجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي، وهذا ما تتكفل به الاستراتيجيةالإسرائيلية للتطبيع.
يدير استراتيجية فرض التطبيع جهات أمريكية وأوروبية بالدرجة الأولى ، بالتنسيق مع المستوى السياسي الصهيوني ، وفي غياب تام للمستوى الثقافي الصهيوني ، مما يدل أن الجمهور المستهدف من هذه الاستراتيجية هو الجمهور الفلسطيني والعربي.
و من ملامح هذه الاستراتيجية :
==== تهيئة الفلسطيني والعربي والمسلم ليقبل بالأمر الواقع ، ويعمل على نشر ثقافة القبول بالآخر، واعتباره المحطة الأولى والأهم لإنجاز مشروع التطبيع.
=== اعتماد سياسة الاختراق للوصول إلى مراكز الحصانة الثقافية العربية ، المتمثلة في المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية ، من خلال أنظمة البحث الأكاديمي الموضوعي ومناهجه المنفكة عن السياسة.
=== اعتماد سياسة التشويه أو التشكيك (من الداخل) ضد التيارات المناهضة للتطبيع.
=== اعتماد سياسة التطويق لمنع التيارات المناهضة للتطبيع من الوصول إلى المنابر الإعلامية، وحرمانهم من فرص التمويل الدولية.
=== تسخير الإعلام الخاص والدولي لخدمة برامج التطبيع، وحجب منافذ الإعلام المضاد، وتغيير اتجاهات التعامل مع الرموز والقيم من خلال التأثير النفسي غير المباشر.
=== استهداف قطاع الشباب والمرأة.
=== التوجّه إلى النخب الدينية والفنية والثقافية ذات الحضور الجماهيري في توجيه خطاب متردد أو محايد تجاه التطبيع.
=== الترويج لثقافة بناء المستقبل ، والإعراض عن الماضي بكل ما يحمله من أفكار ومواقف وحوادث تاريخية غيّرت الواقع. إن الانتماء الثقافي والديني للأمة العربية والإسلامية ، يشغل حيزاً مهماً من اهتمامات الفكر الصهيوني ، كمصدر عداء للصهيونية و"إسرائيل"، وفي تقدير أهميته في ميزان الصراع ، إذ ينظر إليه في الفكر السياسي الصهيوني على أنه يغذي الصراع كمصدر أساسي من مصادر كراهيتهم، حيث يحفل القرآن والسنة والتراث العربي بالصور السلبية عن بني إسرائيل ، وعنصرية التراث اليهودي ومجتمعه.
والتطبيعُ الذي يحتاجه الكيان الصهيوني ، هو تطبيع سياسي اقتصادي ، وهم غير معنيين بالتطبيع الثقافي ، فهم يريدون أن يبقوا غرباً قوياً في الشرق الأوسط, ولا يريدون أن ينفتحوا على ثقافة الشرق الأوسط العربية الإسلامية ، ولكنهم يستخدمون التطبيع الثقافي والديني من خلال محاولة دفعنا لكسر الحواجز ، وهدم الجسور النفسية العالية بيننا وبينهم، مما يتيح لهم تنفيذ مخططهم الاستعماري على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، ولذلك لا تجد أي نشاط رسمي صهيوني يهتم بجانب التواصل الثقافي مع المنطقة في إطار موضوعي محايد غير متأثر بالسياسة.
ويسعى الصهاينة وحلفاؤهم إلى إزالة ما يسميه بعض الدبلوماسيين الأكاديميين المتصهينين بحالة اللبس المتكونة في عقلية الفلسطيني والعربي والمسلم حول (إسرائيل)، بحيث يصبح الكره غير منطقي. ويرون أن إنجاز التطبيع يلغي عمق الثقافة والحضارة ، ويغرس حقائق مشوهة ومبتورة ويخلق حالة من الرضا والقبول بالواقع؛ ويعمل على تقويض حقائق ظلت لعقود متتالية قاعدة للثقافة الإسلامية والقومية العربية.ويمثل التطبيع الثقافي والديني الدعامة الرئيسية للتغلغل "الإسرائيلي" في المنطقة العربية ، لأنه أعمق وأكثر استقراراً من أي ترتيبات أمنيةكالمناطق المنزوعة السلاح، ووضع قوات دولية وغيرها من الترتيبات الأمنية.
فالتطبيع الثقافي والديني يبقى هو العامل الحاسم على المدى البعيد لأن الصراع يترسخ في وعي الشعوب وثقافتها وذاكرتها الجمعية ووجدانها ، فتصعب عملية هز القناعات وتدمير مقومات الذاكرة الوطنية واختراق الثوابت التاريخية والدينيةوالحضارية ، دون إقامة جسور للتواصل والتطبيع الثقافي ومن هذا المنطلق فقد قامت الإستراتيجية " الصهيونية " وتجلياتها المعاصرة على محاولة نزع العداء من الوجدانوالعقل والذاكرة ، استكمالاً لنزع الأسلحة المقاومة، وهي المهمة التي تضمنهاالاتفاقات السياسية والأمنية، وضرورة إستراتيجية انعقد حولها الإجماع الفكري في "إسرائيل" ، ويلتف خلفها المخططون والمنفذون، فقامت بتأصيلها والتنظير لها مراكز بحوث علمية ، وجامعات ، ومعاهد وهيئات أكاديمية "إسرائيلية" ، بحيث تتميز مراكز الدراسات " الصهيونية " ارتباطاتها وتأثيرها على عملية صنع القرار في الدولة " الصهيونية ، " إضافة إلى أنها تجد الكثير من الدعم والمساندة من أطراف متعددة ، مثل المؤسسات العامةومنشآت القطاع الخاص، مما جعل هذه المراكز مستقرة في أوضاعها المالية. إن أخطر جبهات التطبيع هو التطبيع الثقافي والديني ، الذي معناه ابتداءً التخلي عن كل ما يحويه المخزون الثقافي من النصوص التي تصنفهم أعداءً.. الى السماح للفكر اليهودي والصهيوني بالتمدد باتجاه كل القطاعات ، كما لو أنه إحدى حالات الفكر السائدة التي يحق لها التمظهر في عالمنا بشكل عادي. ولا يستبعد أبداً أن يسعى الصهاينة من ضمن مشروعهم الذين يحاولون فرضه على الأنظمة ، الى أن يصبح الفكر الصهيوني والإيديولوجيا اليهودية مادة للتدريس في مدارس ومعاهد وكليات داخل العالم العربي والإسلامي.
والصهاينة بحكم خبرتهم في التعاطي مع تشكيل الرأي العام.. يدركون أبعاد هذه الخطوط ، ويعرفون أن إحراز أي تقدم على هذا المسار ، إنما يعزز التحرك على الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية لخدمة المشروع الصهيوني التوسعي.
الحجة السادسة : النبي - عليه الصلاة والسلام - زار مكة في عمرة القضاء وهي تحت حكم قريش وسيادتهم .وهذا الاحتجاج من أغرب احتجاجاتهم ، وهو يكشف بوضوح أنهم لم يتبيّنوا بعد أن سبب رفضنا للزيارة ، هو وجود محظورات سياسية قوية تفضي إلى مفاسد حقيقية في المستقبل ، والفارق كبير بين الحالتين، أي أنه قياس مع فارق، فالتقدير السياسي لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع في الاعتبار اختراق المنظومة الأخلاقية والسياسية والهيبة العامة لقريش في أوساط القبائل العربية ، إذ تشكّل موافقة قريش على زيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة لأداء شعائر دينية اختراقاً سياسياً مهماً ، يكشف عن تنازل كبير من قريش لصالح المسلمين ، نتيجة شعور قريش القبيلة الأكثر عداء للإسلام آنذاك وحاملة راية العداء بتحول موازين القوى ؛ ولذلك كانت المصلحة السياسية والتقدير الاستراتيجي النبوي باتجاه دخول مكة وهي تحت سيادة كفار قريش ، ويأتي هذا في سياق تمكين الإسلام وتعزيز حضوره ، وضمان انتشاره ، أي أن هذا التقدير كان صادراً عن مربع سياسي يتجه صوب التمكين السياسي، بعكس الحالة في القدس اليوم ، فإن التقدير السياسي والاستراتيجي يؤكد بوضوح أن هذه الزيارات تخدم الاحتلال خدمة كبيرة ، وأن الفائدة التي قد تعود على المقدسيين من ورائها كبعض المنافع الاقتصادية ، وبعض الاهتمام الإعلامي لزمان قصير عابر ، أقل بكثير من حجم الخسارة المتوقعة..وفي الختام فإنني أتمنى حقاً ألا يستطيل علينا عدونا بمثل هذه الاجتهادات المرهقة ، وأن يريحنا هؤلاء الأفاضل من تصرفاتهم ، بحجة أنها زيارات شخصية ، فعندما يكون الشخص ذا وزن اعتباري فلا مجال للحديث عن سلوك فردي ، فهؤلاء لهم مريدوهم وأتباعهم ومن يثق بهم ، وقد يضلون بضلالهم ، ونسأل الله السلامة واللطف.( - انظر : د. أسامة الأشقر: البيان الوافي في الرد على شبهات مبيحي زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال الصهيوني وبيان خطرها )
د. سامي عطا الجيتاوي

يتبع
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف