القوى والتكتلات التي ستستطيع الصمود في وجه هذا التحدي بأقل خسائر أو تتغلّب عليه، سوف تتصدر المشهد السياسي الدولي.
شئنا أم أبينا، فإن جائحة فيروس "كوفيد 19"، المعروف باسم "كورونا المستجد"، أصبحت أولوية لدى الأوساط الشعبية والرسمية على المستوى العالمي، وصارت تتصدر اهتمام وكالات الأنباء حول العالم، ولم يبقَ في المعمورة أحد غير مهموم بها.
صاحب ظهور فيروس كورونا بدايةً في الصين حملة إعلامية مركّزة عبر الفضاءات ووسائل التواصل بأنواعها، تضاعفت مع ظهور مصابين في دول عديدة حول العالم، وأصبح الأمر أكثر تأثيراً وإثارة للخوف بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية كورونا وباءً عالمياً، وحثّت الحكومات أجهزتها ومراكز أبحاثها للعمل على إيجاد حلول علاجية، فيما أقدمت كثير من الدول على اتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة الوباء وصلت إلى إغلاق البلاد بشكل تام، ما عطّل الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وأرهب المجتمعات، حتى أصبح فيروس كورونا التحدي الأعظم الذي يواجه البشرية جمعاء.
وقد قال الأطباء والمختصون في علوم الأوبئة إن فيروس "19 COVID" انتقل من الطيور إلى الإنسان، ليستقرّ في جهازه التنفسي، وإنه قادر على التحول إلى أشكال جديدة، وبالتالي امتلاك قدرة أكبر على الانتشار.
في هذا المضمار، برزت توجهات وتحليلات كثيرة تحاول تفسير ظاهرة كورونا، وتطرح تصورات لمآلات الأمور على المستويات كافة، إذ قدم البعض تفسيرات دينية ترى في الوباء عملاً إلهياً (عقاباً أو ابتلاء)، ورآه آخرون رداً من الطبيعة على تغوّل الإنسان عليها.
واستندت تحليلات أخرى إلى نظرية المؤامرة التي تحتمل الكثير من القراءات والتصورات المحتملة والممكنة، فرأى البعض أن الولايات المتحدة تقف خلف الأزمة، وأنها صنًّعت الفيروس ونقلته إلى الصين لضرب اقتصادها.
واعتبر آخرون أن الفيروس صيني المنشأ، استطاعت الصين السيطرة عليه، ومن ثم توظيفه لأهداف ومصالح خاصة، في إطار الصراع بينها وبين الولايات المتحدة على سيادة العالم.
لسنا بصدد تفنيد مجمل التوجهات والآراء التي حاولت تفسير الظاهرة وتطوراتها، سواء ظهر الفيروس في إطار طبيعي أو تم تصنيعه في سياق الحرب البيولوجية، وهو ما يصعب التحقق منه في الوقت الحاضر، وخصوصاً أن المستويات السياسية تصدّر للعالم ما تريد أن يعرفه العامة من أخبار ومعلومات، كما أن الأمر يكتنفه الكثير من السرية.
وأياً كان التصور الأقرب إلى الحقيقة والمنطق، يمكن القول إن النظام الدولي بعد كورونا ليس كما قبله، وإن تحولات كبرى ستطال العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
هذا الأمر مؤكد، فالنظام الدولي الأحادي القطبية، الذي تجسّد عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، بزعامة منفردة للولايات المتحدة الأميركية، دخل مرحلة التحول الفعلي مع بروز الصين وروسيا كقوى عالمية لا يمكن احتواؤها أو كسرها، في ظل التفاهم الكبير بين هذين البلدين في مواجهتهما ورفضهما الهيمنة الأميركية على العالم بكل مستوياتها، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. هذه الرؤية يتفق معها الكثيرون من المفكرين وأصحاب الرأي.
إن أزمة كورونا وما تفرزه من مؤشرات خطيرة، تبرهن على هشاشة النظام الدولي الراهن، وعدم قدرته على حفظ الأمن للبشرية اجتماعياً واقتصادياً، وأيضاً سياسياً، فالتراجع الكبير والسريع في قدرة الولايات المتحدة وإمكانياتها لقيادة العالم أصبح واضحاً.
وقد كشفت جائحة كورونا حجم الكارثة التي أفرزتها السياسات الرأسمالية المتوحشة التي انتهجتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي سيطرت عليها النزعة النفعية من دون النظر في صالح البشرية.
وها هي الولايات المتحدة التي تقارب ميزانيتها العسكرية 800 مليار دولار تواجه كساداً اقتصادياً أشبه بالكساد الكبير الذي شهدته أواخر عشرينيات القرن الماضي، وتقف عاجزة عن ضمان الأمن الصحي لمواطنيها. في المقابل، تقدم الصين -التي طالها الوباء أولاً- المساعدة لكثير من الدول في مواجهة الوباء المميت.
بناء عليه، يمكن القول إن الوباء أصبح تحدياً يواجه العالم أجمع، ويضرب بقوة مصالح القوى الكبرى، رغم شدة ترابطها، ما سيؤدي إلى تحولات جذرية على مستوى الاقتصاد العالمي وما يرتبط به من مخرجات جيوسياسية متعلقة بطبيعة النظام الدولي وشكله وأقطابه ومؤسساته.
لذلك، إن القوى والتكتلات التي ستستطيع الصمود في وجه هذا التحدي بأقل خسائر أو تتغلّب عليه، سوف تتصدر المشهد السياسي الدولي.
وحتى انكشاف أسراره، فإن الدول الكبرى تحاول توظيف فيروس كورونا وتأثيراته الاقتصادية كأداة فاعلة في صراعها المستمر مع خصومها، من خلال تقليل الخسائر وتعظيم مكاسبها الاقتصادية والسياسية والأخلاقية. ويبرز ذلك من خلال تعاطي الصين مع الجائحة وتقديمها المساعدات والخبرات للدول المنكوبة، واضعة مصلحة الإنسانية في مقدمة أولوياتها.
يبدو أن جائحة كورونا جاءت كي تبرز الصين تفوقها الأخلاقي، بعد أن أبرزت قوتها الاقتصادية والتكنولوجية، في مقابل التراجع الأميركي والأوروبي الواضحين على المستويات كافة، وهو ما يعني أن النظام الدولي دخل مرحلة إعادة تبلور، وسيكون للصين وحلفائها الدور الرئيس في إعادة ترتيبه.
شئنا أم أبينا، فإن جائحة فيروس "كوفيد 19"، المعروف باسم "كورونا المستجد"، أصبحت أولوية لدى الأوساط الشعبية والرسمية على المستوى العالمي، وصارت تتصدر اهتمام وكالات الأنباء حول العالم، ولم يبقَ في المعمورة أحد غير مهموم بها.
صاحب ظهور فيروس كورونا بدايةً في الصين حملة إعلامية مركّزة عبر الفضاءات ووسائل التواصل بأنواعها، تضاعفت مع ظهور مصابين في دول عديدة حول العالم، وأصبح الأمر أكثر تأثيراً وإثارة للخوف بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية كورونا وباءً عالمياً، وحثّت الحكومات أجهزتها ومراكز أبحاثها للعمل على إيجاد حلول علاجية، فيما أقدمت كثير من الدول على اتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة الوباء وصلت إلى إغلاق البلاد بشكل تام، ما عطّل الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وأرهب المجتمعات، حتى أصبح فيروس كورونا التحدي الأعظم الذي يواجه البشرية جمعاء.
وقد قال الأطباء والمختصون في علوم الأوبئة إن فيروس "19 COVID" انتقل من الطيور إلى الإنسان، ليستقرّ في جهازه التنفسي، وإنه قادر على التحول إلى أشكال جديدة، وبالتالي امتلاك قدرة أكبر على الانتشار.
في هذا المضمار، برزت توجهات وتحليلات كثيرة تحاول تفسير ظاهرة كورونا، وتطرح تصورات لمآلات الأمور على المستويات كافة، إذ قدم البعض تفسيرات دينية ترى في الوباء عملاً إلهياً (عقاباً أو ابتلاء)، ورآه آخرون رداً من الطبيعة على تغوّل الإنسان عليها.
واستندت تحليلات أخرى إلى نظرية المؤامرة التي تحتمل الكثير من القراءات والتصورات المحتملة والممكنة، فرأى البعض أن الولايات المتحدة تقف خلف الأزمة، وأنها صنًّعت الفيروس ونقلته إلى الصين لضرب اقتصادها.
واعتبر آخرون أن الفيروس صيني المنشأ، استطاعت الصين السيطرة عليه، ومن ثم توظيفه لأهداف ومصالح خاصة، في إطار الصراع بينها وبين الولايات المتحدة على سيادة العالم.
لسنا بصدد تفنيد مجمل التوجهات والآراء التي حاولت تفسير الظاهرة وتطوراتها، سواء ظهر الفيروس في إطار طبيعي أو تم تصنيعه في سياق الحرب البيولوجية، وهو ما يصعب التحقق منه في الوقت الحاضر، وخصوصاً أن المستويات السياسية تصدّر للعالم ما تريد أن يعرفه العامة من أخبار ومعلومات، كما أن الأمر يكتنفه الكثير من السرية.
وأياً كان التصور الأقرب إلى الحقيقة والمنطق، يمكن القول إن النظام الدولي بعد كورونا ليس كما قبله، وإن تحولات كبرى ستطال العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
هذا الأمر مؤكد، فالنظام الدولي الأحادي القطبية، الذي تجسّد عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، بزعامة منفردة للولايات المتحدة الأميركية، دخل مرحلة التحول الفعلي مع بروز الصين وروسيا كقوى عالمية لا يمكن احتواؤها أو كسرها، في ظل التفاهم الكبير بين هذين البلدين في مواجهتهما ورفضهما الهيمنة الأميركية على العالم بكل مستوياتها، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. هذه الرؤية يتفق معها الكثيرون من المفكرين وأصحاب الرأي.
إن أزمة كورونا وما تفرزه من مؤشرات خطيرة، تبرهن على هشاشة النظام الدولي الراهن، وعدم قدرته على حفظ الأمن للبشرية اجتماعياً واقتصادياً، وأيضاً سياسياً، فالتراجع الكبير والسريع في قدرة الولايات المتحدة وإمكانياتها لقيادة العالم أصبح واضحاً.
وقد كشفت جائحة كورونا حجم الكارثة التي أفرزتها السياسات الرأسمالية المتوحشة التي انتهجتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي سيطرت عليها النزعة النفعية من دون النظر في صالح البشرية.
وها هي الولايات المتحدة التي تقارب ميزانيتها العسكرية 800 مليار دولار تواجه كساداً اقتصادياً أشبه بالكساد الكبير الذي شهدته أواخر عشرينيات القرن الماضي، وتقف عاجزة عن ضمان الأمن الصحي لمواطنيها. في المقابل، تقدم الصين -التي طالها الوباء أولاً- المساعدة لكثير من الدول في مواجهة الوباء المميت.
بناء عليه، يمكن القول إن الوباء أصبح تحدياً يواجه العالم أجمع، ويضرب بقوة مصالح القوى الكبرى، رغم شدة ترابطها، ما سيؤدي إلى تحولات جذرية على مستوى الاقتصاد العالمي وما يرتبط به من مخرجات جيوسياسية متعلقة بطبيعة النظام الدولي وشكله وأقطابه ومؤسساته.
لذلك، إن القوى والتكتلات التي ستستطيع الصمود في وجه هذا التحدي بأقل خسائر أو تتغلّب عليه، سوف تتصدر المشهد السياسي الدولي.
وحتى انكشاف أسراره، فإن الدول الكبرى تحاول توظيف فيروس كورونا وتأثيراته الاقتصادية كأداة فاعلة في صراعها المستمر مع خصومها، من خلال تقليل الخسائر وتعظيم مكاسبها الاقتصادية والسياسية والأخلاقية. ويبرز ذلك من خلال تعاطي الصين مع الجائحة وتقديمها المساعدات والخبرات للدول المنكوبة، واضعة مصلحة الإنسانية في مقدمة أولوياتها.
يبدو أن جائحة كورونا جاءت كي تبرز الصين تفوقها الأخلاقي، بعد أن أبرزت قوتها الاقتصادية والتكنولوجية، في مقابل التراجع الأميركي والأوروبي الواضحين على المستويات كافة، وهو ما يعني أن النظام الدولي دخل مرحلة إعادة تبلور، وسيكون للصين وحلفائها الدور الرئيس في إعادة ترتيبه.