الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تقدير استراتيجي: فلسطين: تداعيات الكورونا في ظل الاحتلال الإسرائيلي

تاريخ النشر : 2020-04-08
 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
 من إعداد أستاذ العلاقات الدولية وخبير الدراسات المستقبلية الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي.


ملخص:

يضع الانتشار العالمي لوباء كورونا (كوفيد 19) الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات ومخاطر كبيرة. فبلدان العالم جندت كافة إمكاناتها الصحية والاقتصادية والتعبوية، ووضعت كل منها ميزانيات هائلة في مواجهة الوباء. أما السلطة الفلسطينية فهي تعاني من ضعف مروعٍ في الإمكانات، ومن تحكّم الاحتلال بالمنافذ البرية والبحرية والجوية، وبالصادرات والواردات، كما يعاني قطاع غزة من حصار خانق يمنع عنه أبسط احتياجاته وحقوقه الإنسانية. وبالرغم من تفشي الوباء ومخاطره على الشعب الفلسطيني، فإن الاعتبارات الأمنية تظل هي الحاكمة والحاسمة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وليس الاعتبارات الإنسانية وغيرها.

لم يصل انتشار الوباء في الوسط الفلسطيني حتى هذه اللحظة إلى حالة حرجة، وما زال الفلسطينيون يتدبرون أمورهم ضمن إمكاناتهم المتاحة؛ غير أن احتمالات تفشي الوباء تبقى قائمة؛ وبمعدلات خطيرة متسارعة (لا قدر الله) خصوصاً في المناطق المكتظة في قطاع غزة. وهو ما يستدعي مزيداً من الدعم للشعب الفلسطيني، ومزيداً من الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي.

مقدمة:

إذا كانت دول العالم المستقلة وذات السيادة على أراضيها تخوض معركة صحية وسياسية واقتصادية واجتماعية شرسة ومرهقة لمواجهة مخاطر تفشي وباء الكورونا، فإن المجتمع الفلسطيني يصارع تفشي الكورونا ضمن قيود الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعلو الاعتبار الأمني الإسرائيلي بكافة أشكاله على الاعتبار الإنساني في التعامل مع مواجهة الفلسطينيين للوباء.

أولاً: الواقع القائم في فلسطين:

أ. الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة:

طبقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية المعتمدة على بيانات مكتبها في الأراضي المحتلة، فإن آخر المعطيات عن مدى تفشي وباء الكورونا هي على النحو التالي:

جدول 1: تفشي وباء الكورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 خلال الفترة 5/3-3/4/2020 [1]


ويدل الجدول على الظواهر التالية:

1. على الرغم من أن عدد سكان الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال يعادل حوالي 1.5 ضعف عدد سكان قطاع غزة، إلا أن عدد الإصابات في مناطق الاحتلال في الضفة الغربية تعادل أكثر من 13 ضعفاً لعدد الحالات في غزة، على الرغم من أن الكثافة السكانية في القطاع أعلى منها في الضفة الغربية بحوالي عشرة أضعاف، كما أن الهرم السكاني في الجانبين ليس متبايناً بشكل له دلالة إحصائية، وهو ما يعني أن المتغير الفارق بين المنطقتين هو متغير الاحتلال، كما سنبين ذلك كمياً.

2. عند المقارنة بين البنية التحتية للقطاع الصحي في الضفة الغربية حيث الاحتلال المباشر، نجد أن عدد الأسرَّة المزودة بجهاز التنفس الصناعي في القطاع الحكومي (السلطة الفلسطينية) يشكل 27.23% من إجمالي الأسرَّة، بينما نجد النسبة في قطاع غزة 72.41%، على الرغم من أن الظروف الاقتصادية للحكومة الفلسطينية أفضل منها في غزة.

3. يلاحظ أن المناطق الفلسطينية بشكل عام التي فيها حالات أكبر هي المناطق التي فيها احتكاك أكثر بالمجتمع الإسرائيلي والمستوطنين، ففي قطاع غزة حيث الاحتكاك قليل للغاية وصل مجموع الحالات إلى 12 فقط وهو ما يعادل 7% من مجموع الحالات، بينما 93% في الضفة الغربية. وهو أمر لا يتسق مع فارق العدد الكلي بين السكان في المنطقتين، كذلك فإن أكبر تجمع استيطاني في الضفة هو في القدس الشرقية، وفيها أكثر من خمسة أضعاف عدد الحالات في قطاع غزة، وهو ما يعزز العلاقة بين زيادة الإصابات وبين القرب من التجمعات الإسرائيلية.

ب. الوضع داخل الخط الأخضر (1948) “إسرائيل”:
يمكن توضيح انتشار الكورونا في المجتمع الإسرائيلي من خلال الجدول التالي:

جدول 2: مؤشرات تفشي الكورونا في “إسرائيل” حتى 6/4/2020 [2]


بمراجعة إيقاع انتشار الوباء في المجتمع الإسرائيلي، يتضح أن التصاعد الواضح في الأعداد بدأ بعد منتصف آذار/ مارس من العام الحالي، ويلاحظ من تحليل البيانات المتوفرة ما يلي:

• معدل الوفيات يتقارب مع معدلات الوفيات الأوروبية.
• أن هناك علاقة بين ارتفاع معدلات الإصابة وبين التجمعات السكانية للمتدينين خصوصاً “الحرديم”. [3]

ج. دور الاحتلال في ارتفاع نسب الإصابات في الضفة الغربية مقارنة بقطاع غزة:

لا بدّ من رصد السياسات الإسرائيلية في التعاطي مع ظاهرة الكورونا في الضفة الغربية، خصوصاً أن الضفة مقسمة إلى ثلاث مناطق (أ، وب، وج) وتخضع المنطقة ج، التي تشكل أكثر من 60%، لسلطات الاحتلال إدارياً وعسكرياً، بينما تتقاسم السلطة الفلسطينية الصلاحيات مع الاحتلال في المنطقة ب، وتنفرد بالسلطة في المنطقة أ، وهو ما يعني أن الحركة والتنقل والتجمعات مرتبط في كل المناطق بالطرف الإسرائيلي، وهو ما يظهر في المؤشرات التالية التي رصدها مكتب منظمة الصحة العالمية: [4]

1. القيود الإسرائيلية على الحركة لكل من المرضى والطواقم الطبية:

‌أ. عسر الوصول للمرافق الصحية الفلسطينية بسبب الإجراءات الإسرائيلية:

يشير تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2018 إلى أن معدل العمر في أراضي 1967 هو 73.9 سنة مقابل 82.5 في “إسرائيل”، كما أن نسبة وفيات الرضع في الضفة والقطاع ستة أضعاف النسبة في “إسرائيل” (20.9 مقابل 3.6 لكل ألف مولود)، أما معدل وفيات الأمهات بعد الولادة أو في أثناء الحمل فهو 9 أضعاف (27 بالمئة ألف في الضفة وغزة مقابل 3 في “إسرائيل”). وتعلل منظمة الصحة السبب الرئيسي في هذه الفوارق الكبيرة “بصعوبة توفر الخدمات الطبية أو صعوبة الوصول لها”.

ولتوضيح ذلك، نشير إلى أن 9.4% من سكان الضفة هم خلف جدار الفصل العنصري الذي أقامته “إسرائيل”، وهو ما يعيق وصول المرافق الصحية الفلسطينية لهؤلاء السكان، فإذا أضفنا لذلك أن أكثر من 60% من الضفة الغربية تخضع للسلطة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، فإن صورة التنقل للطواقم الصحية الفلسطينية تزداد قتامة، كما أن هناك حوالي 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية تعدُّهم “إسرائيل” مجرد “مقيم دائم”، وهو ما يعرضه للتمييز ضده في أولويات الرعاية الصحية من قبل المرافق الإسرائيلية.

‌ب. مشكلة الحصول على تصاريح الانتقال للعلاج:

هناك أكثر من 100 شكل من أشكال التصاريح الإسرائيلية للحصول على إذن بالانتقال للعلاج، تشمل القيود على حركة المريض أو المرافقين له أو الكوادر الطبية، وتواجه وزارة الصحة الفلسطينية حواجز كبيرة أمام ضمان وصول الرعاية الصحية في الوقت المناسب، فلو أخذنا المنطقة ج التي تسيطر عليها “إسرائيل” فإن 35% (114 ألف نسمة) من سكان المنطقة يعتمدون على العيادات الصحية المتنقلة. ومع نهاية سنة 2018، كان هناك 15 عيادة صحية متنقلة تعمل في المنطقة ج، علماً أن إجمالي سكان المنطقة يصل إلى حوالي 300 ألف، أي أن كل عيادة متنقلة واحدة تخدم 20 ألف مواطن فلسطيني، مع الأخذ في الاعتبار أن حركة العيادة المتنقلة ليست متاحة دائماً، طبقاً للإجراءات الأمنية الإسرائيلية.

وفي قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون قيوداً شديدة في الدخول والخروج منذ بدء الحصار براً وبحراً وجواً في سنة 2007، فالخروج للأفراد من غزة يمر عبر معبرين هما معبر بيت حانون/ إيريز شمالاً، ومعبر رفح إلى مصر في الجنوب، ويتبين من تقارير منظمة الصحة العالمية لسنة 2018 أن 70% من الحالات المرضية في غزة كانت بحاجة إلى الوصول عبر بيت حانون/ إيريز للمستشفيات في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية و”إسرائيل”، لكن نسبة من حصل من سلطات الاحتلال على تصريح للعلاج هو 61% من مجموع المرضى (أي أن حوالي 40% لم يتمكن من الحصول على العلاج في سنة 2018)، وهو ما تعده منظمة الصحة من أدنى مستويات الرعاية الصحية على المستوى العالمي، بل إن فترة الحصول على تصاريح العلاج امتدت من 10 أيام سنة 2017 إلى 23 يوماً، وهي فترة كافية لتعرض المريض للخطر خصوصاً في حالة مثل حالات الكورونا التي تصل حضانة الفايروس فيه إلى مدى أقل بكثير من مدة الحصول على التصريح وليس الوصول للعلاج.

فمثلاً دلت دراسة المنظمة العالمية أن تأخر مريض السرطان عن الوصول للعلاج الكيماوي أو العلاج الاشعاعي لمدة بين 10-23 يوماً (كما هو الحال في الحصول على تصاريح علاج لقطاع غزة في الضفة أو “إسرائيل”) مما يضاعف الخطورة 1.45 مرة ضعفاً على حياة المريض.

وعلى الرغم من أن فلسطين منضمة إلى 97 اتفاقية دولية أو بروتوكول دولي خلال الفترة من 2014-2019، منها اتفاقيات ذات صلة بالحق في الحصول على أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، إلا أن فاعلية هذه الاتفاقيات محدودة للغاية، بسبب السياسة الإسرائيلية التي تجعل من العامل الأمني يعلو على العامل الإنساني.

‌ج. كثافة نقاط التفتيش الأمنية الإسرائيلية الثابتة والمتحركة (أو ما يسمى الحواجز الطائرة): [5]

تقدر منظمة الصحة العالمية عدد حواجز التفتيش الثابتة في الضفة الغربية بـ 140 حاجزاً، وعدد الحواجز المتحركة أو المتنقلة بـ 2,245 حاجزاً في سنة 2018، وهو ما يعني أن كل 2.3 كم2 هناك حاجز أمني إذا عملت هذه الحواجز بكامل طاقتها، وهو ما يشكل شللاً بنسبة عالية ليسر انتقال المريض من مكان لآخر، بل إنه تم تسجيل حالات وفاة لمرضى على الحواجز الأمنية.

‌د. مشكلات العمال الفلسطينيين في “إسرائيل” أو المستوطنات في الضفة الغربية: [6]

تقدر منظمة العمل الدولية عدد العاملين في “إسرائيل” وفي المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بحوالي 117 ألف عامل، منهم نحو 29,795 عامل يعملون في المستوطنات بتصاريح أمنية، ويحتك هؤلاء بالأفراد الإسرائيليين، مما يجعلهم عرضة لنقل الفيروس لداخل المستوطنات أو لجلبه معهم من المستوطنات إلى أماكن عيشهم، لا سيّما أن عدد المستوطنين يصل إلى حوالي 800 ألف مستوطن بما فيها القدس الشرقية، ويتوزعون ما بين 145-150 مستوطنة. [7]

ثانياً: الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال:

ناشد الصليب الأحمر الدولي في بيان له سلطات الاحتلال تخفيف عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون نظراً لاحتمالات انتقال فايروس الكورونا بينهم، وتدل الكثير من الدراسات أن المصاب بالكورونا يُعدي 2.8 فرداً آخر. [8] فإذا علمنا أن عدد السجناء يصل إلى نحو 5,700، وأن بعض السجون تضم 400 سجين في مكان واحد، فإن احتمالات انتقال الفيروس بينهم عالية لا سيّما أن 90% منهم في أوضاع صحية تجعل من مناعتهم في حدها الأدنى، نظراً لقسوة الظروف الصحية والغذائية التي يعيشونها. [9] فإذا ثبتت صحة بعض التقارير التي أشارت إلى إصابة عدد من الأسرى بالكورونا، فإن المخاطر على بقية الأسرى تتصاعد بشكل كبير. [10]

ثالثاً: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر:

تقدمت هيئات مدنية فلسطينية في “إسرائيل” للجهات الرسمية الصحية الإسرائيلية بشكوى من القصور في تعميم فحوصات الإصابة بفايروس كورونا خصوصاً بين الفلسطينيين في مناطق 1948، وأشارت رابطة حقوق المواطن الفلسطيني في “إسرائيل” إلى أن الموارد الصحية مقتصرة على المدن الإسرائيلية حصراً دون المدن والبلدات الفلسطينية، فحتى نهاية آذار/ مارس 2020 كان مجموع الإصابات المكتشفة في المدن الإسرائيلية هي 3,865 حالة لم تشتمل إلا على 38 حالة بين الفلسطينيين على الرغم من أنهم يشكلون حوالي 20% من سكان “إسرائيل”. وتتذرع السلطات الإسرائيلية بأن العرب “يتحرجون من الإقبال على الفحوص نظراً لآثارها الاجتماعية عليهم”، وهو أمر رفضته الرابطة.

ومعلوم أن تبني “إسرائيل” للقانون الصادر في تموز/ يوليو 2018 باعتبار “إسرائيل” “دولة قومية للشعب اليهودي”، جعل أولوية الرعاية لليهودي، وهو ما يتضح في إحجام الفرق الطبية وسيارات الإسعاف الإسرائيلية عن التوجه للتجمعات العربية، كما هو الحال بشكل واضح في النقب. [11]

التداعيات المستقبلية على الموضوع الفلسطيني:

أولاً: التداعيات الطبية:

نظراً لنقص البيانات والقيود الأمنية والإدارية غير العادية التي أشرنا إليها، ونظراً للتمييز في التعامل الإسرائيلي (طبقاً لمنظمة الصحة العالمية) بين الفلسطينيين والإسرائيليين في إجراء الفحوص وتوفر الأسرة في المستشفيات للعلاج، فإن تطبيق بعض النماذج للتنبؤ ممكنة لـ”إسرائيل” لتضع خطط المواجهة للوباء، بينما قد يكون الأمر عسيراً للفلسطينيين حتى في تطبيق أبسط النماذج مثل نموذج أس أي آر SIR للتنبؤ بتفشي المرض. [12] وعليه تصبح إجراءات الوقاية والسيطرة على انتشار الوباء أكثر تعقيداً، وهو ما يجري حالياً.

ذلك يستدعي جهداً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً إضافياً لدفع المؤسسات الدولية إلى المسارعة لتقديم قدر كبير من المساعدات، إلى جانب الضغط المتواصل على “إسرائيل” لرفع القيود التي أشرنا لها في بداية هذه الدراسة.

غير أن وجود “إسرائيل” في حالة “حكومة تصريف أعمال” يجعل فاعليتها أقل من حكومة مستقرة، والخشية أن تزيد “إسرائيل” من القيود على الفلسطينيين بحجة منع انتقال الفيروس لها، بينما تتركه يستفحل خصوصاً في قطاع غزة، وهو أمر قد يشكل عنصراً ضاغطاً على المقاومة الفلسطينية في غزة، مما يفجر أزمة مع “إسرائيل” تتحول لفعل عسكري خصوصاً إذا خرج الوباء عن السيطرة.

ويبدو أن “إسرائيل” تدرك بأن تعقيدات الواقع قد تدفع لاضطرابات في الضفة الغربية لنجدة غزة في حالة ما إذا تركت “إسرائيل” الوباء يتفشى دون أن تخفف من قيودها على القطاع والضفة. كذلك فإن هذا التوجه الإسرائيلي قد ينطوي على جانب أخلاقي سيعرض “إسرائيل” لانتقادات دولية واسعة، وهو ما يقود “إسرائيل” لمحاولة التوفيق بين اعتباراتها الأمنية وصورتها الأخلاقية الدولية، لكن التجارب التاريخية السابقة تشير إلى أن أولوية المتغير الأمني في “إسرائيل” يعلو على أي متغير آخر، مما يعزز المخاطر على الحالة الصحية الفلسطينية، وربما تحاول “إسرائيل” في عملية التوفيق بين المتغير الأمني والصورة الدولية لها ربط بعض التخفيف، خصوصاً مع غزة بموضوع الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة.

ثانياً: التداعيات السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية على “اسرائيل” وفلسطين: [13]

نظراً لتوقف نسبة عالية من المصانع والنشاطات التجارية وعمليات النقل بأشكاله المختلفة (جوية، وبرية، وبحرية)، وترافق مع ذلك هبوط حاد في البورصات وتراجع في أسعار الأسهم والسندات، وامتدت الأزمة إلى صراع بين بعض دول الأوبك وروسيا، مما انعكس على أسعار البترول، كل ذلك ترك آثاره على الاقتصاديات الوطنية والإقليمية والدولية من خلال تراجع معدلات النمو، وارتفاع نسب البطالة، والتوجه نحو انكماش اقتصادي حاد. ويكفي التوقف أمام المؤشرات التالية:

‌أ. تراجع قيمة الأسهم في البورصات العالمية بمعدل حوالي 25%.

‌ب. حوالي مئة دولة أوقفت الرحلات الجوية مما شل السياحة أو فرضت قيوداً عليها. وهو ما أدى إلى تراجع عدد الرحلات اليومية على مستوى العالم، من حوالي 180 ألف رحلة يومياً إلى 75 ألف رحلة عند منتصف الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل.

‌ج. تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وطبقاً لبعض الدراسات، فإن معدل النمو لبقية سنة 2020 سيكون في أوروبا (أقل من 1%)، وفي الولايات المتحدة (أقل من 2%)، وفي الصين (أقل من 5%)، وفي إجمالي دول العالم (نحو 2.5%). [14]

‌د. ولمواجهة هذه التداعيات وعدت مجموعة العشرين بضخ 5 تريليون دولار، لإعادة تنشيط الاقتصاد بعد السيطرة على تفشي الوباء. [15]

وسيكون لهذا الزلزال الاقتصادي تداعياته على الجانب الفلسطيني من خلال:

‌أ. احتمال تراجع قيمة المساعدات الدولية والإقليمية.

‌ب. تزايد التضييق على وكالة الأونروا، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور من خلال الاستغناء عن مئات المعلمين الفلسطينيين، والشكوى من عدم تلقي مرافق الوكالة ما يكفي لمواجهة الكورونا. [16]

‌ج. تزايد نسب الفقر والبطالة على الأقل في المدى الزمني المنظور، بسبب الإجراءات الإسرائيلية، واحتمال انخفاض تحويلات العاملين الفلسطينيين في الخارج. وتعتقد الدوائر الرسمية الفلسطينية أن استمرار الكورونا للشهور الست القادمة سيكلف الاقتصاد الفلسطيني حوالي 3 مليار دولار. [17]

أما الاقتصاد الإسرائيلي، وطبقاً للتقديرات الرسمية، فإنه قد يعرف تراجعاً في إجمالي الناتج المحلي بحوالي 6.5 مليار دولار، وتراجع معدل النمو الاقتصادي بحوالي 3%، وهو ما يعني خسارة إجمالية تصل إلى نحو 12 مليار دولار مع نهاية السنة الحالية. [18]

إن هذه التداعيات مرهونة بشكل كبير بعمر أزمة الكورونا، وكلما طال عمر الأزمة، فإن هذه التداعيات ستصبح أكثر وطأة، وهو ما قد يمهد لعدم استقرار سياسي واجتماعي أوسع، خصوصاً أن دوافع الهجرة والنزوح لم يعد مغرياً نظراً لشمولية أوزار ظاهرة الكورونا.

التداعيات السياسية:

1. نظراً لعمق الآثار الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم، فإن أغلب الدول، إقليمياً ودولياً، ستنكفئ داخلياً لمواجهة آثار أزمة الكورونا، خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً مثل أوروبا والولايات المتحدة والصين، وهو ما قد يلقي بظلاله على مستوى العناية بالموضوع الفلسطيني سواء في المؤسسات الدولية السياسية أم القانونية، وقد تستغل “إسرائيل” هذا الانصراف الدولي نحو الشأن الداخلي لتوسيع دائرة الاستيطان، والعمل على توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية وغيرها، تحت ذريعة التعاون لتنقية “البيئة الصحية الإقليمية والدولية”.

2. قد تجد دول عربية فترة ما بعد “الوباء” فرصة تحت ذرائع عديدة (إنسانية واقتصادية) لتعميق التطبيع مع “إسرائيل”، خصوصاً أن هذه الدول في غالبها بترولية، وستسعى لتعويض خسائرها الناجمة عن الوباء بغض النظر عن سبل ذلك.

3. لكن استمرار الوباء لفترة طويلة قد يقود لحالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهو أمر سيفتح الباب للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لتكييف الاضطراب لصالحه، وهو ما يستدعي من الطرف الفلسطيني أن لا يستبعد هذا الاحتمال، فقد ينتقل الاضطراب إلى الداخل الفلسطيني تحت ضغوط مجتمعية خصوصاً في قطاع غزة والضفة الغربية.

4. يشير التاريخ المعاصر للمنطقة العربية إلى أن ضعف الأنظمة السياسية، وهو احتمال وارد في الفترة القادمة خصوصاً إذا طالت الأزمة، قد يفتح المجال لنشوء تنظيمات سياسية جديدة وقد يكون بعضها مسلحاً، وهو ما قد ترى فيه “إسرائيل” فرصة من ناحية، وتهديداً من ناحية أخرى، خصوصاً إذا جرى ذلك في دول الجوار لفلسطين.

5. لا شك أن موضوع كورونا سيسهم بقدر أو آخر في التأثير على احتمالات فوز أو خسارة ترامب للانتخابات القادمة، فإذا استمرت الأزمة واشتدت حدتها فقد يتم التمديد له كما حصل مع الرئيس فرانكلين روزفلت (بسبب عواقب فترة الكساد الكبير وتلتها فترة الحرب العالمية الثانية)، لتمكين الدولة من مواجهة الأزمة. وبالمقابل، فإن فشله في التعاطي مع الأزمة بشكل ناجح كما حدث في بداية الأزمة قد يؤدي لخسارته إلى جوانب عوامل أخرى.
وعليه، فإن “صفقة القرن” قد تواجه عقبات لتنفيذها خصوصاً أن أهم آليات هذه الصفقة هي “الإغراءات المالية” التي قد لا تتوفر في الفترة القصيرة القادمة.

6. قد يؤدي تفشي الكورونا في الضفة الغربية إلى إضعاف وتيرة الاستيطان فيها خصوصاً إذا تحسنت الظروف في أراضي 1948. أما إذا جرى العكس (تزايد التفشي في “إسرائيل”)، فقد تزداد وتيرة الاستيطان في الضفة نتيجة الفارق في مستوى تفشي الكورونا بين المنطقتين.

7. إذا تفشى الكورونا في داخل “إسرائيل” بشكل كبير، فإن احتمالات الاضطرابات الاجتماعية في “إسرائيل” قد تزداد بين الثقافات الفرعية (أسود/ أبيض، شرقي/غربي،…إلخ)، من ناحية إلى جانب الصراعات بين المتدينين والعلمانيين، ومن ناحية أخرى خصوصاً أن الفكرة السائدة في “إسرائيل” هي أن الحريديم لديهم نسبة أعلى من الإصابات بسبب ما يراه العلمانيون الإسرائيليون “تزمتاً دينياً”، وقد يتعرض الفلسطينيون داخل الخط الأخضر لاحتمالات الضغط السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إطار هذه الاضطرابات.

8. قد يقود اتساع نطاق انتشار الوباء عالمياً إلى التضييق على سياسات الحصار والمقاطعة خصوصاً التي تقودها الولايات المتحدة، وقد تكون إيران من ضمن الدول التي تستفيد من هذا الجانب، وهو الأمر الذي يشكل انتكاسة للتوجهات الإسرائيلية في السعي لمزيد من التضييق على إيران.

تدعي وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك تنامياً في نزعة معاداة السامية في أوروبا، وأن هناك محاولة لعقد المقارنات بين الكورونا الحالي وبين الطاعون في القرن الرابع عشر، والذي توجهت التهم فيه نحو اليهود، ولعل ذلك يخفي الشعور الإسرائيلي بأن التغير في توجهات الرأي العام الدولي تجاه “إسرائيل” سابق بفترة كافية على موضوع الكورونا، لكنها ستعمل على توظيف هذا الأمر في هذا الاتجاه للتضييق على التوجهات المجتمعية الأوروبية خصوصاً المعادية للسياسة الإسرائيلية. [19]

الخاتمة:

يمكن القول بأن القضية الفلسطينية قد تواجه في المرحلة القادمة واحدة من أعسر الفترات في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، خصوصاً إذا طالت فترة السيطرة على ظاهرة الكورونا. ومن الضروري الإسراع بإعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية، ومن الضروري تجاوز ما يسميه فرويد “نرجسية الفروق الصغيرة” لبناء قدر أعلى من السياسات التكاملية بين قطاع غزة والضفة، ولعل تجاوز طرفَي المعادلة السياسية في “إسرائيل” (بني جانتس ونتنياهو) خلافاتهما باتجاه حكومة وحدة وطنية، يمثل درساً على تغليب المصالح الاستراتيجية العليا، ولو كان الدرس من العدو نفسه.

الهوامش:

[1] World Health Organization (WHO), occupied ?

 /[3] The Jerusalem Post newspaper, 3/4/2020, https://www.jpost.com/Diaspora/Brooklyns


[5] WHO occupied Palestinian territory, Right to Health 2018.

relconf/documents/meetingdocument/wcms_554441.pdf[7] Report of the Director-General, The situation of workers of the occupied Arab territories, International Labour Conference, Geneva, 106th Session, 2017; and BBC, 18/11/2019.





[12] يقوم النموذج على تقسيم المجتمع المراد دراسته إلى 3 مجموعات (S= susceptible/ I= infectious/ Removed=R) (المعرضون للإصابة/ المعديون/ الخارجون (بالموت او الشفاء)؛ على أن يتم دراسة الأعداد وتغيرها للأقسام الثلاثة خلال فترة محددة تم إسقاط اتجاهات التغير على المستقبل. لمزيد من التفاصيل، انظر:
Anatoliy Swishchuk and Mariya Svishchuk, “Endemic SIR model in random media with applications,” site of The MedCrave, 13/3/2018, 



five-quarter-life-crisis/[16] موقع فلسطين أون لاين، 27/3/2020؛ ووكالة قدس برس إنترناشيونال للأنباء، 2020/3/25.[17]

 صحيفة القدس، 2/4/2020.[18]



 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف