الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأم أو بناتها؟! بقلم: حسين المناصرة

تاريخ النشر : 2020-04-08
الأم أو بناتها؟! بقلم: حسين المناصرة
الأم أو بناتها؟!
قصة قصيرة، بقلم: حسين المناصرة
سوء حظّه أخرجه من البيت الساعة التاسعة مساء، في ظلام ليلة حالكة السواد؛ كي يشتري سجائر من بقالة في الحارة المجاورة، لا يدخلها كثيرًا. كان كثير الالتفات إلى البيوت المضاءة ليلاً؛ لعله يظفر بخيال امرأة، تتلصص من نافذتها على الشارع ؛ فتراه ويراها... مجرد ملل مراهق يريد أن يطفئه عندما يخرج من وكره، غارقًا بين الكتب، يكتب بحثه، وأحيانًا يكتب منشورًا يوزع على خلايا التنظيم المعوق ؛ بيان يدين خروج المقاومة من بيروت...!!
كانت المدينة في تلك الليلة، ليلة الجمعة، بلا قمر، وكانت الشوارع خالية من المارة تمامًا، وأضواؤها مطفأة، وهو وحده في البيت، يقتل يأسه كل الأشياء البائسة من حوله...!

***
رفيقتي التي أحببتها بعذرية كاملة، لم أقبّلها طوال ثلاث سنين من الحب بالكلام لا أكثر ولا أقل، ثم تركتني لتقبل الكلب (سمير)، صاحبي الذي كنت أستهين به وبحقارته، وكنت أظنه لن يعشق امرأة يومًا ما؛ لقماءته، وسوء مساخته... لكنها تركتني، وكانت تنزوي معه تحت درج الكلية، يسترقان القبلات في خداع المارة، ويلتصقان كأنهما مخلوقان سياميان...!!
ثم تركتْ الكلب (سمير)!! تركتني وكتبت لي رسالة موقّعة باسمها المستعار، تؤكد لي أنها تحبني كحب الأفلام الهندية الباكية، وأنها لم ولن تعشق غيري، وتدعوني إلى الإسلام، وأن أترك الخرابيط الكفرية الإلحادية، وأنها لم ولن تحب الكلب (سمير)، ولكنها أرادت بذلك أن تبعدني عنها؛ لأنها خطبت، وستتزوج ابن خالتها، و أنها ستسمي ابنهما الأول باسمي.
لم أصدق حكاية (قاسم)، وهو يروي لي قبيل انفصالي العاطفي عنها، أو الأصح هجرها لي، أنها كانت تحب ابن جيرانهم قبل بداية حبها لي، تحبه في الحارة... وتحبني في الجامعة... مصلحة نفعية واعية، لا تريد أن تضيع وقتها!!
اعتقدت أنه كعادته يغار مني، بل كعادته الناقصة المتكوّنة في كونه أعرج وأحول وثقيل دم، وربما ظنّ أنه الأولى بها مني، فهي ابنة حارته، وكان عليها أن تحبه ما دام البيت بجانب البيت... ومن تحبه؟!! لكنني صدقته بعد انفصالنا، قصدي بعد أن هجرتني، وصارت تقبل الكلب (سمير) لإغاظتي، وكذلك تقبيل ابن الجيران فوق السطوح...ربما!! وأنا شاعر رومانسي ... والقبلة محرمة، تفسد الحب الشريف... ما أغباني!!
كنت أراها من بعيد؛ فأشتاق إليها.. والحقيقة أنني ندمت على سنواتي الثلاث التي أنفقتها معها حبًا بدون أن أتذوقها، وحينها لعنت العادات والتقاليد التي جعلت جوهري جبانًا، رغم جلدي الذي جعلته رغمًا عنه يساريًا، وما أن أحكه حتى تنز منه تلك الأخلاق العشائرية المنقوعة بماء الانضباط والخوف من الزلل، فهي لا تتسامح تجاه هتك الأعراض، حتى لو كان الهتك مجرد قبلة مسروقة على وجنة فتاة تحبك وتحبها... وها هي قد تركتني، وراحت تمارس قبلاتها مع الكلب (سمير) !! كم أنا غبي ... لقد ظننت أن الرومانسيّات تشدها إليّ، وتتمسك بي رغم ظروفي الرثّة... الحقيقة أنها أبعدتني عنها، ورمتني كما ترمى الأحذية البالية على المزابل، أو أعقاب السجائر تحت هذه الأحذية القمامية!!
أستحق أكثر من ذلك.. كان عليّ أن أقبلها في كل ظهيرة؛ كما كان يفعل صديقي الكلب (جمال) مع حبيبته الكلبة (ليلى)، وهما العاشقان اللذان يكملان حلقتنا الرباعية ..وكثيرًا ما كان يضع كتبه على بنطاله من الأمام ليخفي بقايا عشقه القذر.. وقد حذرني مرارًا من آخرة عذريتي مع حبيبتي... وها هي قد تركتني لتلتصق بصديق الكلب (جمال) الحميم... أعني الكلب (سمير)، الذي يبدو أنه تعلم من قرينه الشيطان (جمال) سر العلاقة الاحتكاكية البذيئة، فكان يأخذها إلى الزوايا المظلمة في القاعات... وصرت أنا يتيمًا.. بل كالمطلقات!!
أكلني فكري بها.. إنها لم تغب لحظة عن بالي ... قلت لها : كان بإمكاني أن أنتهك عرضك ... لكنني كنت أحبك... ولكن ظروفي صعبة... ولا أستطيع الآن أن أخطبك!! كان التنظيم اليساري يؤهلني في كل لحظة للاعتقال والسجن .. كان شعارنا: "نحو وطن يساري ديموقراطي "... هذا الشعار كفيل أن يقطع رؤوسنا...!! لكن العشائرية تكفلها!!
وكانت الدولة أرحم منا على أنفسنا... قالوا لي: نريدك معنا في الدولة، نريدك أن تكون ابن الدولة... وإن شاء الله تصل إلى رئاسة الوزراء... وخليك يساري كما تحب ...رفضت عرض الدولة.. رفضت الرجعية.. وكنت رجعيًا في الصميم لأنني لم أقبّلك يومًا... لم أضمك إلى صدري خلسة وأنا من شاهد مئات الأفلام في السينما، وخاصة سينمات العرض المتواصل في المدينة العاصية.
ضحك المحقق كثيراً من الرسالة التي كتبتها إليّ.. وقال لي:" أنت فشلت مع حبيبتك... فكيف ستنجح في هدم الدولة لبناء الوطن اليساري الديمقراطي البديل...؟! أعطاني سيجارة... وقال: " حتى السيجارة تسيطر عليك!!". يا لك من فاشل!! نريد أن نجعلك "زلمة قد حالك من رجالات الدولة"...لكنك تصر على أن تبقى في حضيض البروليتاريا الرثة... خليك في الحضيض مع عرّة أصحابك!!

***
في هذا المساء الحالك السواد لم يرَ حوله غير العتمة... كان كرقاص الليل لا يراه أحد، وذاكرته لحبيبته التي هجرته في بئر بلا قاع تأكله حتى البقايا المحروقة... كم يشتاق إلى أن يلف يديه حول عنقها الدقيق، ويخنق ابتساماتها المونولوزية... يدرك أنها تحبه ... ولكنها اختارت غيره...
حتى الكلب (سمير)، كما وصفه، كان مجرد ممسحة للغيرة، اتخذته لتبعده عنها... وستتزوج ابن خالتها المهندس العائد حديثًا من غربته... يبدو أنها قد أحبته يومًا ما في مراهقتها؟!! ربما!!

***
في ذلك المساء، جاءتني صفعة جهنمية كأنها انفجار أحرق وجهي، فأدركت حينئذ أن الموت يأتي فجأة.. كان الرجل ضخمًا ..يمسك بزنارة رقبتي، ويوجه المسدس إلى رأسي، ومازلت غير مصدق أن صفعته لي لم تودِ بي إلى التهلكة والسقوط على الأرض...كأنه مارد يتحدث لصعلوك مثلي، رغم طولي الذي قد يتجاوزه، ويتفوق عليه:
- أمسكت بك يا كلب يا حقير، منذ عامين وأنا أترصدك ... سأقتلك... سأقتلك!!
تجمع الناس، أخذوا يمنعونه عن قتلي، وتخليص رقبتي ...
- اهدأ يا أبو زهير.. وحّد الله ...سلمه للشرطة..قتله لن ينفعك..اسجنه..
- يلعنك يا مجنون .. تضربني .. وترفع عليّ المسدس، أنا سأشكوك للشرطة.. وين الشرطة؟!
جروني كالكلب الأجرب إلى مركز الشرطة .. مضى يومان وليلتان، نمت فيهما على الأرض القذرة في غرفة "النظارة" الملوطة بكل قذارة؛ لأعرض في صباح يوم الأحد على المحافظ بتهمة" انتهاك حرمة البيوت"!!

***
قال المحافظ عريض الجثة، الذي تغوص رقبته في جثته القصيرة المكورة، بعد أن وضع يديه الضخمتين على الطاولة ... ورفع نظره إليّ، حيث أقف ذليلاً بملابسي المتسخة من روث "غرفة النظارة" بمركز الشرطة:
- طالب دراسات عليا في الجامعة، وتنتهك حرمة البيوت...؟! هل ذهبت إلى بيت الجيران من أجل الأم أو إحدى بناتها؟!
لم أستغرب هذا السؤال القذر، فما يعرف عن هذا المحافظ أنه سكير وزير نساء...ويسرق الأراضي بأرخص الأثمان تحت سقف المشاريع الوهمية..!!
- لا الأم، ولا البنات...
- سأسجنك شهرًا، كي تفكر في الإجابة، وتخبرني إن كان لك علاقة بالأم أو بناتها!!

***
ثلاث سنوات عذرية، لم أقبل حبيبتي التي كان بإمكانها أن تكون زوجتي لو صبرت بعض الوقت، ولم ترمني كما ترمى العظمة للكلاب... أي ذنب ارتكبته في حياتي ؛ كي اتهم بانتهاك حرمة البيوت الآمنة... الأم أو بناتها؟!.. حتى هذا الرجل المسخ البشع الذي صفعني ووضع المسدس في رأسي وأراد قتلي، هذه المرة الأولى منذ أربع سنوات سكنتها في هذه الحارة اللعينة التي أراه فيها، ولم أر يومًا امرأة من ذريته... ولم أر بيته في حياتي!!
بعد شهر سجن، لم يسألني المحافظ سؤاله اللعين، قال لي المحامي:
- اتفقت مع محامي الخصم على أن يتنازل عن القضية، في مقابل أن تتنازل أنت عن اتهامه بتهديدك بالمسدس؛ فقط قل للقاضي : إن الظلام لم يجعلك متأكدًا من أنه كان يحمل مسدسًا. وهو سيقول : ليس متأكدًا إن كنت أنت من هرب من حديقة بيته تلك الليلة...

***
ما زالت في ذهني تلك الحكاية عن ذلك الرجل الذي أخذ بثأره بعد أربعين عامًا..وقال له الناس: لقد استعجلت!!
بعد عشرين عاما، تفتلت في الحارة عدة مرات، لعلي أجد ذلك الرجل، وأصفعه على وجهه...
تجرأت .. وضغطت على جرس البيت .. ففتح لي طفل في العاشرة من عمره...
- أبو زهير موجود..
- جدي، زلمه على الباب..
كما هو تقريبًا...باستثناء زيادة في الشيب، واسوداد في الوجه، ...
- نعم .. ماذا تريد؟!
- ألا تذكر ذلك الطالب الجامعي؛ الذي صفعته، ووضعت المسدس في رأسه، وسلمته للشرطة، وسجنته، وسوّدت ملفه الأمني بانتهاك حرمة البيوت، وخففت الشرطة بعد ذلك هذه التهمة من انتهاك حرمة بيوت الجيران إلى زقر الحجارة على بيوت الجيران؟!
- هل تريدني الآن أن أستدعي الشرطة، لأسلمك لهم بحجة أنك تهجمت على بيتي، وتهددني بالسلاح...
- لا أهددك... ولا معي سلاح، كنت مارًا من هنا، وأحببت أن أذكرك بحكاية ظلمك، أرجو ألا تنساها... كنت مجرمًا..!!
- نسيتها!! يا زهير، اطلب الشرطة.
تركت بوابة منزله .. ومشيت في طرق الذاكرة!!

***
خمسة وثلاثون عامًا مضت...وما زال يتشوق لصفعة رعديه على وجه ذلك العجوز اليابس...
لكنه ربما مات... ظلوم جهول لا رحمه الله!!
...أما أنتِ فما زلت ذاكرتي.. فقد أحببتك... لكنك رميتِ حبي عظمة للكلاب المسعورة!! ربما متِّ ... وإن كان كذلك، فرحمك الله، وأدخلك فسيح جنانه!!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف