بسم الله الرحمن الرحيم
الجائحة والعولمة
بقلم / المهندس نهاد الخطيب *
لم يعد من المحتمل بل بات من المؤكد أن يترك وباء الكورونا تأثيراً سلبياً بعيد المدى على الاقتصاد العالمي، هذا إن لم يتطور هذا الأثر الى تغييرات هيكلية وبنيوية على هذا الاقتصاد. فلقد فرضت الجائحة على الحكومات وضع قيود على حركة المسافرين والبضائع وربما على مناطق الإنتاج والحركة التجارية بأكملها فضلاً عن عمليات النقل بين مراكز الإنتاج ومناطق التوزيع، من الطبيعي أن يؤدي هذا الى تباطؤ اقتصادي كبير والذي بدوره سيؤدي الى ركود وانحسار اقتصاديين لا يبدو انه من السهل الخروج منهما في وقت قصير.
الجائحة جعلت من غير الممكن وغير المنطقي الاعتماد على سلاسل إمداد معقدة، فالأجهزة والمعدات التي تُنتج أجزاؤها في أكثر من دولة ستصبح معرضة لأن يتعطل انتاجها إذا لم تتمكن دولة واحدة من الدول المشاركة في انتاج أجزاء الجهاز من الوفاء بالتزاماتها فما بالكم عندما تكون أجزاء المنتج الواحد تُنتج في عشرين دولة مثلاً وهذا رقم واقعي وممكن وليس مبالغةً.
النتيجة الطبيعية لهذا أن تُغير الدول اتجاهها بحيث تصبح أكثر اعتمادية على نفسها أو كما يقول السياسيون "الاتجاه الى الداخل ", وتوطن سياستها الإنتاجية والتجارية بشكل عام مما يعني عملياً التراجع عن الشكل التقليدي السائد للعولمة وهي فكرة اقتصاديةً أساساً ولكنها ذات أبعاد سياسية أخطر بكثير من أبعادها الاقتصادية.
حتى التضامن الإقليمي لم يعد ذا جدوى وقت الأزمة وبالتالي هو أقل جدوى في الأوقات العادية، فإيطاليا في بداية اصابتها بالوباء- الكارثة استغاثت بالدول الأوربية جاراتها وحليفاتها لمساعدتها طبياً، فلم تجد أي استجابة في حين أن الصين التي تُعتبر في المعسكر الأخر قدمت لها المساعدة بالكوادر الطبية المجربة وبالمواد الاغاثية الأخرى، ربما يضع هذا نهاية محتومة لفكرة التضامن الأوروبي والتي هي الأساس النظري التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
المستفيد من كل هذا هم الزعامات الشعبوية والانعزاليين والحمائيين، دعاة فرض مزيد من الحمائية الاقتصادية وهم موجودون في أغلب الدول تقريباً. في دول العالم الثالث الصغيرة والمتوسطة قد تسترد السيادات الوطنية أنفاسها وقليل من الثقة في نفسها بعد أن ينزاح عنها أو على الأقل تخف حدة الهجمة العولمية عليها التي كانت تستهدف السيادة الوطنية والاستقلالية الاقتصادية وأحلامها الوطنية بشكل عام وحقها أن تختار طريقا وتستفيد من إمكاناتها لحساب شعوبها وليس لحساب الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة.
يرحمكم الله
*ماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية
البريد الإلكتروني [email protected] .
الجائحة والعولمة
بقلم / المهندس نهاد الخطيب *
لم يعد من المحتمل بل بات من المؤكد أن يترك وباء الكورونا تأثيراً سلبياً بعيد المدى على الاقتصاد العالمي، هذا إن لم يتطور هذا الأثر الى تغييرات هيكلية وبنيوية على هذا الاقتصاد. فلقد فرضت الجائحة على الحكومات وضع قيود على حركة المسافرين والبضائع وربما على مناطق الإنتاج والحركة التجارية بأكملها فضلاً عن عمليات النقل بين مراكز الإنتاج ومناطق التوزيع، من الطبيعي أن يؤدي هذا الى تباطؤ اقتصادي كبير والذي بدوره سيؤدي الى ركود وانحسار اقتصاديين لا يبدو انه من السهل الخروج منهما في وقت قصير.
الجائحة جعلت من غير الممكن وغير المنطقي الاعتماد على سلاسل إمداد معقدة، فالأجهزة والمعدات التي تُنتج أجزاؤها في أكثر من دولة ستصبح معرضة لأن يتعطل انتاجها إذا لم تتمكن دولة واحدة من الدول المشاركة في انتاج أجزاء الجهاز من الوفاء بالتزاماتها فما بالكم عندما تكون أجزاء المنتج الواحد تُنتج في عشرين دولة مثلاً وهذا رقم واقعي وممكن وليس مبالغةً.
النتيجة الطبيعية لهذا أن تُغير الدول اتجاهها بحيث تصبح أكثر اعتمادية على نفسها أو كما يقول السياسيون "الاتجاه الى الداخل ", وتوطن سياستها الإنتاجية والتجارية بشكل عام مما يعني عملياً التراجع عن الشكل التقليدي السائد للعولمة وهي فكرة اقتصاديةً أساساً ولكنها ذات أبعاد سياسية أخطر بكثير من أبعادها الاقتصادية.
حتى التضامن الإقليمي لم يعد ذا جدوى وقت الأزمة وبالتالي هو أقل جدوى في الأوقات العادية، فإيطاليا في بداية اصابتها بالوباء- الكارثة استغاثت بالدول الأوربية جاراتها وحليفاتها لمساعدتها طبياً، فلم تجد أي استجابة في حين أن الصين التي تُعتبر في المعسكر الأخر قدمت لها المساعدة بالكوادر الطبية المجربة وبالمواد الاغاثية الأخرى، ربما يضع هذا نهاية محتومة لفكرة التضامن الأوروبي والتي هي الأساس النظري التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
المستفيد من كل هذا هم الزعامات الشعبوية والانعزاليين والحمائيين، دعاة فرض مزيد من الحمائية الاقتصادية وهم موجودون في أغلب الدول تقريباً. في دول العالم الثالث الصغيرة والمتوسطة قد تسترد السيادات الوطنية أنفاسها وقليل من الثقة في نفسها بعد أن ينزاح عنها أو على الأقل تخف حدة الهجمة العولمية عليها التي كانت تستهدف السيادة الوطنية والاستقلالية الاقتصادية وأحلامها الوطنية بشكل عام وحقها أن تختار طريقا وتستفيد من إمكاناتها لحساب شعوبها وليس لحساب الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة.
يرحمكم الله
*ماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية
البريد الإلكتروني [email protected] .