الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التحليل الجزئي لمؤشرات التنمية البشرية في الصين، يوضح أن النمو الاقتصادي

تاريخ النشر : 2020-04-07
التحليل الجزئي لمؤشرات التنمية البشرية في الصين، يوضح أن النمو الاقتصادي
التحليل الجزئي لمؤشرات التنمية البشرية في الصين، يوضح أن النمو الاقتصادي ولد متتالية هندسية من التحديات...

د.طارق ليساوي

في مقال" أهم ما يميز التجربة التنموية الصينية حرصها على تنمية الإنسان و المؤشرات الكمية توضح ذلك" أوضحنا أن الصين منذ بداية عهد الإصلاح و الانفتاح عام 1978، شهدت البلاد تحسنا جذريا في معظم العوامل الرئيسية المرتبطة بالتنمية البشرية خلال الفترة من 1990 إلى 2018 ، فقد إرتفع  متوسط العمر المتوقع بواقع 7 أعوام إلى 76 عام، وكذا ارتفاع سنوات التعليم المتوقعة بمعدل 5.1 عام إلى 13.9 عام.. كما أنها حققت تقدما كبيرا في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية،  و بعض هذه الأهداف، تم إنجازها قبل عام 2015 الموعد النهائي لتحقيق أهداف الألفية..ووفقا  للمؤشرات الكمية -الكلية- يمكن التأكيد على أن الصين حققت تقدما هائلا على المستوى التنموي، غير أن هذا التحليل الكلي  لن يساعدنا في تحديد صورة واضحة عن واقع التنمية البشرية في الصين، وذلك راجع بالأساس إلى وجود تفاوتات في مستوى التنمية بين المقاطعات الصينية : فالمقاطعات الساحلية هي أكثر نموا من المقاطعات الشرقية أو الغربية ، كما أن  المناطق الريفية هي أقل تنمية من  المناطق الحضرية..ذلك أن الصين تعرف فوارق كبيرة في مجال التنمية البشرية بين المناطق الحضرية والريفية، فمؤشر التنمية البشرية بالمناطق الحضرية استقر عند حوالي 0.816 ؛ بينما لم يتعدى في المناطق الريفية ما مقداره 0.685، إلى جانب التفاوت في مؤشرات الصحة التعليم ..(أولا )، كما أن التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية يقوم الى حد كبير على تباين قي مستويات التنمية الاقتصادية بين المجالين ولقياس هذا التباين سوف نستعين بمؤشرات الدخل (ثانيا ) و هو ما سنحاول توضيحه فيما يلي :

أولا- التفاوت في مؤشرات التنمية الاجتماعية

فوارق كبيرة في مجال التنمية البشرية بين المناطق الحضرية والريفية، فمؤشر التنمية البشرية بالمناطق الحضرية استقر عند حوالي 0.816 ، بينما لم يتعدى في المناطق الريفية ما مقداره 0.685 و بسبب بطء تطور الرعاية الصحية في المناطق الريفية، فالعمر المتوقع لازال في الريف متخلفا عن ماهو موجود بالحضر، إذ أن  متوسط العمر المتوقع عام 2018 هو 76.2 عاما لسكان الحضر، و 70.6 عاما لسكان الريف(اي بفارق ست سنوات تقريبا)، فالفارق في العمر المتوقع بين سكان الحضر والريف، انتقل من (3.5 سنة) عام 1990 إلى (5.7 سنة) عام  2004 و نحو 6.2 سنة 2018 أيضا التفاوت في العمر المتوقع موجود بين محافظات الغرب، الوسط والشرق ، فالعمر المتوقع لسكان الريف أقل من 66 سنة في التبت، يونان، وأكثر من 75 سنة في هاينان وجيانغسو.

أما في مجال التعليم، فالتفاوت كبير بين المناطق الحضرية والريفية، وفيما بين المناطق وبين الجنسين: فحوالي 2.3 ٪ من سكان المدن الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 لم يتلق أي تعليم، في حين أن النسبة في المناطق الريفية تصل إلى حوالي 8.5%  عام 2018، كما أن التفاوت يسود بين المناطق المختلفة، فإذا كان معدل الأمية للفئة العمرية 15 سنة فما فوق على الصعيد الوطني هو حوالي 7.9 ٪ سنة 2018، فهناك تفاوتات كبيرة في معدلات الأمية للفئة نفسها بين المقاطعات ، فإذا كان المعدل أقل من 8 ٪ في  ثماني مقاطعات ، فإنه سجل أكثر من 18 ٪ في خمس مقاطعات .

وبلغ معدل الأمية في أوساط الذكور 6.1 ٪ و 15.9 ٪ للإناث ، ونسبة الأمية بين الإناث 2.6 مرات أكثر من الذكور، كما أن نسبة الأمية للذكور تقل عن 3 في المئة لخمس مقاطعات و 4 ٪ لثماني مقاطعات، وأكثر من 10 ٪ لست مقاطعات و كلها في غرب الصين، وبالنسبة لمعدل أمية الإناث وصلت إلى أكثر من 25 ٪، وهي نسبة أعلى بحوالي 10 نقاط من المعدل الوطني، كما أن التفاوت بين الجنسين يبدو واضحا من خلال تحليل المعطيات الإحصائية، إذ أن نسبة الأمية هي أعلى في وسط الإناث وتزيد حدتها من مقاطعة إلى أخرى ففي بكين التفاوت بين الذكور والإناث يصل على التوالي إلى حوالي 0.2 و 0.9 % ،  بينما الأمر يختلف في مقاطعة التبت إذ تصل النسبة في وسط الذكور حوالي 49 % أما في أوساط الإناث فالنسبة تصل إلى حوالي 62%.

إن الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية في مستوى التنمية البشرية، اتسعت بين عامي 1990 و 2018، فالفجوة كانت في العام 1990 جد محدودة، إذ أن مؤشر التنمية البشرية في الريف استقر عند حوالي 0.58 بينما سجل في الحضر حوالي 0.61 ، غير انه  بدءا  من العام1997  أخدت الفجوة في التوسع، إذ سجل مؤشر التنمية البشرية في الحضر حوالي 0.69 بينما بلغ في الريف حوالي 0.64. و اتساع الفجوة يعود إلى حد ما إلى اتساع التفاوت في الدخل بين المناطق الحضرية والريفية، فمثلا نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالى في مقاطعة "زيجيانغ" أعلى ب 5.6 مرة من مقاطعة "غيزو".

ولكن بفضل التقدم المحرز في التعليم الالزامى في الريف والحضر، تم تضييق الفجوات بين الريف والحضر في مجالي محو الأمية، ومعدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي، فالفرق في معدل الالتحاق بالمدارس الإعدادية والمتوسطة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، ضاق من 35.6 نقطة مئوية في عام 1990، إلى حوالي 14.3 نقطة مئوية في عام 2018.

وعلى العموم، يلاحظ أن هناك تباينات إقليمية في التنمية البشرية، فهذه الأخيرة تعرف اختلافا حسب المقاطعات الصينية، ففي عام 2018 سجلت "شانغهاي" و"بكين" و"تيانجين" مستوى تنمية بشرية مرتفع، وهذه تتركز  أساسا في المنطقة الساحلية، في حين أن المقاطعات التي لديها أدنى مستوى في التنمية البشرية فمعظمها يتركز في الغرب..

ثانيا :  التفاوت في مؤشرات التنمية السسيواقتصادية:  

منذ بداية عام 1997، شهدت التنمية البشرية في الصين اتساع الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية إلى حد كبير، بسبب تزايد عدم المساواة في الدخل، إذ تدل المؤشرات المتصلة بأن الدخل المتاح للفرد في المناطق الحضرية عام 2007 يفوق حوالي 3.23  مرات الدخل المتاح للفرد في الريف،  كما أن نسبة استهلاك الفرد في المناطق الحضرية تفوق حوالي  3.6 أضعاف ماهو سائد في الريف (الشكل 1 ).

الشكل 1:اتجاهات نصيب الفرد من الدخل في المناطق الحضرية والريفية ، 1978 -2007

 وهناك أسباب مختلفة لهذا الاتجاه: فخلال فترة الاقتصاد المخطط كانت الصين قد تبنت المساواة التي قمعت التفاوت في الدخل، والفوارق بين الأجور. أما في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق اتسع التفاوت في الدخل إلى درجة معينة تمشيا مع عملية النمو الاقتصادي والإصلاحات الاقتصادية.

 فمنذ بدء الإصلاح والانفتاح برز تغيير في توزيع الدخل، إذ تعاظم نفوذ رأس المال البشري وهذا يعني العودة إلى التعليم، فاليوم صار من الطبيعي أن الناس المتعلمين تعليما عاليا لهم أجر أعلى. ومثال آخر هو تفاوت الدخل الناجم عن التنمية غير الزراعية في المناطق الريفية، فالوظائف غير الزراعية في المؤسسات البلدية والقروية دفع التطور السريع في بعض المناطق، مما مكن المزارعين من رفع مستويات الدخل ومستويات المعيشة. غير أن هذه الفرص الجديدة أدت بالمقابل إلى توسيع الفجوة في الدخل بين المناطق والآسر الريفية..

و بالمقارنة مع الأيام الأولى للإصلاح، شهدت الصين ارتفاعا حادا في التفاوت في توزيع الدخل، وقد لوحظت هذه الظاهرة في المناطق الحضرية والريفية وبين المدن ، بين المناطق وبين مجموعات السكان، مما أدى  إلى توسيع الفجوة في توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء.و يقدر خبراء البنك الدولي أن معامل جيني لتوزيع الدخل Gini coefficient for income distribution ارتفع في الصين من 0.30 عام 1982 إلى 0.45 في عام 2002 إلى 0.57 في عام 2017..ووفقا لبيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2003، و من بين  131 بلدا تتوافر عنها بيانات، تأتي الصين في المرتبة التسعين من حيث معامل جيني لتوزيع الدخل، ذلك أن 31 بلدا فقط أظهرت تفاوتا في الدخل أعلى من الصين ..

والجدير بالذكر، أن المساواة في توزيع الدخل لا تعني تلقائيا العدالة والعكس بالعكس. فعلى سبيل المثال، التوزيع المتساوي في ظل نظام الاقتصاد المخطط كان يضر بالكفاءة الاقتصادية، واعتبر مع ذلك غير منصف وبالتالي رفضه معظم الناس.. وفي المقابل، فالتوزيع العادل للدخل ليس بالضرورة التوزيع المتساوي، ففي الواقع، الناس لديهم قدرات مختلفة تؤدي إلى تباين أجور العمل في سوق العمل.

إن عملية الإصلاح في الصين لم تغير   النظام الاقتصادي Economic System، فحسب بل أيضا أدت إلى تغيرات في أراء الجمهور الأيديولوجية altered the public’s ideological view حول مفهوم العدالة، فاليوم أعداد متزايدة من الناس تعترف بدور الكفاءة الشخصية، والقدرات الفردية ودورها في تحديد الدخل والثروة.

كما أظهر الجمهور المزيد من التسامح تجاه عدم المساواة الناشئة عن تكافؤ الفرص، إلا أن ذلك يبقى اقل مما تسجله العديد من البلدان الغربية، حيث أن الصينيون لازالت لهم حساسية نسبية ضد التفاوت الصارخ في الدخل، ويراهنون على دور الحكومة في تقليص الفجوة، وهو ما ينسجم والخلفية الثقافية التي سادت خلال الحقبة الاشتراكية، وفي هذا تشترك الصين مع باقي دول المعسكر الاشتراكي السابق..

و عموما، فإن موضوع المساواة يشمل المتغيرات التالية: الدخل والثروة، فرص العمل والأجور، التعليم، الصحة والضمان الاجتماعي، والإنفاق الحكومي.. وسنحاول من  خلال مقال منفصل إن شاء الله  تحليل البعد الأول: أي توزيع الدخل والثروة في الصين، و الغاية من من هذا التحليل الجزئي، توضيح الأولويات و التحديات الأساسية التي لازالت تنتظر الصين،  فإذا كانت متتالية الاصلاحات في الصين تتسع أفقيا و عموديا ، فإن النمو الاقتصادي بدوره أفرز متتتالية من التحديات.. و لايعني ذلك إنتقاص أو تقليل من فعالية التجربة التنموية الصينية ، بل على العكس فإن من  أهم ما يميز هذه التجربة هو قدرتها على إصلاح مكامن الخلل، و تبنيها لأسلوب الإصلاح بالتدرج و تعديل الاختلالات التي تظهرها  الممارسة العملية ...و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لايعلمون...

أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف