الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كورونا بين المؤامرة والطبيعة والسنن الكونية.. بين العذاب والعقاب والابتلاء اعداد: رهف محمد حنيدق

تاريخ النشر : 2020-04-05
كورونا بين المؤامرة والطبيعة والسنن الكونية ... بين العذاب والعقاب والابتلاء

اعداد: رهف محمد حنيدق

مقدمة:

كورونا حديث الساعة, أزمة العالم أجمع, بين الخوف والرعب والموت, وبين الأمل والتفاؤل والرجاء, يعيش العالم أجمع, وتكثر الأسئلة والنظريات والفرضيات, تكثر التنبؤات والإشاعات, تكثر النكت والسخرية, تكثر الأساطير والهرطقات والخرافات, وكل يدلي بدلوه حسب ما يرى وما يعتقد, وينكر على الآخر رأيه ويسخر منه ويزدريه, وربما يمتهن كرامته؛ فيسمعه ما لا يرضى من القول, وربما قذفه في علمه وتفكيره وأبحاثه وربما رماه في عرضه, فلا حدود للخصومة, ولأننا مجتمع يفتقر إلى الرقي في الحوار, وتقبل آراء الآخرين, ولأنني أُوقن ومتأكدة أن الاختلاف يفسد للود قضية, فهذا البحث المتواضع مني أقدمه تعبيراً عن وجهة نظري فقط, وبما وصلت إليه خلال عملية البحث ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي, ولا يمثلني إلا أنا, فإن وفقت فمن فضل الله وكرمه, وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

أولاً: كورونا بين المؤامرة والطبيعة والسنن الكونية

كورونا أو فيروس "كوفيد-19"هل هو فيروس قاتل خرج من مختبر بيولوجي صيني كما تسرب فيروس سارس عدة مرات سابقا من مختبر في بكين, أثناء إجراء التجارب العلمية عليه بعد أن عُزِلَ من أحد الحيوانات العائلة؟ أم هو فيروس طُوِّر بواسطة الهندسة الجينية في مختبرات متخصصة؟ وأن الغرض من إطلاقه ما هو إلا مؤامرة لإحداث تدمير اقتصادي لجهات معيَّنة، أو سعي لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة عبر جمع المال المتدفّق عبر بيع اللقاحات أو الأدوية المضادة لهذا الفيروس،؟ أم هو مؤامرة عالمية بين أمريكا واسرائيل للسيطرة على العالم؟ هل هو صُنع الماسونية العالمية؟ بينما يرى فريق آخر أن ظهور هذا الفيروس يُعَدُّ حدثا طبيعيا ضمن ما يُعرَف بالتطور الطبيعي الذي يؤدي إلى نشوء مستجد للفيروسات المنتقلة من الحيوانات إلى البشر؟

هناك ثلاثة فرضيات وهي:

1- "كوفيد 19" فيروس مهندس جينياً.

2- "كوفيد-19" نشأ بشكل طبيعي وانتقل للبشر من الحيوانات.

3- "كوفيد-19" تطوَّر بيولوجيا خلال تجارب مخبرية.

ومن أرداد الاطلاع على مناقشة هذه الفرضيات الثلاثة فلقد ناقشها الدكتور: يعقوب الاشهب - مدير المركز الفلسطيني الكوري لأبحاث التكنولوجيا الحيوية- في الموقع التالي: 

خلاصة القول: يُعَدُّ من شبه المستحيل أن يكون "كوفيد-19" قد صُمِّم وهُندِس جينياً داخل المختبرات العلمية، وأنه على الأرجح قد نشأ من أحد أسلافه الذي جاء من حيوان عائل، والأرجح أن يكون الخفاش، وأن عملية التطور لهذا السلف قد حصلت من خلال عمليات تحوّر جيني طبيعي إما في عائل وسيط أو في بؤرة بشرية سبقت مرحلة التفشي أو داخل خلايا أو حيوانات مخبرية، الأمر الذي منحه الفرصة للتطور وتحسين قدرته على الارتباط بالمستقبل.

إذاً نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية مرفوضة وغير مقبولة, فنحن أمام فيروس طبيعي, فائق الانتشار, متخف, مخادع, استطاع أن يلف 190 دولة من دول العالم خلال شهرين, فالفيروسات لها تاريخ مذهل في اقتحام الخلية وتحويلها إلى مصنع لنسخ مليارات الفيروسات, وهذا هو سبب عجز العلم عن ايجاد علاج ناجع لمرض الإيدز, أو وجود لقاح فعال ضد نزلات البرد, أو ضد الانفلونزا بدليل أننا نصاب مرة أو مرتين بالسنة بالأنفلونزا.

ثانياً: كورونا سنة كونية

على مر التاريخ البشري، أثّرت الأوبئة على الحضارات منذ أول تفش معروف عام 430 ق. م خلال الحرب البيلوبونيسية (بين حلفاء أثينا وحلفاء إسبرطة). وكان للعديد من هذه الأوبئة تداعيات كبيرة على المجتمع البشري، بداية من قتل نسب كبيرة من سكان العالم، وصولاً إلى جعل البشر يفكرون في أسئلة أكبر عن الحياة والوجود.

من أشهر هذه الأوبئة على الإطلاق:

1- طاعون جستنيان (541م - 75م): في تقريره الذي نشره موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي، قال الكاتب رايدر كيمبول إن تفشي الطاعون الدبلي وضع حدا لفترة حكم إمبراطور بيزنطة في القرن السادس جستنيان الأول. وقتل هذا الوباء الذي يعرف في الوقت الراهن باسم "طاعون جستنيانما" بين 30 إلى 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت.

2- الموت الأسود (1347 - 1351م): بين عامي 1347 و1351، انتشر الطاعون الدبلي في جميع أنحاء أوروبا، مما أسفر عن مقتل نحو 25 مليون شخص. واستغرقت إحصائيات مستويات عدد السكان في أوروبا أكثر من 200 عام للعودة إلى مستواها قبل العام 1347. ومن المحتمل أن يكون هذا الوباء أودى بحياة أعداد أكبر في آسيا، وخاصة الصين، حيث يُعتقد أنها موطن الوباء.

3- الجدري في القرنين 15-17: أودى الجدري بحياة قرابة 20 مليون شخص، أي نحو 90% من السكان في الأميركتين. وساعد هذا الوباء الأوروبيين على استعمار وتطوير المناطق التي تم إخلاؤها، وتغيير تاريخ القارتين.

4- الكوليرا (1817م – 1823م): وباء الكوليرا ظهر في "جيسور" بالهند، وانتشر في معظم أنحاء المنطقة ثم إلى المناطق المجاورة، وأودى بحياة الملايين قبل أن يتمكن طبيب بريطاني يدعى جون سنو من معرفة بعض المعلومات حول طرق الحد من انتشاره. ووصفت منظمة الصحة العالمية الكوليرا -التي تصيب سنويا ما بين 1.3 و4 ملايين شخص- بأنها "الوباء المنسي". وقالت المنظمة إن تفشي الوباء السابع الذي بدأ عام 1961، لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا. ولقد ساهم تفشي هذا الوباء في توقف الأنشطة التجارية وإضعاف الإمبراطورية، مما سمح للحضارات الأخرى باستعادة الأراضي البيزنطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من آسيا.

5- لإنفلونزا الإسبانية (1918م – 1919م): تفشت الإنفلونزا الإسبانية المعروفة أيضا باسم "وباء الإنفلونزا" عام 1918، وأصابت نحو 500 مليون شخص، وتسببت في قتل أكثر من 50 مليونا على مستوى العالم, خلال فترة تفشي المرض، كانت الحرب العالمية الأولى على مشارف نهايتها، ولم يكن لدى السلطات المعنية بالصحة العامة الوسائل الكافية للتعامل مع الأوبئة الفيروسية، مما ساهم في تأثيرها بشكل كبير على المجتمعات. وفي السنوات التالية، ساهمت الأبحاث في فهم كيفية انتشار الوباء وطرق الوقاية منه، مما ساعد على تقليل تأثير تفشي فيروسات مشابهة للإنفلونزا بعد ذلك.

6- إنفلونزا هونع كونغ (1968م – 1970م): بعد مرور 50 عاما من تفشي الإنفلونزا الإسبانية، انتشر فيروس آخر للإنفلونزا في جميع أنحاء العالم. وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات العالمية الناجمة عن هذا الفيروس بلغ نحو مليون شخص، عُشرهم في الولايات المتحدة. وفي العام 1968، كان هذا الوباء ثالث وباء للإنفلونزا يحدث في القرن 20، بعد الإنفلونزا الإسبانية (عام 1918) والإنفلونزا الآسيوية التي انتشرت عام 1957. ويُعتقد أن الفيروس المسؤول عن الإنفلونزا الآسيوية تطور وعاد إلى الظهور بعد 10 سنوات. ورغم أن فيروس إنفلونزا هونغ كونغ لم يكن قاتلا مثل الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، فإنه كان معديا بشكل استثنائي، حيث أصيب 500 ألف شخص في غضون أسبوعين من الإبلاغ عن أول حالة في هونغ كونغ. وعموما، ساعد الوباء مجتمع الصحة العالمي على فهم الدور الحيوي لعمليات التلقيح في منع تفشي المرض مستقبلا.

أما تاريخنا الإسلامي فيوثق عدة أوبئة اجتاحت العالم الإسلامي منها:

1- طاعون عمواس: عمواس بين القدس، والرَّملة؛ كانت أول ما نجم الدَّاء بها، ثمَّ انتشر في الشَّام منها، فنسب إِليها، وكان حصول الطَّاعون في ذلك الوقت بعد المعارك الطَّاحنة بين المسلمين والروم، وكثرة القتلى، وتعفُّن الجو، وفساده بتلك الجثث أمراً طبيعياً، قدَّره الله لحكمةٍ أرادها. فكانت شدَّته بالشَّام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ، منهم: أبو عبيدة بن الجرّاح، وهو أمير النَّاس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام ...

2- الطاعون الجارف في البصرة سنة 69هـ: في زمن عبدالله بن الزبير (رضي الله عنه)، وسمي بالجارف لكثرة من مات فيه، فقد اجترف الموت فيه الناس اجترافاً كالسيل، واستمر ثلاثة أيام فقط, وفي عام 87ه وقع طاعون في العراق وبلاد الشام، سمي بطاعون الفتيات لأنه وقع بالنساء والعذارى أولاً، فوقع بالنساء قبل الرجال، بينما سماه البعض بطاعون الأشراف لكثرة ما توفي فيه من أشراف القوم وأكابرهم, وكان آخر ما حدث من الطواعين في العصر الأموي هو طاعون مسلم بن قتيبة في سنة 131ه، والذي سمي باسم أول من مات به، وقد وقع هذا الطاعون في البصرة واستمر لثلاثة أشهر، واشتد في رمضان حيث كان يحصى في بعض الأيام ألف جنازة أو يزيد.

وتحدث ابن كثير أنه عندما اجتاح المغول بغداد ودمروها في سنة 656هـ/ 1258م: “تعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد،… ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون”.

3- الطاعون الأعظم: في العصر المملوكي، فقد تعرضت بلاد الشام لطاعون اجتاح معظم مناطقها في عام 748هـ، وقد أطلق عليه اسم “الطاعون الأعظم” لسعة انتشاره وشدة فتكه. وأفنى هذا الطاعون سكان مدن حلب ودمشق والقدس والسواحل. كما انتشر في حلب داء اسمه “الفناء العظيم” في عام 795ه، وقد حصد بحصيلته النهائية 150 ألف شخص من حلب وقراها

4- أما المغرب العربي، فمر بتاريخه في كثير من الأوبئة والمجاعات والجفاف في عصر المرابطين والموحدين والمرنيين وحتى الفترة الحديث، ولعل من أهمها طاعون عام 571هـ، الذي انتشر في بلاد المغرب والأندلس ويعتبر أهم طاعون عرفه عصر الموحدين، فقد كان له نتائج كارثية ولم يسلم منه أحد حيث كان يموت بسببه ما بين 100 و190 من عامة الناس في اليوم الواحد. وقد حدث في المغرب طاعون عام 1798م، والذي انتقل بالعدوى من التجار الذين حملوه معهم من الاسكندرية إلى تونس فالجزائر فالمغرب، وقد تفشى الطاعون في فاس ومكناس ووصل إلى الرباط، فكان يخلف 130 ضحية في اليوم.

خلاصة القول: أن الأوبئة سنة كونية, تتكرر على مدار السنين والأعوام والقرون, وتأخذ الناس جميعاً, لا تفرق بين أحد, لا تحابي أحد, لا تتغير ولا تتبدل, سنة الله في خلقه, ولله الامر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثالثاً: كورونا عذاب وعقاب من الله أم ابتلاء: ما إنْ اُبتَلى العالم بكورونا؛ حتى انتشر في البلاد العربية اسطوانة العقاب الإلهي, والتي توّلى كبِر ترويجها بعض خطباء المساجد ووعّاظ المقاعد، ومن سار على دربهم من نشطاء التواصل الإلكتروني، واتبع سنتهم بعد ذلك عامة الناس. خاصة عندما اعتبر بعضهم أن الله عاقب الصين على ظلمها وقتلها للمسلمين في الإيغور, وأكلها لكل ما هبَّ ودبَّ على وجه الأرض, وأنها أمة كافرة ملحدة فاجرة, وأنها تستحق ما يحصل لها. وظهرت الشماتة بالدول التي أُصيب مواطنيها بالوباء من (الكٌفّار والفُجّار)، وانهمك البعض بإبداء التشفي بالبلاد التي كابد أهلها معاناة المرض من (الروافض والفواسق)،وانتشرت تلك الأسطوانة كانتشار النار في الهشيم, وعندما وصل هذا الوباء بلاد المسلمين حتى اعتبر المشايخ والتلامذة وبعض المتفقهين أن هذا ابتلاء من الله يمتحن به صبر عباده المؤمنين, وتحوّل البلاء إلى ابتلاء، وانقلبت البلّية هدية، فأصبحت للصالحين منحة، وللطالحين محنة. فيجب عليهم أن يعودوا إلى دينهم, لأن كل ما يجري لهم نتيجة ابتعادهم عن الإسلام, وبسبب الفسوق والعصيان, واشتد الأمر مع اغلاق المساجد بما فيهم بيت الله الحرام والمسجد النبوي والمسجد الاقصى, ومنع الصلوات ... وبعضهم اعتبر ذلك بداية لظهور مهدي الشيعة وخروج الإمام المهدي من السرداب, وأخرون قالوا بظهور مهدي السنة, وبظهور المسيخ الدجال, وظهور المخلص, وحدوث معركة هرمجدون, ونهاية العالم وظهور دابة الارض ويأجوج ومأجوج, ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يرى العجب العجاب ...

واستدلوا على ذلك بآيات من القرآن منها: ومن أمثلته في القرآن الكريم: إخراج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة، وإغراق الكفار في عهد نوح عليه السلام بالطوفان، وإهلاك قارون بالخسف، وعقاب بعض عصاة بني إسرائيل بالمسخ، والقضاء على قوم عاد عليه السلام بالريح، وإبادة قوم صالح عليه السلام بالصيحة، وإفناء قوم لوط عليه السلام بالحاصب، وإذاقة أهل سبأ لباس الجوع والخوف، وضرب الذِلة والمسكنة على بني إسرائيل. وكان العقابُ دائماً مرتبطاً بالذنوب " فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ "، والأعمال السيئة " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ "، والخلل الداخلي " قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ "، والمجاهرة بالفاحشة " كما جاء في الحديث الشريف" لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا "، فالهلاك والمصائب والهزائم والأوبئة نتيجة للذنوب والأعمال السيئة والخلل الداخلي والمجاهرة بالفواحش... وأكد ذلك رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم – عندما سؤل "أنهلكَ وفينا الصالحون؟" قال: "نعمْ إذا كثُرَ الخبث". وهل هناك خبث أكبر من هذا الموجود في العالم فقد أسأنا استخدام الموارد الطبيعة، وأفرطنا في استنزاف البيئة، والاسراف والشطط في إنهاك التربة، والزراعة المُفرطة، والرعي الجائر، والصيد المتعسف، والاحتطاب الزائد، والتلوث البيئي، والحروب المُدّمرة، وأسلحة الدمار الشامل، والتوزيع الظالم للثروات، وارتكاب الفواحش والموبقات، وممارسة الشذوذ الجنسي، ومُخالفة الفطرة... فدفع الانسان ثمن ذلك الظلم للطبيعة ولبني جنسه ولنفسه من رزقه وحياته، وصحته الجسدية والنفسية، وأمنه النفسي والاجتماعي، واستقراره الفردي والمجتمعي. وفي ذلك عقابه في الحياة الدنيا ...

وفي الطرف المقابل ظهرت من تدعي أنها الفرقة الناجية, وهذه الفرقة الناجية موجودة في كل بلد وكل مصر من الأمصار, وبأنها سينجيها الله عز وجل فالإيمان والعمل الصالح ثوابه الحياة الطيبة في الدنيا "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"، وربطت الإيمان والتقوى من جهة والفوز بالبركة والرزق والخير من جهة أخرى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، وجعل جزاء شكر النعمة زيادتها "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"، وأن الله وعدها بالنصر والتمكين والأمن والاستقرار "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا"، وأن الله سيؤتيها ثواب الدنيا والآخرة معاً "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ". وأنه لا يوجد ثواب في الحياة الدنيا أعظم من ثواب إطمئنان القلوب بالإيمان وذكر الله "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" والأمن النفسي بالإيمان والهداية "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ". في عصر القلق والخوف والتوتر والاضطراب الذي يسود العالم بسبب الانحراف عن الفطرة السليمة والبعد عن النهج القويم. فهذه الفرقة الناجية تستحق الثواب, فالثواب هو نتيجة صنعها وعملها وهديه الله تعالى لها في الحياة الدنيا حياةً طيبة، واطمئنان للقلوب وإحساساً بالأمن جزاء الإيمان والاستقامة, وهذه محال أن يحيق بها عذاب بالله وبطشه وانتقامه, وإنما هي محل عناية الله ورحمته.

والقول في المسألة بتوفيق من الله هو التالي:

1- مسألة الثواب والعقاب الإلهي هي مسألة يختص بها الله عز وجل, وهي مسألة انقطع علمها منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي, ولولا أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن قوم نوح ولوط وشعيب وموسى وفرعون و... قد تعرضوا لعقاب الله وسخطه ما كان لنا بهذا من علم, فقد تكون الاوبئة والأمراض والزلازل والبراكين و ... عقاب من الله وقد لا تكون, وأن تجزم أيها العبد الضعيف الفقير الجاهل أنها عقاب من عند الله, فقد نازعت الله في علمه وارادته ومشيئته, وما قدرت الله حق قدره, وأنت أجهل الناس به, فعلم الله وحكمته ومشيئته وثوابه وعقابه لم يطلعه رب العالمين إلا على من يشاء من خلقه, وانتهى ذلك بانقطاع الوحي. وإذ حصل لأحد لكرامة أيده الله بها فهذا لا يُعمم ولا يُلزم الآخرين به, وقد تكون له كرامة أو فتنة فمن أين يأتي لك اليقين؟

2- قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك:2, إذا الموت والحياة بلاء وابتلاء, فهل أعطاك الله علمه بأن ما يحدث لك أو لغيرك بلاء أم ابتلاء؟

3- من صفات الله أنه العدل, فما ذنب الأطفال والرضع وكذلك الفقراء الصينيون الذين لم يقترفوا قرار التضييق على (الإيغور) حسب زعمهم لتصيبهم هذه الآفة، ما ذنب الاطفال السوريين أن يموتوا بالقنابل المتفجرة وعلى شواطئ البحار, ما ذنب شعب سوريا كله أن يُقتل ويُهجر ويموت؟ ما ذنبنا نحن الشعب الفلسطيني أن تتآمر علينا كل قوى العالم لتمرير صفقة القرن؟ وإعطاء فلسطين لليهود وجعل القدس عاصمة أبدية لهم؟ ما ذنب أطفالنا؟ ما ذنب آسرانا؟ أليس المبدأ القرآني يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فكيف يعاقب جلَّ وعلا - حاشاه - من لا ناقة له ولا جمل في كل الظلم الواقع على الشعوب من قبل قلة حاكمة لا تخشى الله, استخدمت كل قوتها وجبروتها في سحق من لا حول له ولا قوة.

4- الإيمان لا يعلم به إلا الله عز وجل, وأن تعتبر نفسك مؤمناً وغيرك منافقاً أو فاجراً فهذا أيضاً من التأله على الله, والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة. ولا يعلم أحد من العالمين بما يختم الله به عمله, وعلى ماذا يموت؟ على الإيمان أم على الكفر أم على النفاق؟ فاتقوا الله عباد الله في عباده وخلقه.

5- طاعون عمواس أصاب خيرة صحابة رسول الله فهل كان عقاباً لهم؟ وعلى ماذا؟

6_ البلاء النازل سلبا كان أو إيجابا ، فليس في كل الأحوال يكون عقوبة لغير المؤمن ورحمة للمؤمن ، إذ أنّ فلسفة الابتلاء سر من أسرار الله في مخلوقاته نحن لا نعلم شيئا عن كنهها بعقلنا القاصر وفهمنا الضيق ، إذ أنّ الحكمة تكمن في كل بلاء ، ومعرفة الحكمة وسرها بيده تعالى وحده، فقد نرى مؤمنا فقيرا وكافرا غنيا أو بالعكس ، ونرى مؤمنا سقيما وكافرا صحيحا أو بالعكس ، ومؤمنا قبيحا وكافرا وسيما أو جميلا أو بالعكس ، وهكذا ...

خلاصة القول: إن الأمراض والأسقام والبلايا وجميع المصائب التي نراها في هذه الأرض لا تخلو عن كونها أحد 3 أمور، فهي عقاب وعذاب للكافرين، كما أرسل الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع بلاء وعذاباً على من كفر من آل فرعون. وكما ينزل الله تعالى الرياح والمحن والزلازل على الكافرين، فهي فعلا عذاب على الكافرين، وفي الوقت نفسه الوقت هي بلاء ورحمة للمؤمنين الصابرين المحتسبين وتطهير لهم لمن أصيب بهذا الداء من المسلمين ونحتسب على الله ان يحصل أجر عظيم وقد يحصل على أجر الشهيد اذا كان صابراً واحتسب قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه» إذن هي عذاب للكافرين وهي بلاء ورحمة وتطهير للمؤمنين. وفي الوقت نفسه هو عبرة للمعتبرين حتى الذي لم يصب بالمرض يعرف قدرة الله سبحانه وأنه تعالى قادر على كل شيء فهو عبرة للمعتبرين ولا يخرج عن أحد الثلاثة أبداً.

نسأل الله تعالى أن يفرج عنا وأن يبعد عنا الأسقام والأمراض بإذنه وهو السميع العليم.

إعداد: رهف محمد حنيدق
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف