الأخبار
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فشل محاولات بعض رجال الدين في الشرق والغرب في أدينة كورونا! بقلم:د. كاظم ناصر

تاريخ النشر : 2020-04-05
فشل محاولات بعض رجال الدين في الشرق والغرب في أدينة كورونا! بقلم:د. كاظم ناصر
ينتمي معظم سكان كرتنا الأرضية إلى مجموعة من الأديان المختلفة، ويؤمنون بوجود خالق لهذا الكون وما فيه، ويجدون في الدين الذي يتبعونه ملاذا فكريا وروحيا، ويعبدون الله وفقا لتعاليم دينهم ويطلبون منه أن يحميهم من الشرور، ويساعدهم على حل مشاكلهم الجسدية والمادية والنفسية، ويجزيهم خيرا على عباداتهم، ويرحمهم ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة.
الله سبحانه وتعالى ساوى بين الناس جميعا، ويحبهم ويرحمهم ويغفر لهم ويريد لهم الخير جميعا، ولا يعاقبهم وينتقم منهم بمصائب شخصية، أو بكوارث طبيعية، أو أوبئة جرثومية وفيروسية على الذنوب والآثام التي ارتكبها غيرهم كما يدّعي البعض؛ يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم " ولا تزر وازرة وزر أخرى" ويقول أيضا " ويوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد." أي ان الله يسأل الناس جميعا رسلا وعبادا على أعمالهم، ويحاسب كل فرد مهما كان دينه على ما فعله هو فقط.
الكوارث والأمراض والفيروسات جزء من الوجود؛ وكما ثبت علميا فإن الفيروسات جزئيات لا يمكنها أن تتكاثر إلا داخل خلايا كائن حي، ويوجد منها الملايين من الأنواع المختلفة المتناثرة في كل مكان على كرتنا الأرضية، لكن العلماء لم يتمكنوا إلا من وصف حوالي 5000 نوع منها بالتفصيل، وأن فيروس كورونا الذي يهدد العالم حاليا ليس انتقاما من الله، فالله الرحيم القادر المتجبر يحاسب الناس على أعمالهم فردا فردا، ولا ينتقم منهم بسبب المعاصي والسيئات التي أرتكبها أسلافهم أو دولهم.
الدين والعلم يلتقيان في محاربة كورونا والمحافظة على حياة الناس؛ العلم يبحث ويطور مهارات بشرية وتقنية وأدوية لمحاربة هذا الوباء والمحافظة على الصحة العامة، ورجال الدين من الفقهاء الشرفاء، والأطباء يعملون ويحثون الناس على الالتزام بما يوصي به علم الطب ودولهم لتطويقه ووقف انتشاره والقضاء عليه والمحافظة على حياتهم التي هي غاية كل دين، بينما يحاول بعض رجال الدين المشعوذين المنافقين استغلال حالات القلق الاجتماعي التي اوجدها هذا الوباء كي يروجوا لبضاعتهم السياسية والأيديولوجية، ويحثوا الناس على ممارسات من شأنها أن تزيد الوضع تفاقما وتعرض المزيد من الأرواح للخطر.
ولهذا لا عجب على الإطلاق لما نشاهده هذه الأيام من تنافس تجار الدين والمشعوذين، سواء أكانوا من المسيحيين، أو اليهود، أو المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى على الصاق الوباء بالدين، والادعاء بأن الكوارث الطبيعية والأوبئة ومن ضمنها كرونا هي انتقام إلهي من الناس جاء كرد على فسقهم وظلمهم وتجبرهم ومخالفتهم إرادة الله وتعاليمه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر وتحديدا في عام 2004 قال عشرات المشايخ والخطباء المؤثرين في أكثر من دولة إسلامية إن زلزال تسونامي الذي ضرب اندونيسيا غداة عيد الميلاد، كان عقابا ربانيا للفاسدين الذين كانوا يرقصون ويسكرون ويعربدون على الشواطئ الاندونيسية، ونسوا أو تناسوا أن الكارثة أودت بحياة نحو 250 ألف مواطن معظمهم من الآباء والأمهات والأطفال الفقراء المسلمين الطيبين البسطاء، الذين كانوا في بيوتهم في الأرياف البعيدة عن الشاطئ الذي ضربه الإعصار، ولا علاقة لهم بالفسق والعربدة من فريب أو بعيد.
وعندما أعلن عن وجود الفيروس في الصين نشط بعض رجال الدين واعتبروه عقابا إلهيا للصين وانتقاما منها على معاملتها الظالمة لمسلمي الإيغور؛ وعندما انتشر الفيروس واتخذت بعض الدول العربية والإسلامية إجراءات مشددة لوقف انتشاره وأغلقت المساجد، لم يستجب بعض الشيوخ للقرار، وتحدوا أوامر الإغلاق بإقامة صلاة الجماعة في المساجد والشوارع والطرقات، وعرضوا بذلك أنفسهم، ومن معهم، وأسرهم، والمجتمع لتفاقم الوباء مما اضطر السلطات إلى اعتقال المخالفين وفرض منع التجوال في فلسطين والأردن والسعودية وغيرها من الدول العربية.

وفي العراق حاول البعض الاستمرار في زيارة الأماكن المقدسة في كربلاء، ودعا مقتدى الصدر أنصاره إلى المشاركة في احياء ذكرى وفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم في مدينة الكاظمية، مما أدى إلى توافد الآلاف من داخل العراق وخارجه لزيارة الضريح؛ أما في إيران فقد ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لزوار يلعقون الأضرحة المقدسة في مدينتي قم ومشهد، وباتت مدينة قم وهي أهم مركز للدراسات الدينية في البلاد مصدرا لإصابة الآلاف بالفيروس، كما رفضت بعض القيادات الدينية الأخرى مبدأ الحجر الصحي والنتيجة هي أن البلاد بأسرها وجدت نفسها في حالة حرب مع الوباء الذي انتشر في كل مكان؛ وفي لبنان ارتفع صراخ المصلين احتجاجا في احدى الكنائس حين أصر الكاهن على عدم أداء طقس مناولة القربان كالمعتاد، ورفض وضع قطع القربان في الفم فثار عليه الحضور وفشلت محولاته في إقناعهم.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية أسرع رجل الدين المعروف ذا النفوذ الأكبر على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القس الإنجيلي " رالف درولنجر" وفسر الكوارث الطبيعية بربطها بالدين وشاركه في رأيه " ريك وايلز " الكاره لليهود الذي زعم أن وباء كورونا انطلق من مؤتمر " أيباك " منظمة أصدقاء إسرائيل ، وخاطب اليهود قائلا " إن الله ينشر الوباء في معابدكم لأنكم تعارضون المسيح، فتوبوا وسوف يتوقف الوباء" ونشرت صحيفة " واشنطن بوست " افتتاحية انتقدت فيها قرارات كنائس كبرى في ولايات واشنطن ولويزيانا وأوهايو وفلوريدا وتكساس وغيرها من الولايات لتقديم قداس يوم الأحد وسط انتشار واسع لفيروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت أول دولة في العالم من ناحية عدد حالات الإصابة؛ وفي ولاية فرجينيا رحب رئيس " جامعة ليبرتي" الإنجيلية المحافظ المؤيد للرئيس الأمريكي وسياسات إسرائيل " جيري فالويل جي أر" بعودة 1900 طالب من عطلة الربيع إلى الجامعة، وحمّل وسائل الإعلام المسؤولية، واتهمها بالمبالغة في نقل خطر الفيروس لإلحاق الأذى بحملة الرئيس ترامب للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وفي عدد من الدول الإفريقية حاول بعض رجال الدين الاستمرار في إقامة صلاة الجماعة في مساجدهم، وقداس الأحد في كنائسهم على الرغم من قرارات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات، وفي كوريا الجنوبية اعتذر رئيس كنيسة شينقشونجي، " لي مان هي" عن الدور الذي لعبه أنصاره في نشر كورونا في البلاد، وفي الدولة الصهيونية دعا الحاخام حاييم كانيقسكي أحد كبار زعماء التيار الحريدي المتدين إلى مخالفة تعليمات وزارة الصحة بشأن إغلاق المعابد والمدارس الدينية في إطار مواجهة الفيروس، ثم عاد وتراجع عن رأيه وطلب من أنصاره عدم التجمع.

من المؤكد أن التجمعات الدينية وغيرها عجلت في انتشار فيروس كورونا، وأن اتباع الأديان ساهموا من حيث لا يدرون في ارتفاع عدد المصابين؛ فلماذا لا يصدق بعض المؤمنين أنهم عرضة للعدوى وان لقاءاتهم الجماعية تنشرها وتعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر؟ وهل ادعاء بعضهم بأن الطقوس الدينية تحميهم من الفيروسات والأمراض المعدية صحيحة؟ وهل الله سبحانه وتعالى يريد ذلك؟

بعض الناس يعتقدون أن الطقوس الدينية تحميهم من جميع الأمراض بما في ذلك الأمراض المعدية والأوبئة التي تسببها الفيروسات والقذارة والتلوث؛ الله سبحانه وتعالى لم يقل هذا في كتبه ولم يبلغه لرسله، وأرسل موسى وعيسى ومحمد والأنبياء جميعا لهدي الناس إلى ما يبعدهم عن السقم والألم والمعانة والشرور والذنوب بأنواعها، ويعود عليهم بالنفع في دنياهم وآخرتهم، أي إنه جل شأنه يريد لعباده جميعا الصحة الجيدة والسعادة والصلاح والطمأنينة، ودعاهم الى التفكير وتجنب الضرر والمعاناة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال " اعقل وتوكل "، أي قم بواجبك لحماية نفسك وأهلك وممتلكاتك ثم توكل على الله.

لقد فرض فيروس كورونا نفسه على أجندة الأديان العالمية، وأثبت ان الأوبئة والأمراض تعالج بالعلم في مراكز الأبحاث والمختبرات والمستشفيات، وبالمهارات الطبية والتقنية والأدوية؛ ولهذا وبعد فترة من الترقب، استسلم رجال الدين في نهاية المطاف للأمر الواقع، وأوقفوا العبادات الجماعية في المساجد والكنائس والمعابد، وانصاعوا لأوامر الدول وإجراءاتها في التصدي لهذا الوباء؛ واكتشفوا أن الأوبئة لا تستثني أتباع أي دين، أو أي شعب من الشعوب، وانه لا يحق لأحد أن يزدري دينا من الأديان، أو عقيدة من العقائد المقدسة التي يؤمن بها أي شعب آخر، وإننا كبشر شركاء في المصير، ومرغمون على التعاون والتعاضد واحترام بعضنا بعضا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف