الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فضائل المسجد الأقصى المبارك 5 بقلم: د. سامي عطا الجيتاوي

تاريخ النشر : 2020-04-04
فضائل المسجد الأقصى المبارك ............. (.الحلقة الخامسة)
في الحديث النبوي الشريف
لقد حظي المسجد الأقصى بنصيب وافر من أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، حتى أننا نلاحظ أن المعنى الواحد يتكرر في عدة أحاديث، مع اختلاف بسيط في الرواية. وهذا التكرار، يدل على أن الأقصى ، يتمتع بمكانة مرموقة وسامية في العقيدة الإسلامية، وأن له شأنا عظيما عند الله عز وجل ، ورسوله- صلى الله عليه وسلم- . وفيما يلي سنذكر بعض المعاني التي وردت في الأحاديث الشريفة، والتي تتعلق بالمسجد الأقصى وما حوله، وسنورد حديثا شريفا واحدا يتضمن كل معنى من هذه المعاني.
1 - المسجد الأقصى مسرى نبينا - صلى الله عليه وسلم - : تشتمل الروايات الواردة في إسراء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ومعراجه على اختلافات كثيرة حول عدد مرات الإسراء ، وعدد مرات المعراج ، وحول تواريخ كل ذلك .
متى كان الإسراء والمعراج ؟
الاسراء في اللغة : نص أصحاب المعاجم اللغوية وغيرهم ، على أن أسرى وسرى لغتان بمعنى واحد ، وهو : السير بالليل ( ) . وفي الاصطلاح : قال شيخنا محمد محمد أبو شهبة : ( الاسراء هو : إذهاب الله نبيه محمدا – صلى الله عليه وسلم – من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بإيلياء – مدينة القدس في جزء من الليل ، ثم رجوعه من ليلته . ) ( ) والمعراج في اللغة : الارتقاء والصعود إلى أعلى .( )
وفي الاصطلاح : قال شيخنا محمد محمد أبو شهبة : ( المعراج : هو صعوده – صلى الله عليه وسلم – من بيت المقدس إلى السموات السبع ، وما فوق السبع ، ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل.)( )
ويعتقد كثير من الناس أن الإسراء والمعراج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان في ليلة 27 من شهر رجب، فيبنون على ذلك الاحتفال بذكراه في هذه الليلة، وتخصيصها بأنواع من العبادات والقربات. فهل ثبت الإسراء والمعراج في هذه الليلة؟ اختلف أهل العلم والسِّيَر في تحديد السنة والشهر واليوم الذي وقعت فيه حادثة الإسراء والمعراج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أقوال كثيرة متباعدة بلغت ستة عشر قولا ، واختلفوا في سنته ، وشهره ، وليلته .. واختلفوا في وقت المعراج على ثمانية أقوال ، وليس على شيء منها دليل يعتمد عليه . ولكننا نجزم بأن الحادثة وقعت بعد البعثة وقبل الهجرة . أما كونها بعد البعثة فظاهر جدا ،لإجماع العلماء على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء ، وأما كونها قبل الهجرة فقد انعقد الاجماع على ذلك . وممن نقل الاجماع ابن حجر فقد نفى الخلاف في ذلك حيث قال: ( والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف )( ) ، وكذلك شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال :( فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس )
( ) ، وأيضا يمكننا ذكر وقت الإسراء على وجه التقريب لا التحديد . فمن خلال النظر في كتب السيرة ، رأينا أن أكثر أهل العلم يذكرون الحادثة في كتبهم متأخرة بعد موت أبي طالب ، وخديجة – رضي الله عنها - ، وبعد خروجه إلى الطائف ، وإن كانوا يختلفون في تقديم بعض الأحداث على بعض ، لكنهم يقتربون من الهجرة . ( ) وعدم تعيين وقت الإسراء على وجه التحديد لا يضر .. فإن الحادثة ثابتة بالكتاب والسنة المتواترة ، وإجماع المسلمين. وكما وقع الاختلاف في سنة وقوع الاسراء والمعراج ، كذلك وقع الاختلاف في شهره وليلته .. وذهب جمع من المحققين إلى أن ليلة الإسراء والمعراج لا يعرف زمن وقوعها على وجه التعيين واليقين . فقد نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أن ليلة الإسراء والمعراج ( لم يقم دليل معلوم على شهرها ، ولا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به . ) ( ) وجزم الزرقاني أن تلك الليلة : ( لم يعينها النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه ، ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح ، ولا صح إلى الآن ، ولا يصح إلى أن تقوم الساعة فيها شيء ، ومن قال فيها شيئا فإنما قال من كيسه)! ( ) وممن جزم بعدم ثبوت تعيينها عن النبي – صلى الله عليه وسلم – عبد العزيز النجدي حيث قال : ( لم يثبت تعيين الليلة ، ولا الشهر ، ولا السنة ، التي عرج بالنبي فيها ، لا عنه ولا عن صحبه )( ) .
وهذا القول هو الراجح ، فإن الأقوال التي ذكرتها كتب العلم لا دليل عليها ، فكما لم يثبت شيء في سنة الإسراء بالتحديد ، فكذلك لم يثبت شيء في شهره ، ولا في ليلته ، ولله الحكمة البالغة في ذلك ، ( ) وفي إنساء الناس لها ، والله تعالى أعلم .
وهناك من قال بتعدد الإسراء والمعراج ، وهذا قول غريب بعيد ، لم ينقل عن أحد من سلف هذه الأمة
يقول ابن كثير : ( ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة ، فأثبت إسراءات متعددة ، فقد أبعد وأغرب ، وهرب إلى غير مهرب ، ولم يحصل على مطلب . وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه – عليه السلام – أسري به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط ، ومرة من مكة إلى السماء فقط ، ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء ، وفرح بهذا المسلك ، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات ، وهذا بعيد جدا ، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف ولو تعدد هذا التعدد لأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – به أمته ، ولنقلته الناس على التعدد والتكرار ) ( )
كما أن في التعدد ما ينافي الحكمة من الاسراء والمعراج ، الذي كان للدلالة على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين... وبعبارة أخرى كان هذا التحويل إيذاناً وإعلاماَ للبشرية على اختلاف توجهاتها ، أن النبوة قد انتقلت من ولد إسحاق – عليه السلام - إلى ولد إسماعيل - عليه السلام - ..كما سنبين بعد سطور .
وعدم ذكر المعراج في آية الاسراء دليل على أنه لم يقع تلك الليلة ، وهذا غير صحيح ، فعدم النقل ليس نقلا للعدم كما يقول الأصوليون ، فكون المعراج لم يذكر في تلك الآية لا يدل على أنه لم يقع تلك الليلة ، ولعل السبب في ذلك الاقتصار على ذكر الاسراء فقط ، لعل ذلك مرده إلى إمكانية إقامة الدليل المادي المحسوس لديهم ، إذ يمكن للنبي – صلى الله عليه وسلم – أن يثبت إسراءه بوصف بيت المقدس الذي لم يسبق أن ذهب إليه قط كما هو معلوم عند القوم ، وهذا ما وقع فعلا أما المعراج .... فلا يمكنه البرهنة المادية المحسوسة عليه ، إذ أن ما في السموات لم يطلع عليه أحد من البشر الموجودين فدليله ليس بمادي ، بل هو من نوع آخر.. إنه الإيمان .. فلذا لم يخبرهم به أول الأمر ، كما لم يخبرهم بأمر الصلاة ، لأنهم لم يؤمنوا بعد . وهكذا تدرج معهم في خبر رحلته ، ولذا لم يذكر المعراج بالعبارة في سورة الإسراء ، وكان صدقه في خبر الإسراء دليلا على صدقه في خبر المعراج .. وإن كان في آية الإسراء إشارة إلى حادث المعراج كما قرر أهل العلم . ( )
خلاصة الأقوال في تحديد تاريخ الإسراء والمعراج والحكمة منها ذهب جمهور العلماء والمحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة ، بجسد النبي – صلى الله عليه وسلم – وروحه ، وذلك بعد المبعث ، ويقرر الحافظ ابن حجر أن هذا ما تواردت عليه ظواهرالأخبار الصحيحة ، ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل .( ) ولم يثبت شيء في تعيين السنة والشهر الذي أسري فيه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وأحسن هذه الأقوال إسنادا –وإن كانت كلها ضعيفة- ما رواه موسى بن عقبة عن الزهري أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره ، وبه جزم النووي ، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه ، والإجماع مردود فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال . وقيل : إن الإسراء كان في ليلة 27 / رجب والأمة تحتفل بها في هذا التاريخ لأن تحرير الأقصى من الصليبيين على يد صلاح الدين كان في 27/رجب/583هـ = 1187م..( ) وهو ما عليه عامة المسلمين
والذي تطمئن إليه النفس أن ما رجحه الجمهور- وقد ذكرناه في بداية المبحث - هو الأرجح ، وأن الاسراء والمعراج وقعا بجسد الرسول - صلى الله عليه وسلم – وروحه ، في ليلة واحدة في اليقظة ، بعد البعثة وقبل الهجرة .. ويكاد يجمع المتناولون لحادثة الاسراء والمعراج في بحثهم عن الحكمة من الإسراء والمعراج ، أن الحكمة الأساس من هذه المعجزة هي : التسرية عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم – ومواساته ، والتفريج عنه مما ألم به من حزن شديد ، وهم بالغ ، بعد وفاة عمه أبي طالب ، الذي كان يحميه ويدافع عنه ، وزوجه السيدة خديجة - رضى الله عنها – التي كانت تعضده وتسانده ، مما دفع الرسول - صلى الله عليه وسلم – إلى تسمية هذا العام عام الحزن . .. مع أن أحدا من العلماء الأوائل لم يربط هذا الربط الذي قالوا به بين حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم – لموت عمه وزوجته ( أو زوجه وكلا التعبيرين صحيح ) أو لنتائج رحلة الطائف بالذات دون رحلاته الأخرى ، وبين حكمة الاسراء والمعراج . وكان أول من ربط بين أحزان الرسول - صلى الله عليه وسلم – بعد رحلة الطائف بالذات ، والإسراء والمعراج من المُحْدَثين ، هو الاستاذ مصطفى أحمد الرفاعي اللبان ، الذي نشر في عام 1932م كتيبا صغيرا عن الاسراء والمعراج قال فيه : ( فأسرى به وعرج ، ليبشره عمليا بما يحب ، ويزيل من نفسه عوامل الأسف والحزن والأسى التي كانت تساوره لكثرة تفكيره في عماية قومه وغلظتهم ... الخ ) ( ) وتابَعَهُ الاستاذ حسين سامي بدوي فربط بين أحزان الرسول - صلى الله عليه وسلم –لفقد عمه وزوجه، وبين الاسراء والمعراج ، الذي نشر بحثا عام 1938م ( في العدد 29 من مجلة الاسلام ) قال فيه : ( لقد كانت حادثة الاسراء والمعراج قبل الهجرة بثلاث سنين .. وكانت بعد موت السيدة خديجة أم المؤمنين – رضي الله عنها - ، وموت أبي طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم –.. وللتدليل على شدة حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم – أنه سمى هذا العام (بعام الحزن ) .... الخ ) ( ) ووفاتهما كانت قبل الهجرة بثلاث سنين . وفي هذه الفترة التى أعقبت وفاتهما ، اشتد أذى المشركين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فكان هذا الحادث لتسليته - صلى الله عليه وسلم - بعد ما لاقاه في عام الحزن ، وما حصل له في الطائف ، فأراد الله تعالى أن يُسرّي عن رسوله ، ويريه كيف تكون حفاوته في السماء ، بعد أن هان على الكفّار في قريش ، والطائف ، فآذوه ولم ينصروه، ولتشريفه وتكريمه.. وقد تنبه أستاذنا الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود – شيخ الجامع الأزهر الأسبق - لعدم صحة الربط بين الحزن المبالغ فيه والاسراء والمعراج ، خلال حديث عن الاسراء والمعراج عام 1975م ، أن أحداث عام الحزن لم تكن السبب في الاسراء والمعراج .. ومن قبله كتب الشيخ سعد شاكر في ملحق ( منبر الاسلام ) قال فيه : ( يعتقد كثير من الناس أن الاسراء والمعراج كانا ترويحا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتسلية له بسبب ما عاناه من مشقة وتعب ، وما صادفه من حزن وكآبة ، وأغلب الظن أنه اعتقاد فيه شيء من الغفلة ، وضعف التأويل ...وهذا يجعلني أعتقد أن هذه الآيات تقوية للإيمان وتثبيت ، حتى يكون إيمانا بالدليل القائم على المشاهدة والاطلاع ، وإن اختلفت درجات الادراك فيه ) . وبمثل ذلك قال الشيخ محمد الغزالي ، في كتابه فقه السيرة ، والدكتور مصطفى زيد في مجلة ( منبر الاسلام ) ، والدكتور أحمد شلبي في موسوعة التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ) وغيرهم .( ) كما تطرق الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى الحديث عن حكمة الاسراء والمعراج فأجملها في قوله : ( هي معجزة خرق الله فيها لرسوله قوانين الأرض وقوانين السماء : ليريه من آياته الكبرى ، ويثبته ، ويفرض عليه أقدس العبادات وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى ،وهي الصلاة ) ( ) وفي ظني أن الاسراء لم يتعدد ،ولكن بعض الشيعة الاثنى عشرية أمثال المتخلف جعفر مرتضى العاملي قال بتعدد الاسراء أكثر من 120 ( مئة وعشرين مرة ) (((( هامش : قال ذلك المتخلف جعفر مرتضى العاملي في كتابه : ( تفسير ثماني آيات في سورة الاسراء ) وكذلك السيد ( ضياء الخباز القطيفي في بحثه :كلمة حول تاريخ معجزة الاسراء والمعراج قال في المقدمة : ) أنه مما لا شك فيه أن النبي الأعظم – صلى الله عليه وسلم – قد عرج به إلى السماء مرات عديدة ، وقد أنهتها بعض الروايات الشريفة إلى مائة وعشرين مرة ..؟؟ وانظر بحار الأنوار للمجلسي ج18/ ص 387) وغيرهم الكثير .. . والقول بتعدد الإسراء والمعراج ، قول غريب بعيد ، لم ينقل عن أحد من سلف هذه الأمة . يقول ابن كثير : ( ومن أثبت إسراءات متعددة ، فقد أبعد وأغرب ، وهرب إلى غير مهرب ، ولم يحصل على مطلب . وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه – عليه السلام – أسري به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط ، ومرة من مكة إلى السماء فقط ، ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء ، وفرح بهذا المسلك ، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات ، وهذا بعيد جدا ، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف ، ولو تعدد هذا التعدد لأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – به أمته ، ولنقلته الناس على التعدد والتكرار ) ( انظر : ابن كثير : تفسير القرآن العظيم : 5/39-40. ) كما أن في التعدد ما ينافي الحكمة من الاسراء والمعراج ، الذي كان للدلالة على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين... ل... ))))
فقد أراد الحق سبحانه أن يلفت إسرائيل إلى عموم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن هنا جعل بيت المقدس قبلةً للمسلمين في بداية الأمر، ثم أسرى برسوله- صلى الله عليه وسلم – إليه ، ليدلل بذلك على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين... وبعبارة أخرى كان هذا التحويل إيذاناً وإعلاماَ للبشرية على اختلاف توجهاتها ، أن النبوة قد انتقلت من ولد إسحاق – عليه السلام - إلى ولد إسماعيل - عليه السلام - ، فقد شاء ت إرادة الله تعالى أن يأتي أنبياء بنى إسرائيل جميعاً من نسل إسحاق ، أما إسماعيل فلم يأت من نسله سوى رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وختم الله به الرسالات ، قال تعالى: ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُـولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) ( الأحزاب : 40 ) الحكم ، والنبوة ، بل السيادة قد انتقلت من بنى إسرائيل إلى أمة العرب ، ولعل أصدق دليل على هذا : رحلة الإسراء برسولنا – صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى ، ولقائه بالأنبياء جميعاً وإمامته لهم ، كان هذا إعلانا أيضاً من العلي القدير أن مواريث الأنبياء جميعاً ، وبيت المقدس قد آلت إلى خاتم الرسل ، ومن العجيب أن اليهود أنفسهم يعرفون ذلك ، ولكن قبح الله الكبر والكفر ، فهم قوم غلاظ الرقبة .
وأخيرا : فرحلة الإسراء والمعراج التي أرى اللهُ – سبحانه- فيها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عجائب آياته الكبرى، ومنحه فيها عطاءً رُوحيًّا عظيمًا؛ وذلك تثبيتًا لفؤاده، ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتكون تمحيصًا من الله للمؤمنين، وتمييزًا للصادقين منهم، فيكونوا خَلِيقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف .
فالإسراء((((الإسراء لغة من السَّرى، وهو السير ليلاً، وقال السخاوي في تفسيره: إنما قال: ليلاً. والإسراء لا يكون إلاَّ بالليل؛ لأن المدَّة التي أُسْرِيَ به فيها لا تُقْطَع في أقل من أربعين يومًا، فقُطعت به في ليلٍ واحد، فكان المعنى: سبحان الذي أسرى بعبده في ليلٍ واحد من كذا وكذا، وهو موضع التعجب، وإنما عدل عن ليلة إلى ليل؛ لأنهم إذا قالوا: سرى ليلة. كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة بالسرى، فقيل: ليلاً. أي في ليل.( أي في جزء يسير من الليل ) انظر: تاج العروس، مادة (السرى) 38/262. ... ولكن المجدد العبقري المبدد لكل ما هو صحبح قال : الاسراء هو السير ليلا .. فلماذا قال : ليلا .. إذن هو بربد السير ‘لى جبال الراة لا إلى الفدس ,,, هكذا التجديد وإلا فلا ..؟؟!! )))) تلك الرحلة الأرضيَّة وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقُدْرَة الله – سبحانه- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى: [[ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ]] [الإسراء:1]
وأمَّا المعراج فهو الرحلة السماويَّة والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:13-18]. وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة، وكان زمنها قبل الهجرة بسَنَةٍ. على أنه أُثِيرَ حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عِدَّة، فيما إذا كانت قد تمَّت هذه الرحلة بالرُّوح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمَّت؟ وقد أجبنا على هذه التساؤلات فيما سبق .
ولكن : هل الإسراء والمعراج معجزة؟ أم غير ذلك؟ فالمعجزة -كما هو معروف- هي أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدِّي، سالم عن المعارضة، يَظْهَر على يد مدعي النبوَّة موافقًا لدعواه( )، وكانت تُطلَب من الرسول برهانًا ودليلاً على صدقه، "باعتبار أن الشواهد المادِّيَّة والمعنويَّة الخارقة للمعتاد المألوف في قوانين الكون وأنظمته تضع الباحث عن الحقِّ أمام البرهان الواضح الدالِّ على صدق الرسول في دعواه الرسالة؛ ذلك لأن الذين يتحدَّاهم الرسول بالمعجزة لا يستطيعون الإتيان بمثلها منفردين أو مجتمعين، في حدود قدراتهم الممنوحة لهم بحسب مستواهم"( ). ومعنى ذلك أنَّ المعجزة يُجْرِيها الله – سبحانه- على يد الرسول تأييدًا له، وأنَّ الرسول يتحدَّى قومه بهذه المعجزة؛ ليتأكَّدوا أنها من قِبَلِ الله – سبحانه- ، ومن ثَمَّ يتأكَّدون من صدقه، وأنه مؤيَّد من السماء، وذلك بعد أنْ يَظْهَرَ لهم عجزهم عن الإتيان بمثلها، كما هو الحال مع معجزة القرآن الكريم. وعلى هذا الضوء يمكننا أن نفسِّر حادث الإسراء والمعراج؛ " فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتحدَّ أحدًا بهذه الرحلة، ولم يطلب من المشركين أنْ يُعَارِضُوه فيأتوا بمثلها، ولذلك إذا قلنا: إنها معجزة. فإننا نقول ذلك على سبيل المجاز؛ فهي أمر خارق للعادة، ولكنها لم تكن للتحدِّي، ولم يرَها الناس بأعينهم حتى يؤمنوا بها كإحدى معجزات النبوَّة، وإنما كان تسلية وتثبيتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختبارًا للمسلمين المقبلين على مراحل أخرى من الجهاد يَعْلَمُها الله؛ كالهجرة وما بعدها من بناء دولة الإسلام الثابتة الدعائم، القويِّة الأركان"( )
2- البشرى بفتح بيت المقدس : عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ ، مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.)( )
3- الترغيب في سكناها :
عن ذي الأصابع -رضي الله عنه- قال: ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا قَالَ عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ.)( ) وعن أبي الدرداء –رضي الله عنه- قال: عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستجندون أجناداً جند بالشام ومصر والعراق واليمن).قالوا: فخر لنا رسول الله؟ قال: (عليكم بالشام) قالوا: إنا أصحاب ماشية، ولا نطيق الشام. قال: (فمن لم يطق الشام فليلحق بِيَمنهِ، فإن الله قد تكفل لي بالشام) ( ). وهذا النصح منه لأصحابة نصح لأمته من بعد ذلك الجيل من خيار أصحابه، بأن يسكنوا الشام، وأن يأووا اليها عند إِشتداد الخطوب، ونزول البلاء والفتن بالأمة الإسلامية، فإنهم سيجدون فيها الأمن والطمأنينة والإيمان في أرضها وبين أبنائها. 4 - رباط الطائفة المجاهدة المنصورة، وعقر دار المؤمنين: عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.)(((( مسند الإمام أحمد: : ج5 : ص269 ، البخاري (3640)، ومسلم (1921))) ) . إن ارض فلسطين المباركة المقدسة، هي أرض إسلامية إيمانية، رغم ما يحل بها من نكبات، وتحكم الظلم، وعدوان الكفر، وهذه الأرض لهي أرض رباط دائم منذ الفتح الإسلامي الأول على يد الصحابة، حتى قيام الساعة. وهذه الأرض – فلسطين وما حولها- هي أرض جهاد مستمر على إختلاف الأزمان، وإنها أرض ساخنة حبلى بالأحداث، فهي أرض التحدي القوي ، بين المسلمين وأعدائهم، وهي ميدان الصراع والحرب مع يهود وصليبين. وهي أرض الحسم في المعركة بين الحق والباطل، بين المسلمين وأعدائهم، فعلى ثراها الطهور تتحطم مكائد وجيوش الكفر والبغي، ومن ثراها الطيب الطهور ترتفع أعلام النصر والتحرير. ولهذا جعلها الله أرض الرباط والجهاد والتحدي والحسم، ولهذا فضلها الله على سائر البقاع والبلدان. 5 - أرض المنشر والمحشر: عن ميمونة بنت الحارث المصطلقية أم المؤمنين قالت : (يَا رسول اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ : هو أَرْضُ الْمَحْشَرِ ، وأرض المنتشر ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ.......قلنا يا رسول الله ! فمن لم يستطع أن يتحمل إليه ؟ قَالَ: من لم يستطع أن يأتيه فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ قد أتاه .) ( ) وقالت ميمونة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ! إني جعلت على نفسي إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لا تقدرين على ذلك ، يحول بينك وبينه الروم ، ( وحاليا يحول بين المسجد وبين المسلمين.. اليهود المحتلين ؟!) فقالت : آتي بخفير يقبل ويدبر . فقال : لا تقدرين على ذلك ، ولكن ابعثي بزيت يستصبح لك به فيه ،فكأنك أتيته ) فكانت ميمونة تبعث إلى بيت المقدس كل سنة بمال يستصبح به في بيت المقدس ، حتى ماتت ـ فأوصت بذلك ) ( ). هذا قديما ، والآن لا يستعمل الزيت في إنارته ، إنما ينار بالكهرباء ، فربما يكون المقصود تقديم العون المادي لأهل بيت المقدس !! للإسهام في إعماره ، أو صيانته ،( ) أو دعم وتثبيت المرابطين فيه ،والله سبحانه هو الذي اختار بيت المقدس لتكون أرض المحشر والمنشر... وقبل هذا كله أرض الجهاد والرباط إلى يوم القيامة ، كما جاء على لسان المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.

الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسجد الأقصى المبارك
يختص المسجد الأقصى المبارك بعدد من الأحكام الفقهية عند الفقهاء، بحثوها في أماكن متفرقة في كتب الفقه : في أبواب الطهارة، والصلاة، والاعتكاف، والنذر، والحج، وغيرها وقد جمعها بعض الفقهاء في بحث مع المقارنة والترجيح، ليسهل الاطلاع عليها، ومعرفتها والإحاطة بها، ليكون المسلم على علم بها لتطبيقها، خاصة أنها تتعلق بمسجد له قداسته واحترامه، ويقع حالياً تحت نير الاحتلال،( ) وفيما يلي بيان هذه الأحكام :
1- المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وُضع في الأرض: ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي ذرٍّ ‏ - ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ‏ ‏قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ قَالَ ‏ ‏الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ‏ ، ‏قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ ثُمَّ ‏ ‏الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، ‏ ‏قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ قَالَ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فهو مَسْجِدٌ.(((( صحيح مسلم بشرح النووي : ج2: ص 153 . كتاب المساجد ومواضع الصلاة . وأعيد ما ذكرته سابقا وأقول .. في هذا الحديث بيانٌ واضحٌ أن المسجد الأقصى كان موجوداً قبل بني إسرائيل ، وقبل موسى ، وقبل داود وسليمان ، - عليهم السلام - وتلك حقيقة ثابتة بالأدلة اليقينية ، فإن المسجد الأقصى قد بني بعد المسجد الحرام بأربعين سنة فقط ، ولا يُهمنا تعيين أول من وضعه - وهو آدم عليه السلام - بقدر ما يهمنا أنه موضوعٌ في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة ، وهذا يدحض فِرية امتلاك اليهود للمسجد الأقصى ، أو أنه بُني على أنقاض المعبد أو الهيكل المزعوم.أو بناه داود – عليه السلام – على أرض اشتراها من يهودي كما قال المفتري عمرو خالد ؟؟!!))
2 - المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى : كان المسجد الأقصى قبلة المسلمين في الصلاة في بدايات الدعوة الإسلامية ، فقد ذكر الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ–صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ)( ) وفي حديث عَلْقَمَةُ بْنُ عَمْرٍو الدَّارِمِيُّ ... قَالَ : " صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِشَهْرَيْنِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-إِذَا صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَكْثَرَ تَقَلُّبَ وَجْهِهِ فِي السَّمَاءِ ، وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِ نَبِيِّهِ– صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ يَهْوَى الْكَعْبَةَ ، فَصَعِدَ جِبْرِيلُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ وَهُوَ يَصْعَدُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، يَنْظُرُ مَا يَأْتِيهِ بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ...) ( البقرة : 144 ) فَأَتَانَا آتٍ فَقَالَ : إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ صُرِفَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَقَدْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسٍ وَنَحْنُ رُكُوعٌ ، فَتَحَوَّلْنَا ، فَبَنَيْنَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- : " يَا جِبْرِيلُ ، كَيْفَ حَالُنَا فِي صَلَاتِنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ( البقرة: 143 ). ( )
3- المسجد الأقصى أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرّحال: أ- عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: "أربع قالهنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وسمعتهن منه آنقني ((((آنقني بالمد ثم نون مفتوحه ثم قاف ساكنة بعدها نونان، يقال آنقه كذا إذا أعجبه وشي مونق أي معجب، وقوله وأعجبنني من التأكيد بغير اللفظي. ابن حجر – فتح الباري 3/1197 )))) وأعجنني: (لا تسافر المرأة مسيرة يومين ولا ليلتين إلا ومعها ذو محرم أو زوجها، ولا صوم يومين، يوم النحر ويوم الفطر، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تشد الرحال إلاّ الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الاقصى، ومسجدي هذا"( ).
ب- عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تشد الرحال الاّ الى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي، والمسجد الأقصى)( ). 4 - الصلاة فيه مضاعفة الأجر: اختلف أهل العلم في مقدار مضاعفة ثواب الصلاة في المسجد الأقصى بناء على اختلاف الأحاديث في ذلك ، والحكم عليها صحة وضعفاً، ونظرهم في الجمع بينها أو الترجيح على النحو التالي: = أنها تعدل ألف صلاة : دليل ذلك ما ورد عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: ( أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه بألف صلاة في غيره..)( ) = أنها تعدل خمسمائة صلاة في غيره : دليله ما ورد عن أبي الدرداء: قال –صلى الله عليه وسلم- : ( فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة )( ) = أنها تعدل مائتين وخمسين صلاة: فعن أبي ذر- رضي الله عنه -قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه (الحبل الذي تربط بع الفرس ) من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا)( ) وهذا ما رجحه أهل العلم .. فالصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ( مائتين وخمسين صلاة.) . وقال بعض أهل العلم بالجمع بين الأحاديث : إن الله تفضل على عباده بزيادة تفضل منه في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى درجة فدرجة إلى أن ساواه في الفضيلة بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم -بألف صلاة . ( ) . وإنما يصار إلى الجمع عند صحة الأحاديث، أما إذا كان أحدها صحيحاً والآخر ضعيفاً فيجب تقديم الصحيح على غيره.. أما ما ورد من أن الصلاة في المسجد الأقصى افضل من خمسين ألف صلاة في غيره من المساجد إلاّ المسجد الحرام، وهو ما ورد عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمئة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة .( ) فهو حديث ضعيف، لأن في إسناده أبا الخطاب الدمشقي وهو لا يعرف( )، ورزيق أبو عبدالله الألهاني فيه مقال، ولا يجوز الاحتجاج به إلاّ عند الوفاق( ).
5 - زيارته بِنِيَّة الصلاة والرباط فيه ، مغفرة للذنوب: عن أبي ذر –رضي الله عنه- قال: تذاكرنا –ونحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أيهما أفضل أمسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً). قال: أو قال: (خير له من الدنيا وما فيها). وفي رواية : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان لقيد سوط - أو قال قوس الرجل - حيث يرى منه بيت المقدس خير له- أو أحب – من الدنيا جميعاً. (( ) عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ.)( ) . 6 - فضل الإهلال منه بالحج والعمرة: عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.) ( ) ولهذا حرص عدد من الصحابة والتابعين على الإهلال من بيت المقدس منهم :
= ابن عمر – رضي الله عنهما – حيث صح أنه أحرم من بيت المقدس ( ) .
= معاذ بن جبل، وكعب الأحَبار، وعبدالله بن أبي عمار. حيث أحرموا من بيت المقدس بعمرة( )
== ووكيع بن الجراح ، فقد روى أبو داود ( ) أنه أحرم من بيت المقدس إلى مكة المكرمة. == وأم حكيم ابنة أمية بن الأخنس، حيث ركبت إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة، وقد روى ذلك الإمام أحمد في مستنده ( ). وهذه المسألة مبنية على مسألة أخرى هي تقديم الإحرام على الميقات . وقد أجمع الفقهاء على جواز تقديم الإحرام على الميقات، نقل هذا الإجماع عدد من العلماء منهم ابن المنذر وغيره ( )، ولم يخالف في ذلك إلاّ الظاهرية( ) وقولهم هذا مردود – كما قال الإمام النووي – بإجماع من قبلهم من العلماء ( ). إلاّ أن الذين أجازوا الإحرام قبل الميقات اختلفوا في أفضلية الإحرام هل هو أفضل من الميقات أم من قبله؟ - فذهب أبو حنيفة والشافعي في قول والحنابلة في قول ، والثوري( )، إلى أن الإحرام من الميقات رخصة، وأن الإحرام قبله أفضل، واعتمدوا في ذلك على :
أ‌- قوله تعالى : "وأتموا الحج والعمرة لله "( البقرة : 196 ) ، وإتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك، ومن الأماكن النائية.
ب-الأحاديث الشريفة السابقة في الإهلال بالعمرة من بيت المقدس .
ج - ما ورد عن عدد من الصحابة، كما سبق ذكره، من إهلالهم من بيت المقدس.
1. - ما ذهب إليه الإمام مالك والأظهر عند الشافعية والحنابلة ، وعطاء ، والحسن( )، إلى أن الإحرام من الميقات أفضل، والحجة لهذا :
أ‌- فعلُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يحرم إلاّ من الميقات( ). ب_ ونهي عمر - صلى الله عليه وسلم - عمران بن الحصين لما أحرم من البصرة حيث أغلظ له ( ).
ج - ولأن ترك الإحرام قبل الميقات مباح، وفعل المُحرم ما نُهي عنه من الطيب وإتيان النساء معصية، وهو إذ أحرم لم يأمن على نفسه مواقعة المعصية، فكان ترك ما هو مباح من الإحرام قبل الميقات لأجل ما هو معصية أولى، ومن الغرر أبعد.
7 - : ما ينبغي أن يراعى أثناء الزيارة للمسجد الأقصى :
الزيارة مشروعة في كل الأوقات للمسجد الأقصى، ولكنه لا ينبغي أن يؤتى المسجد للزيارة في الأوقات التي يتقصّدها الضُلاّل ، مثل وقت عيد النحر ، فإن كثيراً منهم يسافرون إليه ليقفوا هناك، وكذلك السفر إليه من أجل التعريف – أي الوقوف بساحته مثل عرفة – معتقداً أن هذا قربة فهو محرم بلا ريب، وينبغي أن لا يشتبه بهم، ولا يكثر سوادهم( )...ومن هنا كره الإمام مالك – رحمه الله تعالى – فيما نقل عنه المجيء إلى بيت المقدس في وقت معين كوقت الحج ، الذي يذهب إليه جماعة فيقفون بساحته يوم عرفة، تشبهاً بالوقوف بعرفة، وينحرون الأضاحي تشبهاً بنحر الحجاج في منى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل هذا لا في قباء، ولا في قبور الشهداء ، وأهل البقيع ولا غيرهم( ). ويكره لمن زار المسجد الأقصى أن يتمسح أو يقبل اي بناء من أبنيته، أو أن يطوف به، وما ورد من أن بعض الناس كانوا يطوفون أو يقفون في ساحة الأقصى يوم عرفة فهو من البدع التي لا تجوز، لأنّ الطواف لا يكون إلاّ بالبيت الحرام فقط( ).
ولا يوجد في بيت المقدس مكان يقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى، لكن إذا زار قبور الموتى وسلم عليهم، وترحم عليهم، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلّم أصحابه فحسن، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم : "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون..." ( ).
8 - فضل الصلاة في المساجد الثلاثة لا يُجزىء عن الصلوات الفائتة : ومما لا خلاف فيه بين الفقهاء أن فضل الصلاة في هذه المساجد إنما يرجع إلى ثوابها، ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت من الصلوات، حتى لو كان على المسلم صلاتان فصلى في أحد هذه المساجد الثلاثة صلاة لا تجزه عنهما ( ).
أ - فضل الصلاة المفروضة والنافلة : اختلف الفقهاء في ذلك :
ذهب الشافعية والحنابلة وأبو المطرف( ) من المالكية : إلى أن ذلك يشمل الفرض والنفل( )، والحجة لهذا : عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصلاة في الأحاديث السابقة: " تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أيهما أفضل أمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو." ، ولم يوجد ما يخصص عموم ذلك بالفرائض دون النوافل. وذهب الحنفية وبعض المالكية في المشهور عندهم: إلى أن الفضل في الصلاة مختص بالفرض فقط ولا يشمل النوافل ( ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلاّ المكتوبة" ( ). ويمكن أن يردّ على ذلك بأنه لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه ، فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة المنورة ، أو مكة المكرمة ، أو بيت المقدس ، تضاعف على صلاتها في البيت بغيرها، وكذا في المساجد الثلاثة، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقاً. ب - إعادة الجماعة في المسجد الأقصى المبارك : أما إعادة الجماعة في المسجد الأقصى المبارك فقد اختلف فيها الفقهاء في ذلك :
- فذهب الحنابلة في قول ( ) : إلى كراهة إعادة الجماعة في المسجد الأقصى المبارك لئلا يتوانى الناس عن حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها ، إذا أمكنتهم الصلاة في الجماعة مع غيره .
- وذهب الحنابلة في قول آخر ( ) : إلى جواز ذلك ، والحجة لهذا، ما روى أبو سعيد الخدري قال : جاء رجل وقال قد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه السلام - : "أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل فصلى معه" ( )، ويدل بعمومه على ذلك ولم يَرِد ما يخصصه .
ج - المكان الذي تضاعف فيه الصلاة :
فضيلة الصلاة تختص بجميع المساحة المسوّرة التي يقع في طرفها الجنوبي المسجد الأقصى المبارك، أي ما يطلق عليه اليوم الحرم الشريف بالقدس الذي يقع في داخل السور، وقد أشار إلى ذلك الإمام مقاتل ( )، يؤيد ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إسرائه وصلاته بالمسجد الأقصى ، لم يكن المسجد الأقصى المعروف الآن والواقع في الجهة الجنوبية من الحرم الشريف موجوداً . كما أن مسجد الصخرة المشرفة لم يكن موجوداً أيضاً، إنما الموجود المكان الذي أحيط به السور بما فيه من ساحات واسعة، والصخرة المشرفة التي أزال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – الزبالة عنها عندما فتح بيت المقدس، وهذا هو المراد بالمسجد الأقصى في قوله تعالى : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ..." لأن المسجد شرعاً يطلق على كل موضوع من الأرض لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً....."( ) ففي هذا المكان بني مكان للعبادة منذ عهد آدم – عليه الصلاة والسلام - ( )، وبذلك يتبين أن إطلاق المسجد الأقصى على المسجد المعروف الآن هو اصطلاح حادث بعد العهد الإسلامي الأول، وأن جميع المؤرخين والعلماء إنما أطلقوا المسجد الأقصى على ما دار عليه السور وفيه الأبواب ، وهو الذي كان معروفاً عند الإسراء والمعراج( ).
9- : هل المسجد الأقصى يعتبر حرماً كحرم مكة والمدينة ؟
أ - : المسجد الأقصى له فضيلة على غيره من المساجد ، فأفضل المساجد على الإطلاق المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم المسجد الأقصى ، ويمتاز المسجد الأقصى بأن الله سبحانه بارك حوله وفي ذلك تعظيم للمسجد نفسه. وهذه المساجد الثلاثة هي المساجد التي تُشد الرحال إليها للعبادة . جاءت الأحاديث في بيان فضل الصلاة في بيت الله الحرام في مكة ، وفي المسجد النبوي ، وفي المسجد الأقصى .. ب - : الحرم له أحكام تخصه ، شرعها الله تعالى :
منها : تحريم القتال فيه .
ومنها : أنه يحرم صيد الحيوانات والطيور الموجودة به ، ويحرم قطع نباته الذي نبت بفعل الله تعالى ولم يزرعه أحد . وقد امتن الله تعالى على أهل مكة بأن جعل لهم مكة حرما آمناً ، يأمن فيه الناس والدواب ، قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )(القصص: 57 .)
وقال : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) (العنكبوت / 67 .)
وقال تعالى : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا )( البقرة / 97 .)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا ) .( )
والعضاة كل شجر فيه شوك ، وإذا حُرِّم قطعُ الشجر الذي فيه شوك فتحريم قطع الشجر الذي لا شوك فيه من باب أولى .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ . . . أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ . . الحديث ) . ( ) قال النووي : فِيهِ : جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلْفِ , وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا بِخِلَافِ خَبْط الْأَغْصَان وَقَطْعهَا ; فَإِنَّهُ حَرَام اهـ.
والقدس... ليست حرماً بهذا المعنى باتفاق المسلمين ، وقد توسع الناس في إطلاق هذا الوصف ( أعني : الحرم ) فصارت القدس حرماً ! وصار مسجد إبراهيم الخليل في فلسطين حرما ! بل صارت الجامعات يقال عنها : الحرم الجامعي !!! وليس هناك حرم في الأرض إلا حرم مكة ، وحرم المدينة ، ووادٍ بالطائف اسمه ( وُج ) اختلف العلماء فيه هل هو حرم أم لا ؟
قال شيخ الإسلام : وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرما ، ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع ، إلا ثلاثة أماكن :
أحدها : هو حرم باتفاق المسلمين ، وهو حرم مكة ، شرفها الله تعالى .
والثاني : حرم عند جمهور العلماء ، وهو حرم النبي ( يعني المدينة النبوية ) فإن هذا حرم عند جمهور العلماء ، كمالك والشافعي وأحمد ، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - .
والثالث : وُجّ ، وهو وادٍ بالطائف ، فإن هذا رُوِيَ فيه حديث ، رواه أحمد في المسند ، وليس في الصحاح ، وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث ، وليس حرماً عند أكثر العلماء ، وأحمد ضعف الحديث المروي فيه فلم يأخذ به . وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين ، فإن الحرم ما حرم اللهُ صيده ونباته ، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة اهـ .( ) وقد درج الكاتبون عن القدس والمسجد الأقصى المبارك بتسميته ( بالحرم ) وإن كانوا لا يقصدون أنه يحرم صيده ، وقطع نباته كالحرمين بمكة والمدينة سواء بسواء ، وإن كانوا يقصدون فقط تكريمه وتعظيمه، فهو المسجد الوحيد الذي قال الله فيه ( الذي باركنا حوله ) وهو حريٌّ بذلك .
10 - : استحباب المجاورة ببيت المقدس : ولهذه الفضيلة للعبادة في المسجد الأقصى المبارك استحب الفقهاء المجاورة بالمسجد الأقصى المبارك،والسكنى في بيت المقدس ( )، ولهذا كان المسلمون وما زالوا يتسابقون إلى الصلاة فيه من جميع بقاع الأرض طمعاً في رضا الله تعالى ومثوبته دون أن يضع الواحد منهم نصب عينيه رقماً معيناً لمقدار فضيلة الصلاة فيه، لأن الله تعالى يضاعف الحسنة الواحدة أضعافاً مضاعفة، ولا يقف بالأجر والثواب عند رقم معين، ولأن العدد لامفهوم له كما هو مقرّر في أصول الفقه، وإنما المقصود أن الأجر فيها عظيم والثواب فيها كبير، والله أعلم ( ). ولهذا فإننا نجد أنه منذ الفتح العمري لبيت المقدس قد توافد عليها عدد كبير من الصحابة( ) للمجاورة بها، وقد عرفت القدس تسعة وثلاثين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم علاقة بها، منهم سبعة دفنوا في أرضها، وهم:
1 - عبادة بن الصامت( ).........
2 - شداد بن أوس الخزرجي( ).
3- ذو الأصابع التميمي ويقال : الخزاعي( )..
4 - واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر ( ). 5 - سلامة بن قيس الحضرمي( ).... . 6 - أبو أبي عبدالله عمرو بن أم حرام الأنصاري الخزرجي( ). ..... 7 - شمعون بن زيد بن خناقة، أبو ريحانة الأزدي( ).
كما عرفت القدس أسماء اثنين وستين تابعياً جليلاً، ومن جاء بعدهم من العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسرين، وقد أورد صاحب الأنس الجليل ( ) أسماء (440) عالماً ، وقاضياً ، ومؤلفاً ، عاشوا في ظلال المسجد الأقصى المبارك، وذلك في فترة الفتح الصلاحي . 11- : مضاعفة الحسنات والسيئات في المسجد الأقصى: أ - ذهب جماعة من السلف إلى أن الحسنات والسيئات تتضاعف في المسجد الأقصى المبارك كما تتضاعف في المسجد الحرام والمسجد النبوي( )، روي ذلك عن ابن عمر، - رضي الله عنهما - ، وكعب الأحبار ، ومجاهد ، وعبدالله بن عمرو بن العاص( )،- رضي الله عنهم أجمعين - .. وحجتهم : ما روى أبو بكر الواسطي عن نافع قال :قال لي ابن عمر - رضي الله عنهما - : "أخرج بنا من هذا المسجد فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات"( ). وهذا يقتضي من المسلم أن يكون على حذر في هذه البقعة المباركة فلا يعمل السيئات، لأنها تضاعف فيه، أي تزداد فحشاً وقبحاً فتصبح السيئة سيئتين، لأن العاصي في زمان أو مكان شريف أشد جرأة وأقل خوفاً من الله تعالى.
ب-. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن السيئات لا تضاعف، وأنها بمكّة أو بالأقصى او بالمسجد النبوي كغيرها( )، لعموم قوله تعالى : ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون ) (الأنعام : 160 ) . وبذلك يكون معنى مضاعفة السيئات؛ أن عقوبة من اقترف ذنباً في أحد المساجد الثلاثة أعظم عقوبة ممن اقترفه في غيرها لشرف هذه المساجد الثلاثة ، والذنب الواحد في أحد هذه المساجد الثلاثة أعظم من ذنوب كثيرة في غيرها من المواضع، وهذا لا يعني أن الإنسان إذا عمل ذنباً واحداً تكتب عليه عشرة ذنوب ( )، والله تعالى يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون ).( الأنعام : 160 )
12- : استحباب صلاة العيد في المسجد الأقصى المبارك : ومن الأحكام الخاصة بالمسجد الأقصى المبارك استحباب صلاة العيد فيه، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المصلى، وإلى هذا ذهب الشافعية في المعتمد عندهم ( ).
13 - : وجوب الوفاء بنذر الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى : ومن الأحكام الخاصة المتعلقة بالمسجد الأقصى المبارك أن من نذر الصلاة والاعتكاف فيه لزمه أن يوفيه فيه، ولا يجزيه أن يوفيه فيما دونه من المساجد لفضله على سائر المساجد إلاّ المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء ، والإمام زفر من الحنفية( )،
وحجتهم في ذلك :
1- قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تشد الرحال إلى مسجد إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى"( )
2- ولأن الأصل أن الإنسان لا يخرج عن موجب نذره إلاّ بالأداء في المكان الذي عينه أو في مكان هو أفضل منه، وأفضل البقاع لأداء الصلاة فيها أو النذر ، المسجد الحرام ، ثم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم مسجد بيت المقدس.
3- ولما ورد أن رجلاً جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فقال : يا رسول الله، إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في مسجد بيت المقدس ركعتين، فقال : "صل ههنا" ثم أعاد عليه، فقال : صل ههنا" ثم أعاد عليه، فقال :"صل ههنا" ثم أعاد عليه، فقال : "شأنك إذن ( ) فهذا دليل على وجوب أداء النذر في المكان الذي هو أفضل منه .
وذهب الإمام الشافعي في أحد قوليه ، وأبو حنيفة : بأن لا يلزمه الوفاء بالنذر في المسجد الأقصى ( ). ومن نذر المشي إلى المسجد الأقصى، فهل يلزمه ذلك؟ ويجب عليه الوفاء بنذره ؟ اختلف في ذلك الفقهاء : ذهب الإمام مالك في أصح القولين ، وأحمد والأوزاعي وأبو عبيد وابن المنذر والشافعي في قول إلى وجوب ذلك ( )، والحجة لهذا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"( ). ولأنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، فيلزم المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام، ويلزمه بهذا النذر أن يصلي في الموضوع الذي أتاه ركعتين، لأن القصد بالنذر القُربة والطاعة ، وإنما تحصيل ذلك بالصلاة، فتضمن ذلك نذره، كما يلزم ناذر المشي إلى بيت الله الحرام أحد النسكين، ونذر الصلاة في أحد المسجدين كنذر المشي إليه، كما أن نذر أحد النسكين في المسجد الحرام كنذر المشي إليه. وذهب أبو حنيفة والشافعي في قوله ( ) : "إلى أنه لا يجب الوفاء بنذر المشي إلى المسجد الأقصى إنما يستحب ذلك، لأن البر بإتيان بيت الله الحرام فرض، والبر بإتيان المسجد الأقصى نفل ، ويرد على ذلك بأن كل قُربه تجب بالنذر ، يجب الوفاء بها ، لقوله -صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"( )، وهذه قُربه فتجب بها .
14 - : استحباب ختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى المبارك : يستحب ختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى المبارك، لما روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي مجلز قال : كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم بها القرآن الكريم قبل أن يغادرها راجعاً إلى بلاده، وهو المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسجد الأقصى. ولما روى أبو المعالي : أن سفيان الثوري كان يختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى .
4 - حائط البراق: ( الذي يسميه اليهود حائط المبكى ) :
كثيرة هي الانتهاكات اليهودية للمسجد الأقصى ومحيطه ، حتى أنها أصبحت يومية . فما معنى أن يستمر الحفر تحت أساسات المسجد الأقصى ومحيطه ، وما معنى أن تسمح السلطات الإسرائيلية لليهود بالتجول في ساحات المسجد الأقصى ، وقد اعترف العديد من هؤلاء المتطفلين المتطرفين بتأديتهم للصلاة سرا على دكة المسجد ، مبينين زيف ادعاءات السلطات التي تدعي أنها تمنع هؤلاء من تأدية الصلوات. وتتناقل وسائل الإعلام تهديدات المتطرفين اليهود والمسيحيين الإنجيليين الصهاينة بتفجير المسجد الأقصى ، والاستيلاء على بيوت محاذية للمسجد الأقصى، وكذلك قيام مجموعة من المتطرفين اليهود بتكسير أعمدة رخامية أثرية قرب المتحف الإسلامي داخل ساحات الأقصى المبارك. ولقد توجت هذه الانتهاكات بما حصل مؤخرا من انهيار ليس بالمفاجئ!! في محيط المسجد الأقصى بسبب أعمال الحفر الإسرائيلية ، وعلى وجه التحديد انهيار جزء من الطريق المؤدي إلى باب المغاربة ، أحد الأبواب الرئيسة للمسجد الأقصى المبارك. ومن المعروف أن السلطات الإسرائيلية ومنذ أوائل عام 2001 وحتى يومنا هذا تمنع دائرة الأوقاف الإسلامية ، ومؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية ، من القيام بأعمال ترميم لازمة في المسجد الأقصى ومحيطه. وقد وقع الانهيار عند الساعة الواحدة من فجر الأحد 15/2/2004في الطريق المؤدي إلى باب المغاربة من جهة حائط البراق . ومن المعروف أن السيادة التي تتمتع بها سلطة الأوقاف على المسجد الأقصى هي صورية ، حيث لا يسمح لها ببناء أو ترميم أي جزء من أجزاء المسجد الأقصى إلا بعد الموافقة الإسرائيلية.وقد حذرت سلطة الأوقاف الإسلامية على لسان مديرها عدنان الحسيني من إمكانية حدوث انهيارات جديدة في منطقة المسجد الأقصى نتيجة الحفريات الإسرائيلية. وقد عزا السيد الحسيني انهيار جزء من الطريق المؤدي إلى باب المغاربة إلى أعمال الحفر الإسرائيلية التي ما زالت مستمرة منذ 53 عاماً.

حائط البراق، حيث ربط النبي محمد دابّته البراق في رحلة الإسراء والمعراج.
وحائط البراق : من أشهر معالم مدينة القدس المحتلة، وهو الحائط الذي يحد المسجد الأقصى من الزاوية الجنوبية الغربية وفيه الباب الذي دخل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء والمعراج حين عرج به - عليه الصلاة والسلام - إلى السموات العلا.. ويدعى هذا الباب أيضًا بباب محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وسمي فيما بعد بباب المغاربة، ، والسبب في ذلك أن جماعات كثيرة كانت تستفيد من الوقفيات حينما أصبحت القدس بعد الفتح الإسلامي موئلاً للقراء والعباد والمرابطين من جميع بقاع الأرض الإسلامية، فقطن في هذا المكان أي من الجهة الغربية للمسجد الأقصى جماعات من المغاربة، وذلك على إثر إيقاف الملك الأفضل نور الدين علي الابن الأكبر لصلاح الدين هذه الجهة عليهم، وبنى لهم في هذا المكان مدرسة عرفت باسمه، وعرف المكان بحي المغاربة أو بحارة المغاربة، ووقفية هذا المكان مؤيدة بصكوك محفوظة لدى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، ولو أن صحيفتها الأصلية ضاعت، فأعيد تقييدها بأمر القاضي الشرعي، وبحسب الأصول الشرعية. وهو حائط ليس للتقديس ولكن لأنه يرمز إلى معان جليلة في الإسلام فإن له أهمية عظيمة عند المسلمين ، فضلا عن أن كل أرض القدس وما حولها مقدسة ومباركة عند المسلمين بنص القرآن الكريم .
وللحائط مكانة دينية كبيرة لدى المسلمين حيث يرتبط الحائط بمعجزة الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - " الإسراء والمعراج"، قال تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }{ الإسراء : 1} ومنها جاءت تسمية الحائط "بحائط البراق" نسبة للدابة التي ركبها محمد - عليه الصلاة والسلام - عند إسرائه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حيث ربط البراق في حلقة في هذا الحائط، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أُتيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل ، يقع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر ، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل : اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء ....الحديث ).( ) ودخل إلى المسجد الأقصى ثم صلى بالأنبياء ، ثم عُرج به إلى السماوات العلا . وبعد الاحتلال الصهيوني المسرحي لمدينة القدس عام سبعة وستين وتسعمائة وألف ، تم إجراء حفريات في المنطقة المواجهة للحائط بهدف إظهار الجزء المخفي منه ، وكشف طبقات الحجارة المطمورة، واتضح أن الحائط القديم يتكون من سبع طبقات حجرية يعود تشكيلها إلى فترة حكم هيردوس الآدومي ما بين عامي سبعة وثلاثين ، وأربعة قبل الميلاد، وهناك أربع طبقات حجرية يعود تشكيلها إلى العصر الروماني الأول، أما الحجارة في القسم العلوي من الحائط فقد أقيمت في العهد البيزنطي، فيما أقيمت أقسام أخرى بعد الفتح العربي الإسلامي لبيت المقدس، استغرقت الحفريات الصهيونية حول حائط البراق قرابة عامين، وتسببت في تصدع الأبنية الملاصقة للحرم القدسي وعددها 14 بناء، وقامت سلطات الاحتلال بإزالة هذه الأبنية بالجرافات، في إطار عملية هدم طالت أكثر من 150 عقاراً، وصادرت نحو 595 عقاراً إسلامياً. وبعد هذه العمليات أصبح حائط البراق مكشوفاً تمتد أمامه ساحة واسعة، أصبح طوله عند الصهاينة نحو ثلاثمائة وستين مترا ، ويرون أن طوله الكلي يقع على امتداد الجدار الغربي للمسجد القدسي ، والبالغ طوله نحو أربعمائة وواحد وتسعين متراً. قسمها الصهيونيون بواسطة حاجز حديدي إلى قسمين، أحدهما للنساء والآخر للرجال ، وأصبح طول الحائط عندهم نحو 360 م ، ويذهب اليهود إلى أن طوله الكلي يقع على امتداد الجدار الغربي للحرم القدسي البالغ طوله نحو 491 .. ويبلغ الطول الأصلي لحائط البراق 58 متراً، وارتفاعه 20 متراً، ويضم 25 مدماكاٌ ( صفاٌ ) من الحجارة، السفلية منها هي الأقدم. ويبلغ عمق الحائط المدفون تحت سطح الأرض نحو ثلث الحائط الظاهر فوقه . ( )
ويدعي اليهود أن الحائط جزء من الهيكل؟!! لذلك يقومون بالبكاء والنواح بالقرب منه، وهو ما يفنده التاريخ وتبطله الدراسات والأبحاث.. إذ ليس هناك أي أثر يثبت وجود الهيكل اليهودي ، أو ما يمكن أن يمت إليه بصلة، وأن علماء الآثار والمنقبين اليهود أنفسهم ، أو الذين استقدمهم اليهود ، وصلوا إلى صخرة الأساس في المكان ، ولم يعثروا على أي دليل مادي مهما كان صغيراً يؤكد صحة الروايات اليهودية.
وفي أيام الدولة العثمانية، سمحت السلطات العثمانية لليهود المقدسيين أداء بعض الطقوس الدينية قبالة الحائط ، ولكنها حظرت عليهم وضع المقاعد قبالة الحائط ، أو القيام بأية مبادرة أخرى لجعل المكان مصلى يهوديا دائما. وفي عام1911م قام متولي الأوقاف أبو مدين الغوث بالاحتجاج حين قام أفراد من الطائفة اليهودية، الذين جرت عادتهم بزيارة الحائط وقوفًا، بجلب كراسي للجلوس عليها أثناء الزيارة. وبناءًا على ذلك أصدر مجلس إدارة لواء القدس تعليمات تنظم زيارة اليهود للحائط، وتمنع جلب أي مقاعد أو ستائر عند الحائط. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واعتماداً على وعد بلفور الذي يَعِدُ بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، أخذ اليهود يسعون إلى اكتساب حقوق واسعة لهم في هذا المكان ، عن طريق تغيير الحالة الراهنة التي كان عليها الحائط قبل الحرب. وعندما وضع صك الانتداب على فلسطين الذي صودق عليه من قبل عصبة الأمم في 1922م ، تضمنت مواده الثمانية والعشرون عددًا من المواد المتعلقة بالأماكن المقدسة ، كان أهمها المادة 14التي تنص على أن : ( تؤلف الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتحقيق وتقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة ، والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين ، وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة وقوامها ووظائفها على مجلس عصبة الأمم لإقرارها ، ولا تعين اللجنة ولا تقوم بوظائفها دون موافقة المجلس المذكور.) لكن هذه اللجنة لم تعين... وطوال السنوات 22، 23، 25، 26، 1928م، كان هناك محاولات يهودية لجلب مقاعد عند الحائط ، لكنهم في عام 1928م حاولوا استخدام خزانة ومصابيح وحُصُر، وستائر للفصل بين الرجال والنساء، فأرسل مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني – رحمه الله - رسائل إلى حاكم القدس ينبهه إلى تلك المخالفات، وصدرت التعليمات من الإدارة الانجليزية المنتدبة بمنع اليهود من جلب كراسي أو ستائر إلى الحائط.( انظر مقال د. حنا عيسى ، ( حائط البراق ...) موقع دنيا الوطن بتاريخ 3 – 2 – 2016 م . بتصرف) .
من عادة اليهود تزييف التاريخ :
جاء في دراسة لمؤرخ مصري وهو الدكتور عادل حسن غنيم أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، أن الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف لم تكن له أية أهمية دينية في اليهودية قبل نحو أربعة قرون حيث كان اليهود يصلون عند الحائط الشرقي للأقصى ، لأنهم " مُنعوا من دخول المدينة أثناء حكم الصليبيين فكانوا يصلون عند الحائط الشرقي للحرم ، غير أن تغيرا حدث... حيث كانت هجمات البدو سببا في عدم تجمعهم للصلاة على جبل الزيتون ،
ويقول : إن الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس عام 1971 تقول أن "الحائط الغربي أصبح جزءا من التقاليد الدينية في حوالي عام 1520 ميلادية نتيجة للهجرة اليهودية من أسبانيا و بعد الفتح العثماني سنة 1517".
و يذكر المؤلف أن إبراهيم باشا ابن محمد علي أعلن منذ بداية حكمه لولايات الشام مساواة جميع الطوائف في المعاملات و الحرية الدينية حيث تم إلغاء كافة العوائد والمرتبات و الحراسة التي كانت تؤخذ من الأديرة المسيحية واليهود كما سمح لليهود بالاقتراب من الحائط و البكاء عنده مقابل 300 جنيه انجليزي؟؟!!!!! كانوا يسددونها سنويا لوكيل وقف أبو مدين".
بعد سنوات قليلة من الفتح العثماني لفلسطين ( 1517 م ) طرأ تغير شديد الخطورة في سياق المزاعم اليهودية الخاصة بالقدس، آنذاك كانت الهجرة اليهودية من أسبانيا إلى الدولة العثمانية في حالة ازدياد مستمر، بفعل عامل الجذب العثماني المتسامح وعامل الطرد المسيحي الذي كان يضيق الخناق على اليهود وغيرهم ، منذ أواخر القرن الخامس عشر. وبحلول العام 1520 م ، أي بعد نحو عامين على الاحتلال العثماني للقدس ، دخل " الحائط الغربي " إلى التقاليد اليهودية الجديدة وصار جزءاً مهما ، وتحول إلى حائط لبكاء اليهود عنده ، منذ ذلك الحين فصاعداً راحت المصادر اليهودية تصف الحائط بأنه مكان مقدس يجتمع اليهود بجواره لأغراض الصلاة. ويمكن التأريخ لبداية تبلور الأطماع اليهودية بحائط البراق اعتباراً من ذلك العام. ولم يكن يدور في خلد سلاطين العثمانيين ما يبيته اليهود لحائط البراق وللقدس وفلسطين عموماً، فكانا يبديان العطف عليهم جرياً على عادة العديد من الخلفاء والسلاطين والقادة المسلمين، سواء عبر السماح لهم بالإقامة في البلاد الإسلامية، أو عبر تمكينهم من أداء الطقوس والشعائر الدينية الخاصة بهم. وبدورهم استغل اليهود التسامح العربي الإسلامي معهم ، فكانوا يدعون أن هذا يبرهن على اعتراف المسلمين بحقوقهم ،ومنها حقهم في البكاء أمام حائط البراق الذي يشير برأيهم إلى الموافقة الإسلامية على علاقتهم بالحائط . و يقول غنيم في دراسته "لم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك يقرؤون المزامير و يقبلون الأحجار.. وسرعان ما اجتذب الحائط الغربي أساطير كثيرة حيث تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص الحائط الغربي ، وهكذا أصبح الحائط رمزا لليهود".
بداية الصراع :
في أواخر العام 1918 وبانتهاء الحكم العثماني لفلسطين ، أصبحت البلاد تدار بإدارة عسكرية بريطانية أطلق عليها اسم "الإدارة الجنوبية لبلاد العدو المحتلة"واتخذت من مدينة القدس مقرا لها ، وعملت تحت سلطة حاكم إداري عام كان يتلقى أوامره من القائد العام الجنرال أللنبي، تحت إشراف وزارة الحربية البريطانية التي كانت تنفذ التعليمات وأوامر وزارة الخارجية. وكانت الحكومة البريطانية قد تنكرت للوعود التي قطعتها للشريف حسين خلال مراسلات الحسين مكماهون (1915-1916) بشأن الاستقلال. إذ قامت بإجراء مفاوضات سرية مع الحكومة الفرنسية حول مصير البلدان العربية التي كانت تحت الحكم العثماني وتمخضت هذه المفاوضات عن التوقيع على اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 بين الحكومتين ، وبموجبها كانت العراق وشرق الأردن وسواحل الجزيرة العربية الشرقية الجنوبية من نصيب بريطانيا. بينما اختصت فرنسا بسورية ولبنان. أما فلسطين فقد نصت الاتفاقية على وضعها تحت إدارة خاصة وفاقا لاتفاقية تعقد بين روسيا وفرنسا وبريطانيا ، كما منحت الاتفاقية بريطانيا مينائي حيفا وعكا ، على أن يكون ميناء حيفا حرا لتجارة فرنسا ومستعمراتها.
وأخذت الإدارة العسكرية تعمل على تهيئة فلسطين بشكل تدريجي حتى تصبح وطنا قوميا لليهود، فاتبعت سياسة علنية موالية للحركة الصهيونية ، إذ قامت بتضييق الخناق الاقتصادي على عرب فلسطين وخاصة الفلاحين منهم ، وتهويد الوظائف الحكومية، وفتح الأبواب أمام تدفق المهاجرين اليهود، وغير ذلك من الأساليب لإرساء الدعائم الأولى للوطن القومي اليهودي وتنفيذ وعد بلفور. ولم يكن عرب فلسطين بمنأى عن هذه السياسة، فقد أدركوا مدى تحيز ومحاباة الحكومة البريطانية تجاه اليهود ، ومساندتها لمطالبهم في الاستيطان والهجرة ، ونزع الأراضي من أصحابها العرب، فكان لا بد من أن يكون ردة فعل من عرب فلسطين إزاء كل هذه السياسات.
وفي 22 يونيو عام 1922 أصدر وزير المستعمرات ونستون تشرشل بيانا بشأن السياسة البريطانية تجاه فلسطين عرف باسم الكتاب الأبيض، حيث أكد بأن وعد بلفور يعني إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وأكد أن هذا التصريح الذي حظي بتأييد دول الحلفاء في مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر، غير قابل للتغيير. وبين أن وجود الشعب اليهودي في فلسطين هو حق وليس مِنَّة, بل يستند إلى صلة تاريخية قديمة. (هذا يؤكد إيمان بريطانيا وأوروبا, قديما وحديثا, بأن الصراع ديني بحت ولا اعتبار للمصالح)
ومما أدى إلى ازدياد حدة التوتر لدى العرب هي محاولات اليهود الاعتداء على المقدسات الإسلامية وأراضي الأوقاف في مدينة القدس، الأمر الذي أدى إلى ازدياد نقمة الفلسطينيين على الحكومة. وأدت الى حصول ثورة البراق 1929 م ، وكان السبب الرئيسي في الصدامات التي وقعت 1929م يعود للخلافات بين الطرفين حول حائط البراق الذي يعتبر مكانا مقدسا لدى المسلمين.
لقد جرت العادة أن يسمح لليهود بزيارة البراق والبكاء على خراب هيكل سليمان دون أية معارضة من قبل المسلمين ، وذلك من باب التسامح الديني ومن باب أنها مجرد شعائر يؤدونها دون أن يكون لهم أي حق مكتسب في هذا المكان...وبعد وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني حاول اليهود خلال فترة العشرينات إجراء بعض التغييرات في الوضع القائم، ففي 24 أيلول 1928 ، وبمناسبة عيد الغفران قاموا بنصب المقاعد أمام الحائط وجلب الكراسي والمصابيح والحصر وكتب التوراة وإقامة الستار الخشبي الذي يفصل بين الرجال والنساء، وذلك تمهيدا لإقامة كنيس يهودي في هذا المكان، مما أدى إلى احتجاج المسلمين وتدخل الحكومة البريطانية التي قامت بإزالة الستار ورفع كافة الأغراض التي وضعها اليهود والتي تخالف ما كان معتادا عليه من قبل...وانعقد مؤتمر إسلامي في أول تشرين الثاني 1928 حيث اتخذ العديد من القرارات من أهمها:
أ - مطالبة الحكومة بمنع اليهود منعا باتا من وضع أية أداة من أدوات الجلوس ، والإنارة ، والعبادة ، والقراءة وضعا مؤقتا أو دائما في ذلك المكان ، في أية حالة من الأحوال ، وأي ظرف من الظروف ، ومنعهم من رفع الأصوات ، وإظهار المقالات ، بحيث يكون المنع باتا حتى لا يضطر المسلمون إلى أن يباشروا منعه بأنفسهم مهما كلفهم الأمر ، دفاعا عن هذا المكان المقدس وعن حقوقهم الثابتة لهم فيه.
ب - إبعاد المستر بنتويش الزعيم الصهيوني البريطاني عن منصبة كمدع عام ، والذي اشتهر بآرائه المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين.
ج - كما قرر المؤتمرون إنشاء جمعية تعرف ب"جمعية حراسة الأماكن المقدسة" على أن يكون مركزها في مدينة القدس ، وأن تتعاون في مهامها مع "لجنة الدفاع عن البراق الشريف" وأنيط بهذه الجمعية مهام تنفيذ قرارات المؤتمر الإسلامي، وإنشاء فروع لها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، والاتصال مع الجاليات الإسلامية في المهجر.
وفي أواخر تشرين الثاني 1928م أصدرت الحكومة كتابا أبيض رقم 2229 عن أحداث البراق لعام 1928 تضمن مسؤولية الحكومة في الحفاظ على حقوق اليهود في أداء الصلاة عند الحائط ، وأن يأخذوا معهم الأشياء الجوهرية التي كان مسموحا بها خلال الحكم العثماني.
وفي 15 آب 1929م وبمناسبة ذكرى إحياء هيكل سليمان ، قام اليهود بمظاهرة ضخمة في شوارع مدينة القدس ، واتجهوا إلى حائط البراق ، حيث رفعوا العلم الصهيوني وأنشدوا النشيد الوطني الصهيوني، الأمر الذي أدى إلى استفزاز مشاعر المسلمين ، فقاموا في اليوم التالي بمظاهرة مضادة حطموا خلالها منضدة لليهود على رصيف الحائط ، وأحرقوا أوراق الصلوات اليهودية الموجودة في ثقوب الحائط. فكانت هذه الأحداث مقدمة للصدامات الكبيرة التي وقعت بين الطرفين في 23 آب 1929م ، والتي ابتدأت من مدينة القدس وامتدت لتشمل كافة أنحاء فلسطين، ولم تهدأ إلا بعد تدخل القوات العسكرية البريطانية التي استخدمت كافة أساليب القمع والعنف بحق العرب.
وعلى أثر هذه الأحداث أعلن اللورد باسفيلد وزير المستعمرات في الحكومة البريطانية في 13 أيلول 1929م ، تعيين لجنة للتحقيق عن الأسباب المباشرة التي أدت إلى وقوع الاضطرابات الأخيرة في فلسطين. وتشكلت اللجنة من السير والتر شو قاضي قضاة ملقا سابقا رئيسا، والسير هنري بتريون من حزب المحافظين عضوا، والمستر هوبكن موريس من حزب الأحرار عضوا ثانيا، والمستر هنري سنل من حزب العمال عضوا ثالثا. وصلت اللجنة إلى فلسطين في 24 تشرين الأول 1929م ومكثت فيها 66 يوما معظمها في مدينة القدس ، عقدت خلالها سبعا وأربعين جلسة علنية ، وإحدى عشرة جلسة سرية ، استمعت فيها إلى العديد من الشهود من الأطراف الثلاثة ، الإنجليز ، والعرب ، واليهود.
وبينت اللجنة أن الأسباب المباشرة للاضطرابات تتمثل في سلسلة الحوادث الطويلة المتعلقة بحائط البراق التي ابتدأت يوم عيد الغفران في شهر أيلول 1928 م ، وانتهت بالمظاهرة الإسلامية التي أقيمت بجانب الحائط في 15 آب 1929م ، كانت أكبر مساعدة في وقوع الاضطرابات، ثم يلي ذلك أهمية في سلسلة الحوادث أعمال جمعية حراسة الأماكن المقدسة وبدرجة أقل أعمال لجنة الدفاع عن حائط المبكى اليهودية، وحملت اللجنة الصحافة العربية واليهودية مسؤولية: إثارة الخلافات بين الشعبين نظرا للمقالات المهيجة الخارجية عن حد الاعتدال التي كانت تنشرها تلك الصحف.
وكان من ضمن توصيات لجنة شو تعيين لجنة دولية للفصل في الحقوق المطالب المتعلقة بحائط البراق. وتنفيذا لهذا التوصية شكلت الحكومة البريطانية لجنة من ثلاثة أشخاص عرفت باسم لجنة البراق الدولية، وقد أقر مجلس عصبة الأمم هذه اللجنة في 15 أيار 1930م. وفي 19 حزيران 1930م وصلت اللجنة إلى مدينة القدس ، وأقامت فيها شهرا عقدت خلاله 23 جلسة واستمعت إلى شهادات أدلى بها العديد من اليهود والعرب. أبرز فريق المسلمين للجنة مستندات ووثائق متعددة كسجلات المحاكم الشرعية ، والفرمانات التي أصدرها السلاطين العثمانيون المتعلقة بالحائط والمراسلات بين المجلس الإسلامي الأعلى من جهة ، وحكومة الانتداب ، وعصبة الأمم من جهة ثانية، وصور فوتوغرافية، بالإضافة إلى خلاصات لكتب الجغرافيين ، والسياح ، والرحالة ، والمؤرخين الغربيين.
وبين الجانب الإسلامي للجنة بأن البراق جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف ، ولا يوجد فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان .
كما أن الممر الكائن عند الحائط ليس طريقا عاما لأنه أنشئ لمرور سكان حارة المغاربة وغيرهم من المسلمين للذهاب إلى مسجد البراق والحرم الشريف.. كما بين أيضا أن السماح لليهود بزيارة الحائط خلال أيام معينة ، لا يعني سوى أنه من قبيل التسامح الذي أبداه نحوهم المسلمون، وقد استند الجانب الإسلامي في ذلك إلى ما أورده السياح والمؤرخون والجغرافيون من أنه لما كان يسمح لليهود بالاقتراب من الحائط ، وما كان ليسمح بذلك دائما، ولم يكن ما يبدونه عند الحائط يتجاوز حد النواح ، ولم يحاولوا قط إقامة شعائر دينية بالفعل، وفضلا عن ذلك كان اليهود في بعض الأحيان لا ينوحون عند الحائط يل يذهبون خارج المدينة، وأشار الجانب الإسلامي إلى قدسية الرصيف الكائن عند الحائط والمكان المجاور له، وقد جاءت هذه القدسية لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - نزل فيه ومر به ، ثم ربط براقه في الحائط ليلة الإسراء.
أما بشأن طلب اليهود بالسماح لهم بجلب أدوات إلى الحائط كالمقاعد ، والكراسي ، والستائر وغير ذلك، فقد بين الجانب الإسلامي أن هذا الطلب لا يستند إلى عادة سابقة، واستند في ذلك إلى المراسيم التي أصدرتها الدولة العثمانية عامي 1840م، و1911م فقد منعت فيها إجراء مثل ذلك، كما استدعى العديد من الشهود ممن كانوا يزورون الحائط بانتظام خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، وشهدوا بأنهم لم يروا هنالك شيئا يشبه صلاة طقوسية يقيمها اليهود ولا أدوات دينية.
وقد أبدى وكلاء فريق المسلمين تحفظين اتخذهما الحجج التي أدلوا بها وهما:
- أن الشعب العربي الفلسطيني لا يعترف بالانتداب البريطاني على فلسطين ، وبالتالي فهو لا يلتزم بأي نظام مستمد من الانتداب ، ولا الإقرار بأية نتيجة تؤدي إلى إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، فالشعب الفلسطيني هو وحده صاحب الحق في تقرير مصيره.
- أن النزاع على ملكية أماكن العبادة أو على حقوق مدعى بها على هذه الأماكن يجب أن يرفع إلى الهيئة المختصة دون غيرها بالفصل في أمر الوقف والأماكن الإسلامية.
أما فيما يتعلق بمطالب اليهود وادعاءاتهم، فتتلخص في عادة اليهود بالذهاب إلى حائط البراق للبكاء على خراب حائط سليمان، وادعوا أن هذه العادة تعود إلى أقدم الأزمنة ، أي إلى فترة ما بعد خراب الهيكل ، لأنهم اعتادوا الذهاب في يوم ذكرى خراب الهيكل ، وفي الأعياد الدينية ، وأيام السبت، وكانوا يؤدون الصلوات اليهودية والبكاء والنواح ووضع قصاصات من الأوراق في ثقوب جدران الحائط ، تتضمن استرحامات وتمنيات دينية ، كما ادعوا أن استعمال أدوات كالمقاعد والستائر وخزانة تتضمن أسفار التوراة وقناديل طقوسية وطشت للغسيل وغير ذلك ، كان شائعا قبل الحرب العالمية الأولى.
ونفى الجانب اليهودي اعتبار الحائط والرصيف الكائن أمامه حارة المغاربة أماكن إسلامية مقدسة، إذ أشار إلى أن مدى اتساع المنطقة التي يشملها الوقف غير واضح تمام الوضوح في سجلات المحاكم الشرعية كما أن حدودها غير واضحة، ويعتقد أن وقف أي عقار لا يؤثر في قيام اليهود بفروض العبادة عند الحائط لأن اليهود كانوا يقيمون دائما طقوس عبادتهم قبل إنشاء الوقف وبعده. واستنادا إلى هذه الحجج طالب اليهود من اللجنة الاعتراف بأن حائط البراق مكان مقدس لجميع اليهود في مختلف أنحاء العالم ، ومن حقهم الذهاب إليه للقيام بالطقوس الدينية دون معارضة ، كما طالبوا أن تقدم اللجنة اقتراحا لحكومة الانتداب حتى تقوم بالتنسيق مع دائرة الأوقاف الإسلامية لإنشاء مبان جديدة في بعض المواقع بمدينة القدس مقابل إخلاء أملاك وقف المغاربة.
وفي 14 كانون الثاني 1931م أصدرت اللجنة تقريرها ، ورفعت نسخة منه إلى وزير الشؤون الخارجية في الحكومة البريطانية ، ونسخة أخرى إلى عصبة الأمم، وقد بينت اللجنة في هذا التقرير : ( أن حق ملكية الحائط وحق التصرف بعد عائد للمسلمين، فالحائط ملك للمسلمين نظرا لكونه جزءا لا يتجزأ من الحرم الشريف كما أن الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام حارة المغاربة حيث يقيم اليهود صلواتهم هو أيضا ملك للمسلمين لكونه موقوفا حسب أحكام الشريعة الإسلامية لجهات البر والخير، وأشارت إلى أنه ثبت لديها أن المنطقة التي تكتنف الرصيف قد وقفها على المسلمين الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي عام 1193م، وبينت أن أدوات العبادة التي يضعها اليهود بالقرب من الحائط لا تعتبر، أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.)
ورغم اعتراف اللجنة بأحقية المسلمين في الحائط ، إلا أنها نكاية بالمسلمين أقرت بعض التوصيات المجحفة في حقهم لصالح اليهود,
فأوصت اللجنة بالتالي:
حرية وصول اليهود للحائط الغربي لإقامة الشعائر الدينية في جميع الأوقات ، ويسمح لهم بوضع الخزانة المحتوية على سفر أو أسفار التوراة ، والمائدة التي توضع عليها الأسفار عند القراءة فيها عند الحائط في المناسبات التالية:
- أوقات الصيام ، أو اجتماع خلاص للصلاة العامة تدعو إليه رئاسة حاخامي القدس بسبب وقوع كارثة ، أو نكبة أو مصيبة عامة شريطة إبلاغ الحكومة بذلك.
- في يومي عيد رأس السنة ، وعيد الغفران.
- في أيام الأعياد المخصوصة الأخرى التي تعترف بها الحكومة ، التي جرت العادة فيها على جلب الخزانة المحتوية على الأسفار إلى الحائط.
وأوصت اللجنة بعدم وضع أي مقاعد ، أو كراسي ، أو خيمات على الرصيف الكائن أمام الحائط ، وعدم وضع أي حاجز أو ستار، وأنيط تعمير الحائط باعتباره من الآثار التاريخية بحكومة الانتداب بعد استشارة المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الرباني لفلسطين.
وبالرغم من اعتراف اللجنة بملكية المسلمين للحائط، فقد أبدى المجلس الإسلامي الأعلى احتجاجه على تقرير اللجنة ورفضه له، حيث رفع مذكرة لحكومة الانتداب بين فيه الأسباب التي دعته لرفض التقرير، وتتمثل في عدم اعتراف المسلمين بصلاحية بت اللجنة في مسألة حائط البراق ، لأنه لا حق لغير المسلم في الفصل في المسائل الشرعية، كما أن التقرير أعطى اليهود حقوقا في حائط البراق ليست لهم ، وفي ذلك مخالفة لقانون التملك ، لأنه يسلب المسلمين حق التصرف في ملكهم. كما بعث الحاج أمين الحسيني بمذكرة إلى عصبة الأمم ، بين فيها عدم اعتراف المسلمين بقرارات اللجنة ، وأشار في هذه المذكرة إلى المادة الثالثة عشرة من صك الانتداب ، والتي ضمنت بموجبها امتيازات المقامات الإسلامية المقدسة ، وحظر كل تعرض لجوهر أو إدارة هذه المقامات.
وفي 2 نيسان 1930م ألقى رئيس الوزراء البريطاني رمزي ماكدونالد خطابا أمام مجلس العموم البريطاني بين فيه أن الحكومة ستستمر بإدارة شؤون فلسطين وفقا لصك الانتداب، كما أشار إلى الالتزام الواقع على عاتق الحكومة تجاه الشعب اليهودي. وفي 13 شباط 1930م بعث رئيس الوزراء البريطاني ماكدونالد برسالة إلى حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية ، تضمنت تفسير الكتاب الأبيض ، حيث ذكر فيها ماكدونالد أن الالتزام بتسهيل الهجرة اليهودية وتشجيع الاستيطان اليهودي يبقى التزاما إيجابيا للانتداب ، وبين أن الكتاب الأبيض لم يتضمن منع شراء اليهود لأراض إضافية. وجاء هذا التراجع من قبل الحكومة ليبين مدى تحيزها لجانب اليهود ، ومدى التزامها بإقامة الوطن القومي اليهودي ، وبالتالي كان ذلك نقضا لكل ما صدر عن بريطانيا لإرضاء العرب، وقد أطلق العرب على رسالة ماكدونالد اسم الكتاب الأسود.
ادعاءات يهودية :
يدعي بعض المتوهمين أن سليمان - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى، وأن السور الذي بناه سليمان القانوني - السلطان العثماني -من بناء سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام، - ويهدفون من وراء ذلك إلى قلب الحقائق؛ من أجل إيجاد مكان لهم في التاريخ، وخاصة بفلسطين.
ونقول :
1- إن تاريخ ظهور مشكلة الحائط بين العرب واليهود، تاريخ حديث يعود لسنة 1929 م عندما ظهرت انتفاضة البراق، وصدر حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين له، غير أن هزيمة العرب سنة 1948 م سمحت بتجديد هذه الصيحة. 2 - لا وجود لما يسمى بـ "حائط المبكى" في كتب اليهود المقدسة ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة، ولكنه حائط البراق: إذا كانت اليهودية قائمة على أساطير في شعائرها وشرائعها؛ وطمس شرائع أنبيائها الحقة؛ فإن أسطورة الأساطير ما يسمونه ب "حائط المبكى"، فلا وجود لهذا الحائط ولا أثر للبكاء عنده في كتبهم المقدسة ، مع تحريفها واختلاقها من عند أنفسهم، وهم يزعمون أن حائط المبكى هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، وآخر أثر من آثار هيكل سليمان-عليه السلام- ولا أساس لهذا الزعم من الدين، ولا من التاريخ، ولا من القانون، أما دينهم فعلى الرغم من تحريفه فليس في طقوسهم البكاء عند حائط يسمى حائط المبكى.وأما التاريخ فالهيكل المزعوم تعرض للهدم مرات، آخرها على يد الرومان عام 70 م، فما الذي يمكن أن يبقى من أطلاله بعد أن يهدم ويبنى عدة مرات؟! أما الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف فالجميع يعرفه بأنه حائط البراق، فمنذ حادثة الإسراء عرف أهل القدس سواء بالتواتر أم بالتوارث ، أنه يوجد مكان في الحائط الغربي في الحرم القدسي يسمى البراق، وتعود هذه التسمية إلى ما ذكرته مصادر إسلامية من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسري به إلى المسجد الأقصى عن طريق دابة تسمى البراق، فلما وصل المسجد الأقصى ربط البراق في مكان بالحائط الغربي في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء من قبل دوابهم ، ثم صلى بالأنبياء، ثم عرج به من هناك إلى السماوات العلا. ومن يتابع التاريخ العثماني فسوف يجد عددا من السلاطين العثمانيين أحسنوا معاملة اليهود قبل ظهور أهدافهم الصهيونية، فقد سمح لهم السلطان محمد الفاتح( 855- 886هـ / 1451 -1481 م) بالاستقرار في إستانبول، وعندما طرد اليهود من إسبانيا عام( 898 ه - 1493 م ) أصدر السلطان بايزيد(886 ه -918ه/ 1481- 1512 م) أمرا يقضي بحسن معاملتهم . وهكذا أصبحت فلسطين وممتلكات الدولة العثمانية في أوائل القرن السادس عشر ملجأ لليهود المطرودين من إسبانيا والبرتغال، أو الهاربين من أوربا.وخلال حكم السلطان سليمان القانوني ( 926- 974 هـ ) ( 1519- 1566م ) شهدت الدولة العثمانية صحوة حضارية كبيرة ، واستفادت مدينة القدس - وبيت المقدس بصفة خاصة - من جهوده الإصلاحية، فقد أمر بإعادة بناء أسوار المدينة، وبلغ طول السور الذي ما زال قائما حتى اليوم ميلين، وارتفاعه حوالي أربعين قدما، ودعا السلطان رعاياه إلى الإقامة في بيت المقدس خاصة اللاجئين اليهود، وقد صدر منذ سنوات كتاب هام عن القدس لمؤلفة أمريكية تذكر فيه أن اليهود لم يظهروا في الماضي أي اهتمام بذلك الجزء من الحائط، وأن المكان في عهد هيرودوس - بعد أن أعيد بناء الهيكل للمرة الثانية - كان جزءا من مركز تجاري، ولم تكن له أهمية دينية، وأن اليهود كانوا يتجمعون للصلاة على جبل الزيتون، وعند بوابات الحرم ، عندما منعوا من دخول المدينة في أثناء الحروب الصليبية كانوا يصلون عند الحائط الشرقي للحرم، وتضيف المؤلفة الأمريكية أن سليمان القانوني هو الذي أصدر فرمانا يسمح بمكان لليهود للصلاة عند الحائط الغربي، ويقال: إن سنان باشا مهندس البلاط الكبير هو الذي قام بتخطيط الموقع وبالحفر؛ كي يبيح للحائط انتفاعا أكبر، وقام ببناء حائط مواز له يفصل مصلى لليهود عن حي المغاربة الذي يعتبر وقفا إسلاميا من آخر القرن 13 م، وسرعان ما أصبحت المنطقة مركز الحياة الدينية ليهود القدس، ويضيف المصدر أنه لم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة، غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك، يقرءون المزامير، ويقبلون الأحجار، وسرعان ما اكتنف الحائط الغربي أساطير كثيرة، فقد تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص الحائط الغربي للهيكل - يلاحظ أن هيكل سليمان تم بناؤه وهدمه عدة مرات- وأنهم التقطوا اسم سليمان القانوني، الذي أعاد بناء السور لينسبوه إلى الملك سليمان – علييه السلام - ، وهكذا أصبح الهيكل رمزا لليهود ، وأصبحوا يشرعون بتواصلهم مع الأجيال الماضية ، وبمجدهم الذي ولّى . تقول الدعاوى اليهودية إنه على الرغم من خراب الهيكل، لكنه لا يزال محافظاً على قدسيته بالنسبة لشعب إسرائيل، إذ أن الرب لم يتحرك من هناك، وإن الحضور الإلهي لم يغادره قط، وإن هذا الحائط لن يهدم أبداً بفعل هذا الحضور. وتشدد تلك الدعاوى على أن الجدار الأخير لليهود موجود في القدس ، وتتحدث " موسوعة الصهيونية وإسرائيل " عن تعبيرات حاخامات اليهود عما يسمونه " الحضور وحاخاماتهم تضرعوا لربهم الذي يقف وراء " الحائط الغربي " والذي ينظر إليهم عبر ثقوب الحائط بحيث يراهم دون أن يروه ، ويتعين على كل شعب إسرائيل أن يؤمن بذلك المقدس " الذي لن يبرح الحائط الغربي والذي لن يتعرض للدمار أبداً. وذكرت الموسوعة أن هناك صلوات يهودية خاصة مقتبسة من التلمود تتلى عند الحائط ، أثناء بكاء اليهود ، وهناك أسطورة يهودية تقول : إن الحائط نفسه يذرف الدموع في الذكرى السنوية لدماره ( من معتقدات أمناء ارض إسرائيل وجبل الهيكل).
ومن العادات اليهودية القديمة، كان اليهودي الذي يرغب بالسفر يغرز مسماراً حديدياً بين حجارة الحائط، رمزاً للبركة، عملاً بقول أحد حاخاماتهم " أغرز وتداً في مكان أمين " . ويقول اليهودي في صلاته هناك: " في لحظة التضرع هذه للرب ، ندعوه ليتيح لنا مخرجاً ووتداً في موقع قدسه ، وينير أبصارنا وليمنحنا الرزق في عملنا “. ويعتبر اليهود أن المسمار هو الوتد ، وأن المكان الأمين أو المكان المقدس هو " الحائط الغربي " . كما اعتاد اليهود ( والمسيحيون الإنجيليون ) الذين يزورون الحائط، وضع لفافات أو بطاقات ورقية بين حجارته، تتضمن أدعية لتحقيق مطالب وأمنيات مختلفة من الرب، مثل صحة الجسم والروح والعقل، والعمر المديد ، وغير ذلك . وفي ذكرى ما يسمى " خراب الهيكل " وهو يوم التاسع من آب العبري , يفد إلى موقع الحائط عدد كبير من اليهود ويقرؤون هناك وثيقة " إيخا " التي تتضمن مراثي لهذه الذكرى . وفي ظلمة الليل، تظهر أمام الحائط والمصلين حمامة بيضاء رمز ما يسمى " كنيست إسرائيل " أي مكان اجتماع اليهود، ويعتبرون حركاتها دليلاً على المشاركة بالبكاء بسبب خراب الهيكل. وحين تتبلل أحجار الحائط بقطرات الندى، يشعرون أن هذه الحجارة تبكي مع شعب إسرائيل . ويطلق بعضهم آهة رهيبة يقولون إنها تنتشر في أرجاء القدس ولا يسمعها سوى الخاصة من اليهود تحرضهم على الخلاص. ويعتقد كثيرون منهم أن الأنوار المشتعلة في الأماكن الإسلامية المقدسة انطفأت من تلقاء ذاتها في مثل هذه الليلة .
على هذا النحو يجري إنتاج الأساطير والدعاوى، مع التركيز على مسألة في غاية الخطورة، هي مسألة الحلم اليهودي والتفكير الدائم بتدمير الحرم القدسي الشريف لبناء الهيكل اليهودي في مكانه.
تعرف " الموسوعة اليهودية " " الحائط الغربي " ـ الذي يسمى بالعبرية كوتيل همعرافي ـ بأنه " جزء من جدار جبل الهيكل الذي ظل معطلاً منذ تدميره الثاني في العام 70 م ، وأنه أضحى أكثر الأماكن قدسية في العادات والشعائر اليهودية ، بفعل قربه من جدار الهيكل ( الموهوم ) . ومن مقدسات جبل الهيكل " . وتضيف الموسوعة اليهودية : " إن هذا الجزء خصص للبكاء على انهيار المعبد اليهودي وعلى منفى شعب إسرائيل ، وإن أهميته تكمن في كونه يشكل شمعة تضاء من أجل إحياء الموروث الديني اليهودي في القرن العشرين ، ويؤجج ذكريات المجد الإسرائيلي القديم ويبعث الأمل في استعادته " . وتذكر الموسوعة اليهودية أن اليهود اعتادوا على مدى عدة قرون الوقوف أمام الحائط وإبداء الإعجاب به وباتجاهاته المختلفة.. وتزعم تلك الموسوعة أن الصلوات الإسرائيلية القديمة منذ إخماد ثورة بركوخفا ضد الرومان ( 135م, وهو التاريخ الذي انتهى به الوجود اليهودي في القدس لغاية 1917م ) موجهة للجزء المدمر من المعبد . وتعترف الموسوعة أن جميع بقايا المعبد قد محيت تماماً عبر الزمن، وأن جهة العبادة لم تكن واضحة بالنسبة لليهود، ولم يكن واضحاً ما هو المكان المخصص من الحائط على وجه الدقة لأداء شعائر العبادة عليه، وتذهب الموسوعة إلى أنه استناداً إلى تفسيرات يهودية مختلفة المصادر، يعتبر الجزء المجاور للبوابة الغربية هو الجزء الأكثر قدسية ضمن الحائط، إذ أنه لم يتعرض للهدم كباقي أجزاء الحائط الأخرى(رغم أن ذلك مخالف لما ورد في الروايات التاريخية). وتشير الجماعات الحاخامية إلى أن عدم تعرض هذا الجزء للتدمير يضفي عليه صفة القداسة ، وتعتقد هذه الجماعات أن الجزء المذكور غير قابل للهدم .
أما " موسوعة الصهيونية وإسرائيل " فتعرف " الحائط الغربي " بأنه الجزء المتبقي من الجدار الذي كان يحيط بأكمة جبل الهيكل في القدس بعد إتمام التوسيعات التي جرت على الساحة الخارجية للمعبد بأمر من هيرود ملك يهودا! (والثابت أن هيرود بنى معبدا وثنيا وليس يهوديا)، وبوصفة الجزء المتبقي من الهيكل الثاني، بات الحائط الغربي يمثل أكثر الجوانب قداسة بالنسبة لليهود، لدرجة أن هذا الحائط أضحى منذ قرون خلت مزاراً لأداء الشعائر والمناسك اليهودية وأداء الصلوات(معظم الروايات التي وردت بهذا الخصوص آحادية ولا سند لها). وتزعم هذه الموسوعة أنه منذ تدمير الجدار في العام 70 م كان اليهود يقصدون المكان للبكاء عنده.
وجاء في " نيوستاندارد جويش انسكلوبيديا " أن " الحائط الغربي " يشكل بؤرة استقطاب لليهود من جميع أنحاء العالم، وأن هذا الحائط عاد إلى السيادة اليهودية عام 1967 م لأول مرة منذ فترة الهيكل الثاني ، وتفيد أن عالم الآثار الإسرائيلي بنيامين مزار الذي نقب في المكان منذ عام 1968 م قد اكتشف بعض الآثار القديمة هناك دون أن تذكر هوية هذه الآثار.
وهكذا تقدم الموسوعات التي يضعها اليهود والصهيونيون نصوصاً متحيزة تمتلئ بالدعاوى المغرضة والتضليلية ، دون أي مبالاة بوقائع التاريخ وحقائقه ومعطياته الأثرية ، وفي سبيل إظهار ما تنطوي عليه هذه النصوص من أراجيف ، ثمة ضرورة لإخضاعها إلى النقد ، وعرضها أمام الشروط الواجب توفرها في الموضوع لقبوله تسليماً أو اقتناعاً .
لقد ركزت الحركة الصهيونية منذ نشأتها على ضرورة إيجاد مكان يزعمون انه أثرهم التاريخي حتى يبرروا عدوانهم واغتصابهم وجرائمهم التي يقترفونها.. وفعلا استطاعوا أن يقنعوا العالم أنهم بوعود توراتية هم شعب الله المختار ، وان هذه ارض الميعاد ، وفيها الهيكل المزعوم ..
ولكن أهل فلسطين عام 1929م ، تصدوا لهذه الأكاذيب وقاموا بثورتهم التي استشهد فيها المئات ، كما قتلوا من اليهود المئات ، مما دفع حكومة الانتداب البريطاني الطلب من الحكومة البريطانية محاولة إنقاذ الموقف فأرسلت لجنة شو التي أصدرت تقريرها الذي يؤكد أن الجدار الغربي الذي يطلق عليه حائط البراق هو جزء من الحرم الشريف ، الذي هو مكان إسلامي عظيم الحرمة ، يلي مسجدي مكة والمدينة ، والتقديس فهو ملك للمسلمين ويمنع على اليهود الوصول إليه.
ولكن لجنة شو اوصت بايفاد لجنة عالمية للبت في هذه القضية الخطيرة وتحمل مسؤوليتها ، فأوفدت عصبة الامم التي كانت بمثابة الامم المتحدة ، فاوفدت لجنة برئاسة مجموعة من القضاة والسياسيين الذين استمعوا الى اكثر من مئة شاهد من العلماء ، والمؤرخين ، والباحثين المسلمين والمسيحيين واليهود ، وبعد انقضاء ستة شهور اصدرت اللجنة تقريرها في الكتاب الابيض لعصبة الأمم المتحدة ، الذي أكد أن الحائط هو حائط إسلامي مقدس ومحظور على اليهود مسه أو الاقتراب منه!!
اليهود ومحاولة انتزاع البراق :
حاول اليهود السيطرة على حائط البراق منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين؛ ففي 1887م قام أدموند دي روتشيلد - من يهود فرنسا - بمحاولة فاشلة لشراء الحائط وجعله ملكا يهوديا. وفي يناير1914م قام الأديب اليهودي دافيد يالين بمبادرة أخرى لشراء الحائط وفشل .
وفي أواخر عام 1917 م عندما عرضوا الأموال على المسلمين لشرائه بوساطة الحاكم العسكري..
وكانت المحاولة الأخيرة من خلال الضغط على المجلس الإسلامي الأعلى بإغرائه بالأموال تارةً ، وببناء مدرسة كبيرة للمسلمين في أي مكان آخر يختاره المسلمون بعيداً عن الحائط تارة أخرى..
كما حاولوا شراء ساحة أبو مدِّين في مواجهة الحائط ، ولكنهم فشلوا في ذلك أيضا . والحائط جزء من المسجد الأقصى، ويعد من الأملاك الإسلامية، وهو الذي يطلق عليه اليهود اسم (حائط المبكى) ، حيث يزعمون بأنه الجزء المتبقي من الهيكل المزعوم، مع أنهم لم يَدَّعِوا يوماً من الأيام أي حق لهم في الحائط- كما أسلفنا - ، إلا بعد أن تمكنوا من إنشاء كيانهم الغاصب في القدس وفلسطين ، وكانوا إذا زاروا القدس يتعبدون عند السور الشرقي، ثم تحولوا إلى السور الغربي الذي يسمونه حائط المبكى (ويطلقون عليه الآن اسم الحائط الغربي) !!. ولم يتخذه اليهود مكانا للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور سنة 1917 م، ولم يكن هذا الحائط جزءا من الهيكل اليهودي الموهوم ، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكَّن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال الدولة اليهودية قصيرة الأجل في العصور الغابرة. والمعروف أن اليهود كانوا ممنوعين من دخول القدس والسكنى فيه بموجب العهدة العمرية ، وفي زمن ضعف وتهاون حكام المسلمين تسرب بعض اليهود إلى القدس لزيارة ما يتوهمونه من آثار أنبيائهم ، ولعل هذا السماح أو السكوت عن دخولهم القدس كان في زمن السلطان العثماني:(سليمان القانوني – 1566م ) وقيل : إن السبب في ذلك يعود إلى ضغوط زوجته اليهودية ( روكسيلانة- الروسية الأصل)( ) ؟! كان يقال : إن اليهود يعتقدون أن ألواح موسى - عليه السلام - مدفونة تحت الجدار الغربي من سور الحرم الشريف ببيت المقدس ، فهم يجتمعون هنالك يبكون ويحيون ذكر مجدهم الديني في هيكلهم ، والمسلمون يروون أن البراق الذي ركبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء قد ربط بهذا الجدار، فله مزية عندهم على سائر جدران المسجد ويسمونه ( البراق ) ، وقد كان من تسامح المسلمين وتساهلهم أن سمحوا لليهود بما ذكر في أيام ضعف اليهود وسلطان المسلمين ، فطمع هؤلاء بعد الاحتلال البريطاني ومشروع الدولة في تنفيذ عهد بلفور لهم حتى حاولوا في هذا العام الاستيلاء على هذا الجدار وما حوله من بناء على أنه معبد لهم ، وصاروا يضعون هنالك الكراسي والمناضد والأضواء في وقت اجتماعهم حتى كان من عدوانهم في عيد الغفران لهم ما يأتي بيانه ، وهم يعلمون كما تعلم الحكومة البريطانية في لندن وفلسطين أن هذا من الأوقاف الإسلامية الثابتة بالتواتر ، وكان من قواعد ما يسمونه الانتداب في فلسطين أن المعاهد الدينية لجميع الملل تبقى على حالها ، لا يسمح لأحد بالاعتداء عليها ، ولكن عامة اليهود الصهيونيين يعتقدون أنهم ما جلبوا إلى فلسطين إلا لإقامة ملك سليمان فيها ، وجعلها وطنًا لهم دون غيرهم . وفي 24 أيلول عام 1928 م المصادف يوم الغفران حسب التقويم العبري، أي ذكرى خراب الهيكل الثاني حسب زعمهم، قام اليهود بوضع ستار يفصل بين الرجال والنساء أثناء الصلاة عند حائط البراق، وأحضروا الكراسي والطاولات والحُصُر ، فشعر المسلمون بأن اليهود يريدون تحويل الحائط إلى كنيس يهودي، مما دفع بالمسلمين إلى عقد مؤتمر إسلامي في القدس 1928 م ، للدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية الأخرى ، وقد اتخذ المؤتمر قراراً بتشكيل جمعية لحماية الأماكن المقدسة ، وطالب الحكومة بمنع اليهود من إحداث أي تغييرات في الحائط ..
بلاغ حكومة فلسطين : وكان متولي وقف أبي مدين الذي يقع ضمن دائرته الرصيف ومنطقة البراق ( المبكى ) قد رفع في مساء 23 أيلول الجاري أي ليلة عيد الغفران ( يوم كيبور ) شكوى إلى جناب حاكم مقاطعة القدس بأن حاجزًا قد أنشئ على الرصيف الملاصق للبراق ، وأدخل إليه أشياء أخرى تخالف العادة المتبعة كقناديل كاز وعدد من الحصر وهيكل أكبر من الحجم الاعتيادي ، فزار حاكم المقاطعة البراق في أثناء صلاة المساء ، وقرَّر عملا بالعادة التي أقرتها الحكومة وجوب رفع الحاجز قبل إجراء الصلاة في اليوم التالي ، وأعطى تعليمات بهذا المعنى إلى الشماس القائم بترتيبات الصلاة في البراق محتفظًا بقرراه في مسألة القناديل بإزالته صباح اليوم التالي باكرًا ، وقبل تأكيداته بتنفيذ تعليماته ، وبلغ في ذات الوقت ضابط البوليس البريطاني القائم بالوظيفة ضرورة رفع الحاجز من مكانه إذا لم يقم بتعهده فزار ضابط البوليس صباح اليوم التالي البراق ، ورأى أن الحاجز لا يزال في مكانه فسأل القائمين بالصلاة أن يرفعوه من ذلك المكان غير أنهم أجابوه بأنهم لا يستطيعون ذلك نظرًا لقداسة ذلك اليوم فرفعه عندئذ رجال البوليس بنفسهم ، ولم يكن المصلون عمومًا قد اطلعوا على ما جرى سابقًا ، فعندما رأوا البوليس يرفعون الحاجز الذي استعمل لفصل النساء عن الرجال هاجوا وسعى بعضهم لمنع البوليس من رفعه بالقوة ، وأخيرًا رفع الحاجز . ويعتبر جلب الحاجز ونصبه على الرصيف تعديًا على الحالة الراهنة مما لا يمكن الحكومة السماح به ، غير أن الحكومة تأسف لما حصل من الخوف والانزعاج لجماعة كبيرة من المصلين في يوم مقدس كهذا لليهود ، وقد علمت الحكومة أن المراجع اليهودية قد جازت الشماس المسئول عن الحادث بما يستحق على عمله ، وقد شددت الحكومة عليهم في ضرورة مراجعة موظفي الحكومة المسئولين عن التدابير المسموح باتخاذها في أثناء الصلاة في البراق في أعياد اليهود الرسمية التي أبديت للمراجع اليهودية عند وقوع مثل هذه الحوادث في البراق في سنتي 1922 و1925 وهذه السنة أيضًا . ولم يكن هنالك وقتئذ ضابط بوليس يهودي ؛ لأن جميع البوليس اليهود كان قد أجيز لهم التغيب عن الخدمة يوم عيد الغفران ، وستمعن الحكومة النظر في ضرورة وجود ضابط بوليس يهودي في المستقبل بين الذي يرسلون إلى البراق للمحافظة في أعياد اليهود الخطيرة ، وفي الختام ترى الحكومة بأن رفع الحاجز كان ضروريًّا غير أنها تأسف لما وقع من جراء رفعه . انتهى وقد جاء في جريدة الجامعة العربية الغرَّاء التي تصدر في القدس الشريف بعد نشر هذا البلاغ ما نصه : والقارئ لهذا البلاغ يشعر أن الحكومة قد وقفت موقف الضعف محاولة ستر اعتذارها لليهود بأنها تمسكت بوجهة نظرها في ما اتخذته من الإجراءات ضدهم في البراق ، وقد كنا نحب أن تظل الحكومة واقفة موقف الحزم ، سالكة السبيل الذي يقضي به الحق والعدل والتعامل القديم في مسألة البراق ، وأن لا يؤثر عليها هذه المناورات التي يقوم بها اليهود من أجل أمر لا حق لهم فيه على الإطلاق . وقد اتصل بنا من مصدر موثوق أن اليهود قد طلبوا من الحكومة الإذن للقيام بمظاهرة عامة واسعة النطاق يحضرها أفراد عديدون من اليهود من سائر جهات فلسطين ، وذلك في يوم الإثنين ( اليوم ) حيث تذهب جموعهم إلى البراق بالأناشيد بقصد التمويه والتأثير على الحكومة.
هياج الرأي العام الإسلامي والدعوة إلى عقد اجتماع ، ولما اتصل بالمسلمين في القدس خبر عزم اليهود على القيام بهذه المظاهرة هاجوا هياجًا عظيمًا وفكروا في ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لرد عادية اليهود فتأسست لجنة من أهل الحمية والغيرة طبعت منشورًا دعت فيه المسلمين إلى حضور اجتماع عام في المسجد الأقصى بعد صلاة العصر ، جاء فيه ما يلي :
نداء عام إلى إخواننا المسلمين كافة أيها المسلمون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعلمون أنه قد حدث في هذه الأيام محاولة الاعتداء على مكان البراق المجاور للمسجد الأقصى الذي إليه كان إسراء النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وقد ظهر من هذه المحاولة التي تكررت أمثالها من قبل على غير جدوى ، أن القوم الطامعين في الاعتداء على الجانب الغربي من سور المسجد الأقصى مصممون على الأخذ بكل وسيلة للطمع في حقكم وحق جميع المسلمين في هذا البيت العظيم من بيوت الله المقدسة . وإزاء هذه الحالة يتطلب الواجب الديني من كل مسلم أن ينظر بعين الجد واليقظة فيما يَدْهَم المسلمين من خطر عاجل ، ولذلك فقد أوجبت خطورة الحالة على المسلمين أن يتشاوروا في هذه الحالة ابتغاء اتخاذ الحيطة لوقاية بيت الله من الاعتداء وتقرير ما ينبغي تقريره في هذا الشأن الخطير من اتخاذ الوسائل المشروعة القانونية لدى الحكومة والمراجع الإيجابية وعليه فإننا ندعو كل مسلم في هذا البلد المقدس إلى حضور صلاة العصر في المسجد الأقصى في هذا اليوم ( الأحد ) الواقع في 16 ربيع الثاني سنة 1347 الموافق 30 أيلول سنة 1928 وإننا نتوسل إليكم المبادرة إلى حضور هذه الصلاة بوقتها ، آملين من غيرتكم تلبية النداء والسلام عليكم ورحمة الله ، اللجنة الداعية . .........
القدس في 16 ربيع الثاني سنة 1347 ه في المسجد الأقصى
وعند صلاة العصر اجتمع ألوف من المسلمين في المسجد الأقصى فبعد الصلاة خطب كل من الشيخ عبد الغني أفندي كامله ، وعزت أفندي دروزة ، والشيخ حسن أفندي أبو السعود ، في الحاضرين ووضحوا لهم مقاصد اليهود في محاولاتهم الموجهة إلى البراق الذي هو السور الغربي للحرم الشريف ، وبعد ذلك أعد الحاضرون مضبطة إلى فخامة المندوب السامي يحتجون فيها على أعمال اليهود العدائية ، وما أدت إليه من هيجان في الرأي العام كما أعدوا مضبطة أخرى طالبين فيها أن تسمح الحكومة بإقامة المظاهرات السلمية في القدس وسائر أنحاء فلسطين والاحتجاج إلى وزارة المستعمرات ، وملوك المسلمين ، وأمرائهم ، والشعوب والصحف الإسلامية ، وإلى عُصْبَة الأمم ، وقد انتخبوا لجنة تنفيذية لتنفيذ هذه المقررات .. وقد بلغ هياج الرأي العام بين المسلمين مبلغه في السخط على هذه الأعمال التي يقوم بها اليهود ، وهذه الدعاية التي يبثونها في فلسطين أو في الخارج ، ويعجبون من الوقاحة التي دعت اليهود لأن يفكروا في الاعتداء على حق مقدس للمسلمين ، لا يتصور أحد من المسلمين أن يفرط في ذرة منه ، ما دام فيه عرق ينبض ، وسيرسل المجلس الإسلامي الأعلى إثر ذلك تقريرًا شديد اللهجة إلى الحكومة موضحًا فيه خطورة الحالة ، مطالبًا منها تدارك الأمر بما يطمئن خواطر المسلمين ، ويهدئ من ثوران نفوسهم المهتاجة . هذا وإننا نوجه كلمتنا الأخيرة إلى الحكومة ، وإلى إدارة الأمن العام ، طالبين منها أن تضرب على أيدي اليهود الطامعين فيما ليس لهم حق فيه ، والعاملين على العبث بالأمن العام ، وموجهين نظرها إلى أن التساهل في مسألة حساسة خطيرة كهذه قد يؤدي إلى ما لا تُحْمَد عُقْبَاه ؛ لأن المسلمين في فلسطين لا يمكن أن يفرطوا قط في ذرة من حقوقهم في هذا المكان الذي يشكل الجدار الغربي للمسجد الأقصى الشريف ، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ونخشى أن يتعدى الهياج القدس إلى سائر بلدان فلسطين ، ثم إلى العالم الإسلامي كافة إذا لم تتدارك الحكومة الأمر بالحزم والشدة اهـ . وقد قام رئيس المجلس الإسلامي الفلسطيني صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتي القدس وأعضاؤه بما يجب عليهم من السعي لدرء هذه الفتنة ، من طريق الحكومة كما فعلوا الواجب من ناحية تنبيه المسلمين كما يجب عليهم في ذلك ، وحسبنا نشر هذا الكتاب مبينًا لتلك المساعي الرسمية في ذلك .

كتاب المجلس الإسلامي الأعلى بشأن حوادث البراق إلى المندوب السامي
فخامة المندوب السامي: ( عطفًا على جميع المخابرات التحريرية والمحادثات الشفهية التي جرت بين المجلس الإسلامي الأعلى وبين الحكومة المركزية بالقدس ، قديمًا وحديثًا ، بشأن البراق الشريف ، ( جدار الأقصى الغربي ) نلفت نظر فخامتكم إلى ما يأتي : 1 - أن هذه الناحية من الجدار المذكور ، هي مكان البراق الشريف نسبة لبراق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وأن المسلمين في جميع أقطار الأرض يحتفلون كل سنة بذكرى هذا الإسراء الذي جاء نصًّا في القرآن الكريم . 2 - أن هذا الجدار هو جدار المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ، الذي هو عند المسلمين عامة بمنزلة حرم مكة المشرفة وحرم المدينة المنورة . 3 - أن كل جزء من الحرم الشريف وكل جدار يحيطه بما فيه هذا الجدار الترابي هو في عقيدة المسلمين جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك الذي أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فضل زيارته والصلاة فيه ، وشد الرحال إليه ، من أدنى الجهات وأقصاها من هذا كله يُعْلَم أن المسجد الأقصى وكل جزء من الحرم الشريف القدسي ، وخصوصًا هذه الناحية من الجدار الغربي التي هي مكان البراق الشريف ، له مكانة مقدسة عظمى عند المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها ، وأنهم يتعلقون بهذا المسجد المبارك المذكور في القرآن الكريم تعلقًا دينيًّا شديدًا مقرونًا بالإجلال والتعظيم . ونظرًا لهذه المكانة العظمى للمسجد الأقصى والحرم الشريف عند المسلمين ، فقد دأبوا منذ بضعة عشر قرنًا على المحافظة عليه بشتى الوسائل ، فأنشأوا حوله المدارس والزوايا وحبسوا الجهات المحيطة به أوقافًا - كما يشاهد الآن – وخصوصًا فيما يحيط بناحية البراق الشريف ، فهي وقف على زاوية القطب الشهير سيدنا أبي مدين الغوث والمغاربة . بل بالنظر لأهمية هذا المكان أيضًا - لم ترض الحكومة العثمانية - رغم ما بذله اليهود وزعماؤها في جميع العالم من شتى الوسائل والتقرب والالتماس ، أن يتعدوا الزيارة المحضة التي تساهل بها سكان ذلك الحي حينئذ لجميع الطوائف ، كما يظهر من قراراتها العديدة ، وخصوصًا قرار مجلس الإدارة العثمانية الأخير في القدس الذي تعلمه الحكومة ... ومن البديهي أنه لو كان بحسبان المسلمين أن اليهود سيطمعون هذا الطمع يومًا ما سمحوا لهم حتى بمجرد الزيارة . فعليه استرسال اليهود منذ الاحتلال إلى اليوم في محاولاتهم بمختلف الطرق والدعاية الخارجية والداخلية لإحداث حق لهم ، وبذلهم الجهود متطلعين إلى استملاك هذا المكان الشريف من أيدي المسلمين ، هو أمر بظاهره وباطنه تَحَدٍّ عنيف للمسلمين فيما هو أقدس أماكنهم الدينية . ومن الظاهر أنه إذا ظل اليهود في استرسالهم هذا ، ولم يجدوا من الحكومة حزمًا حاسمًا يلزمهم التقيد المطلق بالزيارة المحضة ، على نحو قرار مجلس الإدارة المذكور ، فلا بد بطبيعة الحال أن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة ، وإن المجلس الإسلامي الأعلى المعبر عن رأيه ورأي المسلمين كافة في هذه القضية الخطيرة لا يرضى بصورة من الصور التساهل في تمكين اليهود أن يغيروا تلك الحالة ، أو يخرجوا عنها بأي شكل كان ، ويطلب من الحكومة بإلحاح وضع حد حاسم نهائي لمحاولاتهم وأطماعهم في هذا المكان الشريف ، ويلفت نظرها إلى أن استمرار هذا الأمر غيرَ محسوم ولا مقطوع به ، يوصل الحالة العامة عند المسلمين إلى طور لا تخفى عاقبته على حكمة الحكومة البريطانية ، كما بدا من حالتهم اليوم إثر الحوداث الأخيرة . ولما كان اليهود لا يزالون إلى هذا الساعة يضعون بعض أدوات من كراسي صغيرة ، ومائدة ، وخزانة ، ومصابيح ، فإن المجلس الإسلامي الأعلى يحتج باسم جميع المسلمين في العالم على هذا بكل قوة ، ويرجو من الحكومة أن تتفضل بالمبادرة إلى رفع هذه الأدوات جميعها من أماكنها رفعًا دائمًا ، مع إخطار اليهود بأن لا يعودوا إلى وضع أي شيء منها مرة أخرى . وهنا نقطة أخرى جزع المسلمون لها جزعًا شديدًا ، وهي إرسال ضابط يهودي إلى البراق إرضاء لليهود ، فإن في ذلك ما يزيد الأمر استفحالاً ، ويشجع اليهود فيزيدون في أطماعهم زيادة تجعلهم يسترسلون في الاعتداء شيئًا فشيئًا ، فضلاً عن أن هذا الأمر لا ينفي أن يكون الضابط اليهودي متعصبًا يتناول المغاربة المسلمين سكان المكان بألوان من التعدي وسط هذا الحي الإسلامي البحت أثناء دخولهم إلى منازلهم وخروجهم منها . ولذلك فإن المجلس الإسلامي يطلب بإلحاح أن تعيد الحكومة نظرها في المحاذير التي تنشأ عن وجود ضابط يهودي في محل إسلامي محض ، ليس لليهود فيه أقل حق ، ويخشى أن يتخذ اليهود من وراء ذلك أسبابًا لإثبات حق لهم ، بوجود ضابط يهودي ، وهو يطالب أن يكون الضابط مسلمًا ليأمن المسلمون على هذا المكان المقدس ، وليطمئن أهل الحي وسكانه من المغاربة المسلمين . وبالنهاية يرجو المجلس الإسلامي من الحكومة أن تتفضل باعتبار ما بسطه في هذا الكتاب بصدد مسألة البراق أنه من الأمور الخطيرة التي يرجو هو والمسلمون من الحكومة سرعة تلافيها بما يحفظ حقوق المسلمين غير منتقصة ، ويوقف اليهود وقفًا نهائيًّا عند الحالة المذكورة لهم . وتفضلوا بقبول فائق الاحترام . . .
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى - محمد أمين الحسيني
هذا وإن جريدة الجامعة العربية لا تزال تأتينا من القدس الشريف بأخبار هذه الفتنة ، وتهييج اليهود للمسلمين بعدوانهم وتظاهرهم ، واحتجاج هؤلاء من بلاد فلسطين وغيرها من سورية ومصر على اليهود من جانبهم بالدعاية ، وتماديهم في العدوان ، وغرورهم بلين الحكومة البريطانية لهم ، وتعيينها شرطيًّا ( بوليسا ) منهم للمحافظة على مكان الفتنة . وإننا ننصح للحكومة البريطانية بأن تقمع الفتنة ، وتسد بابها قبل تفاقمها ولعلمها بأن البخاري ومسلمًا وغيرهما قد رووا لنا أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قد قال : ( تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )( ) ونخبرهم بأن علماء المسلمين فسروا مثل هذا الحديث بأنه إنما يقع مضمونه قبيل قيام الساعة ، عندما يظهر الدجال الذي يدعي أنه هو المسيح الذي ينتظره اليهود ، فيقومون معه ويقاتلون المسلمين ، ولأجل هذا لا يخطر في بال مسلم أن يعتدي على أحد من اليهود قبل ذلك الوقت ، فإذا أراد اليهود التعجل به فيجب أن تمنعهم الحكومة الإنكليزية ، ومن أنذر فقد أعذر ، وسنعود إلى الكلام في هذه المسألة إذا ظلت الفتنة قائمة . ( )
إلا أن مخاوف الشعب الفلسطيني لم تتوقف ، وخاصة بعد المظاهرات التي قام بها اليهود في 15 آب عام 1929 م ، والتي جابت شوارع القدس حتى وصلوا إلى حائط البراق وهم يرددون نشيدهم(الهاتكفا - أي : الأمل (، ورفعوا العلم الصهيوني، وشتموا المسلمين، وأطلقوا صيحات التحدي والاستفزاز، وقالوا "هكوتيل كوتلينو"، أي "الحائط حائطنا"، وطالبوا باستعادته، زاعمين أنه الجدار الباقي من هيكل سليمان... واستمروا في ترديد هتافاتهم المتكررة التي نادت بامتلاك اليهود لحائط البراق؛ مما أثبت للشعب الفلسطيني بأن اليهود يسعون لتنفيذ مخططهم الهادف إلى الاستيلاء على الحائط، مما جعل الاصطدام أمراً لا مفر منه بين الفلسطينيين من جهة ، واليهود والقوات البريطانية من جهة أخرى.. وفي يوم الجمعة الموافق 23 آب عام 1929 م خرج المسلمون من المسجد الأقصى بعد الانتهاء من الصلاة في مظاهرة سلمية باتجاه حائط البراق، ثم اصطدموا مع اليهود الذين قتلوا عدداً من المتظاهرين. وسرعان ما انتشرت الأخبار إلى كافة المدن الفلسطينية... التي وصلت إليها شائعات تقول بأن اليهود ذبحوا العرب في القدس . وعلى إثر الاضطرابات وثورة البراق، أرسلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق عرفت باسم "لجنة شو"، وفي 15 أيار من العام 1930م، وافق مجلس عصبة الأمم على الأشخاص الذين تم ترشيحهم من قبل بريطانيا لعضوية اللجنة. وصلت لجنة التحقيق الدولية إلى القدس في 19 حزيران من العام نفسه، وأقامت فيها شهراً بكامله، عقدت خلاله 23 جلسة، اتبعت خلالها الأصول القضائية المعهودة في المحاكم البريطانية، واستمعت إلى ممثلي الطرفين العربي واليهودي، وحكمت بالتالي : ( للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي . ولهم وحدهم : الحق العيني فيه ، لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة المسجد المبارك التي هي من أملاك الوقف ...الخ )( ) .. هذا ولم تستطع القوات البريطانية المدججة بالسلاح أن توقف المد الثوري من أجل المسجد الأقصى ، فاضطر الحاكم البريطاني إلى طلب النجدة من القوات البريطانية في مصر ، فجاءت على جناح السرعة ، فكانت حصيلة هذه الثورة - ثورة البراق - وهي أول ثورة تشتعل في فلسطين ضد الوجودين الصهيوني والبريطاني ، عن سقوط 133 قتيلاً يهودياً ، وجرح 339 بينهم 198 إصابة خطيرة. فيما بلغ عدد الشهداء العرب 116 ، وعدد الجرحى 232 جريحاً ... ومعظم إصابات العرب كانت على أيدي القوات البريطانية. لقد شكلت أحداث ثورة البراق تحولاً في العلاقات العربية البريطانية في فلسطين، ففي الوقت الذي اتجهت فيه احتجاجات سكان فلسطين العرب نحو الوجود اليهودي ونزعته التوسعية بالتحديد ، متفادية الاصطدام بالقوات البريطانية، سقط هؤلاء السكان ضحايا برصاص البوليس البريطاني الذي كان يشكل حماية منيعة لليهود. كما شكلت ثورة البراق نقطة تحول في سلوك حكومة الانتداب إزاء العرب، وبات العداء صريحاً يتجلى في ممارسات القمع الموجهة ضد العرب تحديداً. فزجت السلطات في السجون بالكثير من النشطاء العرب ، وأصدرت المحاكم البريطانية في فلسطين أحكاماً بالإعدام على عشرين عربيا ، تحول الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد ، باستثناء ثلاثة منهم (عطا الزير - ومحمد جمجوم - وفؤاد حجازي) الذين واجهوا عقوبة الإعدام في سجن عكا ، يوم الثلاثاء 17 حزيران 1930 م بشجاعة ورجولة ( ) ، وقد خلّدهم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم بقصيدته الشعبية ذائعة الصيت: ( "من سجن عكا وطلعت جنازة) " ( وْطِلْعِتْ : تُقرأ بتسكين الواو ، وكسر الطاء ، وتسكين اللام ، وكسر العين أو فتحها ، وتسكين التاء ) والتي تقول في مطلعها : من سجن عكا وْطِلْعَتْ جَنازِي...... محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا شعبي جازي……. المندوب السامي وربعُه عموما
محمد جمجوم مع عطا الزِّيرِ.......فؤاد حجازي عِزِّ الذَّخيرِي
انظر الِمْقَدَّرْ والتقادير...... ...... بأحكام الظالم تايِعْدِمونا وقام الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان برثاء الشهداء الثلاثة بقصيدته المتميزة "الثلاثاء الحمراء"، والتي ألقاها في حفل تأبين الشهداء في ساحة مدرسة النجاح الوطنية ( جامعة النجاح الوطنية حاليا ) سنة 1930م بمدينة نابلس.... :
- يقول ابراهيم طوقان في قصيدته الثلاثية الحمراء :
لما تعرَّض نجمـك المنحـوسُ... .وترَّنحت بعرى الحبال كؤوس
ناح الأذان وأعـول الناقـوس.... .فالليل أكدر والنهار عبوس
طفـقـت تـثـور عـواصـفُ وعـواطــفُ.....والـمـوت حيـنـا طـائــفُ أو خـائــفُ
والمعول الأبدي يمعن في الثرى..... ليردهم في قلبها المتحجرِ
يوم أطل على العصور الخاليه..... ودعا: أمَرَّ على الورى أمثاليه؟
فأجابه يوم:أجـل أنـا راويـَه..... لمحاكم التفتيش تلك الباغيه
ولـقـد شـهــدت عجـائـبـا وغـرائـبـا..... لـكــن فـيــك مصـائـبـا ونـوائـبــا
لم ألق أشباها لها في جورهـا..... فأسال سواي وكم بها من منكرِ
وإذا بيوم راسف بقيـوده ..... فأجاب والتاريخ بعض شهوده
انظر إلى بيض الرقيق وسـوده ..... من شاء كانوا مُلكه بنقوده
بـشـر يـبــاع ويـشـتـرى فـتـحـررا ...... ومـشـى الـزمـان القهـقـرى فيـمـا أرى
فسمعت من منع الرقيق وبيعـه ..... نادى على الأحرار يا من يشتري
وإذا بيـوم حالـك الجلـبـاب .... مترنح من نشوة الأوصاب
فأجاب كلا دون ما بك ما بـي . ... أنا في ربى عاليه ضاع شبابي
وشـهـدت للسـفـاح مــا أبـكـى دمـــا ...... ويــل لـــه مـــا أظـلـمـا لكـنـمـا
لم ألق مثلك طالعا في روعـة ...... فاذهب لعلك أنت يوم المحشر
(اليوم) تنكره الليالـي الغابـره ...... وتظل ترمقه بعين حائره
عجبا لأحكام القضاء الجائـره ...... فأخفها أمثال ظلم سائره
وطـن يسيـر إلـى الفـنـاء بــلا رجــاء .. .. والــداء لـيـس لـــه دواءْ إلا الإبـــاء
إن الإبـاء مناعـةٌ إن تشتمـل ... .. نفس عليه تمت ولّما تقهر
الكل يرجـو أن يبكـر عفـوه ..... ندعو له ألا يكدر صفوه
إن كان هـذا عطفـه وحنـوه ..... عاشت جلالته وعاش سموه
حـمـل البـريـد مفـصـلا مــا أجـمـلا ...... هـــلا اكتـفـيـت تـوســلا وتـســولا
والموت في أخذ الكـلام ورده ..... فخذ الحياة من الطريق الأقصر
ضاق البريد وما تغيـر حـالُ ...... والذل بين سطورنا أشكالُ
خسراننـا الأرواح والأمـوال ..... وكرامة يا حسرتا أسمال
أوَ تبـصـرون وتسـألـون مــاذا يـكـون ..... إن الخـداع لــه فـنـونْ مـثـل الجـنـون
هيهات فالنفس الذليله لو غـدت ..... مخلوقة من أعين لم تبصر
انّى لشاك صوتـه ان يسمعـا ..... أنّى لباك دمعه أن ينفعا
صخرٌ أحس رجاءَنا فتصدعـا ..... وأتى الرجاء قلوبهم فتقطعا
لا تعجبـوا فمـن الصـخـورْ نـبـع يـفـور ..... ولـهـم قـلـوب كالقـبـور بــلا شـعـور
لا تلتمس يوما رجاءً عند مـن ..... جربته فوجدته لم يشعـر
الــسـاعـــة الأولـــى
أنا ساعة النفس الأبيـه الفضـل لـي بالأسبقيـه.....
أنا بكر ساعـات ثـلاث كلهـا رمـز الحميـه
بنت القضيه إن لـي أثـرا جليـا فـي القضيـه ...... أثـر السيـوف المشرفيـه والرمـاح الزاغبيـه
أودعت في مهج الشبيبة نفحـة الـروح الوفيـه...... لا بد من يوم لهم يسقـي العـدا كـأس المنيـه
قسما بروح (فؤاد) تصعد مـن جوانحـه زكيـه ..... تأتـي السـماء حفيـه فتحـل جنتهـا العلـيـه
ما نال مرتبة الخلـود بغيـر تضحيـة رضيـه .....
عاشت نفوس في سبيل بلادهـا ذهبـت ضحيـه
الـســـاعــة الــثــانــيـه
أنا ساعة الرجل العتيد أنا ساعة البـأس الشديـد ...
أنا ساعة الموت المشرف كل ذي فعـل مجيـد
بطلـى يحطـم قيـده رمـزا لتحطيـم القيـود .... زاحمت من قبلي لأسبقه إلـى شـرف الخلـود
وقدحت في مهج الشباب شرارة العـزم الوطيـد ...
هيهـات يخـدع بالوعـود أو يخـدر بالعهـود
قسما بروح (محمد) تلقى الردى حلـو الـورود ...
قسما بأمك عند موتـك وهـي تهتـف بالنشيـد
وترى العزاء عن ابنها في صيته الحسن البعيـد ...
ما نال من خدم البلاد أجلّ مـن أجـر الشهيـد
الـــسـاعه الــثــالــثـه
أنا ساعة الرجل الصبّور أنا ساعة القلب الكبيـر..
رمز الثبات إلى النهايه في الخطير من الأمـور
بطلي أشد على لقاء الموت من صـم الصخـور...
جذلان يرتقب الردى فاعجب لموتٍ في سـرور
يلقى الإلـه (مخضـب الكفيـن) في يـوم النشـور.. صبر الشباب على المصاب وديعتي ملء الصدور
أنـذرت أعـداء البـلاد بشـر يـوم مستطيـر ...... قسما بروحك يا (عطاء) وجنـة الملـك القديـر
وصغارك الأشبال تبكي الليـث بالدمـع الغزيـر ....
ما أنقذ الوطن المفـدى غيـر صبّـار جسـور
الخاتمة
أجسادهم في تربـه الأوطـانِ....................أرواحهم في جنة الرضوانِ
وهناك لا شكـوي ولا طغيـان...................وهناك فيض العفو والغفران
لا ترج عفواً من سواه هو الإله.............وهو اذي ملكت يداه كل جـاه
جبروته فوق الذين يغرهم..................... جبروتهم في برهم والأبحر .
خرج على إثرها الفلسطينيون في المدينة بتظاهرة عارمة، جددت روح التحدي وبعثت الإصرار من جديد.، ولم يكن قد مضى على تنفيذ حكم الإعدام بهؤلاء الشهداء أكثر من عشرة أيام .. فحائط البراق حائط إسلامي وجزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى الشريف. ولا يحق لأيٍ كان أن يدعي ملكيته، أو يجري عليه تغييرات تُبدّل معالمه، أو أن يضفي عليه ملامح جديدة تنسف شخصيته الأصيلة. كما لا يحق لأي أحد أن يوافق دولة الاحتلال على إجراءاتها ضد التاريخ والمقدسات، أو أن يبارك هذه المجازر ضد حائط البراق والمقدسات الإسلامية. كما لا يحق لأي مسلم أو عربي أو فلسطيني، ولأي سبب كان، أن يتنازل عن حجر واحد ، أو ذرة تراب من فلسطين ، أو من حائط البراق أو غيره من المقدسات، لأن ذلك سيكون تنازلاً عن الأقصى المبارك ، والقدس والمقدسات .. وفي 1948م دخلت قوات المملكة الأردنية الهاشمية الجزء الشرقي من مدينة القدس ومنعت اليهود الإسرائيليين أداء الصلاة أمام الحائط. وفي حرب يونيو 1967 م احتل الكيان الغاصب القدس من الأردن ، فقررت الحكومة المغتصبة توسيع الساحة المجاورة للحائط. ولهذه الغاية هدمت حي المغاربة الذي كان يوجد قبالة حائط البراق . ونسبوا الحائط إلى تاريخهم دون أي وجه حق، لا فرق في ذلك بين انتزاع ملكية الأراضي من الفلسطينيين وتهجيرهم من بلادهم بالقوة الغاشمة، وبين اغتصاب حائط البراق الذي يعد ملكا إسلامياً ، ومعلماً بارزاً من معالم المسجد القدسي المبارك .
موقف الشعب الفلسطيني من ثورة البراق : هب الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وأحزابه موقفا مؤيدا ومساندا ومشاركا في ثورة البراق ، اللهم إلا الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي اعتبر هذه الانتفاضة مذبحة موجهة ضد اليهود، وأنها حركة رعاع ولصوص وقطاع طرق ؟؟!ّ!ّ ثم تطور موقف الحزب قليلا حيث اعتبر أن ما حدث عبارة عن خلافات عرقية، ونشرَ كراسا وسط الجماهير الفلسطينية واليهودية لمقاومة الأحقاد العرقية، متجاهلاً الدافع الحقيقي للعملية الصراعية الناشئة في فلسطين ، وذهبت قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني – وهي يهودية من ألفها إلى يائها _ إلى أن" الجماهير المتزمتة من" الفلاحين ، والبدو" اندفعت "تحت قيادة البرجوازية والإقطاعيين ورجال الدين، لمهاجمة المستوطنات اليهودية الفقيرة" وأنها "اقترفت مذابح مخيفة" ضدها ؟؟!!
فتاوى صادرة بحق الجدار:
أصدر مفتي الديار المصرية الشيخ ( نصر فريد واصل ) فتوى مفادها أن الحائط الغربي للمسحد الأقصى الشريف ملك للمسلمين ، وتحرم تسميته بحائط المبكى، وأوضح أن حائط البراق هو جزء من السور الغربي للمسجد الأقصى.وأصدر واصل فتواه تعزيزا لفتوى أصدرها المفتي العام للقدس الشيخ (عكرمة صبري). ونقلت أنباء صحفية عن واصل قوله "حائط البراق يخص المسلمين وحدهم في جميع أرجاء المعمورة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".وأكد واصل أنه لا يمكن الاعتراف بأي ملكية لليهود لهذا الحائط، وأن وضع اليد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي هو تصرف احتلالي لا يعطيها الصفة الشرعية مهما طال الزمن. يذكر أن إسرائيل احتلت القدس الشرقية عام 1967م وضمتها إليها، في إجراء لم يعترف به المجتمع الدولي.وأقر واصل فتوى الشيخ عكرمة وقال "لا يجوز شرعا إطلاق تسمية حائط المبكى على حائط البراق فهي تسمية دخيلة لها دلالات غير مشروعة، وعلى المسلمين جميعا بصفة عامة ، وأجهزة الإعلام بصفة خاصة ، الالتزام بالتسمية المشروعة وهي حائط البراق".وأوضحت تقارير صحفية أن واصل كان يعقب على تقارير قالت : إن سلطات الاحتلال تحاول ترميم الحائط بعد تساقط بعض أحجاره. وقال إنه لا يجوز شرعا السماح لسلطة ، أو جهة غير إسلامية ، ترميم هذا الحائط ، أو التصرف فيه، وأضاف أن ذلك شأن إسلامي ، وأن الترميم من واجبات الأوقاف الإسلامية ، وكان الشيخ صبري قد أعلن أن حائط البراق جزء من المسجد الأقصى، وأفتى أن تسميته حائط المبكى حرام على المسلمين. وطالب جميع المسلمين ، وأجهزة الإعلام ، بأن تلتزم بالتسمية الشرعية وهي حائط البراق . وقال : إن المسلمين لا يعترفون بملكية اليهود للحائط ، فضلا عن عدم وجود صلة بين أي حجر في هذا الحائط والتاريخ اليهودي، واحتلال القدس لا يعطي إسرائيل شرعية.
وذكر الشيخ عكرمة صبري أن حائط البراق جزء من الحائط الغربي للمسجد الأقصى ، وأن كل حوائط الأقصى تديرها الأوقاف الإسلامية، ومن ثم فحائط البراق يخص المسلمين وحدهم. ( )
ومن الغريب ان يتطوع جبريل الرجوب بفتوى- مع عدم تخصصه - وأرجو أن تكون ملفقة - نقلها : موقع رؤيا الاخباري ، ورأي اليوم ، وعربي 21 ، وغيرها ، قال فيه : (((( : إن حائط البراق في القدس الشرقية المحتلة يجب أن يكون "تحت السيادة اليهودية" في مقابل أن يكون المسجد الأقصى وساحاته "حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني" ونقلت فرانس برس عن الرجوب في المقابلة التي أجراها بالعبرية ( بتاريخ : 26/ 12/ 2117م) مع القناة الثانية إن "حائط البراق (..) له مكانة وقدسية لدى الشعب اليهودي، وعليه يجب أن يبقى تحت السيادة اليهودية، فلا خلاف على ذلك، في المقابل فإن المسجد الأقصى وساحاته حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني".)))؟؟!!
مــآذن المسجد الأقصى ، ومنابره
لم تذكر المصادر التاريخية ماهية وعدد مآذن المسجد الأقصى في الفترات الإسلامية المبكرة، ولكننا اليوم أمام أربع مآذن يعود تاريخ إنشائها للفترة المملوكية، حيث تقع ثلاثة منها على صف واحد في الجهة الغربية للمسجد المبارك . وأما الرابعة فتقع في الجهة الشمالية على مقربة من باب الأسباط، ومن المحتمل جداً أن هذه المآذن الأربعة، قامت على أساس وأنقاض قواعد المآذن الأموية للمسجد الأقصى المبارك . ومن الملاحظ أن المآذن الأربعة أقيمت في الجهتين الشمالية والغربية، ذلك أن تمركز السكان في ذلك الوقت كان في هاتين الجهتين، فكان لكل مئذنة مؤذن واحد يقف على شرفة المئذنة ، وينادي بالآذان لإسماع السكان القاطنين في جهتي المدينة. وعلى ما يبدو أنه لم تكن أية مئذنة في الجهتين الجنوبية والشرقية لقلة السكان في تلك الجهات في ذلك الوقت . وقد أنشئت مآذن الحرم الشريف الأربعة التي نراها اليوم في عهد المماليك في الفترة الواقعة ما بين ( 677-769 هجرية/ 1278 – 1736 ميلادية)، حيث امتازت بشكل عام من الناحية المعمارية بمساقط مربعة الشكل تتألف من عدة طوابق، تنتهي بالأعلى للشرفة التي تعلوها القبة الصغيرة والتي تعرف بالخوذة أو المبخرة التي تُوِّجَت بالهلال، ويصعد إلى شرفاتها بواسطة الدرج (السلم الحجري) الحلزوني الشكل والموجود بداخل المئذنة، وقد زخرفت مآذن المسجد بزخارف مملوكية مختلفة أهمها المقرنصات ( ) التي زينت قواعد شرفاتها . وقد لاقت مآذن الحرم الشريف اهتماماً شديداً من قبل المجلس الأعلى حيث دأب على الحفاظ عليها من خلال ترميماته المكثفة لها في الفترة ما بين ( 1922-1927م) . ويشبه سور الأقصى الشرقي سور الأقصى الجنوبي كونه خالياً من المآذن والأبواب المفتوحة ، التي تتجمع كلها فوق السور الشمالي والغربي للمسجد ، ويرجع سبب انحصار المآذن والأبواب في الجهتين الشمالية و الغربية من سور المسجد الأقصى إلى تركز سكان القدس في هاتين الجهتين وإلى طوبوغرافية المنطقة خاصة الجنوبية والشرقية.
وأما المآذن الأربعة فهي: 1 - المئذنة الفخرية: ( وتعرف بمئذنة باب المغاربة ) : تقوم هذه المئذنة في الركن الجنوبي الغربي للمسجد المبارك ، وتعرف كذلك بالمئذنة الفخرية نسبة للقاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي الذي أشرف على بنائها خلال فترة وظيفته كناظر الحرمين الشريفين (في القدس والخليل) في سنة 677 هجرية/ 1278 ميلادية، في عهد السلطان الملك السعيد ناصر الدين بركة خان (676-678 هجرية/ 1277 – 1280). وتسمى كذلك مئذنة باب المغاربة في الركن الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى، وهي على مجمع المدرسة الفخرية بجانب المتحف الإسلامي. ومما تجدر الإشارة إليه أن تاريخ هذه المئذنة يرجع الى عصور متأخرة ، مبنية في الواقع على الحالة التي كانت عليها في عهد عبد الملك بن مروان, وبالتالي فإن عددها ومواقعها بقيت على حالها منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا.
2 - مئذنة باب الغوانمة: من أشهر مآذن المسجد الأقصى و أجملها ، مئذنة الغوانمة. وهي أعظم المآذن بناءً، وأتقنها عمارة. وتقوم هذه المئذنة في الركن الشمالي الغربي للمسجد الأقصى المبارك ، بجانب باب الغوانمة. وقد تم بناؤها في
عهد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين (696-698 هجرية/ 1297-1299ميلادية)، على يدي القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الذي أشرف على بناء مئذنة باب المغاربة . وقد تم تجديدها في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في نفس تاريخ إنشائه لمئذنة باب السلسلة المذكورة سابقاً وعلى يدي نائبه الأمير سيف الدين تنكز. وقد عرفت مئذنة باب الغوانمة أيضاً بمنارة قلاوون.
3-مئذنة باب السلسلة: تقوم هذه المئذنة في الجهة الغربية للأقصى المبارك بين باب السلسلة والمدرسة الأشرفية. وقد تم بناؤها في
عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة (– 741 809 هجرية/ 1309-1340 ميلادية)، على يدي نائبه الأمير سيف الدين تنكز الناصري سنة 730 هجرية/ 1329 ميلادية، وذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في الجهة الشرقية من قاعدة المئذنة بما نصه): بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذه المنارة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر/ في سنة ثلاثين وسبعمائة) .وتسمى كذلك منارة المحكمة لاتخاذها محكمة في العهد العثماني.
4- مئذنة باب الأسباط: وهي من أجمل المآذن وأحسنها هيبة وتعرف كذلك بالمئذنة الصلاحية لقربها من المدرسة الصلاحية، وأعيد بناؤها بشكلها الحالي عام 1346هـ بعد أن تهدمت أثر زلزال في القدس. تقوم هذه المئذنة في الجهة الشمالية للمسجد المبارك ، بين باب حطة وباب الأسباط، وقد تم بناؤها في عهد السلطان الملك الأشرف شعبان (764-778 هجرية/ 1363-1376 ميلادية) على يدي ناظر الحرمين الشريفين الأمير سيف الدين قطلوبغا في (سنة 769 هجرية/ 1367 ميلادية)، وذلك وفقاً للنقش التذكاري والذي كان موجوداً عليها، حيث جاء فيه ما نصه): أنشئت هذه المنارة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسن بن

السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، خلد الله ملكه الأمير سيف الدين المقر الأشرفي السيفي قطلعوبغا ناظر الحرمين الشريفين أعز الله أنصاره في تاريخ سنة تسع وستين وسبعمائة) . ومن الجدير بالإشارة إلى أن شكل قاعدة هذه المئذنة تختلف عن المآذن الأخرى، فهي ثمانية الأضلاع وليست مربعة، فعلى ما يبدو أنه أعيد بناؤها بشكلها الأسطواني هذا في الفترة العثمانية

منابر الأقصى المبارك
المنبر: هو منصة يقف عليها الخطيب داخل المسجد؛ لإلقاء خطبة الجمعة أو غيرها من الخطب في المناسبات المختلفة، كعيدي الفطر والأضحى؛ إذ تعد الخطبة إحدى شعائر المسلمين وعباداتهم. 1- منبر نور الدين زنكي.. منبر صلاح الدين الأيوبي (العصر الأيوبي): هذا المنبر سره عجيب، عندما صنع كان يحتوي على أكثر من 3568 قطعة خشبية بدون أن يدق فيه أي مسمار" . يُعرف هذا المنبر بـ"منبر صلاح الدين الأيوبي"، عِلمًا أن الذي أمر.. بصنعه هو نور الدين زنكي سنة 1168م ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يقوم بفتح المدينة. وقد صُنِع هذا المنبر في دمشق على أيدي أمهر الحرفيين، وصُنِع من الخشم المُطعّم بالعاج والأبنوس، وله بوّابة يرتفع فوقها تاج ثم درج يرقى إلى قوس أعلاه وشُرفة خشبيّة، فيه 12 ألف قطعة مُعشّقة متداخلة شكّلت هذا المنبر الذي يُعتبر آية في الفن والجمال وعليه نقوش وكتابات قرآنية وتاريخيّة.

بنى منبر الأقصى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي -رحمه الله- في حلب، وذلك قبل فتحه بنيف وعشرين سنة، وأركزه صلاح الدين بعد تحرير المسجد الأقصى المبارك في مكانه في قبلة المسجد.
ولقد أبدع الصُنَّاع في صنعته، وأتمَّه في سنتين، وكان الناس يتعجبون من صنع منبر المسجد الأقصى والصليبيون يحتلون أكثر البلاد ولهم أربعة عشر جيشًا في أرضنا، ويسخر الكثيرون: كيف سيُحرَّر الأقصى وهذه الجيوش جاثمة في أرض الإسلام؟! وكان نور الدين يجيبهم: ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) . وقد صنع نور الدين المنبر من خشب (الأبنوس) الخالص، ووصل الخشب بعضه ببعض عن طريق (التعشيق) دون أن يستعمل المسمار؛ وذلك ليكون المنبر بصناعته ممثلاً لجسم الأمة بتواصله وتعاونه، وشد أزر بعضها لبعض، دون ضغط من جسم غريب عليه.
يقول ابن شامة في كتاب (الروضتين في أخبار الدولتين): "بنى نور الدين وصلاح الدين من المساجد والمدارس بقدر ما بنيا من القلاع والحصون". وحكمة ذلك أن القلاع والحصون تحتاج إلى جند العقيدة الذين يحسنون صناعة الموت والشهادة، ويعرفون كيف ينصر الله المؤمنين على الكافرين، فيصبرون ويصابرون، ويشترون الجنة والنصر بدمائهم وأموالهم".لا زال النقش بالفسيفساء المذهبة فوق المحراب موجود حتى الان ونصه "بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد هذا المحراب المقدس وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس عبد الله ووليه يوسف ابن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وهو يسال الله إذاعة شكر هذه النعمة واجزال حظه في المغفرة والرحمة". على هذا المنبر اعتلى خطباء وعلماء وزعماء مسلمون على مدار التاريخ، وشهد إلقاء خطب ومواعظ كان لها أثر كبير في نفوس السامعين. وفي صباح يوم الخميس الواقع في 21 آب/ أغسطس 1969/ 1389هـ ، قام دينس مايكل روهان (وهو صهيوني مسيحي أسترالي الجنسية) بإضرام النار في المنبر، داخل المسجد الأقصى المبارك؛ واتّسع الحريق ليشمل رُبع المسجد الأقصى، وقد احترق منبر نور الدين زنكي التاريخي عندها تم وضع منبر حديدي متواضع بدلًا من المنبر المحترق، إلى أن تم إنشاء منبر آخر مطابق للمنبر الأصلي التاريخي، باستخدام نفس المواد، في الأردن، وقامت الحكومة الأردنيّة مشكورة بإعادة بنائه ، و انشغل المكلفون بصنع منبر جديد، بالكشف عن أسرار المنبر المحترق، مستخدمين طرقا مختلفة، من بينها دراسة الصور للمنبر التي توجد في مكتبات عالمية مثل مكتبة الكونغرس، ومتاحف في لندن وعواصم أوروبية أخرى. وتم إحضاره إلى القدس، ونصبه في المسجد القبلي في المسجد الأقصى، بأمر من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين عام 1428هـ/2007م. وقد اشترك في هذا العمل أكثر من 40 باحثا ومهندسا وصانعا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مثل الأردن، وسورية، وتركيا، ومصر، وماليزيا، والمغرب، وبلغت التكاليف 2 مليون و200 ألف دينار أردني.
ومثلما اعتبر المنبر الأصلي قطعة فنية، صممها ونفذها أشهر الصانعين في العالم الإسلامي آنذاك، اعتبر المنبر الجديد أيضا قطعة فنية متميزة، فهذا المنبر الجديد مصنوع من خشب الجوز والأبنوس والعاج وتم تصميمه على أيدي مهندسين من أنحاء العالم الإسلامي. وهو مكون من 16500 قطعة خشبية صغيرة متداخلة بأسلوب التعشيق دون استخدام مسامير أو براغ (مثل المنبر الأصلي المحترق)، ويبلغ ارتفاعه ستة أمتار، وعرضه أربعة أمتار، أما الدرج فعرضه متر واحد. 2 - منبر برهان الدين(العصر المملوكي): تحفة فنية قائمة، وكان يدعى منبر الصيف لأنه أمام ساحة مكشوفة، ويُستخدم في فصل الصيف لإلقاء الدروس والمحاضرات أمام طلبة العلم، بُني من الحجارة والرخام، ويقع جنوبي صحن الصخرة المشرفة، ملاصقة للبائكة الجنوبية، وحيث تعرف بوائك الأقصى كذلك بالموازيين، فقد سميت هذه القبة باسم قبة الميزان لهذا السبب. وحيث إنه في الحقيقة منبر فوقه قبة، فقد عرف باسم أشهر هو "منبر برهان الدين"، نسبة إلى قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، الذي أنشأه في عام 790هـ- 1388م، فهو مملوكي العهد. جُدّد المنبر في عهد السلطان العثماني عبد المجيد بن محمود الثاني، في عام 1259هـ- 1843م، كما تم ترميمه في أواخر عام 2000، على يد مجموعة من الطلبة الإيطاليين، وذلك عن طريق دائرة الأوقاف الإسلامية. وكان يوجد منبر خشبي جميل في شكله ورشاقته مكان هذا المنبر، وضعه صلاح الدين، ثم أعيد بناؤه من الحجر على النمط الهندسي الذي تشتهر به المنابر المملوكية المعروفة بنقشها وجمالها، ليصبح على مرور الأزمنة تحفة معمارية خالدة تنطق بالجمال والروعة. يتكون مبنى المنبر المجصص بالرخام من مدخل يقوم في أعلاه عقد يرتكز على عمودين صغيرين من الرخام، ويُصعد منه إلى درجات قليلة تؤدي إلى دكة حجرية (مقعد) معدة لجلوس الخطيب.وتقوم فوق تلك الدكة قبة لطيفة صغيرة ترتكز على أعمدة رخامية جميلة الشكل, وتحت مجلس الخطيب إلى الغرب قليلا يوجد محراب صغير وجميل، بينما يوجد محراب آخر جهة الشرق نقش داخل جسم الركبة الغربية التي تحمل البائكة الجنوبية. وكان يستخدم للخطابة والدعاء في الأعياد الإسلامية، وكذلك في صلوات الاستسقاء التي تقام في ساحات المسجد الأقصى، إذ لا يوجد في ساحات المسجد منبر غيره. ولا يستخدم هذا المنبر حاليا.
صورة لمنبر برهان الدين
قباب الأقصى المبارك
يوجد في ساحة الحرم الشريف عدة قباب فضلاً عن قبة الصخرة المشرفة، تم تعميرها في الفترات الإسلامية، الأيوبية والمملوكية والعثمانية؛ لتكون مراكز للتدريس أو للعبادة والاعتكاف، أو تخليداً لذكرى حدث معين. وقد انتشرت هذه القباب في صحن قبة الصخرة وساحة الحرم الشريف وهي:
1- قبة الصخرة:
بنيت قبة الصخرة في قلب المسجد الأقصى المبارك في الجهة الشمالية، قبالة المسجد االقبلي المبارك، فوق الصخرة التي يقال بأن الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - عرج منها إلى السموات العلى، في ليلة الإسراء والمعراج ، وهي عبارة عن قمة صخرية بارزة في أعلى قمة جبل موريا وسطح هذا الجبل هو المسجد الأقصى المبارك الذي يضم الجامع القبلي وقبة الصخرة ومشاهد إسلامية أخرى.

وجاءت فكرة البناء، إثر زيارة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لمدينة القدس، فرأى أن يبني قبة فوق الصخرة؛ تقي المسلمين حر الصيف وبرد الشتاء. وعهد بالإشراف على البناء، إلى رجاء بن حيوة الكندي ، ويزيد بن سلام . ورصد لها عائدات ولاية مصر من الخراج لسبع سنوات. بدأت عملية البناء في عام 66 هجري (685 ميلادي) وانتهت عام 72 هجري (691 ميلادي). ولما كان ابتداء العمل في عمارتها معاصراً لثورة مصعب وأخيه عبد الله بن الزبير في مكة فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية (أصلها رواية للمؤرخ اليعقوبي المتشيع ، وهو مؤرخ متعصب ضد الأمويين) أن الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان أراد بالقبة أن تكون بديلاً للكعبة المشرفة يزورها الناس عوضا عن الذهاب إلى الحج في مكة الواقعة تحت سيطرة ابن الزبير ولا جدال في أن مثل هذه المزاعم تفتقد إلى المنطق ذلك أن عبد الملك بن مروان هو خليفة مسلم موضعه في العلم والإسلام معروف لا يمكن أن يدور بخلده أن الحج يمكن إن يكون صحيحاً في أي موضوع آخر غير البيت الحرام ، كما إن ثورة ابن الزبير لم تكن تشكل خطراً ماحقاً يهدد بانفصال الأراضي المقدسة عن جسد الدولة الأموية المترامية الأطراف حتى يفكر عبد الملك في إنشاء بديل للكعبة ، ولذا نجد الخليفة الأموي بعد القضاء على ثورة مصعب في عام 27هـ- ثم عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما في العام التالي يأمر بتجديد الحرم المكي وإعادته كما كان. وتتكون قبة الصخرة من قبة قطرها 20.44 متر، متكئة على أسطوانة تشتمل على 16 نافذة، وتتركز الأسطوانة على أربع دعامات و12عمودا منظمة بشكل دائري، بحيث يوجد ثلاثة أعمدة بين كل دعامتين. وتتخذ القبة شكلا ثمانيا يبلغ طول ضلعه 20.59 متراً، وارتفاعه 9.50 أمتار، وهناك تصوينة فوق الجدارين يبلغ ارتفاعها 2.60 متر، ويوجد في الجزء العلوي من كل جدارخمس نوافذ، كما أن هناك أربعة أبواب في أربع جدران خارجية يبلغ قياس كل منها : ( 2.55 م ×4.35 م ) ، كما زينت جدرانه من الداخل والخارج بزخارف ونقوش، حيث امتزجت فيها فنون الهندسة العربية الإسلامية مع الفارسية والرومانية. وبداخل القبة توجد الصخرة وهي عبارة قطعة من الصخر تقع تحت القبة مباشرة طولها ثمانية، أمتار وعرضها 14 متراً، وأعلى نقطة فيها مرتفعة عن الأرض متر ونصف، ويلفها درابزين من الخشب المنقوش والمدهون، وحول الدرابزين مصلى مخصص للنساء. وتحت الصخرة توجد المغارة، حيث ينزل إليها من الجهة الجنوبية إحدى عشرة درجة، وتأخذ شكلا مربعاً، كل ضلع في المغارة أربعة أمتار ونصف. وما يميز قبة الصخرة، أنها أجمل القباب في العالم الإسلامي بعد طلائها بالذهب الخالص، وتبقى قبة الصخرة رمزاً واختزالاً بليغاً لحقيقة عروبة القدس حيث تتسامى في عنان السماء لتطل في زهو وكبرياء من عَلٍ ، وهي تسخر من كل مؤتمرات الصهيونية لاستلاب القدس وأرض فلسطين .
2-قبة الأرواح : تقع إلى الشمال من قبة الصخرة داخل المسجد الأقصى المبارك على مقربة من قبة المعراج ، ويعود تاريخ تشييدها إلى العهد العثماني في منتصف القرن 16م ، ولعلها سميت بذلك لقربها من المغارة المعروفة باسم مغارة الأرواح. شيدت هذه القبة على مثمن يتألف من ثمانية أعمدة رخامية ، تحمل ثمانية عقود حجرية وهي قبة قليلة الارتفاع بعض الشيء .
3- قبة النبي موسى – عليه السلام -
تقع داخل ساحة المسجد الأقصى المبارك على مقربة من البائكة الجنوبية الغربية أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل الأيوبي سنة 647 هـ / 1249- 1250م كما ظهر في أحد نقوشها. يبدو

من تصميمها أنها كانت مخصصة لتعبد أمراء الأيوبيين عند زيارتهم للقدس أو لتعبد بعض المشاهير والشيوخ بعد ذلك.تتكون من بناء مربع الجدران ، فتحت به نوافذ للإضاءة ، وقد عملت به بعض المحاريب في داخله وخارجه أيضاً ، ويقع المدخل في الضلع الشمالي المواجه لجدار القبة ، ومن الناحية الإنشائية فقد تم تحويل المربع إلى مثمن بواسطة منطقة انتقال من مثلثات كروية وقد فتحت في أضلاع المثمن نوافذ للإضاءة ، وتم تشييد خوذة القبة المثمنة بعد ذلك
4- قبة الخضر:

تقع داخل المسجد الأقصى المبارك في الزاوية الشمالية الغربية لساحة الصخرة.، يرجح أنها أُنشئت في القرن العاشر الهجري في الفترة العثمانية، وهي قبة صغيرة مرفوعة على ستة أعمدة من الرخام، فيها زاوية تسمى زاوية الخضر، تتكون من ستة أعمدة رخامية جميلة، فوقها ستة عقود حجرية مدببة مزخرفة . 5- قبة السلسلة: تقع في ساحة الحرم القدسي الشريف، يقال أن الخليفة عبد الملك بن مروان بناها لتكون بيتاً للمال. ثمة إشارات تاريخية أوردها ابن عبد ربه توضح أن سبب تسميتها بقبة السلسلة أنه كانت توجد بها سلسلة يمسها المتقاضون، وأن هذه السلسلة حليف كل صادق في القول ، وأنها تبتعد عن كل من يكذب ، وتربط هذه الروايات بين هذه السلسلة وتلك التي كان يتخذها نبي الله داود لحسم النزاع بين الخصوم في مجلس القضاء، وهذا لاشك فيه من الخزعبلات غير المقبولة.
ومن المعروف أن هذه القبة قد تعرضت للانتهاك أثناء الاحتلال الصليبي ، وأعيد تجديدها غير مرة منذ استرداد صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس ، وقد أوقفت سلطات الاحتلال عمليات الترميم التي كانت جارية بها في عام 1970م ، ثم استكملت في التسعينات من القرن الماضي.
ولهذه القبة شكل سداسي يحملها مسدس مؤلف داخلياً من ستة أعمدة تحمل العقود التي ترتكز عليها رقبة القبة ، وخارجها أحد عشر عموداً تحمل عقوداً مماثلة ، وقد سد فيما بين اثنين من هذه الأعمدة لإنشاء المحراب الموجود بها ، وعلى ذلك فإن لهذه القبة سبعة عشر عموداً ، وقد كسيت هذه القبة ببلاطات من القاشاني التركي عند ترميمها في عهد السلطان سليمان القانوني في القرن العاشر الهجري 6- قبة المعراج:
وتقع قبة المعراج داخل المسجد الأقصى المبارك إلى الشمال الغربي من قبة الصخرة وشيدت عام 1200م بأمر من الأمير عز الدين أبو عمرو عثمان الزنجلي، متولي القدس الشريف. في عهد السلطان العادل أبي بكر بن أيوب. والقبة عبارة عن بناء مثمن الشكل، يقوم على ثلاثين عموداً، جدرانه مغطاة بألواح من الرخام الأبيض، والقبة مغطاة بصفائح من الرصاص. بنيت كتذكار لعروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماء.

ويذكر أن هذه القبة بنيت مكان قبة أخرى قديمة شيدت في عهد عبد الملك بن مروان، وقد أشار إلى وجودها الرحالة ناصر خسرو قبل استيلاء الصليبين على المدينة وهدمهم لها.
7- قبة النبي سليمان – عليه السلام - : تقع في ساحة المسجد الأقصى المبارك من الجهة الشمالية ، بالقرب من باب شرف الأنبياء (باب الملك فيصل)،
وهي عبارة عن بناء مثمن، بداخله صخرة ثابتة، ويذكر بعض المؤرخين أن القبة من بناء الأمويين، إلا أن طراز البناء لا يشير إلى ذلك، بل يدل على أنه يرجع إلى أوائل القرن السابع الهجري. . وتقوم هذه القبة أيضا على بناء مثمن يبدأ بأربعة من الرخام وتم تخصيص واحدة منها لباب الدخول يواجه المحراب، وفوق المثمن تم تشييد عامود أسطواني وقد فتحت به ثمانية نوافذ معقودة للإضاءة، وفوق هذا العامود خوذة القبة وهي حجرية متينة البنيان وبداخل هذه القبة توجد صخرة صغيرة.
8- قبة يوسف: تقع بين المدرسة النحوية، ومنبر برهان الدين، داخل الأقصى المبارك ، جنوبي قبة الصخرة ويعود تشييدها إلى العهد العثماني عام 1681م ، بأمر من يوسف آغا الوالي العثماني على القدس، وقد كانت على ما يبدو مخصصة للعبادة على مقربة من الجامع القبلي. وسميت القبة بقبة يوسف تيمناً وتذكاراً بيوسف
ابن أيوب المعروف بالناصر صلاح الدين الأيوبي. وتقوم هذه القبة على بناء مربع تتألف قاعدته من عمودين رخاميين رشيقين وجدار في ناحيةالقِبلة،. ويقال إنها أنشئت في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، عام 785هـ 1911م، وإن علي آغا جددها فقط في العصر العثماني. تتكون هذه القبة من بناء مربع، طول ضلعه متران، تعلوه قبة محمولة من الأمام، وهي مفتوحة البناء من جميع جهاتها باستثناء الواجهة الجنوبية، وهناك قبة أخرى بهذا الاسم بين المسجد االقبلي وجامع المغاربة.
9 - قبة محراب النبي أو : قبة النبي : - عليه الصلاة والسلام - : تقع داخل المسجد الأقصى المبارك شمال غربي قبة الصخرة، بينها وبين قبة المعراج. بداية إنشاء هذه القبة ذلك المحراب المعروف باسم محراب النبي ،
وقد أمر بتشييده في عام 945هـ (1538م) محمد بك صاحب لواء غزة والقدس الشريف من زمن السلطان العثماني سليمان القانوني ، وهو محراب رخامي لا يرتفع عن الأرض كثيراَ ، وقد شيد بالرخام على هيئة مستطيل في نهايته شكل ثلاثي الأضلاع أكثر ارتفاعاً من بقية المستطيل.
وفي عام 1261هـ(1845م) قام السلطان عبد المجيد بن محمود بتشييد قبة فوق هذا المحراب ، وهي عبارة عن مثمن قاعدته من ثمانية أعمدة رخامية ، تحمل ثمانية من العقود الحجرية المدببة كانت نهايتها بمثابة رقبة القبة التي شيدت خوذتها فوقها 10- القبة النحوية: تقوم هذه القبة في الزاوية الجنوبية الغربية لصحن قبة الصخرة ، وقد تم تعميرها في الفترة الأيوبية، في عهد السلطان الملك المعظم عيسى في سنة 604 هـ؛ خصيصاً لتكون مقراً لتعليم علوم اللغة العربية. من صرف ونحو داخل المسجد الأقصى المبارك، فعرفت بالقبة النحوية، وأيضا المدرسة النحوية. تتكون القبة من ثلاث غرف متصلة، حيث تقوم قبتها الكبرى فوق الغرفة الغربية، بينما توجد قبة أخرى أقل ارتفاعا فوق الغرفة الشرقية، ولها مدخل رّئيسي يقع في واجهتها الشّمالية.[82] تحولت القبة النحوية إلى مكتبة في عهد الاحتلال البريطاني، وتستعمل اليوم كمقر لمحكمة الاستئناف الشرعية (وهو جزء من المحكمة الشرعية في القدس، والذي يتبع بدوره للأردن)، واسمها الدقيق الآن هو: مكتب القائم بأعمال قاضي القضاة، ومن تحتها أرشيف المحكمة. وقد حماها هذا الاستعمال هو من أخطار الاحتلال، حيث أنها تشرف بشكل واضح على حائط البراق من داخل الأقصى المبارك، ما تشرف على بابي المغاربة وباب السلسلة. ولذلك تعتبر نقطةً ساخنةً عند وقوع اعتداءات صهيونية على المسجد الأقصى المبارك، كما حدث في انتفاضة الأقصىعام 2000م، حيث اقتحم الصهاينة الأقصى من باب السلسلة، وسيطروا على القبة النحوية، ومن ثم سيطروا على الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى المبارك، وقتلوا شهيدا عند باب المغاربة، وقد استشهد 5 مصلين برصاص الاحتلال في ذلك اليوم، فضلا عن إصابة العشرات. 11- قبة الشيخ الخليلي: تقع هذه القبة في الزاوية الشمالية الغربية لصحن قبة الصخرة ، تم إنشاؤها في الفترة العثمانية في سنة 1112 هـ/ 1700م. ويتألف مبنى القبة من غرفة مستطيلة الشكل، يدخل إليها من خلال مدخلها الواقع في جدارها الشرقي، وفي داخلها كهف أقيم فيه محراب. وقد استخدمت هذه القبة داراً للعبادة والتصوف، حيث اتخذها الشيخ الخليلي مقراً له لتعليم الأوراد (الأدعية الصوفية) والاعتكاف. وهذا الكهف قليل التهوية عديم النور ولا يستعمل. وتستعمل القبة اليوم كمكتب للجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك. 12- قبة عشاق النبي – صلى الله عليه وسلم - أو إيوان العشاق: تقع قبة عشاق النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد الأقصى المبارك، في الركن الجنوب الشرقي من باب العتم ، في الجهة الشمالية لساحة الأقصى المبارك، وقد تم إنشاء هذا الإيوان، الذي عرف لاحقاً بالقبة، في الفترة العثمانية، في عهد السلطان محمود الثاني سنة 1233 هـ،
وذلك وفق ما ورد في النقش التذكاري الموجود في واجهته الشمالية، وعلى ما يبدو أن هذا المكان كان ملتقى للصوفيين والزهاد والذين عرفوا بعشاق النبي - عليه الصلاة والسلام -، حتى أصبحت تعرف بقبة عشاق النبي.
13- قبة يوسف آغا:
تقع هذه القبة في الجهة الجنوبية الغربية لساحة المسجد الأقصى المبارك ، بين المتحف الإسلامي والمسجد القبلي المبارك ، أنشأها يوسف أغا الوالي العثماني على القدس بتاريخ ( 1092هـ - 1681م) ، في عهد السلطان محمود الرابع، وذلك حسب ما ورد في النقشين الموجودين في واجهتها.
14- قبة مهد عيسى :
تقع عند الزاوية الجنوبية الشرقية لسور القدس وسور المسجد الأقصى ، وتم تشييده لتخليد ذكرى النبي عيسى- عليه السلام - ، ورغم التجديدات التي لحقت به على مر العصور فهو يحتفظ بمعاملة الأصلية الأساسية التي وردت في أوصاف المؤرخين والرحالة الذين عاينوا هذا المكان المعروف باسم مهد عيسى ومسجده. وفي هذا الأثر قبة جرى تجديدها في العصر العثماني على نفس طرازها القديم ، وهي محمولة على أربعة عقود مدببة تستند بدورها على أربعة أعمدة رخامية ، وتحت هذه القبة يوجد حوض حجري يسمى مهد المسيح - عليه السلام -،و أمام هذا الحوض محراب حجري مجوف( ).
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف