رواية "الساخر العظيم" للروائي أمجد توفيق : قراءة خاصة
***********************
سامي مهدي
رواية " الساخر العظيم " هي آخر ما صدر للروائي الصديق أمجد توفيق ، وهي رواية طويلة نسبياً ، تقع في 662 صفحة ، مقسمة إلى 58 فصلاً ، يضيف المؤلف في كل فصل من فصولها معلومات أو أحداثاً جديدة يفترض أن تشكل عموده الفقري . ويمكن القول إن هذه الرواية روايتان اثنتان متداخلتان عن أسرة موصلية ، في إحداهما يروي الجد ( سلمان الأصيل ) سيرته الخاصة في مخطوط يعثر عليه أحد أحفاده ، فيكشف ما تجهله أسرته عنه من خفايا وأسرار ، بينما يسرد راو عليم واحد مجمل أحداثها ، ولا سيما أوضاع أبني سلمان ( إبراهيم ، وشهاب ) وأحفاده منهما ومواقف هؤلاء وأحوالهم إبان الحقبة الداعشية التي مرت بها الموصل . فالرواية إذن بناء منظم مركب سهر المؤلف بجهد كبير واضح على التخطيط له وتنظيم أحداثه وتركيبها .
ولهذه الرواية شخصيتان رئيسيتان هما : سيف بن ابراهيم ، وسعد بن شهاب . وسيف شاب لامع وإعلامي ذكي وحاذق ويقظ يكلف في بغداد بإدارة قناة فضائية خاصة مشبوهة ، لقاء أجر عال وامتيازات خاصة مغرية ، لاستدراجه إلى مستنقع الشبهات ، والثاني ، سعد ، يقيم في الموصل ويبقى فيها مع أخيه الكبير جلال إبان الاحتلال الداعشي ، يبقيان لإدارة تجارة الأسرة ورعاية مصالحها بعد رحيل بقية أفرادها إلى تركيا خوفاً من داعش واتقاء لشرورها .
يمضي سيف أيامه بين عمل جاد مثابر من جانب ، ولهو وعبث من جانب آخر مع نساء غير بعيدات عن محيط العمل ( نور ، ندى ، ليلى ، آسيا ، ثم سوسن ) يحببنه ، أو يتظاهرن بحبه ، ولكنهن مكلفات ، بعضهن أو كلهن ، بإغرائه واستدراجه ليكون جزءاً من شبكة تخدم أمريكا ومصالحها في البلاد ، وهو يقظ على الدوام يعي ما يدبر له من مكائد ومن مصائد ، ويتجنب بكل حذر أن يقع فيها ، فيتملص المرة بعد المرة ، ويرفض العرض بعد العرض ، غير واثق من أحد ، أو متيقن من شيء ، وعدم اليقين هاجس ظل يلازمه لأنه يعمل في محيط موبوء بالكذابين والمنافقبن والمنتفعين من كتاب التقارير وناصبي الأفخاخ ، وفي مقدمتهم ( فهد ) مالك القناة وعرابها ، يحركهم من وراء ستار ، جميعاً وأولهم فهد ، ضابط أمريكي يدعى ستيوارت ، وهو ضابط مخابرات حتماً ، حتى يقرر بعد شهور ترك عمله المشبوه هذا والالتحاق بأسرته في تركيا .
أما سعد فيصادف ذات يوم في الموصل فتاة يزيدية هاربة من أسر الدواعش تدعى ( بهار ) فيعطف عليها ويرعاها ويؤويها في عمارة خالية من أملاك العائلة ، ثم ينقلها في ما بعد إلى بيت العائلة بموافقة أخيه جلال ، فيحبها وتحبه بمرور الأيام . وكانت بهار قد وجدت قبل ذلك صندوقاً من خشب الجوز في غرفة من غرف العمارة ووجدت في الصندوق مخطوطاً ، فيأخذ سعد الصندوق والمخطوط منها ، ثم يشرع بقراءة المخطوط ليكتشف أن جده سلمان هو من كتبه ، وأنه روى فيه سيرته الشخصية ، ويعترف في ما كتب بأنه يزيدي الأصل ، من قرية تدعى ( ساني ) وأن ( الأب ميخائيل ) أودع صندوقاً لدى جده ( إبراهيم إلياس ) وأخبره بأنه يعود إلى الكنيسة . وكان ذلك أيام تمرد الآثوريين على السلطة في ثلاثينيات القرن العشرين وقيام السلطة بشن الحرب عليهم والفتك بهم بلا رحمة ، وإذ يقتل الأب ميخائيل في خضم هذه الأحداث يدفن إيراهيم إلياس وابنه سلمان الصندوق في بستان في القرية حرصاً عليه .
غير أن أبا سلمان وأمه ما لبثا أن قتلا في ذيول هذه هذه الأحداث ، فيرحل سلمان إلى الموصل وهو يومئذ في الخامسة عشرة من عمره ، وإذ يتصوره الآخرون مسلماً ، يتقبل هو هذه الصفة ويتعايش معها وينسجم ، وبعد شهور من رحيله إلى الموصل آواه تاجر من أهل المدينة يدعى إسماعيل ، ورعاه هذا الرجل واعتمد عليه في عمله ، ولما لمس منه رغبة في التعلم أشار عليه بأن يتعلم على يدي شيخ الجامع ، فتعلم عند هذا الشيخ القراءة والكتابة وقراءة القرآن ، ثم زوجه إسماعيل من ابنته ( نجاة ) فرزق منها بإبنيه شهاب وإبراهيم . ولكن اسماعيل يتعرض إلى مصاعب مالية فيكاد يفلس لو لم يقف سلمان إلى جانبه ويساعده ، ولما توفي عمل سلمان بعده في التجارة ، وجدّ فيها واجتهد حتى اغتنى ، وبنى بيت العائلة الكبير ، واستعاد صندوق الأب ميخائيل المدفون في القرية وحفظه في مخزن سري ملحق بغرفته الخاصة في هذا البيت ، واشترى عقارات فأصبح من أهل الثراء والجاه ، ولكنه كان شهماً وكريماً وعطوفاً يساعد الفقراء والمحتاجين ، وكان زير نساء أيضاً ، كحفيده سيف ، وظل كذلك حتى وفاته ، وهذه كلها أسرار ظلت خافية على أفراد عائلته جميعاً إلى أن عثرت بهار على صندوق سلمان وقرأ سعد المخطوط واحتفظ بأسراره حتى حين .
عرض هذه الرواية عملية ليست سهلة لكثرة تفاصيلها وتشعبها ، وقد قفزت من فوق الكثير منها ، ولكن هناك أموراً أخرى أساسية ينبغي ألا نغفلها ، من أهمها :
• أن المخطوط يشير إلى ( كنز ) يحفظه سلمان في مخزنه السري ، ويبحث سعد عن مدخل لهذا المخزن حتى يعثر عليه ، ولكنه لا يجد فيه غير صندوق الأب ميخائيل ، أما ( الكنز ) نفسه فلا يجده ، وتبقى حكاية هذا الكنز أحجية معلقة يحاول أن يجد لها حلاً ولكن بلا جدوى .
• يكتشف سلمان في صندوق الأب ميخائيل رزماً من نقود ورقية وكثيراً من الليرات ذهبية ، ويجد تحت قاعدة الصندوق المتحركة صندوقاً آخر صغيراً فيه كيس جلدي عتيق ، وفي الكيس ورقة قديمة مطوية يعرف مما كتب عليها أن الليرات الذهبية تعود ملكيتها إلى شخص يهودي يدعى ( موشي حزقيل ساس أو ساسو ) . وبذلك تكون الوديعة قد انتقلت من يهودي (موشي) إلى مسيحي ( الأب ميخائيل ) فإلى يزيدي (إبراهيم إلياس) فإلى ابنه (سلمان) الذي أدركه الإسلام . فيتساءل سلمان ( أي سر تجمع هذه الأحجية ؟ ) .
• ظهور حركة مقاومة محلية ضد الدواعش تمتد من الموصل إلى خارجها ، فيتبرع لها سعد وجلال بالأموال ، ويستعينان بأحد شبابها ( بارق ) على تهريب ( بهار ) إلى أهلها في أربيل فتنجح المحاولة ، بعد فشل محاولة سابقة استعان فيها سعد بابن عمه سيف ، واستعان هذا بمعارفه من الأمريكان . ولكن ما يلبث الدواعش أن يقبضوا على ( بارق ) في مصادفة فيقضي قاضيها بإعدامه ، فيعدم ، وتشيع الناس جثمانه بتحد صارخ . أما سيف فيترك عمله في فضائية ( فهد ) المشبوهة ويقطع علاقته بها وينتقل بعد حين من اسطنبول حيث تقيم عائلته إلى أربيل . وعندئذ تعرض قيادة هذه الحركة عليه تولي قيادة العمل الإعلامي فيها فيقبل هذه المهمة ، ويستفيد من علاقته بها في تهريب ابني عمه سعد وجلال من الموصل إلى أربيل . وبهذا تدحض الرواية تهمة الرضوخ للاحتلال الداعشي التي حاول المتهاونون في الدفاع عن الموصل إلصاقها بالموصليين ، وتدين من هربوا منها وتخلوا عنها وهم مدججون بالسلاح .
• يستفيد سيف من علاقته بالمقاومة في تهريب ابني عمه سعد وجلال من الموصل إلى أربيل . ويتزوج سعد من بهار ، وفي فندق بأربيل يلتقي شاب يزيدي يدعى ( خضر جاسم ) بسعد وسيف وجلال مصادفة ، فيتعرف عليهم ، ونعلم منه أن عائلته كانت تقيم في بستان جدهم سلمان في قرية ( ساني ) وترعى البستان وتعيش من خيراته طوال السنوات الماضية بفضل منه ، وبذلك يعرف سيف وجلال هذا الجانب من الحقيقة ، ثم يكشف لهما سعد قصة المخطوط وما ينطوي عليه من أسرار ، وعندئذ يعقد اجتماع يضم جميع أفراد العائلة ويعرض سعد عليهم كافة ما توصل إليه من حقائق بشأن العائلة وأصولها ، فيتقبلها الجميع بوصفها أمراً واقعاً لا مفر منه .
يلوح لي مما تقدم أن الكاتب يربط بين ما حدث للآثوريين واليزيديين في ثلاثينيات القرن العشرين على أيدي السلطة الحاكمة يومئذ ، وما حدث للموصل وأهلها على أيدي الدواعش . ولا أدري كم يصح مثل هذا الربط من الناحيتين التاريخية والموضوعية ، رغم أن المؤلف ينبه القارئ في ملاحظة خاصة إلى أن روايته ( عمل إبداعي معني بالبناء الفني والقيمة الجمالية ، وليس معنياً بتوثيق تاريخي للأحداث والشخصيات ) . ( الرواية ص / 5 ) .
ثم أن الرواية تحاول أن ترينا ، على طريقتها ، أن أهل محافظة نينوى بسهولها وجبالها ومدنها وقراها وحدة بشرية واحدة ، مختلطة ومتداخلة ، وحدة إنسانية ، وأنهم جميعاً ينهلون من منهل ديني واحد ، هو كنزهم الإلاهي الخفي ، هو الوديعة التي تركها اليهودي لدى المسيحي واستودعها المسيحي لدى يزيدي ( ليستولي عليها ) ابنه الذي أدركه
***********************
سامي مهدي
رواية " الساخر العظيم " هي آخر ما صدر للروائي الصديق أمجد توفيق ، وهي رواية طويلة نسبياً ، تقع في 662 صفحة ، مقسمة إلى 58 فصلاً ، يضيف المؤلف في كل فصل من فصولها معلومات أو أحداثاً جديدة يفترض أن تشكل عموده الفقري . ويمكن القول إن هذه الرواية روايتان اثنتان متداخلتان عن أسرة موصلية ، في إحداهما يروي الجد ( سلمان الأصيل ) سيرته الخاصة في مخطوط يعثر عليه أحد أحفاده ، فيكشف ما تجهله أسرته عنه من خفايا وأسرار ، بينما يسرد راو عليم واحد مجمل أحداثها ، ولا سيما أوضاع أبني سلمان ( إبراهيم ، وشهاب ) وأحفاده منهما ومواقف هؤلاء وأحوالهم إبان الحقبة الداعشية التي مرت بها الموصل . فالرواية إذن بناء منظم مركب سهر المؤلف بجهد كبير واضح على التخطيط له وتنظيم أحداثه وتركيبها .
ولهذه الرواية شخصيتان رئيسيتان هما : سيف بن ابراهيم ، وسعد بن شهاب . وسيف شاب لامع وإعلامي ذكي وحاذق ويقظ يكلف في بغداد بإدارة قناة فضائية خاصة مشبوهة ، لقاء أجر عال وامتيازات خاصة مغرية ، لاستدراجه إلى مستنقع الشبهات ، والثاني ، سعد ، يقيم في الموصل ويبقى فيها مع أخيه الكبير جلال إبان الاحتلال الداعشي ، يبقيان لإدارة تجارة الأسرة ورعاية مصالحها بعد رحيل بقية أفرادها إلى تركيا خوفاً من داعش واتقاء لشرورها .
يمضي سيف أيامه بين عمل جاد مثابر من جانب ، ولهو وعبث من جانب آخر مع نساء غير بعيدات عن محيط العمل ( نور ، ندى ، ليلى ، آسيا ، ثم سوسن ) يحببنه ، أو يتظاهرن بحبه ، ولكنهن مكلفات ، بعضهن أو كلهن ، بإغرائه واستدراجه ليكون جزءاً من شبكة تخدم أمريكا ومصالحها في البلاد ، وهو يقظ على الدوام يعي ما يدبر له من مكائد ومن مصائد ، ويتجنب بكل حذر أن يقع فيها ، فيتملص المرة بعد المرة ، ويرفض العرض بعد العرض ، غير واثق من أحد ، أو متيقن من شيء ، وعدم اليقين هاجس ظل يلازمه لأنه يعمل في محيط موبوء بالكذابين والمنافقبن والمنتفعين من كتاب التقارير وناصبي الأفخاخ ، وفي مقدمتهم ( فهد ) مالك القناة وعرابها ، يحركهم من وراء ستار ، جميعاً وأولهم فهد ، ضابط أمريكي يدعى ستيوارت ، وهو ضابط مخابرات حتماً ، حتى يقرر بعد شهور ترك عمله المشبوه هذا والالتحاق بأسرته في تركيا .
أما سعد فيصادف ذات يوم في الموصل فتاة يزيدية هاربة من أسر الدواعش تدعى ( بهار ) فيعطف عليها ويرعاها ويؤويها في عمارة خالية من أملاك العائلة ، ثم ينقلها في ما بعد إلى بيت العائلة بموافقة أخيه جلال ، فيحبها وتحبه بمرور الأيام . وكانت بهار قد وجدت قبل ذلك صندوقاً من خشب الجوز في غرفة من غرف العمارة ووجدت في الصندوق مخطوطاً ، فيأخذ سعد الصندوق والمخطوط منها ، ثم يشرع بقراءة المخطوط ليكتشف أن جده سلمان هو من كتبه ، وأنه روى فيه سيرته الشخصية ، ويعترف في ما كتب بأنه يزيدي الأصل ، من قرية تدعى ( ساني ) وأن ( الأب ميخائيل ) أودع صندوقاً لدى جده ( إبراهيم إلياس ) وأخبره بأنه يعود إلى الكنيسة . وكان ذلك أيام تمرد الآثوريين على السلطة في ثلاثينيات القرن العشرين وقيام السلطة بشن الحرب عليهم والفتك بهم بلا رحمة ، وإذ يقتل الأب ميخائيل في خضم هذه الأحداث يدفن إيراهيم إلياس وابنه سلمان الصندوق في بستان في القرية حرصاً عليه .
غير أن أبا سلمان وأمه ما لبثا أن قتلا في ذيول هذه هذه الأحداث ، فيرحل سلمان إلى الموصل وهو يومئذ في الخامسة عشرة من عمره ، وإذ يتصوره الآخرون مسلماً ، يتقبل هو هذه الصفة ويتعايش معها وينسجم ، وبعد شهور من رحيله إلى الموصل آواه تاجر من أهل المدينة يدعى إسماعيل ، ورعاه هذا الرجل واعتمد عليه في عمله ، ولما لمس منه رغبة في التعلم أشار عليه بأن يتعلم على يدي شيخ الجامع ، فتعلم عند هذا الشيخ القراءة والكتابة وقراءة القرآن ، ثم زوجه إسماعيل من ابنته ( نجاة ) فرزق منها بإبنيه شهاب وإبراهيم . ولكن اسماعيل يتعرض إلى مصاعب مالية فيكاد يفلس لو لم يقف سلمان إلى جانبه ويساعده ، ولما توفي عمل سلمان بعده في التجارة ، وجدّ فيها واجتهد حتى اغتنى ، وبنى بيت العائلة الكبير ، واستعاد صندوق الأب ميخائيل المدفون في القرية وحفظه في مخزن سري ملحق بغرفته الخاصة في هذا البيت ، واشترى عقارات فأصبح من أهل الثراء والجاه ، ولكنه كان شهماً وكريماً وعطوفاً يساعد الفقراء والمحتاجين ، وكان زير نساء أيضاً ، كحفيده سيف ، وظل كذلك حتى وفاته ، وهذه كلها أسرار ظلت خافية على أفراد عائلته جميعاً إلى أن عثرت بهار على صندوق سلمان وقرأ سعد المخطوط واحتفظ بأسراره حتى حين .
عرض هذه الرواية عملية ليست سهلة لكثرة تفاصيلها وتشعبها ، وقد قفزت من فوق الكثير منها ، ولكن هناك أموراً أخرى أساسية ينبغي ألا نغفلها ، من أهمها :
• أن المخطوط يشير إلى ( كنز ) يحفظه سلمان في مخزنه السري ، ويبحث سعد عن مدخل لهذا المخزن حتى يعثر عليه ، ولكنه لا يجد فيه غير صندوق الأب ميخائيل ، أما ( الكنز ) نفسه فلا يجده ، وتبقى حكاية هذا الكنز أحجية معلقة يحاول أن يجد لها حلاً ولكن بلا جدوى .
• يكتشف سلمان في صندوق الأب ميخائيل رزماً من نقود ورقية وكثيراً من الليرات ذهبية ، ويجد تحت قاعدة الصندوق المتحركة صندوقاً آخر صغيراً فيه كيس جلدي عتيق ، وفي الكيس ورقة قديمة مطوية يعرف مما كتب عليها أن الليرات الذهبية تعود ملكيتها إلى شخص يهودي يدعى ( موشي حزقيل ساس أو ساسو ) . وبذلك تكون الوديعة قد انتقلت من يهودي (موشي) إلى مسيحي ( الأب ميخائيل ) فإلى يزيدي (إبراهيم إلياس) فإلى ابنه (سلمان) الذي أدركه الإسلام . فيتساءل سلمان ( أي سر تجمع هذه الأحجية ؟ ) .
• ظهور حركة مقاومة محلية ضد الدواعش تمتد من الموصل إلى خارجها ، فيتبرع لها سعد وجلال بالأموال ، ويستعينان بأحد شبابها ( بارق ) على تهريب ( بهار ) إلى أهلها في أربيل فتنجح المحاولة ، بعد فشل محاولة سابقة استعان فيها سعد بابن عمه سيف ، واستعان هذا بمعارفه من الأمريكان . ولكن ما يلبث الدواعش أن يقبضوا على ( بارق ) في مصادفة فيقضي قاضيها بإعدامه ، فيعدم ، وتشيع الناس جثمانه بتحد صارخ . أما سيف فيترك عمله في فضائية ( فهد ) المشبوهة ويقطع علاقته بها وينتقل بعد حين من اسطنبول حيث تقيم عائلته إلى أربيل . وعندئذ تعرض قيادة هذه الحركة عليه تولي قيادة العمل الإعلامي فيها فيقبل هذه المهمة ، ويستفيد من علاقته بها في تهريب ابني عمه سعد وجلال من الموصل إلى أربيل . وبهذا تدحض الرواية تهمة الرضوخ للاحتلال الداعشي التي حاول المتهاونون في الدفاع عن الموصل إلصاقها بالموصليين ، وتدين من هربوا منها وتخلوا عنها وهم مدججون بالسلاح .
• يستفيد سيف من علاقته بالمقاومة في تهريب ابني عمه سعد وجلال من الموصل إلى أربيل . ويتزوج سعد من بهار ، وفي فندق بأربيل يلتقي شاب يزيدي يدعى ( خضر جاسم ) بسعد وسيف وجلال مصادفة ، فيتعرف عليهم ، ونعلم منه أن عائلته كانت تقيم في بستان جدهم سلمان في قرية ( ساني ) وترعى البستان وتعيش من خيراته طوال السنوات الماضية بفضل منه ، وبذلك يعرف سيف وجلال هذا الجانب من الحقيقة ، ثم يكشف لهما سعد قصة المخطوط وما ينطوي عليه من أسرار ، وعندئذ يعقد اجتماع يضم جميع أفراد العائلة ويعرض سعد عليهم كافة ما توصل إليه من حقائق بشأن العائلة وأصولها ، فيتقبلها الجميع بوصفها أمراً واقعاً لا مفر منه .
يلوح لي مما تقدم أن الكاتب يربط بين ما حدث للآثوريين واليزيديين في ثلاثينيات القرن العشرين على أيدي السلطة الحاكمة يومئذ ، وما حدث للموصل وأهلها على أيدي الدواعش . ولا أدري كم يصح مثل هذا الربط من الناحيتين التاريخية والموضوعية ، رغم أن المؤلف ينبه القارئ في ملاحظة خاصة إلى أن روايته ( عمل إبداعي معني بالبناء الفني والقيمة الجمالية ، وليس معنياً بتوثيق تاريخي للأحداث والشخصيات ) . ( الرواية ص / 5 ) .
ثم أن الرواية تحاول أن ترينا ، على طريقتها ، أن أهل محافظة نينوى بسهولها وجبالها ومدنها وقراها وحدة بشرية واحدة ، مختلطة ومتداخلة ، وحدة إنسانية ، وأنهم جميعاً ينهلون من منهل ديني واحد ، هو كنزهم الإلاهي الخفي ، هو الوديعة التي تركها اليهودي لدى المسيحي واستودعها المسيحي لدى يزيدي ( ليستولي عليها ) ابنه الذي أدركه