الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

همسات الشلال عيسى الناعوري بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-04-02
همسات الشلال عيسى الناعوري بقلم: رائد الحواري
همسات الشلال
عيسى الناعوري
عندما نتقدم من قصائد كتبت قبل أكثر من سبعين سنة، بالتأكيد سنجد فيها شيء من التاريخ، شيء الحياة الاجتماعية التي عاشها الشاعر، ونجد أيضا شكل اللغة الأدبية المستخدمة، وعندما يكون الشاعر ابن الريف، بالتأكيد سينعكس ذلك في شعره وفي لغته، والجميل في هذا الديوان أنه يؤكد قول أحمد شوقي: "هب جنة الخلد اليمن لا شيء يعدل الوطن" فالوطن يبقى حاضرا في الوجدان حتى لو عاش الإنسان في أجمل وأقدس بقاع الأرض، وعندما تكون فاتحة الديوان ريفية، وتتحدث عن الحنين للوطن، وتأتي بلغة ناعمة وهادئة بالتأكيد سيندفع القاري ليغدق منه، أول قصيدة في الديوان "على ضفة الأردن" والتي كتبها الشاعر عام 1942:
"أحقا على ضفة الثانية تقوم ربى الأردن الغالية؟
أحقا بلادي ومسرح روحي هناك على الضفة الثانية؟
أهدي التي برح الشوق بي إليها، وهيج الامية؟
أهدي التي حن قلبي لها حنين النبات إلى الساقية
أراها تماوج فيها الربى وتحلم أحراشها الغافية
تعانقها الشمس عند الصباح بأنورها الحلوة الزاهية
ويحنو عليها النسيم البليل بأنفاسه العذبة الدافئية"
وتهفو إليها طيور السماء فتمضي بها حرة شادية" ص7و8، الريف حاضر من خلال: "ضفة، ربى، النبات، الساقية، تماوج، أحراشها، الشمس، الزاهية" وكلنا يعلم أن الطبيعة أحد عناصر التخفيف/الفرح عند الشعراء، كحال المرأة والكتابة والتمرد، فالشاعر هنا يتقدم من بيئته التي تعلق بها وتركت أثرها عليه وعلى لغته، فقدمها على بقية عناصر التخفيف/الفرح،
هناك ألفاظ لها علاقة بحالة الحنين: "روحي، الشوق، أهدي، حن، تعانقها، يحنو" كل هذا يؤكد على أنها الشاعر يتماهى مع القصيدة.
تستوقفنا الألفاظ البيضاء التي جاءت في القصيدة: "ربى، الأردن، الغالية، بلادي، ومسرح، روحي، أهدي، الشوق، حن، قلبي، حنين، النبات، الساقية، أراها، تمواج، الربى، وتحلم، أحراشها، تعانقها، الشمس، الصباح، بأنوارها، الحلوة، الزاهية، ويحنو، عليها، النسيم، البليل، العذبة، الدافئة، وتهفو، طيور، السماء، فتمضي حرة، شادية، فالشاعر من خلال اللغة البيضاء، ومن خلال الألفاظ الحنين، ومن خلال الطبيعة يحاول أن يخفف من ألمه وبعده عن الوطن، وإذا ما توقفنا عند القافية "التاء" والتي تلفظ قريبا من (الهاء) والتي تعبر عن حالة الألم (آه) نكون أمام أفكار وألفاظ وحروف تخدم حالة الحنين، فالقصيدة هناك تكون مطلقة، تنسجم فيه الفكرة مع الألفاظ والحروف لتكون بناء شعري متكامل ومتلاصق وتشابك.
في قصيدة "خيالات" والتي كتبها عام 1942 في أريحا، يستخدم الشاعر عنصر التخفيف/الفرح الثاني "المرأة":
"خيالك عندي أحب الصور وذكرك لهو أحب الذكر
تمثل لي وجهك الكائنات فتجلو فتون الشباب النضر
فألمح في بسمات الصباح وفي رقصات غصون الشجر
طيوفا من البسمات العذاب على شفتيك تزيل الكدر
وطيفيك يشرق في وحدتي مع الصبح مثل الشعاع العطر
وأحلام ليلي عليك تدور ويبعثهن هوى مستعر
فيهفو إليك خيالي الكئيب وقلبي الوحيد وروحي الضجر
فبعدك أصعب ما في الحياة وقربك أجمل ما في العمر" ص13، هناك حضور للجانب الإنساني للمرأة من خلال: "خيالك، أحب، الصور، الذكر، وجهك، فتجلو، فتون، الشباب، النضر، رقصات، البسمات، العذب، شفتيك، طيفك، يشرق، الصبح، الشعاع، العطر، أحلام، قلبي، روحي" ورغم أن الشاعر يستحدث عن المرأة، إلا أن الطبيعية/الريف أيضا موجود وحاضر: "غصون، الشر، طيوفا، يشرق" وهذا يؤكد على أن أثر الطبيعة في الشاعر هو الأبرز والأكثر حضورا من غيره.
وتأكيد على أن الشاعر يلجأ للمرأة كعنصر مخفف لغربته عن "ناعور" : " وطيفيك يشرق في وحدتي" وهناك البيت الأخير حالة الذي نجده فيه العقل الباطن للشاعر: "فبعدك أصعب ما في الحياة وقربك أجمل ما في العمر" فعندما استخدم في صدر البيت "فبعدك" أتبعه "أصعب" وهما يشيران إلى لقسوة، بينما عندما بدأ في عجز البيت "وقربك" تبعه ب"أجمل، العمر" وهذا البياض والفرح جاء بأثر حضور المرأة.
التجديد في شعر عيسى الناعوري
عنصر التخفيف/الفرح الثالث هو الكتابة، فالشاعر عمل على إحداث تجديد في شكل القصيدة من خلال (التمرد/الثورة) على القافية، التي كانت تلزم الشاعر وتقيده، جاء في قصيدة "إباء ونقمة":
"يا بلاد الأحرار كم هاجك الظلم وضحت فيك جراح الإباء
لا تنامي على الهوان فإن المجد سيف مخضب بالدماء
فيك شعب قد تيمته البطولات فيهجي لعهدهن حنينه
فالجهاد الذي تمرست فيه هو ميدانك الذي تعشقينه
ليس يرضى الهزبر بالأسر طوعا وهو ذو مخالب حديد وناب
لا تخافي أن تستقر ذئاب الذل يوما على عروش الغاب
إن في الغاب يا فلسطين أسدا سوف تحميه من غزاة الذئاب
إن تكوني عزلاء فالحق أمضى من سيوف مسنونة وحراب" ص21، هناك ثلاث قوافي في القصيدة، الهزة في "الإباء، بالدماء، والهاء في: "حنينه، تعشقينه، والباء في: "وناب، الغاب، الذئاب"، ونحن نعلم أن الهمزة والهاء تخرج على بصورة الألم (آه) وهذا ينسجم مع فكرة ومضوع القصيدة، التي تتحدث عن ألم ووجع فلسطين، أما حرف الباء فهو فيلفظ بشدة، فيكون لفظه قاطع وحاسم، وبما أن فاتحة القصيدة جاءت بألم "الهاء والهزة" فأراد الشاعر أن يختمها بالقوة والحزم فكانت "الباء" تعبر لفظ عند هذا الحزم والشدة كما عبرت عنه الألفاظ والأفكار، وإذا ما توقفنا عند الألفاظ بمعناها المجرد: "الأحرار، الظلم، ضحت، جراح، الإباء، الهوان، المجد، سيف، مخضب، بالدماء، شعب، البطولاتـ فهيجي، فالجهاد، ميدانك، الهزبر، بالأسر، مخلب، حديد، وناب، أسد، تحميه، غزاة، الذئاب، أمضى، سيوف، مسنونة، وحراب" سنجدها تتحدث عن الحرب والمواجهة، حتى دون أن نتوقف عند معاني القصيدة، وهذا التوحد بين الألفاظ والمعنى يشير إلى أن الشاعر لا يكتب ما هو في عقله فحسب، بل ما يشعر به في داخله/ في قلبه، فأخرج لنا قصيدة يتماهى فيها المعنى مع اللفظ مع القافية.
وبهذا التمرد على شكل القافية (السائدة) يحمل بين ثناياه نصر التخفيف/الفرح الثالث "الكتابة"، والعنصر الرابع "التمرد/الثورة، وبهذا يكون الشاعر قد استخدم عناصر التخفيف والفرح كاملة، الطبيعية والمرأة والكتابة والتمر.
تأكيد على أن عيسى الناعوري لم يكن يكتب الشعر، بل كان الشعر هو الذي يُكتبه، نأخذ قصيدة "يوم الثأر" التي نشرها في 3/7/ 1949بعد ضياع فلسطين:
"كم بجنبيك من جراح دوام يا فلسطين عز فيها الدواء
تتنزى وسوف تبقى طويلا تتنزى حتى يحين الشفاء
طعنة الغدر في صميمك هذي غرزتها الأصحاب لا الأعداء
طعنة الغدر والنذالة فيها طعن المجد والعلى والأباء
كل حر في قلبه منك جرح لا يداوي وطعنة نجلاء
يا ابنة المجد يا أعزة الضحايا خذلتك الاخوان والنصراء
فقضت شرعة الخيانة أن تهوي إلى القبر حين عز الوفاء
أن من سلموك للخصم غدرا واغتيالا لعصبة جبناء" ص46، فالقفة تشير إلى حالة الألم والوجع الذي يمر به الشاعر وتمر به فلسطين، واللافت في هذه القصيدة وجود مجموعة الألفاظ لها علاقة بما آلت إليه فلسطين: "عز الدواء، الشفاء، طعنة الغدر، جرح/لا يداوي، خذلتك، الخيانة، سلموك، غدر، اغتيالا، الجبناء" تتنزى" فمن يقرأ هذا الألفاظ بشكلها المجرد يعرف ما يريده الشاعر، ويعلم حقيقة ما جرى في فلسطين، وبهذا يكون الشاعر قد أوصل الفكرة من خلال مضمون القصيدة، ومن خلال الألفاظ المستخدمة، من خلال القافية.
بينما نجده ينحى منحى آخر في قصيدة " الحسناء الحافية" التي كتبها في القدس عام 1947:
"علام تدوسين يا قاسة بأقدامك البضة الحافية؟
أعودنها أن تدوس التراب وتمشي على أرضنا الفانية؟
أم أنت تعودت أن تمرحي بدل على المهج الدامية؟
تدوسينها في دلال لعوب وتمضين من فوقها لاهية؟
حرام عليك فهذا الدلال كثير على المهجة الظامية
أنت من ألطف مخلوقة ومن عنصر الفتنة الطاغية
وحسنك عيد القلوب السعيد وأمنية العاشق الغالية
أيا غادتي بعض هذا الدلال وبعض القساوة يا قاسية" ص41و42، فالحطاب الموجه لها/للفتاة الحافية، يجعل الشاعر في حالة من (الاضطراب/الصراع) نجده في "قاسية/البضة، تمرحي/الدامية، المهجة/ الظامية، ألطف/الطاغية" وهذا المزج بين القسوة والنعومة يشير إلى (تردد) الشاعر من التقدم نحو الفتاة، لكنه كشاعر يستمتع بالنظر ومشاهدة الحافية، وهذا نجده في خاتمة القصيدة، والتي جاءت ناصعة البياض، تجمع بين اللفاظ الأبيض والفكرة الناعمة.

الديوان من منشورات مطبعة الشرق ومكتباتها، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1984.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف