الأخبار
17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تاريخ مدينة القدس بقلم: د. سامي عطا الجيتاوي

تاريخ النشر : 2020-04-01
تاريخ مدينة القدس ( الحلقة الثانية )
تمهيد :
تقع القدس في قلب فلسطين على هضبة غير مستوية يتراوح ارتفاعها من 2130-2469 قدما ، ومتوسط ارتفاعهافوق سطح البحر المتوسط من اتجاه الغرب 2500 قدم ، وترتفع تجاه الشرق من سطح البحر الميت 3800 قدما ، وتمتاز مدينة القدس بمناخ معتدل ، وبنيت المدينة على السفح الشرقي لتلال الظهور المطلة على قرية سلوان - وكانت تعرف بتل ( أوفل ) ، الذي سكن منذ العصر الحجري - ، وعلى تل الصخرة ، وهو التل الذي بني عليه المسجد الأقصى المبارك ، وهو أعلى تلال مدينة القدس ، وجبل ( صِهيون ) (((( صهيون: بكسر الصاد، وسكون الهاء، وفتح الياء،: جبل في الجنوب الغربي من القدس، اقام عليه اليبوسيون اول حصن لهم، فمن معانيه (الحصن)، ولا علاقة لها، بصهيون اليهود، فهي لفظ عربي بمعنى الصهوة والمرتفع. فكلمة «صهيون» ليست عبرية أصلاً، و«جبل صهيون» فى القدس ليس تسمية يهودية، وأن بني إسرائيل أنفسهم حينما دخلوا القدس كان يعيش بها (الـيبوسيون) وكان اسم الجبل ( صهيون ) قبل مجيئهم، وهناك عائلات مصرية وعربية لقبها ( صهيون )، فهو اسم كنعاني الأصل. انظر : بيت المقدس والمسجد الاقصى، ص 36. وموسوعة بيت المقدس والمسجد الاقصى، ج2، ص579. )))) المطل على قرية سلوان ، وتل ( زيتا ) الممتد من باب الساهرة ( ويلفظه بعض الفلسطينيين الزاهرة) إلى باب العمود ، وتل ( أكرا ) القريب من كنيسة القيامة . والمدينة ذات موقع حصين ، محوط بالأودية شرقا وغربا وجنوبا ، وتوسعت خلال العهد الكنعاني باتجاه الشمال . والكنعانيون أبناء الأموريين العرب هم أول من وطىء هذه الأرض من شبه الجزيرة العربية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وقد سميت فلسطين بأكملها بأرض كنعان نسبة لهم، وقد تحدر منهم العرب اليبوسيون الذين بنوا مدينة القدس التي سميت حينذاك باسم يبوس، وقد أقيمت هذه المدينة على إحدى التلال الأربع التي تقع عليها المدينة اليوم ، وكما اهتم بتأمين حصنهم ومدينتهم بالمياه، فقد احتفروا قناة تحت الأرض لينقلوا بواسطتها مياه نبع عين جيحون (نبع العذراء) الواقع في وادي قدرون (والمعروفة اليوم بعين سلوان) إلى داخل الحصن والمدينة ، وقد ورد ذكر المدينة باسم (أورسالم) في عدة اكتشافات تاريخية، منها الحفريات التي جرت في تل مرديخ ( ) في شمال سورية ، واكتشفت فيها آثار مملكة قديمة عرفت باسم (مملكة إيبلا - Ebla)، وقد وجدت بين الآثار ألواح من الآجر كتب عليها اسم (مدينة سالم ) بلغة سامية وبالخط المسماري، ترجع إلى حوالي 2500 سنة قبل الميلاد، وذكرت كذلك في سنة 1842 ق.م في كتابات مصرية، قبل دخول الملك داود إليها بنحو 842 سنة ، وفي عهد الهكسوس دمرت المدينة، ثم أعيد بناؤها من قبل الكنعانيين وتحت إشراف الهكسوس، وذكرت المدينة في(تل العمارنة) (((( وكان اسمها "اخيتاتون" أي: "أفق أتون") هي العاصمة الجديدة التي أنشأها الملك إخناتون، وهي تقع على بعد خمسة وأربعين كم جنوب مقابر بني حسن بمحافظة المنيا. ولا تزال بقايا العاصمة القديمة موجودة حتى الآن. )))) المصرية سنة 1250م ق. م، وفي سنة 1930م اكتشفت فيها كتابات أثرية كنعانية تعود إلى نحو 2900 ق. م ، على قطعة فخارية داخل قبر يقع إلى الجنوب من مرتفع الظهور في القدس المعروف بتل (عوف أيل) . ويقول العالم (مكنزي) في دائرة المعارف البريطانية : إن الكنعانيين كانوا يطلقون على جبالهم المقدسة اسم صهيون ، وبذلك نجد أن اكتشافات علماء الآثار في العصر الحديث في مدينة القدس ، تعود في معظمها إلى اليبوسيين والكنعانيين في المدينة، وخاصة المقابر التي اكتشفتها (كاثلين كنيون) العالمة البريطانية ـ في منطقة جبل الزيتون، كذلك اكتشافات العالم (باركرو ) التي تكذب جميعها الادعاءات الإسرائيلية .وتعتبر مدينة القدس من أقدم المدن التاريخية في العالم، حيث يزيد عمرها عن (45) قرنًا، وهي مهد الديانات السماوية الثلاثة، اليهودية والنصرانية والإسلام. وقد عرفت القدس بأسماء عديدة على مر العصور كان أهمها: يبوس، أورشاليم، إيليا كابتولينا، إيلياء، بيت المقدس، القدس، القدس الشريف . ويبوس هو الاسم الأقدم الذي عرفت به القدس قبل حوالي (4500) سنة، وذلك نسبة لليبوسيين الذين ينحدرون من بطون العرب الأوائل في الجزيرة العربية، ويعتبر اليبوسيون السكان الأصليون للقدس، فهم أول من سكنها حينما نزحوا إليها مع من نزح من القبائل العربية الكنعانية حوالي سنة (2500 ق.م)، حيث استولوا على التلال المشرفة على المدينة القديمة وبنوا قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس عرفت بحصن يبوس الذي يعرف بأقدم بناء في القدس، وذلك للدفاع عن المدينة وحمايتها من هجمات وغارات العبرانيين والمصريين (الفراعنة).
كما عرفت القدس بأورشالم نسبة إلى الإله (شالم) إله السلام لدى الكنعانيين، حيث ورد ذكرها في الكتابات المصرية المعروفة بألواح تل العمارنة، والتي يعود تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد. وظلت يبوس بأيدي اليبوسيين والكنعانيين حتى احتلها النبي داود عليه السلام (1409ق.م)، فأطلق عليها اسم (مدينة داود)، واتخذها عاصمة له، ثم آلت من بعده لابنه الملك سليمان، وازدهرت في عهده ازدهارًا معماريًا كبيرًا، وفي هذه الحقبة سادت الديانة اليهودية في المدينة . وفي سنة 586 ق.م دخلت القدس تحت الحكم الفارسي عندما احتلها نبوخذ نصر وقام بتدميرها ونقل السكان اليهود إلى بابل . وبقيت القدس تحت الحكم الفارسي حتى احتلها الإسكندر المقدوني في سنة 332 ق.م. وقد امتازت القدس في العهد اليوناني بعدم الاستقرار خاصة بعد وفاة الإسكندر المقدوني حيث تتابعت الأزمات والخلافات بين البطالمة (نسبة إلى القائد بطليموس الذي أخذ مصر وأسس فيها دولة البطالمة) والسلوقيين(نسبة إلى القائد سلوقس الذي أخذ سورية، وأسس فيها دولة السلوقيين)، الذي حاول كل منهما السيطرة على المدينة وحكمها . وفي سنة 63 ق.م استطاع الرومان أن يحتلوا القدس على يدي قائدهم بومبي، وفي سنة 135 ميلادية قام الإمبراطور الروماني هادريانوس بتدمير القدس تدميرًا شاملاً، حيث أقام مكانها مستعمرة رومانية جديدة أسماها (إيليا كابتولينا) وظلت تعرف القدس بإيليا أيضًا في العصر البيزنطي (330-636م)، ذلك العصر الذي اعترف فيه بالديانة المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية البيزنطية، عندما اعتنقها الإمبراطور قسطنطين، وفي عهده قامت أمه الملكة هيلانة ببناء كنيسة القيامة سنة 335 م . وفي سنة 614 م استولى الفرس للمرة الثانية على القدس وقاموا بتدمير معظم كنائسها وأديرتها، وظلت تحت الحكم الفارسي حتى استردها هرقل منهم سنة 627 م فظلت تحت الحكم البيزنطي حتى الفتح الإسلامي. ولما كان الإسلام دينًا عالميًا لا يقتصر على العرب، فقد وقع على كاهل العرب والمسلمين نشره في كافة البلدان، فكانت الفتوحات الإسلامية وكانت فلسطين من أول البلدان التي سارت إليها الجيوش الإسلامية، وبعد هزيمة الروم في معركة اليرموك أصبح الأمر سهلاً بالنسبة للمسلمين للوصول إلى القدس وفتحها، وفي سنة 15 هجرية / 636 ميلادية دخل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - القدس صلحًا، وأعطى لأهلها الآمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعهدة العمرية . وبقدوم المسلمين إلى القدس تبدأ حقبة جديدة في تاريخها، حيث توالت سلالات الخلافة الإسلامية على حكمها تباعًا، فحكمها بعد الخلفاء الراشدين: الأمويون، والعباسيون، والطولونيون، والأخشيديون، والفاطميون، والسلاجقة ، والعثمانيون . وظلت تعرف القدس باسم إيلياء وبيت المقدس منذ الفتح العمري وحتى سنة 217 هجرية، عندما بدأت تعرف باسم القدس لأول مرة في التاريخ الإسلامي وذلك بعدما زارها الخليفة العباسي المأمون سنة 216 هجرية وأمر بعمل الترميمات اللازمة في قبة الصخرة المشرفة، وفي سنة 217هجرية ، قام المأمون بسك نقود حملت اسم (القدس) بدلاًمن إيليا، ومن المحتمل أنه قام بذلك تأكيدًا لذكرى ترميماته التي أنجزها في قبة الصخرة ، وعليه تكون القدس قد سميت بهذا الاسممنذ بداية القرن الثالث الهجري، وليس كما يعتقد البعض بأن ذلك يعود إلى نهاية الفترة المملوكية (القرن التاسع الهجري)، وتبلور فيما بعد حتى صار يعرف في الفترة العثمانية باسم (القدس الشريف). وفي سنة 492هجرية / 1099 م احتل الصليبيون القدس وعاثوا فيها فسادًا وخرابًا دونما اكتراث لقدسيتها ومكانتها الدينية، فارتكبوا المجازر البشعة في ساحات الحرم الشريف ، وقاموا بأعمال السلب والنهب وحولوا المسجد الأقصى إلى كنيسة ، ومرابط لدوابهم وخيولهم حينما استخدموا الأروقة الموجودة تحت المسجد القبلي والتي عرفت بعدهم بإسطبل سليمان، الأمر الذي يتناقض تناقضًا تامًا مع تسامح الإسلام الذي أكده وترجمه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – عندما دخل مدينة القدس ، وأزال القاذورات عن صخرتها بثوبه ؟! وحتى عندما فتح الله على السلطان صلاح الدين الأيوبي بنصره على الصليبيين في معركة حطين سنة 583هجرية/ 1187 ميلادية، وحرر فلسطين ، وطهر القدس وخلصها من الصليبيين وردها إلى حظيرة الإسلام والمسلمين ، ولم يعامل الصليبيين كمعاملتهم للمسلمين ، وظلت القدس بأيدي المسلمين، تحكم وتدار من قبل السلالات الإسلامية التي جاءت بعد الأيوبيين، كالمماليك والعثمانيين حتى سقطت بأيدي البريطانيين سنة 1917، وبدأ العصر اليهودي ؟!
مكانة القدس عند أتباع الديانات السماوية
لم تحظ مدينة من المدن ولا مصر من الأمصار في العالم كله بما حظيت به مدينة القدس من المكانة العالية في نفوس كل أجناس البشر، ما من مدينة في تاريخ العالم تمتعت بقداسة مستدامة مثل مدينة القدس...فالقدس مدينة الإسلام والسلام ، ومركز الإشعاع الروحي للديانات السماوية الثلاث ... مدينة تضرب في أعماق التاريخ بناها العرب اليبوسيون، وتعرضت عبر مسيرة التاريخ لكثير من الحروب والغزوات، ولقد اتجهت إليها أنظار بني البشر عبر آلاف السنين ، وخفقت قلوبهم بحبها ، وتعلقت أفئدتهم بها ، وبكوا حزناً لِما ألم بها..خصها الله بأنبياء كثيرين؛ ويقال بأنهم سكنوها ، وأن بناءها تم على أيديهم ، حتى إنه لم يبق فيها موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبيٌ ، أو قام فيه مَلَك ،كما خصها الله بإسراء رسوله المصطفى -عليه الصلاة والسلام - ، ومنها عرج به إلى السماوات العلا ، فقال في كتابه العزيز : ( سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَه مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ]( الاسراء : 1 ) فهي مدينة جمعت آثارًا مقدسة منذ أربعة آلاف سنة، وهذه الآثار كان لكل جنس من الأجناس حكاية مع أثر أو أكثر منها...وتتناول في عجالة مكانة القدس عند كل من اليهود ، والمسيحيين ، ثم عند المسلمين.
مكانة القدس في الديانة اليهودية :
اعتادت اليهودية الصهيونية وكيانها إسرائيل على اغتصاب التاريخ ، وتطويع وقائعه وأحداثه ومعطياته لخدمة أغراضها السياسية ، وكذلك على تشويهه ولي عنقه والباسه ثوب الأساطير والخرافات التوراتية لتجعل منها ديناً قائماً بحد ذاته. ومن هنا وليس غريباً ولا مستغرباً أن يعملا بكل ما أوتيا من قوة على تزوير التاريخ بما يتيح لهما تبرير احتلال الأرض العربية، والتشبث بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لها، وعليه فان اليهودية الصهيونية واسرائيل لا تتحدثان عن (اقامة اسرائيل)، بل عن (اعادة بناء الدولة اليهودية). كما لا تتحدثان عن (السيادة على أرض الميعاد- فلسطين وعاصمتها القدس) وانما عن (استئناف السيادة عليها) المقطوعة لأسباب خارجة عن ارادة اليهود ولخطأ رباني - والعياذ بالله - مما يتقولون على الله سبحانه وتعالى.
ولما كان التاريخ والدين (الأساطير التوراتية) ركنين أساسيين في البناء العقائدي اليهودي الصهيوني، وكذلك في الاستراتيجية اليهودية الصهيونية، والسياسة الاسرائيلية نظرياً وعملياً، فيغدو مفهوماً لماذا تصر اليهودية الصهيونية، وكيانها اسرائيل على امطار العالم بسيل من المزاعم والادعاءات والأساطير الدينية التي تحاول من خلالها ان تبرهن للعالم بأن اليهود أصحاب حق ديني وتاريخي في فلسطين، وفي القدس عاصمة موحدة وأبدية لهم، وعدم أحقية غيرهم أي العرب والمسلمون بهذه الأرض مع أن العرب هم أول من سكنها. وهم الذين بنوا القدس ومنهم اتخذت اسمها وذلك قبل خمسة آلاف عام ونيف.
ولكن ما المزاعم اليهودية الصهيونية والاسرائيلية التي ينطلقون منها في عدم أحقية العرب والمسلمين بالقدس؟ تستند المزاعم اليهودية الصهيونية والاسرائيلية الى الطروحات الآتية:
أولاً: عدم أهمية القدس للمسلمين العرب في أي زمن من الأزمان بدليل ان العرب لم يتخذوا منها عاصمة لهم( )
ثانياً: ان اهتمام المسلمين بالقدس نابع من تأثير من اعتنقوا الاسلام وحملوا ذلك الاهتمام ومنهم الى الاسلام. بمعنى ان اهتمام المسلمين بالقدس نتيجة لتأثير العنصر اليهودي في الاسلام.
ثالثاً: ان اهتمام المسلمين بالقدس ذو طابع وثني بمعنى ان اهميتها النسبية لديهم متأتية من تقديسهم للصخرة، الأمر الذي يفسر عدم تحرر المسلمين العرب من تأثير عبادة الأوثان حتى بعد مضي أكثر من 1400 عام على دخولهم في الاسلام.. الى آخر ما هنالك من افتراءات ومزاعم .. سنفندها .
وعموما ينقسم اليهود في مشاعرهم تجاه القدس إلى قسمين:
الأول منهما : يرى أنها مدينة عادية، بل يمكن الاستغناء عنها بأخرى ومن هؤلاء زعيم الصهيونية نفسه تيودر هرتزل، حيث من الثابت أنه قبل اقتراح السياسي البريطاني (تشمبولين) في إعطاء اليهود وطنا قوميا في أوغنده بوسط إفريقيا، لولا أن غلاة الصهيونية ثاروا عليه، واعتدوا على مساعده (ماكس نوردو- ) بالرصاص، واتهموا هرتزل نفسه بالخيانة لولا أنه تراجع تماما عن موقفه فتراجعوا هم أيضا.
والفريق الثاني : هم الغلاة منهم ، وهم يرفعون دائمًا أصواتهم ويترنمون بنص من المزامير (مزمور 137/605) والذي يقول : (إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يميني، وليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أرفع أورشليم على قمة ابتهاجي).ولكن ومع ذلك فإن الجانبين لا مانع لديهم نهائيا أن يعتدوا على المدينة المقدسة ، بل يعتبرون القتل والذبح والتدمير فيها قربة إلى الله.
ورد في القبالاه (((( يدل مصطلح القبّالاه على مذهب يهودي باطني )غنوصي) في تفسير الكتاب المقدس يقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف معنى خفيا، ويتضمن نظريات مستوردة من فلسفات أخرى لتفسير وفهم الخلق وطبيعة البشر وحقيقة الروح والقدر، ويحاول أتباعه اليوم نشره عالميا بمعزل عن الدين اليهودي بحيث يُقدم كفلسفة روحانية)))) النصوص الصوفية اليهودية - تفسير لكلمة يروشالايم يشير إلى أن هناك قدسا سماوية مقابلة للقدس الأرضية التي ينساب خير الدنيا كله من السماء إليها ، وهى تحتوى على معبد مقدس ، وبها كاهن أعظم ، وعلى ذلك فإن القدس الأرضية ترمز إلى المملكة التي تسيطر على العالم لقد أصبحت القدس مركزا للتطلعات الدينية الصهيونية بإعادة هيكل سليمان ، وفي فترة وجود الهيكل كان على اليهود أن يحجوا إليها ثلاث مرات في العام، وبعد دمار الهيكل استمرت القدس قبلة اليهود ، كما اتبع التقويم اليهودي مراحل حصار القدس وتدميرها على أيدي الرومان ، وتنص التعاليم الدينية على أن منطقة جبل الهيكل تظل مقدسة بشكل أبدي ، وظلت القدس على مر العصور بؤرة مركزية للوعي الديني عند اليهود ، وتشير الصلاة الأساسية في الديانة اليهودية إلى استعادة القدس.
أما فيما يتعلق بالهيكل ، فقد ظل اليهود عبر تاريخهم يتوجهون إليه في صلواتهم ، يملؤهم الشوق للوصول إلى الحالة التي تمكنهم من إعادة بنائه، حيث ورد في سفر الملوك الأول "أن اسم الرّب وضع في الهيكل إلى أبد الدهور". ويعتبر الهيكل على هذا أقدس مقدسات اليهود، ويعتبر قدس الأقداس أقدس شيء فيه ، وهو جزء من الهيكل نفسه الذي كان يضم تابوت العهد. وفلسطين بالنسبة لليهود تقع في مركز الدنيا ، والقدس في وسط فلسطين ، والهيكل في وسط القدس ، ويقع قدس الأقداس في وسط الهيكل ، "فقدس الأقداس الذي في وسط الهيكل هو بمنزلة سُرة العالم..... والهيكل كنز الإله... وهو عنده أثمن من السماوات بل من الأرض التي خلقها بيد واحدة، بينما خلق الهيكل بيديه كلتيهما". وحتى بعد دمار الهيكل بقيت القدس قبلة الصلاة اليهودية كما اتبع التقويم اليهودي للصوم، حتى العصر الحديث. وبحسب التعاليم اليهودية فإن قدسية منطقة جبل الهيكل تظل قائمة على الرغم من تدمير الهيكل(((( الهيكل : كلمة كنعانية ، وتعني ”البيت الكبير” يقابلها في العبرية ”بيت همقداش” أي (البيت المقدس) أو (هيخال)، والبيت الكبير أو العظيم هو المعنى الذي يشار به إلى مسكن الإله، وفي اللغة العربية: (الهَيْكَلُ) تأتي من (هكل) بيت للنصارى، وهو بيت الأصنام. سمي (بيت يهوه) لأنه عند اليهود يمثل مسكن الإله، ومع أنه كان مصرحاً للكهنة والعبيد بدخول الهيكل، لكنه غير مسموحاً لهم بحرية الحركة، ولم يكن مسموح إلا للكاهن الأعظم دخول قدس الأقداس. كان الهيكل في وقته هو جزءٌ من العبادة القربانية المركزية ـ)))) . حظيت القدس بمكانة طيبة لدى أتباع الديانة اليهودية وإن حصل ذلك متأخرا ولأبعاد سياسية أكثر مما هي دينية.
وأما أهم مقدسات اليهود في القدس :
فمن الثابت أنه ليس لليهود بالقدس سوى بعض الكُنس (مفردها كنيس) وهي حديثة البناء نسبيًا، وكذلك بعض القبور.ويرجع تاريخ بناء أول كنيس إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وجميعها يقع في الحي اليهودي بالقدس القديمة، وهو الحي المعروف بحارة اليهود.. ولليهود مقبرة خاصة بهم فيها أربعة قبور مميزة وهي : قبر النبي زكريا، وقبر يعقوب، وقبر أبشالوم، وقبر يهوشافاط.ويقدس اليهود حائط البراق ، والذي يسممنه حائط المبكى !! ولم يتخذه اليهود مكاناً للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور العام 1917..( وسنوضح ذلك في مكانه ) ويقوم اليهود بزيارته وتقبيله وقراءة بعض النصوص التوراتية والتلمودية إلى جواره، وكذلك البكاء على مجدهم الضائع. ويزعمون أن هذا الحائط يشكل جزءاً من ما يُسمى بـ الهيكل اليهودي الموهوم ، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكّن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زوال الدولة اليهودية قصيرة الأجل في العصور الغابرة.
جاء في الموسوعة اليهودية، الصادرة العام 1917، أن الحائط الغربي أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية حوالي العام 1520 للميلاد، نتيجة للهجرة اليهودية من إسبانيا، وبعد الفتح العثماني العام 1517م. وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين زادت زيارات اليهود لهذا الحائط، حتى شعر المسلمون بخطرهم، واتسعت حتى شاركت فيها عدد من المدن الفلسطينية، وتمخضت الأحداث عن تشكليل لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الاسبق 'أليل لوفغرن'، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري ' تشارلز بارد'، وبعد تحقيق قامت به هذه اللجنة ، واستماعها إلى وجهتي النظر العربية الاسلامية واليهودية، وضعت تقريراً في العام 1930، قدمته إلى عصبة الامم المتحدة أبدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق، واليهود يدعون أنه حائط المبكى وهو المتبقي من هيكل سليمان المزعوم ، ولذلك فإنهم يقدسونه، ويقيمون بعض الشعائر التعبدية، ويبكون عنده في احتفالاتهم وأعيادهم.. وعلى إثر تلك الأفعال من اليهود تنادى العرب والمسلمون في فلسطين لمؤتمر إسلامي للتداول في هذا الأمر الخطير، وعقدوا مؤتمرًا بالقدس سنة 1928م برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الأعلى، وأطلق عليه (المؤتمر الإسلامي الكبير) وتداول المؤتمرون في مزاعم اليهود في أحقيتهم في هذا المكان، وتعاهدوا على منع اليهود من أي افتزاز في المستقبل. وقرروا كذلك إنشاء جمعية تعرف بجمعية (حراسة الأماكن الإسلامية المقدسة) وقد رفعوا مطالبهم تلك إلى السلطات البريطانية، وإلى وزير المستعمرات البريطاني الذي قرر الاستجابة لهذه المطالب، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، لكن اليهود تحدوا هذه المطالب التي تقدم بها العرب مما حدا بالعرب أن يقابلوا ذلك بمثله.وسرعان ما تحولت هذه التحديات من كل من الطرفين العرب واليهود عند حائط البراق إلى اشتباكات حقيقية، لأن اليهود احتشدوا عند الحائط، ورفعوا العلم الصهيوني مستخفين بشعائر المسلمين، وهتفوا قائلين (الحائط حائطنا)، وازداد التوتر عندما أحرق المسلمون منضدة لليهود وبعض الأوراق التي كانت موضوعة في ثقوب الحائط، وبلغ التوتر حدته عندما هاجم المسلمون اليهود في يوم الجمعة، 23 من آب/ أغسطس 1929م فقتلوا منهم 135 وجرحوا 340 بينما استشهد من المسلمين العرب 116، وجرح 240؛ حيث إن معظم الشهداء سقطوا برصاص القوات البريطانية، الذين انحازوا لليهود ، وقد امتدت ثورة العرب في تلك السنة إلى كل بقاع فلسطين وأعلنوا الاحتجاجات على القوات الإنكليزية التي تحالفت مع اليهود، كما وأعلنوا الإضرابات العامة في كل أنحاء فلسطين ، لكن القوات الإنكليزية ألقت القبض على بعض العرب وحكمت عليهم بالإعدام لكنها عادت وغيرت الحكم إلى السجن المؤبد باستثناء ثلاثة نفذت فيهم حكم الإعدام وهم : فؤاد حجازي ، وعطا الزير، ومحمد جمجوم. ثم أرسلت بريطانيا لجنة تحقيق برئاسة (والترشو) وقدمت تقريرًا جاء فيه: ( للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءًا لا يتجزا من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف ، وللمسلمين أيضًا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفًا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير، لذا يمنع جلب أية خيمة أو ستار أو ما شابههما من الأدوات إلى الحائط لوضعها هناك ولو كان ذلك لمدة محدودة.)( )
مكانة القدس في الديانة المسيحية : للقدس مكانة مرموقة عند المسيحيين، فهي المكان الذي يحجون إليه، وعلى مقربة منها ولد السيد المسيح – عليه السلام - ، ولهم بها ارتباط روحي ، فقد عاش المسيحيون فيها منذ قرون عديدة تعود إلى زمن السيد المسيح فعندهم ما يسمى بدرب الآلام وهو مقدس عند كل الطوائف المسيحية لاعتقادهم أن السيد المسيح قد سار فيه حاملا صليبه عندما اقتاده الجنود الرومان لصلبه تنفيذًا لأوامر الوالي الروماني بيلاطس.ويقودل د. ميخائيل مكسي إسكندر.: وقد تعرض المسيحيون للمتاعب الكثيرة هناك ولا سيما من اليهود ، كما اغتصب الصليبيون – في الغزو الأوروبي لبيت المقدس – أملاك المسيحين العرب وكنائسهم، إلى أن أرجعها لهم القائد العربي صلاح الدين الأيوبي .( )
يقول الأب عطا الله حنا "القدس مدينة إيماننا والُسلم الروحي الذي ُيصعدنا إلى السماء، وهي المدينة المقدسة التي تحتضن المقدسات والحضارة والتاريخ والتراث والهوية، وهي بالنسبة إلينا بمثابة القلب من الجسد ، فلا حياة للجسد بدون القلب .....، إنها المدينة التي تعبر عن أصالتنا ووحدتنا الوطنية وتراثنا الروحي العميق، وإنها لوحة فسيفسائية رائعة فيها من الجمالات ما يجعل القلب الإنساني يخشع ويتواضع ويسجد ويتأمل أمام عظمة الخالق الذي أراد من هذه المدينة أن تكون محجاً وإناءً مقدساً يذكرنا بعطايا الله ومواهبه لنا نحن البشر، وفي الديانة المسيحية تحظى القدس بمكانة خاصة كيف لا وفيها موقع صلب يسوع ودفنه ؟؟!! وهي أماكن مقدسة منذ أوائل الزمان من قبل الجماعة المسيحية،. وفي القدس توجد طريق الآلام، وتوجد مغارة يعتقد الكتّاب أنّها موضع قبر آدم. وأشير إليها أيضاً على أنّها موضع الجحيم الذي نزل إليه يسوع بعد موته ليحرر الأنفس البشرية.
وفيها دير مار إبراهيم للروم الأرثوذكس، وقد سمي بهذا الاسم تيمنا بالتقليد المسيحي الذي يقول بأن أبانا إبراهيم جاء إلى هذه الصخرة يقدّم ابنه ذبيحة. ويوجد في الكنيسة مذبحا وشجرة زيتون علق الجدي بفروعها. وتوجد بئر عظيمة تحت الدير، والزائر للمكان يلاحظ إلى اليمين كنيسة مار يعقوب للأرمن، وكنيسة القديس ميخائيل للأقباط. إلى يسارها ثلاث كنائس مكرسة للقديس يعقوب، والقديس يوحنا ، والشهداء الأربعين.. ومن معالم القدس المسيحية قبر الخلاص الذي يقوم في منتصف بناء تزينه الشمعدانات الضخمة. "وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يكن قد وضع فيه أحد. وكان القبر قريبا فوضعوا فيه يسوع بسبب تهيئة السبت عند اليهود". ينقسم البناء من الداخل إلى غرفتين، الغرفة الخارجية عبارة عن دهليز لإعداد الميت ويقال لها كنيسة الملاك. أما المدخل الصغير المغطّى بالرخام فهو الباب الحقيقي للقبر الأصلي والذي تمّ إغلاقه بحجر إثر موت المسيح كما يقول الإنجيل. وفي ‬وسط الدهليز نجد عمودا قصيراً ‬يحمي ‬تحت الزجاج قطعة أصلية من الحجر المستدير الذي ‬سدّ ‬باب القبر. ويوصل إلى القبر باب ضيق. ‬فنجد إلى اليمين مقعداً من الرخام ‬يغطي ‬الصخرة الأصلية التي ‬وضع عليها جسد ‬يسوع من مساء الجمعة وحتّى صباح الفصح .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ومن معالم القدس المسيحية كذلك : خورس الروم الأرثوذكس ‬ويقع مقابل القبر المقدس ، ‬وكان في ‬الماضي ‬خورس الآباء القانونيين أيّام الصليبيين. وكذلك كنيسة الأقباط - ‬تقع خلف القبر المقدس في ‬مؤخرته حيث حفر فيه هيكل . وتوجد كنيسة السريان الأرثوذكس - في آخر الرواق مقابل هيكل الأقباط هنالك ممر ضيق بين العمودين يؤدي إلى قبر محفور في الصخر يعود إلى أيّام المسيح.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وتسمى القدس في الكتاب المقدس ((بيت المقدس, أورشليم, مدينة السلام, مدينة الله, مدينة العدل, مدينة الحق, مدينة الله )) وقد اتخذها المسيح مركزاً لخدمته : فعندما كان صبياً كان يذهب إلى أورشليم القدس سنوياً مع يوسف ومريم أمِّه ودخل هيكلها وجادل كهنتها ووبَّخهم وكشف رياءهم وتعدياتهم على شريعة الله ووصاياه وفيها وَعَظَ ، وعلَّم عشرات الألوف من البشر، وشفى الكثيرين من المرضى الذين تجمَّعوا حوله ، وفيها تمَّم مهمَّة الفداء التي جاء لإنجازها، وفيها صُلِب بمؤامرة رؤساء الكهنة اليهود حين قرَّروا تسليمه إلى بيلاطس الوالي الروماني،( ) وفيها قُبِرَ جسده المقدس،- حسب اعتقاد المسيحيين - وعلى قبره المقدس أُقيمت كنيسة القيامة عام 328م. وبعد قيامته وصعوده من على جبل الزيتون بالقرب من أورشليم صارت أورشليم مركز ونشاط الكنيسة الأولى وكان قد أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، فظلوا منتظرين تحقيق الوعد بالروح القدس. كما تنبَّأ المسيح بخراب هيكل ومدينة أورشليم، وبتشريد أهلها من اليهود وسبيهم إلى جميع الأُمم، الأمر الذي تمَّ بشكل نهائي على يد الرومان عام 70م وهكذا نرى أن أورشليم القدس كانت مركز انطلاق الرسالة المسيحية إلى العالم، الأمر الذي يبرهن بقوة أنها مسيحية أيضاً، هذا فضلاً عن الأديرة والكنائس الأثرية التي تملأ المنطقة اليوم. وكانت موضوع نبوات المسيح بانتهاء دورها الديني. وقد حاول اليهود مراراً وتكراراً إعادة بناء هذا الهيكل المتهدِّم الذي تنبأ المسيح بنهاية دوره، فباءت كل محاولاتهم الفشل، لأن حكم المسيح عليه كان قد صدر. بعد هذا الاستعراض لأهم الأماكن المسيحية ذات الأهمية الدينية يتضح لنا أسباب تميز القدس بهذه المكانة المرموقة عند المسيحيين، فهي المكان الذي يحجون إليه، وتهفو قلوبهم لزيارته والتبرك به وقد كان للقدس مكانة عظيمة في نفوس المؤمنين من المسيحيين منذ يسوع- عليه السلام - ومن جاء بعده من حملة هموم دعوة المسيح.
مكانة القدس عند المسلمين ( ) :
لقد نال خاتم النبيين محمد –صلى الله عليه وسلم- شرف رعاية بيت الله الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس، باتجاهه بوحي من الله تعالى في الصلاة لبيت المقدس أولاً، ثم للكعبة المشرفة أخيراً، ومن البيت العتيق تمت رحلة الإسراء إلى بيت المقدس وعرج منها إلى السماوات العلى، وما ذلك إلاّ إرتباطاً واضحاً بين القبلتين في قلب كل مسلم، واستثارة لهمم المسلمين، ونعتبر أن أي إعتداء على أحدهما إعتداءٌ على الآخر، بل إعتداء على كل مساجد الأرض. وقد وضح –صلى الله عليه وسلم- أهمية القدس وما حولها، فأكّد في كثيرِ من أحاديثه الشريفة على فضائلها، وحث على شدّ الرحال إليها، والرباط في ثغورها.وبقيت تنعم بالرخاء والهناء –فترات طويلة- حتى الغزو الصليبي لها إلى أن فتحها صلاح الدين 584هـ، ثم تعرضت لهجمة تترية شرسة تصدى لها السلطان قطز والظاهر بيبرس وانتصر عليهم في معركة عين جالوت عام 658هـ. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى احتلت القدس من قبل القوات البريطانية تمهيداً لتهويدها، حيث تعرضت للغزو الإسرائيلي فوقعت تحت الإحتلال الصهيوني( ). وأما عن علاقتنا بفلسطين فهي علاقة دينية عقائدية حضارية عميقة، والأدلة على إسلامية القدس أكثر من أن تعدَّ أو تحصى"( ) إن هذه الحقائق التاريخية تثبت أن هوية بيت المقدس إسلامية، وأن الادعاءات الصهيونية بملكية فلسطين وبيت المقدس محض إفتراءات وأباطيل لا أصل لها. والإسلام وريث الديانات السماوية التي سبقته فهو يعترف بها ، مع أنه ناسخ لها في نفس الوقت ، بل إن شرع من قبلنا شرع لنا إذا وافق ما ورد في ديننا،( ) ولا توجد مدينة في تاريخ الإسلام بل في تاريخ الأديان السماوية جميعها، ظفرت بما ظفرت به هذه المدينة من تقديس وتكريم. فقد أولاها أهل الحل والعقد من خلفاء وأمراء وعلماء كامل رعايتهم. أنشأوا المساجد والزوايا والتكايا والأربطة والسبل والمدارس والمقابر، وأوقفوا عليها معظم الأراضي المجاورة، وزينوا وزخرفوا وجددوا قديمها، وأسسوا جديدا يتناسب مع احتياجاتها وتطورها ومكانتها في الإسلام، و أطلقوا حرية العبادة لجميع أهل الأديان، ونشروا الأمن والأمان لكل من جاء للقدس حاجاً أو زائراً ومنحوا للمدينة والحجيج الأمن والاستقرار. كما ظهرت عدة مؤلفات تتحدث عن الفضائل الخاصة بالقدس والمسجد الأقصى، واشتهرت في الفترتين الأيوبية والمملوكية، منها:
ـ الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى، للإمام الحافظ بهاء الدين أبي القاسم بن عساكر (تـ 571 هـ 1175/م)
ـ فضائل القدس، لعبد الرحمن بن الجوزي (تـ 597 هـ / 1200م)
ـ الأنس في فضائل القدس، لابن هبة الله الشافعي ( تـ نحو 603هـ / 1206م)
ـ فضائل بيت المقدس، لمحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي (تـ 643 هـ 1245/م)
ـ باعث النفوس في زيارة القدس المحروس، للشيخ برهان الدين الفزاري / ابن الفركاح (تـ 729هـ 1329م)
ـ مثير الغرام بفضائل القدس والشام، لأبي محمود أحمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي (تـ765هـ 1363/م)
ـ إتحاف الأخصّا بفضائل المسجد الأقصى، لأبي عبد الله محمد شمس الدين السيوطي (تـ 880 هـ 1475م)
ـ فضائل بيت المقدس، لأبي المعالم المشرف بن المرجي بن إبراهيم المقدسي (ق 15/9م)
ـ الأنس الجـليل بتـاريخ القـدس والخـليل، للقاضي مجير الـدين الحـنبلي ( تـ 927 هـ 1520/م)
ـ المستقصى في فضائل المسجد الأقصى، لنصير الدين الرومي (تـ 984 هـ 1541/م)
هذه عينة فقط من فيض الكتب التي أورثها للأجيال رجالات العلم عن القدس . وغني عن البيان أنه ما كان لهذه الكتب أن تؤلف أو تصنف لولا الإدراك الحقيقي لما تعنيه القدس في حياة الأمة، وبتأثير ذلك أصبح التراث الخاص بالقدس قطعة واسعة من نسيج التراث العربي والإسلامي .
فضائل بيت المقدس في القرآن الكريم ( )
تعتبر فلسطين من أكثر البقاع الإسلامية قداسه في العالم، أرض الأنبياء- عليهم السلام - ومبعثهم . فلسطين وما حولها من البلاد باركها الله تعالى، بلاد مقدسة، ذكر الله تعالى قدسيتها في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى ديمومة بركتها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها . ومن هذه الآيات :
1 - قوله تعالى : – ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ )(الأعراف: 137 .( نرى أن الله تعالى قد "ورّث موسى وقومه المؤمنين الذين كانوا مستضعفين في مصر، عند فرعون وملئه، الأرض التي باركها، وصاروا يتجولون بين مشارق الأرض ومغاربها. وجعل الله لأولئك القوم المؤمنين هذه الأرض المباركة، جائزة لهم على إيمانهم، وثمرة مباركة لجهادهم وصبرهم، وثباتهم على الحق .
2- قال الله تعالى: - ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ( الاسراء : 1 )
"في هذه المعجزة الخارقة تتجلى مكانة القدس، قبلة المسلمين الأولى، - مسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم ومنها المعراج- الى السماوات العلى ليرى هنالك من آيات الله الكبرى.
وعلى هذا فإن للقدس منزلة عليا في قلوب المسلمين في كل بقاع الدنيا، في هذا الزمان وفي كل زمان، وهي منزلة كريمة مميزة ليست لغيرها من المدن إلا ما كان لمكة أو المدينة المنورة .
وفي معجزة الإسراء والمعراج أسرار كثيرة:
"ففيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله –فلسطين- بقضية العالم الإسلامي، إذ أصبحت مكة بعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مركز تجمع العالم الإسلامي ووحدة أهدافه، وإن الدفاع عن فلسطين دفاع عن الإسلام نفسه، يجب ان يقوم به كل مسلم في شتى أنحاء الأرض، والتفريط في الدفاع عنها وتحريرها، تفريط في جنب الإسلام، وجناية يعاقب الله عليها كل مؤمن بالله ورسوله" . "والرحلة من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ، الى محمد خاتم النبيين – صلى الله عليه وسلم – وتربط بين الأماكن المقدسة لرسالات التوحيد جميعا، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله .لأنه خاتم المرسلين، ورسالته خاتمة الرسالات، وأمته خاتمة الأمم، أمة الشهادة على الناس أجمعين، حتى قيام الساعة، والأمة الوارثة للدين والإسلام، الذي جاء به الأنبياء السابقون، والأمة الوارثة للبركة والقداسة، وهي الأمة الوارثة للأرض المباركة فلسطين، ورثتها من الأنبياء الكرام، إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وسليمان- عليهم السلام - . يقول الدكتور صلاح الخالدي: 1 - ان فعل باركنا مسند الى الله سبحانه، فبركات هذه الأرض ظاهرة –بنص الايات الكريمة-. 2- ان فعل باركنا غير مقيد، ولا محدد، وهذا يدل على ان البركة الربانية لهذه الأرض المباركة مطلقة غير محددة ولا مقيدة، وهي شاملة لكل أنواع البركة، ومن مظاهر هذه البركة الربانية: البركة الإيمانية، البركة الأخلاقية، والبركة التاريخية، والبركة السياسية، والبركة الاقتصادية، والبركة الاجتماعية،... وغير ذلك. 3 - التعبير عن البركة الربانية بالفعل الماضي "باركنا" يدل على ثبوت واستقرار البركة لهذه الأرض، ولأن الفعل الماضي يفيد الثبات والاستقرار، فالله سبحانه قد شاء استقرار البركة في هذه الأرض، وجعلها ثابتة فيها. ولهذا ستبقى هذه البركة شاملة مستقرة فيها، على اختلاف فترات التاريخ، ولن ينجح الأعداء في انتزاعها وتفريغها مهما بذلوا من جهود في ذلك وستبقى لها هذه البركة حتى قيام الساعة" .( ) 4. قال تعالى في قصة إبراهيم - عليه السلام - : ( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء : 70-71 ) . "معلوم ان إبراهيم وابن أخيه لوط - عليهما السلام - إنما نجاهما الله تعالى من أهل العراق الى أرض الشام الى فلسطين ليستقرا عليها، ويقيما فيها، وقيل لها مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء، الذين شع نور وكمال وخير شرائعهم الدينية والدنيوية في البلاد" ( ). "وقد استقر إبراهيم - عليه السلام - في منطقة بيت المقدس من الأرض المباركة، بينما وجه الله نبيه لوطا - عليه السلام - الى الشرق من بيت المقدس، ليكون نبياً عند القوم القاطنين شرق فلسطين، والذين عرفوا فيما بعد بقوم لوط .
5- قال تعالى: ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) ( الأنبياء : 81) . وقد أخبر الله في سورة الأنبياء، أن هذه الريح كانت تجري بأمر سليمان عليه السلام الى الأرض المباركة في فلسطين، التي بارك الله فيها، وتحمل له الرخاء والغيث، والخصب، والخير..
6- قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (سبأ: 18-19) هكذا جعل الله قرى ظاهرة بارزة عامرة، آهلة بالسكان بين قوم سبأ في اليمن، وبين القرى التي بارك الله فيها، والقرى التي بارك الله فيها، كما أجمع المفسرون، هي قرى ومدن فلسطين المباركة، التي كانت عامرة آهلة بالسكان، أثناء حكم سليمان - عليه السلام - . وتسجل الآية آثار حكم سليمان لفلسطين واليمن، زمن مملكة سبا، وتبين ظاهر الخير والبركة.والرخاء التي شملت المنطقة كلها نتيجة لحكمه، حيث حكم البلاد بشرع الله، ومعلوم ان النماء والرخاء والبركة ملازمة للحكم بما أنزل الله. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة بينها المفسرون على أنها تدل على بلاد الشام عامة، وعلى بيت المقدس خاصة ومن هذه الآيات :
1- قوله تعالى:: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )(الأنبياء : 105). "عن ابن عباس: أنها الارض المقدسة" ( ).
2 - قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) (المؤمنون : 50) . "عن قتادة، قال: هو بيت المقدس.( )
3- : (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء الآية 71.) 4- وقال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)(الأنبياء:81). والأرض المباركة هي فلسطين أي ما حول المسجد الأقصى وذلك باتفاق الآراء.
5 - وقال تعالى في قصة سبأ: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)(سـبأ:18) وهو ما كان بين مساكن سبأ في اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة فباركنا فيها أي الشام ومنها القدس مركز البركة.
6 - وقال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(التين:3). قال أبن عباس: التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سينين الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام. والبلد الأمين مكة.
7 - وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) (المؤمنون:50) قال أبن عباس: هي بيت المقدس. وهناك آيات أخرى فسرها المفسرون على أنها تدل على بلاد الشام بعامة التي منها بيت المقدس.(انظر سورة الأنبياء 105،ق41، النور36، النحل17ـ18، الحديد13) فمكانة القدس والأرض المباركة في القرآن الكريم لا تقل أهمية عن مكانة المسجد الحرام. ولهذا السبب كان المسجدان مرتبطين بالإسلام ارتباطاً وثيقاً. ولهذا السبب فهم المسلمون الأوائل مسؤولية الدفاع عنهما والجهاد لأجل الحفاظ على قدسيتهما. حتى يرث الله الأرض وما عليها.
فضائل بيت المقدس النبوية في السنة الشريفة: ان لبيت المقدس من المكانة في أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير، فهو يذكر ما حباها الله من الخير والبركة، ويبين الخصائص التي تميزت بها، ولذلك فقد أولاها المحدّثون وأصحاب التصانيف مكانة عالية، وذكروا ما قاله فيها سيّد الأولين والآخرين –صلى الله عليه وسلم-، فمنهم من أفرد الموضوع بتصنيف خاص، ومنهم من ذكر من فضائلها الكثير، فبوبوا لفضل الشام وفلسطين ابواباً خاصة ضمن أحاديث الفضائل التي ذكروها في كتبهم، وما تتمتع به هذه البلاد من فضل ومكانه يحدثنا شيخ الاسلام ابن تيمية ملخصاً لفضائلها في عبارات مختصرة جامعة فيقول: ( فيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث الأنبياء، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها مسرى نبينا، ومنها معراجه، وبها ملكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد.كما أن مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض، واليها يحشر الناس كما في قوله: ( لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ( الحشر :2 ) ، نبه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ، وإيلياء ( ) معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر فإنه أسري بالرسول من مكة الى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهروه وتمامه حتى يملكه المهدي بالشام، فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والامر، في الكلمات الكونية والدينية، ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة الى قيام الساعة" ( ). ومن هذه الاحاديث:
1 - أرض المحشر والمنشر : من حديث ميمونة بنت سعد مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كما في رواية أبي داود: (ايا رسول الله! افتنا في بيت المقدس؟ فقال: (إئتوه فصلوا فيه) وكانت البلاد إذ ذاك حرباً (فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فأبعثوا بزيت يسرج في قناديله) .( مسند ابن حنبل ، 6/ 463. ) إن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم، يفعل ما يشاء، ويختار ما يشاء ، ويفضل ما يشاء ، وفق حكمته سبحانه، يفضل ما يشاء من الأماكن، فهو يعلم ما يستحق التكريم، وما يستحق التفضيل، فالاماكن ليست متساوية عند الله، لأنه فضل بعضها على بعض. والله سبحانه حين اختار بيت المقدس لتكون الارض التي يحشر إليها العباد، يعلم أنها من خيرة الأرض عنده، وأنها تتمتع بمنزلة عالية من التكريم والأفضلية، ولذلك استحقت أن تكون أرض المحشر والمنشر. والنبي –صلى الله عليه وسلم- حين طلب من الناس بأن يلزموا أرض بيت المقدس ليسلموا من تأثير النار التي تخرج آخر الزمان، فإنه صدقهم القول، لأنه يعلم أن ملائكة الرحمة متوكلة بحفظها، ولذلك فإن هذا الحفظ كفيل بأن يدفع شر هذه النار عن أهلها، والقادمين إليها، والساكنين فيها، ولو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- علم أرضاً خيراً منها تحمي من هذه النار لنصحهم بها. ومن هنا يعلم عظم الأمانة الموكولة لأهلها للمحافظة عليها طاهرة بعيدة عن دنس الأعداء وشرورهم، ومن كيد يهود ومكرهم، فيؤدوا هذه الأمانة على الوجه الأكمل الذي يرضى الله تبارك وتعالى. 2 - الوصية بسكناها : 1- من حديث أبي الدرداء –رضي الله عنه- قال: عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستجندون أجناداً جند بالشام ومصر والعراق واليمن). قالوا: فخر لنا رسول الله؟ قال: (عليكم بالشام) قالوا: إنا أصحاب ماشية، ولا نطيق الشام. قال: (فمن لم يطق الشام فليلحق بينمه، فإن الله قد تكفل لي بالشام) ((( إنظر: الهيثمي ، في كشف الاستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، برقم (2851) )))
2- من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق الى الشام، ويتحول شرار أهل الشام الى العراق)، وقال رسول –صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بالشام) ( المسند: (5/249) ) لقد جاء نصح النبي –صلى الله عليه وسلم-لكل من سأله أن يختار له بلداً يسكن فيه، أو جنداً من الأجناد ينتمي إليه، فنصحهم- صلى الله عليه وسلم - بسكنى الشام، فنستدل من الأحاديث الشريفة على مدى إهتمامه –صلى الله عليه وسلم- بنصح أصحابه بسكنى الشام، وهذا النصح منه لأصحابة نصح لأمته من بعد ذلك الجيل من خيار أصحابه، بأن يسكنوا الشام، وأن يأووا اليها عند إِشتداد الخطوب، ونزول البلاء والفتن بالأمة الإسلامية، فإنهم سيجدون فيها الأمن والطمأنينة والإيمان في أرضها وبين أبنائها. وحين ينصح النبي-صلى الله عليه وسلم-أصحابه بسكنى الشام، أو حين يختار لمن استشاره أن يشير عليه ببلد يسكنه ويأوي إليه، فيشير عليه بالشام، يبرز مجموعة الأسباب التي من أجلها ينصح أصحابه وأحبابه بسكنى الشام، أستطيع تلخيصها بما يلي: - أنها خيرة الله من أرضه، وصفوته من بلاده. - فيها خيرة الله من عباده، يجتبيهم إليها. - فيها معسكر الإيمان والأمن والطمأنينة عند الفتن. - تكفل الله تعالى بالشام وأبنائها بالحفظ والعناية والرعاية. - فيها خيرة الأجناد وقلب الدفاع عن الدين والأمة الإسلامية، وغيرها من الأسباب. وإنّ أياً من هذه الأسباب كافٍ لأن يرغب النبي – صلى الله عليه وسلم - المسلمين بسكناها، فكيف إذا إجتمعت كل هذه الأسباب والفضائل في الشام، فإن النصح عندها سيكون أكثر لزوماً بسكنى الشام ومنها فلسطين، فهي حينئذ خير للمؤمنين من غيرها. فإذا كان للشام هذه المكانة في نفس النبي –صلى الله عليه وسلم- حين نصح أصحابه وأحبابه بسكناها لأنها أرض رباط وجهاد الى يوم القيامة، فإن الإنسان ليعجب من أبنائها حين يفكر أحدهم بالإرتحال الى غيرها من البلاد للسكن فيها لغير ما حاجة تدفعه الى ذلك، أو عمل يرتزق منه، أو علم يتعلمه، والخير والبركة فيها عملاً وعلماً والحمد لله.. ولذلك تجد الحصارالدائم ، والحروب المستعرة ، على أهل المنطقة ، بحيث تجد الشباب يفضلون الموت في قوارب الهلاك بدلا من البقاء في بلادهم في الشام ؟؟ 3 - أرض الرباط : 1- عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما تكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، .. . الحديث ) . (((أخرجه أبو داود برقم (2482)))) 2- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (لتكونن هجرة بعد هجرة، الى مهاجر أبيكم إبراهيم –صلى الله عليه وسلم- حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها.... الحديث )( أخرجه أحمد في المسند (2/84)) إنّ الممعن النظر في النصوص التي أوردتها يدرك تمام الإدراك، حقيقة هامة، وهي أن ارض فلسطين الأرض المباركة المقدسة، هي أرض إسلامية إيمانية، رغم ما يحل بها من نكبات، وتحكم الظلم، وعدوان الكفر، وهذه الأرض لهي أرض رباط دائم منذ الفتح الإسلامي الأول على يد الصحابة، حتى قيام الساعة. وهذه الأرض – فلسطين وما حولها- هي أرض جهاد مستمر على إختلاف الأزمان، وإنها أرض ساخنة حبلى بالأحداث، فهي أرض التحدي القوي بين المسلمين وأعدائهم، وهي ميدان الصراع والحرب مع يهود وصليبين. وهي أرض الحسم في المعركة بين الحق والباطل، بين المسلمين وأعدائهم، فعلى ثراها الطهور تتحطم مكائد وجيوش الكفر والبغي، ومن ثراها الطيب الطهور ترتفع أعلام النصر والتحرير. ولهذا جعلها الله أرض الرباط والجهاد والتحدي والحسم، ولهذا فضلها الله على سائر البقاع والبلدان ( ) وزيادة في الخير لهذه الأرض فقد زادها خصلة أخرى من الخير، فجعل المقام بها أو الهجرة إليها للسكن والإقامة وتقوية المؤمنين فيها، تعدل أجر المهاجرين الى المدينة المنورة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وجعل أهلها والمقيمين فيها من أهل الصلاح والخير، والذين يأتونها للمرابطة فيها هم خير أهل الأرض بنص الحديث الأول الذي أوردناه ، حين قال - صلى الله عليه وسلم-: (فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم) ومهاجر إبراهيم كما هو معلوم إلى أرض فلسطين، واستقراره ووفاته في أرض بيت المقدس من فلسطين 4 - أرض الإسراء والمعراج : 1- عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لما كان ليلة إسري بي وأصبحت بمكة فظعت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي). قال: فقعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- معتزلاً حزيناً، فمر به أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزيء: هل كان من شيء؟ قال: (نعم) قال: وما هو؟ قال: (إني أسري بي الليلة). قال: الى أين، قال: (الى بيت المقدس). قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم). قال: فلم يُرِهِ أنّه يكذّبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه، وقال له: أتحدث قومك ما حدثتني إن دعوتهم إليك؟ قال: (نعم)... قال: هيا يا معشر بني كعب. قال: فتنقضت المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليها، فقال: حدث قومك ما حدثتني. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إني أسري بي الليلة). قالوا الى أين؟ قال: (الى بيت المقدس). قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم). قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه مستضحكاً لما زعم، فقالوا: أتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( فذهبت أنعت لهم، فما زلت أنعت وأنعت حتى التبس علي النعت ، قال: فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل .. قال: فنعته وأنا أنظر إليه، فقال القوم: أما النعت فقد –والله- أصاب ) . ( أخرجه أحمد في المسند: (1/309) ) 2-عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل -صلى الله عليه وسلم - اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ...الحديث ) (- صحيح مسلم » كتاب الإيمان » باب الإسراء برسول )
شاء الله تعالى أن يكون الإسراء برسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام في مكة، الى المسجد الأقصى في القدس، وأن يريه هناك في المسجد الأقصى ما يريه من بعض آياته، وأن يكون معراجه من المسجد الأقصى الى السماوات العلا، وإن يريه هناك ما يريه من آياته. وصلى -عليه الصلاة والسلام -ببيت المقدس، وأتى المسجد الأقصى، وربط الدابة بالحلقة التي في حائط البراق، والتي كان الأنبياء السابقون - عليهم السلام - ، يربطون بها دوابهم التي يركبونها عند قدومهم المسجد الأقصى للصلاة فيه. وهذا الفعل من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والأخبار التي نقلت عن الأنبياء السابقين دليل على الأصالة التاريخية للمسجد الأٌقصى، وأنه كان مبنياً على هذه البقعة المباركة من بيت المقدس قبل آلاف السنين. وهذا الفعل منه – صلى الله عليه وسلم- دليل على أصالة هذا المسجد وعلى تخصيصه للصلاة ولعبادة الله سبحانة". ( ) 5 - الدعاء لها بالبركة :
إنّ البركة تعني: "ثبوت الخير الإلهي في الشيء، أو هي اسم كلّ خيرٍ يكون أبداً على الزيادة والنّماء .. .( د.صلاج الخالدي : الحقائق القرآنية ، ص 25-26) . والشيء المبارك: هو الذي ثبتَ فيه هذا الخير الإلهي ونما" . وأوّل مفاتيح البركة وتحصيلها، "أن نذكر اسم الله، لأنّ الغرض من التسمية في الطعام مثلاً، حصول البركة في الفعل المُبسمل عليه" ، وبالتالي فإنّ البسملة لا تجوز على أمر مكروه أو حرام، حيث يجب أن يكون الشخص أو المكان أو الشيء أو الفعل مستحقّاً للبركة. ومصدر البركة، هو الله –عزّ وجلّ-، فكما يروي البخاري بإسناد عن جابر بن عبد الله وعن عبد الله بن مسعود: "البركة من الله"، فالله هو الذي يُبارك الأماكن والأفعال والأشخاص والأشياء. ومن ثمّ فالبركة، اعتقادٌ إيمانيّ في القلب، ولا يُحصّل آثارها إلّا مؤمن مستوقنٌ بها، "وهي قائمة من الله على عهد، ودائمة منه بوعد، ولا تستقرّ إلّا عند من كان أميناً على عهد الله، موقناً بوعده" . وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسجد الأقصى المبارك، فقد باركه الله –جلّ وعلا- بنصّ كتابه، ووردت الكثير من الأحاديث في آثار تلك البركة. وقد ورد في القرآن خمسة آيات تشير إلى بركة أرض بيت المقدس، وواحدة منها تذكر مركز تلك البركة، وهو المسجد الأقصى، وهي الآية الأولى من سورة الإسراء . وكلمة "حوله" في هذه الآية، تدلّ على "أنّه هو أصلُ البركة ومنبعُها، والتي طفَت وعمّت وتوسّعت لتصلَ إلى ما حوله" . فهو "وصفٌ يرسمُ البركةَ حافّةٌ بالمسجد، فائضةٌ عليه، وهو لم يكن ليلقيه تعبير مباشر مثل: باركناه، أو باركنا فيه، وذلك من دقائق التعبير القرآنيّ العجيب" ، "أي أنّ الأقصى هو فعلاً أصل هذه البركة وسببها ومصدرها، بمعنى آخر: وجود الأقصى هو سبب بركة الأرض التي بارك الله فيها" . وكما يقول الدكتور أسامة الأشقر :"وكون البركة حوله، كنايةٌ عن حصول البركة فيه بالأولى، لأنّها إذا حصلت حوله، فقد تجاوزت ما فيه؛ ففيه لطيفة التلازم، ولطيفة فحوى الخطاب، ولطيفة المبالغة في التكثير باستخدام صيغة المُفاعلة التي تُفيد التكثير (باركنا)" . ويُشير كذلك الدكتور الأشقر في نفس المرجع إلى البعض الذي فسّر كلمة "حوله" بأنّ البركة فيما حول المسجد الأقصى، ومنع حصول البركة في المسجد، ومن ثمّ يستشهد بالآية من سورة البقرة: "مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، فلمّا أضاءت ما حوله، ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يُبصرون" (البقرة: 17)، فلو أنّهم تأمّلوها، "لأدركوا بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ إضاءة ما حول النار، لا يعني أنّ النار غير مضيئة، بل يعني بوضوح، أنّها مركز الإضاءة، بحيث إنّها لو ذهبت لما بقي النور، وظلّ هؤلاء في ظلماتٍ لا يُبصرون" ( ) . 1- عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: "ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا... الحديث ) (أخرجه البخاري رقم: (7094) ) . 2- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: إن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا –مرتين-......الحديث )( أخرجه أحمد في المسند: (2/90)) . ودعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- بالبركة للشام دليل على الأفضلية والأهمية التي تتمتع بها بلاد الشام في نفس النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصة ، وأنه أتى بالدعاء للشام واليمن بالبركة مضافين الى نفسه الشريفة، وأتى بضمير الجمع تعظيماً ، وذلك في قوله (بارك لنا في شامنا ويمننا وكرر الدعاء). فهذه الإضافة تعطي للشام ميزة خاصة وشرفاً لا يضاهيه شرف، خاصة وأننا نعلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يضيف لنفسه إلاّ ما يحب. فهذا يعطي أهل فلسطين حافزا ودافعا للعمل والبذل لهذا الدين، والله يمنح من فضله لمن يشاء من عباده. 6 - : أرض الطائفة المنصورة : لقد وصف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- التجمع الإيماني في الأرض المقدسة، بأنهم يشكلون البنية الأساسية لطائفة الحق الذين أخبر - صلى الله عليه وسلم - عند وجودهم، الى أن يرث الله الارض ومن عليها، حيث روى ذلك عنه –صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم -: عن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك)... قالوا: فأين هم؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) ( ) وعن كريب السحولي قال حدثني مرة البهزي –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك قلنا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: (بأكناف بيت المقدس .... الحديث ) . ( ) هذه بعض الأحاديث التي تحدث فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- عن طائفة أهل الحق التي ستبقى مستمسكة به، وهناك غيرها من الأحاديث ولكني اكتفيت بإيراد بعضها لدلالتها على وجود طائفة أهل الحق في الأرض المقدسة. والذين عبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن مكانهم بقوله ( ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). للدفاع عن حقوق المسلمين أمام الهجمة الشرسة من أعداء الله من يهود ونصارى، وممن أيدهم، وسار في دربهم، من الذين يحاولون سلب حق المسلمين في بيت المقدس وأرض بيت المقدس، فطائفة أهل الحق تنتظرها مسؤوليات جسام ، فالخطب جلل، والخطر داهم، والأعداء اكثر من الأصدقاء، فعلينا أن نبتعد عن الصراعات الضيقة، والأهتمامات القاصرة، وأن نتعاون جميعاً لدرء هذه المخاطر حتى نكون من الطائفة المنصورة.
7 - : كثرة شهدائها وفضلهم عند الله تعالى : 1- عن أبي عسيب مولى النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتاني جبريل –عليه السلام- بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى في المدينة، وأرسلت الطاعون الى الشام، والطاعون شهادة لأمتي، ورحمة لهم ورجس على الكافرين) ( ) 2- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ( لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم الأعماق، أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الارض يومئذٍ) الى أن قال: (....فيقول المسلمون: لا، والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً...) . (أخرجه مسلم برقم (2897)) جعل الله تعالى أفضل الشهداء عنده من بين شهداء المسلمين الذين يستشهدون في المعركة العظمى ضد تجمعات المكر العالمي وقادته، الذين يأتون لحرب المسلمين في أرض الشام، وهذه ميزة عظيمة، وفضيلة كبرى حظي بها أهل هذه الديار لم يحظ بها أحد من المسلمين في أي بقعة أخرى من أرض الإسلام.
8 - القدس قبلة المسلمين الأولى :
روى الإمام البخاري عن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحرام. وأنه صلى عند وصوله المدينة أول صلاة فيها صلاة العصر. وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس. وأهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت انكروا ذلك.
ومن طريق أخرى عن البراء بن عازب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً. وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(البقرة:144). فتوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وهذا الحديث وكذلك آيات القرآن الكريم تفيد كثيراً في معرفة جواز الصلاة وثوابها نحو بيت المقدس. فالله تعالى يقول ما كان الله ليضيع إيمانكم. أي صلاتكم إلى بيت المقدس وتوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس في صلاته لم يكن أمراً اجتهادياً إنما هو أمر من الله سبحانه. وبذلك حاز - عليه الصلاة والسلام - القبلتين ولم يكن نبي قبله قد حاز القبلتين وهذه ميزة وفضيلة له - عليه الصلاة والسلام - .
9- مَثوَى كثير من الصحابة والتابعين : دفن في المدينة عدد كبير من الصحابة والتابعين والمجاهدين منهم أمثال: عبادة بن الصامت الأنصاري (ت 34 هـ)، الذي كان نقيباً، وشهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدراً والمشاهد كلها، ولاه عمر بن الخطاب قاضياً على الشام ومعلماً، وولي قضاء فلسطين، ثم قاضياً لبيت المقدس، وروي أنه شوهد وهو يبكي على سور بيت المقدس الشرقي، فسئل: وما يبكيك يا أبا الوليد؟ فقال: من هاهنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم، أقام في بيت المقدس، وتوفي في الرملة، إلا أنه دفن في القدس، كذلك أقام فيها شداد بن أوس إلى أن قضى، ودُفن فيها، وهو الذي روى الحديث النبوي: [أن الشام ستفتح، وبيت المقدس سيفتح]، ويقال إن قبره في مقبرة الرحمة، كما دفن، في بيت المقدس، وائلة بن الأسقع (ت 85 هـ)، وذو الأصابع التميمي، الذي قال لـه النبي: [عليك ببيت المقدس].
وفيروز الديلمي .وتوفي بها كذلك الصحابي الجليل شداد بن اوس، والزاهدة أم الخير رابعة العدوية، والمتكلم محمد بن كرام صاحب الفرقة الكرامية، وسلامة بن قيصر، وذا الأصبع ، وأبا محمد البخاري . والمحدث بكر بن سهيل الدمياطي.و بنى المسلمون في مختلف العهود مساجد بلغت 34 مسجدا معظمها في داخل المدينة القديمة. وبنوا عددا كبيرا من الزوايا، يؤمها الحجاج من مختلف البلدان الإسلامية ، وأماكن العبادة والأوقاف ، والربط ، والأحباس لاستضافة زوار بيت المقدس.
10 - زيارة كثير من الصحابة والتابعين لها : زارها كثير من الصحابة الأجلاء والتابعين وتابعيهم، وذكرت كتب التاريخ ممن زار القدس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، والصحاب الجليل أبو عبيدة بن الجراح (ت 18هـ)، ومؤذن الرسول بلال بن رباح (ت 19هـ)، وقد زارها في معية أمير المؤمنين وتذكر الروايات أنه من شدة إجلال القدس أن بلالاً مؤذن الرسول الذي توقف عن الأذان منذ وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم - ، وافق هنا، في حضرة المسجد الذي أقامه عمر، على الأذان، إذ قال لعمر: "يا أمير المؤمنين، أما والله ما أردت أن أؤذِّن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن سأطيعك اليوم، في هذه الصلاة وحدها" . فذكَّر أذان بلال بأيام النبي، وبقدسية المكان معاً، ولهذا فعندما قال بلال: "الله أكبر، خشعت جلودهم، واقشعرت أبدانهم، ولما قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بكى الناس بكاءً شديداً" . وزارها خالد بن الوليد (ت 21هـ) الذي روى حديث إنها (أرض المحشر والمنشر)، وزارتها صفية بنت حيي (ت 50 هـ) زوجة النبي، وصعدت طور زيتا وقالت : من هنا يتفرق الناس يوم القيامة إلى الجنة وإلى النار، ودفنت في البقيع. وزارها الصحابي الجليل سعد بن وقاص (ت 55هـ) وعمر بن العاص (ت 51هـ)، وسليمان الفارسي (ت 36)، وعياض بن غنم (ت 20 هـ) وأبو هريرة (ت 59هـ)، الذي روى : لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد" وعبد الله بن عمر(ت74هـ)، وأقام بها معاذ بن جبل ثلاثة أيام، والكثير من التابعين، والأتقياء. ولا شك في أن القدس تحتل مكانة مميزة في نفوس المسلمين، فهم ورثة الأديان، وهم من أشرف عليها أكثر من ألف عام، وأقام في ربوعها وعلى جبالها وفي وديانها المساجد والصلوات، وتهفو إليها نفوس الملايين من الموحدين..
مناقشة مكانة القدس في الديانات السماوية الثلاث
بعد هذا الاستعراض لمكانة القدس لدى أهل الديانات السماوية الثلاثة، من مصادرها المعتمدة وكتبها المقدسة، نصل للقول الفصل في هذه النصوص والمرويات ونقيم الأدلة العلمية والبراهين الموضوعية على حق أهل الديار في ديارهم، وحق أهل القدس في قدسهم، وأهل المسجد في مسجدهم...
فعلى الرغم مما تضمنته نصوص اليهودية من تبجيل وتقديس للقدس وللهيكل، فإن ذلك يتناقض تماماً مع ما يرد في نصوص أخرى، ويتناقض كذلك مع الممارسات اليهودية والتي تعاطت مع بيت المقدس والهيكل بإهانات عظيمة. ففي سفر الملوك الأول يرد: "أن سليمان عليه السلام باني هيكل الرب في أورشليم اتخذ آلهة من دون الله". وفي سفر الملوك الثاني : يعلن الرّب رفضه للمدينة المقدسة "إني أنزع يهوذا أيضاً من أمامي كما نزعت إسرائيل وأرفض هذه المدينة التي اخترتها أورشليم، والبيت الذي قلت يكون فيه اسمي". وفي سفر حزقيال تُذكر القدس بأقذع الأوصاف "يا ابن آدم عرِّف أورشليم برجاستها". والحال نفسها في مملكتي إسرائيل الشمالية والجنوبية ، حيث تلويث القدسية المُدّعاة لبيت الرّب في أروشليم وإدخال الأرجاس والأوثان إلى بيت هذا الرّب ، حيث يرد في سفر الإخبار الثاني :"حتى أن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم، ونجّسوا بيت الرّب الذي قدّسه في أورشليم". وقد اعتبرها أحد أنبيائهم والمدعو ميخا مركز الخطايا. ويتنبأ بأنها ستحال إلى كومة أنقاض، وقد توقفت عبادة يهوه في القدس في زمن الملك (آحاز) ، ثم تجددت ، ولكن اليهود ظلوا يذبحون قرابينهم في السواري المقدسة. ولذلك يرد في سفر ميخا أن الرب سيعاقب يهوذا وإسرائيل عقاباً رهيباً وسينزل بهما النهب والموت وسوف تتحول السامرة وأورشليم إلى كومتين أنقاض. ويتنبأ ميخا بأن أورشليم بسكانها سوف تسبى إلى بابل وفي زمن الملك منس أي عام 655ـ 671 أدخل اليهود إلى معابدهم عبادة الأجرام السماوية تقليداً للآشوريين واعتبروا هذه الأجرام جند السماء، وكان معبد القدس يغص برموز هذه المعبودات، وقد أعيد بناء المرتفعات المقدسة في الجبال أيضاً، وسجد اليهود لكل جند السماء وعبدوها ، وقد انتعشت من جديد المعبودات الكنعانية وقد جدد منس تقديم القرابين للآلهة المتعددة لكي يسترحمها، ويقول كتاب الملوك أن منس نفسه عاف وتفاءل واستخدم جاناً وتوابع وأكثر من عمل الشر الذي يغضب يهوه وكان يسترضي آلهة أخرى بما فيها الأجنبية.
وإذا كان اليهود يستمدون شرعية مطالبهم بالمدينة المقدّسة من تعاليمهم الدينية المستوحاة من التوراة، فإن هذه التوراة ذاتها تقول "من أجل أن ملك يهوذا أساء أكثر من جميع الذي عمله الأموريون الذين قبله، هاأنذا أجلب شراً على أورشليم ويهوذا وأمسح أورشليم كما يمسح واحد الصحن" فأي قداسة وأي وعد إلهي هذا الذي يبقى بعد أن يمسح "الرّب" "أورشليم" ويرفضها. ولو كان الهيكل والقدس مقدسين لدى اليهود كما يدّعون لما عبد الشعب الإسرائيلي آلهة أخرى، ناسين الرب وهيكله وناعتين بيت المقدس والهيكل بأبشع وأقذع الأوصاف وهو ما يتضح من توراتهم وأسفارهم.
تؤكد الدراسات التاريخية أن الوجود اليهودي في القدس كان وجودا عابراً، وقد حصل بعد حوالي خمسة قرون من نشأة الديانة اليهودية. فبناء الهيكل الذي يمثل جزءا مهما في معتقدات اليهود تم في عهد النبي سليمان وذلك بعد 480 سنة من خروج اليهود من مصر . لقد جاء في التوراة (وذهب الملك داود ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين، سكان الأرض. فكلموا داود قائلين لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج. وأخذ داود حصن صهيون وهي مدينة داود) سفر الملوك الأول. وفي هذه إشارة على أن داوود ما دخل منطقة القدس إلا بعد استئذان أهلها اليبوسيين. ولم يرد ذكر القدس في التوراة أي الأسفار الخمسة التي نزلت على النبي موسى البتة. لكن ذكرها ورد متأخرا في أسفار الأنبياء والأسفار التاريخية المتأخرة. وهذا دليل على أن القدس لم تحظ بالأهمية الدينية لدى اليهود إلا بعد قرون عدة. ولو كان لها مكانة حقيقية في الدين اليهودي لورد ذكرها في الأسفار الخمسة الأولى (التوراة) ، وليس في الأسفار المتأخرة التي هي محل شك وريبة عند كثير من علماء الأديان.
ومزامير داوود الخاصة بالقدس توضح ما للمدينة من مكانة عاطفية وليست دينية. فهذه المزامير المفعمة بالعواطف الجياشة تتحدث عن مدينة محبوبة وجميلة "منّ الله على العالم بعشر حفنات من الجمال، أهدى تسعا منها إلى أورشليم والباقي إلى سائر العالم".
والمتتبع للنصوص التوراتية يرى أن كتاب التوراة ركزوا على الوعد الإلهي بمنح أرض كنعان لإبراهيم ونسله من بعده دون إعطاء القدس أية أهمية تذكر. ولم تعتبر القدس مكاناً مقدساً حتى جاء سليمان وبنى الهيكل. وكانت القدس حسب النصوص الموجودة في أسفار التوراة الأولى كبقية بقع الأرض التي هوجمت من قبل القبائل البدوية الإسرائيلية، وبعد أن استتب الوضع لداود وسليمان نظر اليهود للقدس بالدرجة الأولى على أنها عاصمة سياسية لمملكة داود. ولم تحط بهالة القدسية الإلهية. وهذا يعني أن التقديس جاء لرمز الكيان الاستيطاني ، وليس لرمز العلاقة بين الإله والإنسان.
وينبغي أن نَذْكُرَ بأن اليهودية الحاخامية تُحرّم العودة إلى فلسطين ، ومن ثم إلى القدس إلا في آخر الأيام وفي الوقت الذي يحدده الإله ، وبالطريقة إلى يقررها. وقد اتهم الحاخامات الصهيونية بأنها تسعى إلى التعجيل بالنهاية "دحكات هكيتس" وذلك بتحديها مشيئة الإله ، والضغط عليه لإجباره الماشيح على المجيء ، حيث جاء في التلمود : "لا تعودوا ولا تحاولوا أن ترغموا الإله".
إن المسيحية وهي الديانة التى جاءت لإصلاح ما علق باليهودية من أدران بفعل الإنسان وبذلك صرح المسيح بقوله "بعثت لخراف إسرائيل الضالة" لما تمكنت من عين المكان ، مارست ما يخالف قدسية المدينة ، فقد حرَّم الرومان منذ تيطس عام 70م على اليهود دخول القدس ، وهدّموا هيكلهم ثم أتى هادريان عام 136م فأكد هذا الحرمان، وأكدت السلطات المسيحية أيضاً هذا الحرمان، في زمن قسطنطين في القرن الرابع، واستمر هذا الحال حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع، أما التجربة المسيحية الغربية الأخرى، كما جسدها الصليبيون، الذين افتتحوا ممارستهم نحو العلاقة بالآخر، بقتل جميع المسلمين واليهود عند دخولهم القدس، فقد تجلّت بأن حرموا على المسلمين واليهود دخول المدينة المقدسة، وطمسوا المعالم الإسلامية، وحولوا المسجد الأقصى، ومسجد القبة إلى كنائس، ومكان لقيادة الداوية، وإسطبلا لخيولهم، فجسدت المسيحية الغربية في المرتين موقفاً إقصائياً نافياً للآخر، ولمفهوم العيش المشترك.؟؟!!
أما مكانة القدس في قلوب وعقول ووجدان المسلمين ، فلا تعادلها إلا مكانة الحرمين بمكة والمدينة، لذلك كتبوا في فضائلهاكتبا كثيرة .. فقد قام الدكتور كامل العسلي بوضع بيلو غرافيا تفصيلية لكتب الفضائل ، كما قام الدكتور محمود إبراهيم بدراسة تحليلية لإحدى عشرة مخطوطة من مخطوطات الفضائل ، وقد تفردت بيت المقدس بعناية المؤرخين ، فوصفوا رجالها وعلماءها ، وأشادوا بمحاسنها وآثارها ، فهي مدينة الأ،بياء ، وهي قبلة المسلمين الأولى بعد الهجرة ، وأسري بالرسول – صلى الله عليه وسلم – من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، ومنه عرج الى السموات العلى ، وتأتي القدس بعد مكة المكرمة ، والمدينة المنورة في قداستها ، وشهد فتحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فصار لها فضل على كثير من المدن ، وأصبحت محط أنظار العالم الاسلامي . ومما يدلل على شدة الإنجذاب للمدينة أن من كتب عنها لم يقتصر على أبنائها فقط ، بل كتب في فضائلها مؤلفون من العراق ، والشام ، ومصر ، والمغرب . ( ) وقد أحيطت المدينة بالرعاية والاهتمام من قبل العامة ، والخاصة ، والعلماء ، والأمراء ، والقادة ، والملوك . وقد حظيت باهتمام خاص زمن الأمويين ، إذ حاولوا منذ عهد معاوية – رضي الله عنه – أن يؤكدوا على فضلها وأهميتها . وليس أدل على ذلك من مبايعة معاوية – رضي الله عنه - بالخلافة في بيت المقدس ، ( سنة 41هـ ) كما بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة في بيت المقدس ، ويعتقد المستشرقون اليهود أن الآسباب التي دفعت عبد الملك إلى بناء قبة الصخرة ، ليكون مبنى يحج إليه المسلمون ينافس الكعبة في مكة المكرمة، التي كانت آنذاك تحت سيطرة عبد الله بن الزبير، ولأن عبد الملك لم يرد أن يحج رعاياه إلى منطقة التمرد، وأنه (عبد الملك) قد منع الأمويين من أداء الحج في مكة، وهذه الفرية من افتراءات المستشرق جولد زيهر... وقد بينت في فصول لاحقة أن ذلك فرية بلا مرية ..وأن ذلك كذب صراح ... وأن جميع هذه الشبهات والترهات التي أثارها هؤلاء المرجفون يمكن الرد عليها بآية واحدة من سورة الإسراء: {… الذي باركنا حوله}. إن لفظ البركة قد أطلق في القرآن الكريم سبع مرات على أرض فلسطين أرض بيت المقدس، وإن هناك حكماً كبيرة قد غابت عن هؤلاء الذين أعمى الله بصيرتهم، ولا يمكن أن يستطيعوا فهمها لأنهم يتعامون عن الحق، وإلا ما هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى أسرى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك، ثم قل لي بربك ما الحكمة من عروج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الأقصى المبارك ، وإمامته للصلاة في الأنبياء جميعاً،( وسنبين سبب ذلك في مكانه من الصفحات المقبلة ) ثم عروجه إلى السماء السابعة ، وفرض الصلاة.
إن هناك رابطة مقدسة ووثيقة بين مكة وبيت المقدس ، وقد توثقت منذ اتخاذ المسلمين المسجد الأقصى قبلتهم الأولى حوالى سبعة عشر شهراً، هناك حِكَمٌ غابت عن هؤلاء المستشرقين الحاقدين الذين يبتغون من وراء ذلك معرفة مصيرهم على تلك الرمال المتحركة، حيث أنهم يدرسون ويحللون مدى قداسة هذه المدينة في قلوب أبناء الأمة الإسلامية، ويريدون من وراء ذلك معرفة معنى الجهاد، وكيف استيقظ في المشرق العربي إبان الحروب الصليبية، وتأثير إحياء فكرة الجهاد في نفوس المسلمين ، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، ويبحثون عن جذور الترابط في المنطقة وعن أسباب توحد المشرق والمغرب في معركة حطين وما بعدها. القدس فى اعتقاد المسلمين : ( ) وتلخيصا لما سبق ، يمكننا القول بأن القدس فى الاعتقاد الاسلامي، لها مكانة دينية سامية ، فقد اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو اجماع الامة كلها من أقصاها الى أقصاها، ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها. ..للأسباب التالية :
1 - القدس: القبلة الاولى :
أول ما تمثله القدس فى حس المسلمين وفى وعيهم وفكرهم الديني: أنها (القبلة الاولى) التي ظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يتوجهون اليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة المحمدية ، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة، ستة عشر شهراً، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعية، أو المسجد الحرام، كما قال تعالى: ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) [البقرة 150]. وفي المدينة المنورة معلم أثرى بارز يؤكد هذه القضية ، وهو مسجد القبلتين، الذى صلى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس، وبعضها إلى مكة، وهو لايزال قائما، ويزار إلى اليوم ويصلى فيه. و قد أثاز اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحد أيها يكون القبلة لمن يصلي له: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (142) ) إلى أن يقول: ( وما جعنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كان لكبية إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمنكم ) [البفرة 142،143]. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت ، لانها لم تكن الى قبلة صحيحة، فقال الله: ( و ما كان الله ليضيع ايمانكم ) اى صلاتكم، لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده عزوجل. 2 - القدس أرض الإسراء والمعراج : و ثانى ما تمثله القدس في الوعي الاسلامي:ان الله تعالى جعلها منتهى رحلة الاسراء الارضية، ومبتدأ رحلة المعراج السماوية، فقد شاتء إرادة الله ان تبدأ هذه الرحلة الارضية المحمدية من مكة ومن المسجد الحرام، حيث يقيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأن تنتهى عند المسجد الاقصى، ولم يكن هذا اعتباطا ولا جزافا، بل كان ذلك بتدبير إلهي ولحكمة ربانية، وهي ان يتلقى خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام، ويصلى بهم إماما، وفي هذا اعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بني إسرائيل إلى أمة جديدة، ورسول جديد، وكتاب جديد: أمة عالمية، ورسول عالمي، وكتاب عالمي، كما قال تعالى ) : وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين ( [الانبياء: 107]، )تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( [الفرقان:1]. لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى: ( سبحن الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصا الذى بركنا حوله لنريه من آياتنا ... الآية ) [الإسراء:1]. والآية لم تصف المسجد الحرام بأى صفة مع ماله من بركات وأمجاد، ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف (الذى بركنا حوله)، وإذا كان ما حوله مباركا، فمن باب أولى ان يكون هو مباركا. وقصة الاسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك، الذى ربط فيه جبريل البراق، وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس، وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى، التى بدأت من القدس، أو المسجد الأقصى إلى السموات العلا، إلى “سدرة المنتهى”، ولو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة، لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة، ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمرٌ مقصود، كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. ومن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه، وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه، بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر، ومن فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.
3 - القدس ثالث المدن المعظمة : والقدس ثالث المدن المعضمة في الإسلام؛فالمديتة الأولى في الإسلام هي مكة المكرمة، التى شرفها الله بالمسجد الحرام. والمدينة الثانية في الإسلام هي طيبة، او المدينة المنورة، التي شرفها الله بالمسجد النبوي، والتي ضمت قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. والمدينة الثالثة في الإسلام هي القدس أو البيت المقدس، والتي شرفها الله بالمسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، وفي هذا صح الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( لاتشد الرحال إلا ألى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا ) . (صحيح مسلم ، رقم : 3450 ) فالمساجد كلها متساوية في مثوبة من صلى فيها، ولا يجوز للمسلم أن يشد رحاله، بمعنى أن يعزم على السفر والارتحال للصلاة في أى مسجد كان، إلا للصلاة في هذه الثلاثة المتميزة. و قد جاء الحديث بصيغة الحصر، فلا يقاس عليها غيرها. وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات، وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن، منها، ما رواه أبوذر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي المساجد بني في الأرض أول ؟ قال:”المسجد الحرام “، قيل ثم أي؟ قال:”المسجد الأقصى “ . ( صحيح البخاري ، رقم : 3366.) والإسلام حين جعل المسجد الإقصى ثالث المسجدين العطمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس الى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين: مكة والمدينة، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاما من مبادئه وهو أنه جاء ليبني لا ليهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليهود المدينة ، عندما رآهم يصومون عاشوراء : “ نحن أولى بموسى منكم “. 4 - القدس أرض النبوات والبركات : والقدس جزء من أرض فلسطين بل هي غرة جبينها، وواسطة عقدها، ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة في خسمة مواضع في كتابه: أولها: في الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بأنه: ( الذي بركنا حوله ) ( الإسراء:1 ). وثانيها: حين تحدث في قصة خليله إبراهيم، فقال: ( ونجينه ولوطا إلى الارض التى بركنا فيها للعالمين) (الانيياء:71) . وثالثها: في قصة موسى، حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده: ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشرق الارض ومغربها التىي باركنا فيها ...الآية ) ( الاعراف:137 ). ورابعها: في قصة سليمان ، وما سخر الله له من ملك لا نيبغى لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى: ( ولسليمن الريح عاصفة تجرى بامره الى الارض التى بركنا فيها) ( الانبياء:81) وخامسها: في قصة سبأ، وكيف من الله عليهم بالأمن وطيب العيش ، قال تعالى: ( وجعلنا بينهم وبين القرى التى بركنا فيها قرى ظاهرة ....الآية )[سبأ:18]. فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. قال المفسر الآلوسي: المراد بالقرى التي بورك فيها: قرى الشام، لكثرة أشجارها وثمارها، والتوسعة على أهلها، وعن ابن عباس: هي قرى بيت المقدس، وقال ابن عطية: إن إجماع المفسرين عليه .. 5 - أرض الرباط و الجهاد : والقدس عند المسلمين هي أرض الرباط و الجهاد. فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصى، وحديث الرسول عن فضل الصلاة فيه، من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام، وستكون للمسلمين، وسيشدون الرحال الى مسجدها، مصلين لله متعبدين، وقد فتحت القدس -التي كانت تسمى إيلياء-في عهد الخليفة الثاني في الاسلام عمر ابن الخطاب، واشترط بطريركها الأكبر صفرونيوس ألا يسلم مفاتيح المدينة الا للخليفة نفسه، لا لأحد من قواده، وقد جاء عمر من المدينة الى القدس في رحلة تاريخية مثيرة ؟؟!! وتسلم مفاتيح المدينة، وعقد مع أهلها من النصارى معاهدة أو اتفاقية معروفة في التاريخ باسم "العهد العمري" أو "العهدة العمرية" أمنهم فيها على معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم، وشهد على هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين، أمثال: خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان . و قد أعلم الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء، أو يهددونها بالغزو والاحتلال، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدى الأعداء، ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم ، كما أخبر - عليه الصلاة والسلام - بالمعركة المرتقبة بين المسلمين و اليهود، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم، وأن كل شئ سيكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر، وأن كلا منهما سينطق دالا على أعدائهم، سواء كان نطقا بلسان الحال أم بلسان المقال . وقد روى أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، الا ما أصابهم من لأواء (أى أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك “، قالوا: وأين هم يا رسول الله ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس. ) ( مسند الإمام بن حنبل ، تحقيق شعيب الأرنا ؤط ، رقم ( 1957)
وبعد: فهل ينافس أحد العرب والمسلمين في مكانة القدس لديهم أو في أحقيتهم بها ؟ يقول المفكر الفرنسي روجيه غارودي ) في عام 638م لم يكن العرب من وصل إلى فلسطين، وإنما هو الإسلام... إذ أن العرب كانوا في فلسطين منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام. أي منذ الهجرات السامية الأولى القادمة من الجزيرة العربية، تلك التي كانت تجوب أرجاء الهلال الخصيب من عموريين وكنعانيين وعرب، من ذوي أصل إثني واحد ، وأسرة لغوية واحدة(. ( ) وقد ذكر المؤرخ المسيحي المشهور ميخائيل السرياني المعروف بالتقوى، إلى أن المسلمين "لم يضطهدوا أحداً بسبب إعلانه عن عقيدته، وذلك خلافاً لما فعله اليونانيون". لقد كان الإسلام والمسلمين متسامحين مع الغير فسمحوا لليهود بالسكن فيها مجدداً، ويذكر ذلك الأديب اليهودي الأسباني (يهود الحرزي)، الذي زار المدينة في عام 1217م.. بل إن صلاح الدين الأيوبي رفض طلبا لريتشارد قلب الأسد في أيلول 1192م، يتضمن عدم السماح للحجاج الأوروبيين المتدفقين على القدس بزيارتها، إلا أولئك الذين يحصلون على إذن منه، أو كتاب؟! وَردَّ عليه بالرؤية الإسلامية العميقة للقدس بأنها مدينة مفتوحة للديانات الإبراهيمية، بالقول "إن هؤلاء الحجاج، قد وصلوا من ذلك البعد ، لأن مشكلة الديانة اليهودية أنها لا تعترف بالمصدر السماوي للديانتين المسيحية والإسلامية، بينما تعترف المسيحية بالشرعية السماوية لليهودية، مع التأكيد على انحرافها ، ومسؤوليتها على صلب المسيح، إلا أنها تنكر على الإسلام شرعيته؟؟!! ويتميز الإسلام باعترافه المسبق بالديانتين (المسيحية واليهودية) كديانتي وحي، ويوصي بالتعامل مع أصحابهما على أنهما "أهل كتاب"، ولقد تعامل مع رموزهما الدينية بقداسة واحترام . ولا أدل على ذلك من رفض الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الصلاة في حرم كنيسة القيامة كي لا يتخذ المسلمين صلاته سببا في الاستيلاء على الكنيسة مستقبلاً..مع عدم الاعتراف بصلب المسيح – عليه السلام - . ولقد كرَّر صلاح الدين السلوك العمري نفسه عند دخوله القدس عام 1187م، على الرغم من مرارة التجربة الصليبية، فجعل المدينة مفتوحة لأبناء الديانتين، المسيحية، واليهودية، لإقامة شعائرهم الدينية في دور عبادتهم، وشجع المسيحيين العرب، والمسيحيين الشرقيين، الذين اضطهدهم الفرنجة، على الإقامة في القدس، وظلت تلك المبادئ القائمة على قاعدة الاعتراف بالآخر، ومبدأ العيش المشترك، هي الإطار الناظم للاجتماع البشري في القدس، حتى طرق باب فلسطين المشروع الصهيوني الذي اتخذ موقفاً إقصائياً، لصالح تهويد القدس ليكرر بذلك التجربة الصليبية، سيئة الذكر والمصير . بعد هذا التطواف بين النصوص المقدسة لأهل الديانات الثلاثة، والتاريخ المسطور لها، والروايات المعتمدة لديها نخرج بجملة من النتائج نجملها في التالي :
1- العرب هم أول من استوطن القدس وما حولها من ديار، وأن كل من جاء بعدهم لم يجدها إلا عامرة بأهلها.
2 - لم تعمر دولة اليهود في القدس وضواحيها على أكبر تقدير ومن مصادر يهودية أكثر من ثمانين عاما، بينما نعمت القدس بدولة الإسلام نيف وألف ومائتي عام. كانت مثابة للتسامح والعيش المشترك بين أهل الديانات.
3 - سجل التاريخ أن التجربة العربية الإسلامية في التعامل مع القدس منذ الفتح العمري تقوم على الاعتراف بحق أهل الكتاب، يهود، ومسيحيين، في العيش المشترك في المدينة المقدسة، وحقهم في إقامة شعائرهم في أماكنهم المقدسة، فلقد أبطل المسلمون القرار البيزنطي الذي يقضي بمنع اليهود من دخول القدس، وأمنَّوا المسيحيين على أموالهم وأنفسهم، وكنائسهم، كما هو واضح في نصوص العهدة العمرية. وتبقى القدس مركز الصراع الكوني القادم، الصراع بين قوى الظلام والصهيونية وقوى الحق والنور قوى العروبة والإسلام والإنسانية.
4 - لم تحظ المدينة بفترة استقرار سياسي أو تسامح ديني، إلا في فترة الحكم الإسلامي للمدينة.
5 - إن مكانة القدس عند كل أهل الديانات جعلها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام تتعرض للغزو وتتصدى للغزاة. تسيل الدماء وتهدم الأسوار ويهجر الإنسان. وفي كل غزوة تتحطم الجيوش في القدس وحول القدس.
6- إن القدس جديرة بأن تحظى بكل هذا الاهتمام وحري بأهلها العرب والمسلمين أن يولوها كل اهتمام ورعاية ودعم لتثبيت أهلها الصابرين الصامدين في وجه أكبر عملية تهويد وتغيير لمعالم المدينة، وتغليب لمظاهر أهل ديانة على الديانات الأخرى.
7- إن واجب استعادة القدس وتحريرها واجب جماعي على عموم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسؤولية مشتركة على الجميع.
8 - ضرورة توثيق وتأصيل كل ما هو ذو قيمة في القدس، خاصة وأن التهويد يطال البشر والحجر، ولا يسلم منه حتى المقابر والشوارع.... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.( )
تسمية المدينة
للقدس أسماء عديدة - ذكرنا بعضها في التمهيد - وهي : مدينة السلام ، ويبوس ، وصهيون ، ومدينة داود ، وأريئيل
وموريا، وإيلياء وتنطق إيليا، ونادرا إليا، ، أو بيت المقدس، و(يورشاليم) أو (أورشاليم) وقد يظن البعض أن أورشاليم
اسم عبري، أو اسم اختاره العبريون لمدينة القدس، لكن الحقيقة المؤكدة على خلاف هذا تماما، فـأورشاليم اسم كنعاني :
من لغة كنعانية، واختاره لها الكنعانيون، ودخل عليه بعض التحريف على لسان العبرانيين، فهو في الأصل (أورسالم)، أي مدينة سالم، أو مدينة إله السلام، ولكن تحول السين إلى شين على لسان العبريين.وقد أوردت آثار الأمم القديمة
المكتشفة هذا الاسم بصور مختلفة، فالأواني المكتشفة من عهد سنوسرت الثالث (القرن 19 ق.م) تسميها (أورشاليموم)،
ورسائل تل العمارنة (القرن 14 ق.م) تنطقها (يوروساليم)وأما مخطوطات سنحاريب الآشورية فقد أوردت اسم القدس هكذا :
(يوروسليمو).وقد سبق اسم (يبوس) إلى الوجود كل الأسماء التي حملتها المدينة، حيث نسبها البناة الأوائل إلى أنفسهم. ومن الأسماء القديمة أيضا (القدس)، وقد ورد لدى المؤرخ والرحالة اليوناني الشهير هيرودوت (484 ـ 425 ق.م) هكذا : (قديتس) ولكل اسم من أسمائها قصة وحكاية ، فلكثرة الغزاة على المدينة كثرت أسماؤها وتعددت ، فكل غاز كان يسميها باسم ، والجامع أو العامل المشترك بينهما هذه الأسماء أنها كلها مقدسة ، كل اسم كان مقدسا عند من أطلقه عليها . قد تطورت هذه الأسماء مع الزمن لتصل اليوم الى الاسم الأكثر شهرة وتداولا وهو : اسم القدس ، والقدس فهي مدينة السلام ، ومسرى الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، ومبدأ معراجه إلى السموات العلا ،

وأرض الأنبياء ، قامت على أرضها حضارات سادت ثم بادت ، منها تبدأ الحرب ، ومنها يبدأ السلام . قال الحافظ ابن حجر : ( ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين ..)( فتح الباري ، ج3/78. ) وكثرة الأسماء تدل على شرف المُسَمّى ، وقد اكتسبت القدس عبر تاريخها الطويل أسماء عديدة، سماها بها الكنعانيون وهم سكانها الأصليون ، ووضعت بعضها الأمم الماضية، وسمَّتها بأسماء لها لتدلل على حضارتها، وهذه المسمياتُ المُختلف في عددها باختلاف المصادر، تؤكد على علو المدينة ومكانتها بين الأمم، ومن هذه الأسماء: 1 - القدس : مدينة عربية بضم الدال وسكونها اسم ومصدر، وهو التنزيه والتطهير والتبريك ، وتقدس أي تبرك وفي التنزيل : ( ... وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ..) ( البقرة : 30) أي نطهر أنفسنا لك. وفي التهذيب : القدس : تنزيه الله تعالى ، وهو المتقدس ، القدوس، المقدس ، وقوله تعالى  الملك القدوس ، أي الطاهر المنزه ، وبيت المقدس : أي البيت المطهر والأرض المقدسة : أي الأرض المطهرة ( لسان العرب ، 2/168/169). والقدس من المدن المعروفة منذ أقدم عهود التاريخ، أقام اليبوسيون العرب نواتها الأولى في بقعة جبلية هي جزء من جبال القدس التي تمثل السلسلة الوسطى في العمود الفقري للأرض الفلسطينية. وتبتعد القدس مسافة 22 كم عن البحر الميت و52كم عن البحر المتوسط. وهناك خط للسكة الحديدة يربط القدس بيافا. وترتبط القدس بالعالم الخارجي جواً عن طريق مطار قلندية الواقع إلى الشمال منها. وقد تعاقبت كثير من الأمم على هذا المكان منذ أسسها اليبوسيون حتى اليوم ، وشهد موضع المدينة حروباً كثيرة أدت إلى تعاقب البناء والهدم بما لا يقل عن 18 مرة خلال تاريخها. ويحيط وادي جهنم (قدرون) بالمدينة القديمة من الناحية الشرقية في حين يحيط وادي الربابة (هنوم ) بها من الجهة الجنوبية ووادي الزبل من الجهة الغربية. وقد كونت هذه الأودية الثلاثة خطوطاً دفاعية طبيعية جعلت اقتحام القدس القديمة أمراً صعباً إلا من الجهتين الشمالية والشمالية الغربية. وقد لاحظ جميع المؤرخين أن جميع الجيوش التي فتحت القدس قديماً وحديثاً دخلتها من الشمال. ولم يعد موضع المدينة القديمة يستوعب السكان والمباني السكنية داخل السور نتيجة نمو عدد السكان بصورة مستمرة، فامتد العمران خارج السور في جميع الجهات وأنشئت الأحياء الحديثة فيما عرف بالقدس الجديدة إضافة إلى الضواحي المرتبطة بالمدينة وكانت في القديم قرى تابعة لها. وقد التحمت قرى مثل : شعفاط ، وبيت حنينا ، وسلوان، وعين كارم، بالمدينة وأصبحت ضوا حي لها. وزحف العمران على بعض الجبال المجاورة وأقيمت عليها أحياء جميلة مثل : حي المشارف على جبل المشارف شمالي المدينة. وحي القطمون على جبل القطمون ، وحي المكبر على جبل المكبر جنوبي المدينة. والقدس هي المدينة التي يقدسها أتباع الديانات الثلاث: اليهود والنصارى والمسلمون. فهي قبلة لهم ، ومصدر وحي ورمز لمطامحهم ، والمعنى اللغوي له ارتباط كبير بالمعنى الاصطلاحي، فالقدس ، والأرض المقدسة : هي الأرض الطاهرة المباركة بنص القرآن الكريم ، وهي فلسطين وما حولها، ووجوب الدفاع عنها وحمايتها كان وما يزال أمانة في عنق كل مسلم بل أمانة في أعناق المسلمين كافة ، فإذا ما استهان بها أو قصر في شأنها ، فيكون عندئذ قد قصر في الحفاظ على شرفه وكرامته ... والقدس رغم ما مرت به من أزمات وحروب ، واحتلال وسفك لدماء الأبرياء ، إلا أنها ستبقى مغروسة في وجدان وضمير كل عربي وكل مسلم ، لأنها أرض الأنبياء ، وأرض الاسراء والمعراج ، وأرض الفتوحات الإسلامية ، بل هي زهرة المدائن . إن فلسطين وبيت المقدس من أكثر البقاع الإسلامية قداسة في العالم ، وهي وما حولها من البلاد بلاد مباركة، باركها الله تعالى، وبلاد مقدسة ، ذكر الله تعالى قدسيتها في كتابه ، وعلى لسان نبيّه –صلى الله عليه وسلم- ولهذا كله أدعو أهلنا في هذه البلاد ، وما حولها من البلاد المباركة، ليدركوا طبيعة بلادهم وأهميتها، وقداستها، وطبيعة الدور الموكل إليهم، وعظم الأمانة المؤتمنين عليها، حتى يؤدوها على خير وجه ...
2- بيت المقدس : من المدن القديمة التي ورد ذكرها في النقوش والآثار قبل الميلاد ، وقد سكنتها أقوام عديدة ، وبعد الميلاد ازدادت أهمية بيت المقدس ، وتوسعت حدودها تدريجيا ، فهي تمتد للغور شرقا ، وعلى يد الرومان بدأت فيها تحولات عمرانية كبيرة ، فظهرت فيها الحمامات ، والشوارع ، والساحات ، والأسواق ، كما أعيد بناء بعض أسوارها القديمة ، وفي الفترة نفسها تعرضت للتدمير على يد الامبراطور الروماني ( تيطس - سنة 70 ق.م ) . وقد احتلت مدينة بيت المقدس في العهد الإسلامي مكاناً هاماً. فقد أشير إليها في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي ، وكانت قبلة الإسلام الأولى ، وإليها كان إسراء النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - ومنها كان عروجه. وبعد هزيمة الروم في معركة اليرموك أصبح الطريق مفتوحاً إلى بيت المقدس. وطلب أبو عبيدة بن الجراح من الخليفة أن يأتي إلى المدينة لأن سكانها يأبون التسليم إلا إذا حضر شخصياً لتسلم المدينة.
ذهب عمر إلى بيت المقدس [ سنة 15هـ/636م ] وأعطى الأمان لأهلها ، وتعهد لهم بأن تصان أرواحهم وأموالهم وكنائسهم وبأن لا يسمح لليهود بالعيش بينهم. ومنح عمر سكان المدينة الحرية الدينية مقابل دفع الجزية، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة لئلا تتخذ صلاته سابقة لمن يأتي بعده. وذهب إلى موقع الصخرة فأزال بيده ما كان على الصخرة من أقذار وبنى مسجداً في الزاوية الجنوبية منها ، والذي يسميه العامة بالمسجد الأقصى( ) وقد جاء ذكره في حديث الاسراء والمعراج الذي رواه مسلم ، ( أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس ... قال : فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ... ثم عرج بنا إلى السماء ...) ) صحيح البخاري ، رقم الحديث ( 3887) ) وقد ذكره النووي في شرح صحيح مسلم فقال : ( أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة : إحداهما : بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة ( المَقْدِسْ).. والثانية : بضم الميم وفتح القاف ، والدال المشددة ( المُقَدَّس ) . قال الزجاج : البيت المقدس : المطهر . وبيت المقدس : أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب (صحيح مسلم بشرح النووي ، ج1/ ص 377-378،) . ولم تذكر مباشرة في القرآن الكريم ، إنما وردت بأسماء أخرى منها : المسجد الأقصى كقوله تعالى : ) سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ... (( الاسراء:1) . وفي الحديث الشريف ورد لفظ ( بيت المقدس ) صراحة باللفظ نفسه ، ومن ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته ، وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كاها بألف عام ، ووصلها بالمدينة ، ووصل المدينة ببيت المقدس)( وابن الجوزي ، فضائل القدس : ص 72-73. ) وفي الحديث المشهور : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الل عز وجل وهم كذلك ، قالوا يا رسول الله : وأين هم ؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) (صحيح مسلم ، شرح النووي ، ج13/ ص 68.) . وروي عن علي – كرم الله وجهه- أنه قال : ( سيد البقاع بيت المقدس ..) فضلا عن رواية عمر بن الخطاب – رضي الله عته – أنه قال : ( أهل بيت المقدس جيران الله عز وجل ...) ( طبقات بن سعد ، ج5/ ص 395-396) .
3 - أورسالم ( مدينة السلام ) ، وقيل : أُورشلم : بضم الهمزة وفتح الشين وكسر اللام المخففة ، والأكثرون بفتح الشين واللام. وأُرشليم. وهما تسمية واحدة مع اختلاف في اللفظ ، قال الأعشى( ميمون بن قيس) :
وقد طفت للمال آفاقه .... دمشق فحمص فأوري شلم
أتيت النجاشي في داره .... وأرض النبيط وأرض العجم( )
وهو أقدمُ اسمٍ للمدينة المقدسة عرفه البشر، وقد وضعه لها أقدم من سكنها من العرب، وهم الكنعانيون، ونسبوه إلى : ) سالم أو شالم(، وهو إله السلام عندهم، وكلمة ) أور( سومرية ومعناها )مدينة( ، وقد ذكرها الأكاديون با سم ) أور سالم ) ، وفي نقش مصري قديم، يرجع إلى القرن التا سع عشر قبل الميلاد ورد اسمها ) أو شاميم - Aushamem ) وفي التوراة وردت بلفظ ) شالم(، وتلفظ بالعبرية )يروشالايم(.، ومن ياروشليم جاء الاسم الإفرنجي ( جيروزاليم- Jerusalem). ويحاول الصهاينة اليوم عدَّ تسمية ( أورشليم )من الأسماء العبرية ( بمعنى اليهودية ) وهي في الحقيقة كلمة كنعانية عربية الأصل ، وردت بهذا الاسم في النصوص الكنعانية التي وجدت في مصر قبل ظهور اليهودية بعدة قرون . فهذه دعوى باطلة لا تستند إلى مصدر تاريخي، وذكرها اليونانيون واللاتينيون باسم )هيروسوليما -Hierosolyma (، وكل هذه التحريفات للاسم جاءت من الاسم الأول الكنعاني العربي ( أورسالم، أورشالم( ( )
وفي اللسان وردت ( أور سالم ) تحت مادة ( أور ) ، والأوار بالضم تعني : الحر الشديد . وقد ورد عن علي – كرم الله وجهه – قوله : ( فإن طاعة الله حرز من أوار نيران موقدة . ) ( ) وفي حديث عطاء : أبشري ( أوري شَلَّم ) براكب الحمار ، يريد سيدنا عيسى – عليه السلام – ويأتيك بعده راكب البعير ، يريد سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وعنى بقوله : ( شَلَّم ) بيت الله المقدس . ( ) . ونسبت المدينة إلى الملك الكنعاني (ملكي صادق) الملك الكاهن العادل الذي عرف بالتقوى وحب الخير والسلام، ولقب بملك شاليم الذي خضعت له طوعاً ملوك المنطقة، وقابل سيدنا إبراهيم- عليه السلام - وقدم له الخبز والخمر على ذمة التوراة !؟. ( ) وقد وردت باسم “روشاليموم” في الكتابات المصرية المعروفة بنصوص اللعنة التي يرجع تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد وتذكر أسماء ملوك كنعانيين وعموريين من خصوم المصريين كانوا يحكمون دولة- المدينة (أورشليم). وبين مراسلات تل العمارنة ست رسائل بعث بها “عبد- خيبا” ملك (أورشليم) في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى فرعون مصر “أخناتون”، الذي كانت فلسطين تحت سيادته، وهو في هذه الرسائل يشكو من قلة عدد الحماية المصرية في المدينة ،ويحذر من غارات جماعات البدو (الخابيرو) أو (العبيرو) واستفحال خطرهم على البلاد. وفي التوراة المحرفة وردت كلمة أورشليم التي تلفظ بالعبرية “يروشالايم” أكثر من 680 مرة ، وهذه الكلمة مشتقة مباشرة من التسمية الكنعانية الأصلية. 4 - يبوس : أطلق على القدس هذا الاسم نسبة إلى اليبوسيين ، وهم بطن من بطون العرب الأوائل. وهم كذلك سكان القدس الأصليون نزحوا من جزيرة العرب مع من نزح من القبائل الكنعانية حوالي سنة 2500 ق.م. واحتلوا التلال المشرفة على المدينة القديمة. وقد ورد اسم يبوس في الكتابات المصرية الهيروغليفية باسم “يابثي” و”يابتي” وهو تحريف للاسم الكنعاني. وقد بنى اليبوسيون قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس سميت حصن يبوس الذي يعد أقدم بناء في مدينة القدس أقيمت حوله الأسوار وبرج عال في أحد أطرافه للسيطرة على المنطقة المحيطة بيبوس للدفاع عنها وحمايتها من غارات العبرانيين والمصريين ( الفراعنة) بزعامة ملكهم سالم اليبوسي. وعرف حصن يبوس فيما بعد بحصن صهيون، ويعرف الجبل الذي أقيم عليه الحصن بالأكمة، أو هضبة أوفل، وأحياناً بجبل صهيون. ومن الطبيعي أن يختار اليبوسيون هذا الموضع لبناء حصنهم لأنه يتمتع بميزات استراتيجية طبيعية. فقد حبت الطبيعة هذا الموقع بأهم ما يحتاج إليه السكان، وهو الماء. ففي جوار الحصن شرقاً نبع غزير في وادي قدرون عرف باسم جيحون (نبع العذراء). وقد حفر اليبوسيون نفقاً تحت الجبل لنقل مياه النبع إلى داخل الحصن. وهذا النفق نفسه هو الذي كراه الملك حرقيا (715 – 676 ق.م.). ومده من اتجاهه الشمالي إلى جهة الغرب وأنشأ في نهايته الجنوبية بركة صارت تعرف بركة سلوام (سلوان). وقد كشفت التنقيبات الأثرية التي قامت بها الباحثة الإنكليزية كاثلين م. كينيون سنة 1961 في طبقات العصر البرونزي القديم من أكمة أوفل بالقدس عن بقايا السور الأول الذي بناه اليبوسيون على جبل صهيون وأبرزت قسماً من أسس الأبنية وتمديدات جر المياه إلى الحصن من عين جيحون. وكذلك كشفت الحفريات عن بعض القبور وأواني الخزف من العهد البرونزي القديم حتى العهد الحديث.
5 - صهيون : كان لليبوسيين قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من أورشليم كانوا يطلقون عليها اسم (حصن صهيون)، وصار الحصن يعرف في عهد المسيح - عليه السلام- أيضاً باسم جبل صهيون، و يوجد الآن في جوار مدينة أورشليم واد يسمى ( وادي صهيون ) وهذه التسمية حديثة لا تمثل موضع جبل صهيون الأصلي الذي كان يقع في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة . ( ) 6 - مدينة داود : يُطلق اليهود تلك التسمية على القدس لترسخ في الأذهان أن مدينة القدس مدينة يهودية بناها الملك داوود -حيث يعتقد اليهود أن داوود عليه السلام ملكًا وليس نبيًا- فيزعمون أن القدس لم تُعرف إلا بعد داوود -عليه السلام - . وبذلك يُسقطون 2000 سنة حيث يقدر تاريخ القدس بـ5000 سنة منذ أن سكنها اليبوسيون العرب الذين هم من بطون الكنعانيين، الذين بنوا فيها مدينة عريقة وحضارة لا يمكن تجاهلها. وفي الألف الأول قبل الميلاد وجد الملك داود – عليه السلام - قبائل إسرائيل التي خرجت من مصر، وتمكن من احتلال المدينة وتغيير اسمها فصارت تسمى مدينة داود. وقد بلغت مملكة داود ذروتها في عهد ابنه سليمان- عليه السلام -عام 970-930 ق. م غير أنها انقسمت بعد وفاته الى مملكتين : مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة (تقع السامرة ضمن أراضي قرية سبسطية الحالية) ، ومملكة يهوذا .( ) وعاصمتها القدس

7- ( إيليا كابيتولينا - Aelia capitolina ) : سمح الرومان لليهود بشيء من الحكم الذاتي ونصبوا في سنة 37 ق.م. هيرودس الأدومي الذي اعتنق اليهودية ملكاً على الجليل وبلاد يهوذا فظل يحكمها باسم الرومان حتى السنة الرابعة الميلادية. وفي عهد الامبراطور نيرون بدأت ثورة اليهود على الرومان فقام القائد تيتوس في سنة 70م باحتلال أورشليم وفتك باليهود. ولما قامت ثورة اليهود من جديد بقيادة باركوخبا سنة 132م أسرع الامبراطور هادريانوس إلى إخمادها سنة 135م وخرب أورشليم وأسس مكانها مستعمرة رومانية يحرم على اليهود دخولها أطلق عليها اسم “ايليا كابيتولينا” (ايليا هو اسم هادريان الأول). ولما اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية أعاد إلى المدينة اسم أورشليم وقامت والدته هيلانه ببناء الكنائس فيها. ويبدو أن تسمية (ايلياء) بقيت متداولة بين الناس بدليل أنها وردت في عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب* السكان بعد الفتح إذ سماهم “أهل إيلياء”. 8- إيلياء : عرفت المدينة أيام الخلفاء الراشدين بهذا الاسم ، وقد ورد ذكره في نص ( العهدة العمرية ) ، أي عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - لسكان القدس عام 15 للهجرة . وقال الفرزدق )همام بن غالب ( : وبيتان بيت الله نحن وُلاته .... وبيت بأعلى إيلياءَ مشرف. وإيليا : من أسماء مدينة القدس ، وردت في كتب التاريخ ، وأول من أطلقه الامبراطور الروماني ( هادريان ) سنة ( 135م) وبقي هذا الاسم شائعا حتى الفتح الاسلامي . وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أهَلَّ بحَجَّةٍ من ) إيلياء( ؛ هي بالمد والتخفيف اسم مدينة بيت المقدس، وقد تشدد الياء الثانية وتقصر الكلمة، وهومعرَّب، و ) أيلة( قريةٌ عربيةٌ ،بين مصر والشام . ( ) وهناك أسماء أخرى .
سكانها :
كان اليبوسيون الكنعانيون أول من سكن أورشليم، و يرجع الخبراء تاريخ وجودهم في المدينة الى ما قبل خمسة آلاف عام، حين نزح الكنعانيون من جزيرة العرب الى فلسطين، وكانوا يقطنون في المنطقة في نواحي أورشليم، وكانت أورشليم مركزهم الرئيسي ، وعاصمة ملكهم ، واستطاعوا أن يكَّونوا في وطنهم الجديد حضارات ذات حكومة ، و صناعة ، وتجارة ، وديانة، تداول على حكمها عدة ملوك منهم : ( عبد خبيا ) الذي ورد ذكره في المقصوصات الفرعونية ... و( أدوني صادق ) الذي قتله اليهود... و( ملكي صادق ) الذي حكم زمن إبراهيم الخليل - عليه السلام - في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.
وبعد غزو الموسويين لكنعان بقيادة يشوع بن نون ، اتحد ملك اليبوسيين ( أدوني صادق ) مع أربعة من الملوك المجاورين له ، واستعدوا للمقاومة، غير أنهم وقعوا في أسر ( يشوع ) فأعدمهم ، ثم اتحد بقية اليبوسيين مع ( يابين ) ملك حاصور ضد ( يشوع )، إلا أنهم انهزموا وتشتت شملهم ، ولم يتم الاستيلاء على المدينة إلا بعد موت ( يشوع ) ، حيث حاصرها الموسويون وأشعلوا فيها النار ودمروها، لكنهم لم يتمكنوا من الاستيلاء على القسم المحصن المسمى ( حصن صهيون ) وبعد معارك قاسية تمكن يهوذا وأخوه شمعون من دخول المدينة ، وقتل خلالها ملك القدس ( أدوني صادق )وعدة آلاف من اليبوسيين، وبعد ذلك تمكن اليبوسيون من إخراجهم من المدينة ثانية ، ثم تولى شاؤول قيادة الإسرائيليين واحتل الحصن بزعامة ( يوآب ) قائد جيشه، لكن الفلسطينين تمكنوا من هزيمته و قتله هو وأولاده الثلاثة في معركة الجلبوع، وفي هذه الأثناء كان الملك داود يقيم في حبرون ( الخليل )التي منحه الإقامة فيها اليبوسيون تقديراً لتحالفه معهم في بعض المعارك ضد شاؤول ، وفي سنة 1010ق.م توج داود ملكاً على اليهود، وتحلل من كل تحالفاته، وزحف بجيشه نحو يبوس، وأحكم الحصار عليها، وبعد مقاومة عنيدة من أهلها استطاع إقامة مملكة داود لمدة 33عاماً توفي بعدها، وجاء سليمان الذي حكم أربعين عاماً ، وبعد موته اختلف أبناء يربعام ورحبعام، وانقسمت الدولة إلى دولتين ، بقيتا في صراع حتى انهارت الأولى على يد (الأشوريين )سنة 733ق.م ، والثانية على يد( نبو خذ نصر )، حيث سقطت القدس بيده عام 687ق.م، وشهدت القدس بعد ذلك صراعاً طويلاً وطاحناً بين أمم وشعوب عدة، من بينهم البابليون والآشوريون والفرس والرومان ، غير أن الثابت تاريخياً أن اليهود لم يحكموا القدس حكماً مستقلاً سوى فترة 73 سنة في عهد الملك داود ، وعهد الملك سليمان، وحتى خلال الفترة القصيرة لم يخل الأمر من خضوع المدينة للفينيقيين حيناً ، وللمصريين حيناً آخر.. ومن جهة أخرى تؤكد المصادر القديمة، فضلاً عن الحفريات الأثرية والدراسات الانثروبولوجية، أن العنصر السامي العربي الذي انبثق منه العموريون ، والكنعانيون واليبوسيون ، والفينقيون ، ظل الأساس الذي شكل البنية السكانية لفلسطين، حتى فترة الحكم اليهودي، وكان هذا الأساس يضفي الطابع العربي السامي على المدينة في كل فترة احتلال طالت أم قصرت ، وفي هذا السياق يؤكد ( كيث وايتلام) أستاذ في جامعة استيرلنج في كتابه : (اختلاف اسرائيل القديمة +اسكات التاريخ الفلسطيني )
( The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History ) الصادر عام 1996م ، أن إسرائيل التاريخية التي تتحدث عنها الروايات التوراتية التقليدية ( لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة) ، وإن ازدياد الوجود اليهودي في المدينة يعود الى استقرار بعض الحجاج اليهود فيها خلال القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر الذين توافدوا إليها من الأقطار الأخرى كاليمن وبخارى والمغرب ، أما الذين انتقلوا إليها من الأندلس، فلم يكن عددهم عند غزو نابليون لفلسطين وحصاره عكا يتجاوز 1850 شخصاً، يعيشون في حارة اليهود في القدس القديمة، إضافة الى الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال بعد سنة 1492 م، ومن بولونيا سنة 1777م ، وفي منتصف القرن التاسع عشر أخذ عدد اليهود بالتزايد مع البدايات المبكرة للاستيطان الصهيوني في فلسطين ، وكثرت الأحياء اليهودية، وازداد هذا الاستيطان اليهودي داخل المدينة، لأن السياسة الديمغرافية التي تتبعها سلطات الاحتلال الصهيوني بشأن القدس تستهدف إحداث هيمنة ديمغرافية مطلقة، لهذا وضعت مخططات تستهدف جعل اليهود في القدس الكبرى أغلبية، وذلك بتحويل الهجرة الخارجية إلى القدس، واستخدام شتى الوسائل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين، ومن هذه الوسائل القانون الذي ينص على( طرد الفلسطيني الذي يعيش خارج القدس سبع سنوات متتالية، وإذا حصل على جنسية غير إسرائيلية، وإذا سجل إقامته في بلد آخر ) ونتيجة لهذا القانون، يتوقع اليهود فقدان مابين 50 - 60 ألف فلسطيني بطاقاتهم، وهذا يعني ترحيلهم خارج القدس..
7- ( إيليا كابيتولينا - Aelia capitolina ) : سمح الرومان لليهود بشيء من الحكم الذاتي ونصبوا في سنة 37 ق.م. هيرودس الأدومي الذي اعتنق اليهودية ملكاً على الجليل وبلاد يهوذا فظل يحكمها باسم الرومان حتى السنة الرابعة الميلادية. وفي عهد الامبراطور نيرون بدأت ثورة اليهود على الرومان فقام القائد تيتوس في سنة 70م باحتلال أورشليم وفتك باليهود. ولما قامت ثورة اليهود من جديد بقيادة باركوخبا سنة 132م أسرع الامبراطور هادريانوس إلى إخمادها سنة 135م وخرب أورشليم وأسس مكانها مستعمرة رومانية يحرم على اليهود دخولها أطلق عليها اسم “ايليا كابيتولينا” (ايليا هو اسم هادريان الأول). ولما اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية أعاد إلى المدينة اسم أورشليم وقامت والدته هيلانه ببناء الكنائس فيها. ويبدو أن تسمية (ايلياء) بقيت متداولة بين الناس بدليل أنها وردت في عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب* السكان بعد الفتح إذ سماهم “أهل إيلياء”. 8- إيلياء : عرفت المدينة أيام الخلفاء الراشدين بهذا الاسم ، وقد ورد ذكره في نص ( العهدة العمرية ) ، أي عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - لسكان القدس عام 15 للهجرة . وقال الفرزدق )همام بن غالب ( : وبيتان بيت الله نحن وُلاته .... وبيت بأعلى إيلياءَ مشرف. وإيليا : من أسماء مدينة القدس ، وردت في كتب التاريخ ، وأول من أطلقه الامبراطور الروماني ( هادريان ) سنة ( 135م) وبقي هذا الاسم شائعا حتى الفتح الاسلامي . وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أهَلَّ بحَجَّةٍ من ) إيلياء( ؛ هي بالمد والتخفيف اسم مدينة بيت المقدس، وقد تشدد الياء الثانية وتقصر الكلمة، وهومعرَّب، و ) أيلة( قريةٌ عربيةٌ ،بين مصر والشام . (اللسان: ج 1، ص 212) وهناك أسماء أخرى .
سكانها :
كان اليبوسيون الكنعانيون أول من سكن أورشليم، و يرجع الخبراء تاريخ وجودهم في المدينة الى ما قبل خمسة آلاف عام، حين نزح الكنعانيون من جزيرة العرب الى فلسطين، وكانوا يقطنون في المنطقة في نواحي أورشليم، وكانت أورشليم مركزهم الرئيسي ، وعاصمة ملكهم ، واستطاعوا أن يكَّونوا في وطنهم الجديد حضارات ذات حكومة ، و صناعة ، وتجارة ، وديانة، تداول على حكمها عدة ملوك منهم : ( عبد خبيا ) الذي ورد ذكره في المقصوصات الفرعونية ... و( أدوني صادق ) الذي قتله اليهود... و( ملكي صادق ) الذي حكم زمن إبراهيم الخليل - عليه السلام - في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.
وبعد غزو الموسويين لكنعان بقيادة يشوع بن نون ، اتحد ملك اليبوسيين ( أدوني صادق ) مع أربعة من الملوك المجاورين له ، واستعدوا للمقاومة، غير أنهم وقعوا في أسر ( يشوع ) فأعدمهم ، ثم اتحد بقية اليبوسيين مع ( يابين ) ملك حاصور ضد ( يشوع )، إلا أنهم انهزموا وتشتت شملهم ، ولم يتم الاستيلاء على المدينة إلا بعد موت ( يشوع ) ، حيث حاصرها الموسويون وأشعلوا فيها النار ودمروها، لكنهم لم يتمكنوا من الاستيلاء على القسم المحصن المسمى ( حصن صهيون ) وبعد معارك قاسية تمكن يهوذا وأخوه شمعون من دخول المدينة ، وقتل خلالها ملك القدس ( أدوني صادق )وعدة آلاف من اليبوسيين، وبعد ذلك تمكن اليبوسيون من إخراجهم من المدينة ثانية ، ثم تولى شاؤول قيادة الإسرائيليين واحتل الحصن بزعامة ( يوآب ) قائد جيشه، لكن الفلسطينين تمكنوا من هزيمته و قتله هو وأولاده الثلاثة في معركة الجلبوع، وفي هذه الأثناء كان الملك داود يقيم في حبرون ( الخليل )التي منحه الإقامة فيها اليبوسيون تقديراً لتحالفه معهم في بعض المعارك ضد شاؤول ، وفي سنة 1010ق.م توج داود ملكاً على اليهود، وتحلل من كل تحالفاته، وزحف بجيشه نحو يبوس، وأحكم الحصار عليها، وبعد مقاومة عنيدة من أهلها استطاع إقامة مملكة داود لمدة 33عاماً توفي بعدها، وجاء سليمان الذي حكم أربعين عاماً ، وبعد موته اختلف أبناء يربعام ورحبعام، وانقسمت الدولة إلى دولتين ، بقيتا في صراع حتى انهارت الأولى على يد (الأشوريين )سنة 733ق.م ، والثانية على يد( نبو خذ نصر )، حيث سقطت القدس بيده عام 687ق.م، وشهدت القدس بعد ذلك صراعاً طويلاً وطاحناً بين أمم وشعوب عدة، من بينهم البابليون والآشوريون والفرس والرومان ، غير أن الثابت تاريخياً أن اليهود لم يحكموا القدس حكماً مستقلاً سوى فترة 73 سنة في عهد الملك داود ، وعهد الملك سليمان، وحتى خلال الفترة القصيرة لم يخل الأمر من خضوع المدينة للفينيقيين حيناً ، وللمصريين حيناً آخر.. ومن جهة أخرى تؤكد المصادر القديمة، فضلاً عن الحفريات الأثرية والدراسات الانثروبولوجية، أن العنصر السامي العربي الذي انبثق منه العموريون ، والكنعانيون واليبوسيون ، والفينقيون ، ظل الأساس الذي شكل البنية السكانية لفلسطين، حتى فترة الحكم اليهودي، وكان هذا الأساس يضفي الطابع العربي السامي على المدينة في كل فترة احتلال طالت أم قصرت ، وفي هذا السياق يؤكد( كيث وايتلام) أستاذ في جامعة استيرلنج في كتابه : (اختلاف اسرائيل القديمة +اسكات التاريخ الفلسطيني)
( The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History ) الصادر عام 1996م ، أن إسرائيل التاريخية التي تتحدث عنها الروايات التوراتية التقليدية ( لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة) ، وإن ازدياد الوجود اليهودي في المدينة يعود الى استقرار بعض الحجاج اليهود فيها خلال القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر الذين توافدوا إليها من الأقطار الأخرى كاليمن وبخارى والمغرب ، أما الذين انتقلوا إليها من الأندلس، فلم يكن عددهم عند غزو نابليون لفلسطين وحصاره عكا يتجاوز 1850 شخصاً، يعيشون في حارة اليهود في القدس القديمة، إضافة الى الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال بعد سنة 1492 م، ومن بولونيا سنة 1777م ، وفي منتصف القرن التاسع عشر أخذ عدد اليهود بالتزايد مع البدايات المبكرة للاستيطان الصهيوني في فلسطين ، وكثرت الأحياء اليهودية، وازداد هذا الاستيطان اليهودي داخل المدينة، لأن السياسة الديمغرافية التي تتبعها سلطات الاحتلال الصهيوني بشأن القدس تستهدف إحداث هيمنة ديمغرافية مطلقة، لهذا وضعت مخططات تستهدف جعل اليهود في القدس الكبرى أغلبية، وذلك بتحويل الهجرة الخارجية إلى القدس، واستخدام شتى الوسائل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين، ومن هذه الوسائل القانون الذي ينص على( طرد الفلسطيني الذي يعيش خارج القدس سبع سنوات متتالية، وإذا حصل على جنسية غير إسرائيلية، وإذا سجل إقامته في بلد آخر ) ونتيجة لهذا القانون، يتوقع اليهود فقدان مابين 50 - 60 ألف فلسطيني بطاقاتهم، وهذا يعني ترحيلهم خارج القدس.. جغرافية بيت المقدس: تعد مدينة القدس ظاهرة حضارية فذة ، تنفرد بها دون سواها من مدن العالم ، فهي ليست مجرد مدينة من المدن أو عاصمة من العواصم، وإنما هي مركز إشعاع يتفجر بمعان تاريخية ودينية وحضارية قلما توافرت في مدينة أخرى، فمدينة القدس تحتل مكانة بارزة في وعي الإنسان في كل مكان وزمان، حيث تميزت تاريخيًا بأنها مدينة ترفض الاستسلام طوعًا لأحد من الغزاة، وهي تتجمل بالصبر على محاوالت اغتصابهم لها ، وفرض سطوتهم عليها بالقوة. تقع المدينة في منطقة مهمة في العالم : منطقة البحر الأبيض المتوسط، وفي قلب فلسطين ، مع ميل واضح باتجاه الشرق ،على هضبة غير مستوية تماما ، وجوها قاري صحراوي إلى حد كبير ، فالحرارة فيها قد تتجاوز 30 درجة صيفا ، وقد تنزل إلى 5 خمس درجات تحت الصفر شتاء ، ومطرها شتوي متوسط ، ورطوبتها متوسطة أيضا ، ويندر فيها الثلج . وجو القدس في الغالب معتدل صيفاً ، بارد شتاءً ، وتبعد عن البحر الأبيض المتوسط 52كم ، وعن البحر الميت 22كم، ويبلغ ارتفاع المدينة 2500 قدم فوق سطح البحر المتوسط ، و38000 قدم فوق سطح البحر الميت.. ترجع أهمية موقع القدس الجغرافي إلى أنه يجمع بين ميزة سهولة الانغلاق وما يعطيه من حماية للمدينة ، وميزة الانفتاح وما يعطيه من إمكان الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة .. وتنقسم مدينة القدس إلى قسمين :
المدينة القديمة (القدس الشرقية): وهي زاخرة بآثارها الدينية، وتضم معظم الأماكن المقدسة، وأهم هذه الأماكن “المسجد الأقصى”، المقدس للمسلمين، وكنيسة القيامة.المقدسة لدى النصارى ، وقد احتلت إسرائيل هذا القسم من مدينة القدس في مهزلة حرب عام 1967م.
المدينة الجديدة (القدس الغربية): وهي حافلة بالمباني والطرق الحديثة، وقد احتلت إسرائيل هذا القسم من مدينة القدس واستولت عليه عام 1948م. الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس :
تعني الجغرافيا الطبيعية لأية مدينة ما تحتوي عليه من ظواهر طبيعية مثل الجبال ، والوديان، والتلال، وغير ذلك من التكوينات التي نشأت بفعل عوامل جيولوجية، ولا دخل للإنسان فيها. وبالنسبة للقدس فإن هناك ظواهر طبيعية أساسية تميزها وهي: الجبال ، والتلال ، والوديان ، ويمكن عرضها فيما يلي: جبال القدس وما حولها: أقيمت مدينة “القدس” على أربعة جبال هي: جبل “الموريا” وجبل” صهيون” وجبل “أكرا” وجبل “بزيتا”، وهي ليست إلا آكامًا مستديرةً على هضبة عظيمة ، بينها أودية جافة أكثر أيام السنة.. ثم يحيط بهذه الجبال الأربعة عدة جبال أخرى نستعرضها كما يلي:
1 - جبل موريا: (ومعناه المختار) ، هو الجبل الذي بنى عليه العرب اليبوسيون مدينة “القدس” أول مرة، ويقوم عليه المسجد القبلي ، وتقع على قمته قبة الصخرة المشرفة، ويربض على سطحه من الجهة الغربية حائط البراق ، ويقع عليه سور القدس القديم الذي يحيط بالمدينة المقدسة من جهاتها الأربع .. 2 - جبل صهيون او جبل النبي داود: وهو جبل يقع في الجنوب الغربي من مدينة “القدس” أقام عليه العرب اليبوسيون حصنهم الذي بقي في أيديهم حتى سيطر “داوود” - عليه السلام- وسماه “مدينة داوود”. وفي موضع حصن “صهيون” أنشأ السلوقيون في عهد الملك اليوناني السلوقي “انتيخوس الرابع” أو “أبيفانوس” الذي حكم الشام من سنة .21 إلى سنة 299 ق.م قلعة عرفت باسم “أكرا”.. وينحدر باتجاه وادي “قدرون.”
3 - جبل أكرا: هو أحد جبال “القدس” الأربعة، ويقع إلى الشمال الشرقي من جبل “صهيون “أي أن “أكرا”، يقع بدوره في الجنوب الغربي من المدينة ، ويفصل بذلك بين جبل “صهيون” وبين “القدس”، وعلى جبل “أكرا” تقوم كنيسة القيامة التي هي أقدس بقاع الأرض بالنسبة للطوائف المسيحية كافة.
4 - جبل بزيتا: وهو أحد جبال “القدس” ويقع بالقرب من باب “الساهرة” أحد أبواب المدينة،(وأصل الساهرة الفلاة ووجه الأرض) والذي بني إبان حكم السلطان العثماني “سليمان القانوني”، ويعرف الآن باسم باب هيرودوس”، ويقع في الجانب الشمالي من سور المدينة المقدسة، ويعتبر امتدادًا بشكل أو بآخر لجبل “صهيون”؛ حيث أطلق “أبيفانوس” على قلعته في جبل “صهيون” اسم” أكرا”، والتي أخذ هذا الجبل اسمه عنها.
5 - جبل الزيتون أو جبل الطور: هو جبل يشرف على مدينة “القدس” بشطريها القديم والحديث، وتقع أسوار الحرم القدسي الشريف في واجهته من الشرق، ويفصله عن “القدس” وادي “قدرون”، ويسمي العرب هذا الجبل باسم آخر هو جبل “الطور”، ( ) واسمه الأول مأخوذ من شجر الزيتون الموجود عليه بكثرة. وفوق هذا الجبل تقع بلدة “الطور”.. ويقال إن نبي اهلل تعالى “عيسى بن مريم” - عليه السلام - كان يلجأ إليه هربًا من أذى اليهود، وأنه - عليه السلام - رُفِع من فوقه إلى السماوات ، وقد حطت معظم الجيوش التي أتت إلى فتح المدينة عبر التاريخ فوق هذا الجبل، وفيه دفن جماعة من شهداء المسلمين في الفتحين العمري والايوبي. ولهذا الجبل أهمية خاصة عند النصارى ، حيث تنتشر على سفوحه وقممه الكنائس والأديرة، ويعتقد النصارى أن المسيح كان يدرس تلاميذه في منطقة ( آليا ) الواقعة في قمة الجبل، كما تناول عشاءه الأخير في كنيسة الجثمانية ، وفي هذه الكنيسة ثماني شجرات من الزيتون يقال إن تاريخها يرجع إلى أيام المسيح كان يستظل بها مع تلاميذه ..؟! ويوجد فيه مدافن شهداء المسلمين وعلمائهم منذ عهد سيدنا “عمر بن الخطاب” - رضي اهلج عنه -
6 - جبل راس المشارف: هو جبل يقع شمال مدينة “القدس” وسمي بهذا الاسم لإشرافه عليها؛ حيث يشرف على طريق “القدس- رام الله ” وهو امتداد طبيعي لجبل “الزيتون” من جهة الشمال الشرقي، وحتى الشمال، ويفصل بينهما منخفض يسمى بـ”عقبة الصوانه”، ويفصل “وادي الجوز “بين “جبل المشارف”، ومدينة “القدس.” ويبتدئ هذا الجبل من شمالي “شُعفاط”، وينتهي بجبل “الزيتون ويسمى كذلك هذا الجبل بجبل “المشهد” وجبل” الصوانة.” وقد أقام القائد الروماني “تيطس” عام 10م معسكره عليه عندما قام بغزو” القدس”؛ حيث قام بتدمير المدينة المقدسة تمامًا، كما أقام الصليبيون معسكراتهم عليه بعد غزو المدينة، ويطلق الأوروبيون على هذا الجبل اسم “سكوبوس” وتعني باليونانية “الملاحظ أو المراقب.
7 - جبل السناسية: يقع إلى الجنوب الغربي من قرية “وادي فوكين” .
8 - جبل المنطار: وهو أحد جبال “القدس” ويقع جنوبي شرق المدينة .
9 - جبل النبي صمويل:وهو جبل يقع على بعد أميال شمالي غرب “القدس” ، وتقع قرية “الجيب” في شماله، وهو أعلى القمم الجبلية الموجودة بالقرب من بيت المقدس، وينسب إلى القاضي “صموئيل” أحد قضاة بني إسرائيل ممن حكموهم في عصر القضاة في القرن السابق قبل الميلاد.
10- جبل رأس أبو عمار:من جبال “القدس” ويبلغ ارتفاعه نحو ْ11 مترًا فوق سطح البحر عند دائرة عرض “َ99 “.ْ.3 .0َ” طول وخط “ْ23 ويقع الى الغرب من قرية بتير.
11 - جبل المكبر: وهو أحد جبال بيت المقدس الشهيرة، وله ذكرى مهمة لدى المسلمين؛ حيث صعد إليه أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” - رضي الله عنه - وهو في طريقه إلى تسلم مفاتيح “القدس، وكان مع عمر مجموعة من الصحابة وأشراف المسلمين، أطلق المسلمون عليه هذا الاسم ، لأن الخليفة عمر بن الخطاب حين أتى إلى المدينة لتسلم القدس، توقف عند الجبل وكبّر "شكراً لله" ، ورددت جموع الجيوش الإسلامية النداء خلفه، ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من القدس.. ومن هنا جاء اسم الجبل “المكبر.” ثم تسلم مفاتيحها من بطريركها صفرونيوس عام 15 هـ ، الموافق في 637 ميلادي. سمي جبل المؤامرة ، وجبل المشورة الفاسدة، ويعتقد البعض أنه كانت تقوم عليه دار المجمع المعروف بـ"السنهدريم"، تلك الدار التي قابل فيها يهوذا الاسخريوطي رؤساء الكهنة وقادة الجيش، واتفق معهم على تسليم السيد المسيح، وقيل أيضاً أن قصر قيافا رئيس الكهنة كان فوق هذا الجبل ، وفيه اجتمع الكهنة ورؤساء الشعب اليهودي لأجل التآمر على صلب المسيح.والاسم الآخر لهذا الجبل هو جبل الثوري، كون ضريح المجاهد الإسلامي المعروف بـ (أبي ثور) بالقرب منه. 12 - جبل بطن الهوا: وهو امتداد لـ”جبل الزيتون” ويقع في الزاوية الشرقية للقدس؛ حيث يفصله عنها وادي سلوان الذي يتصل بوادي قدرون في النقطة نفسها، ويعرف عند اليهود باسم “هار هامشحيت” أو “الجبل الفاضح.” تلال القدس وما حولها: هناك مجموعة من التالل متوسطة االرتفاعات التي تقع بداخل وحول المدينة، ومن أهمها: تل “الغول” وتل “الكابوس” وتل “النصبة” وتل “القرين” وتل” صرعة” وتل “شلتا”..
ونستعرضها كما يلي:
1- تل الغول: من تلال المدينة ذاتها، ويقع على بعد 9 كيلومترات إلى الشمال من مدينة “القدس” ، وكانت المدينة )جبعة) الكنعانية مقامة على هذا التل.
2 - تل الكابوس: ويقع على بعد نحو 2 كيلومتر شمال شرقي مدينة “القدس” .
3 - تل النصبة: ويقع على بعد كيلومترين جنوبي مدينة “البيرة” التابعة لقضاء “القدس “ . وقديمًا كانت تقع عليه مدينة “الصفاة “العربية الكنعانية.
4 - تل صرعة: من تلال المدينة، ويقع غربي جبال “القدس” عند قرية “صرعة” وإلى الشمال من قرية “دير رافات” وإلى غرب قرية “عرطوف” . 5 - تل شلتا: وهو تل مقدس يقع في جبال “القدس” غربي قرية “بلعين” بالقرب من قرية” شلتا” .
6 - تل العاصور : أحد جبال فلسطين، والاسم هو تحريف (بعل حاصور) بمعنى قرية البعل ويرتفع 1016 م عن سطح البحر، ويقع بين قرى دير جرير وكفر مالك وسلواد، وهو الجبل الرابع في ارتفاعه في فلسطين.
أودية القدس، مياهها
عيونها ، ينابيعها ، آبارها ، وأسبلتها
ورد ذكر الماء في القرآن الكريم حوالي 63 مرة، باعتباره من ابرز اسس الوجود، وانه من خلق ونعم الله على عباده، وانه اصل كل شيء حي. ولقد حثت السنة النبوية على عدم التبذير في الماء وان كان المرء يغرف من نهر جارٍ. وربطت احاديث للرسول الكريم بين توفير الماء والصدقة، لذا فقد اقترن عمل الخير وارتبط بانشاء الاسبلة والقنوات والاحواض والمسقاوات وغيرها من المنشآت المائية. ونظرا لاستخدام الماء للايفاء بشروط الطهارة (الوضوء)، واستخدامه في كثير من الشعائر الدينية، عند اغلب الاديان حتى الوثنية منها، فقد اكتسب الماء اهمية دينية علاوة على ضرورته القصوى لاستمرار الحياة وللاستخدام اليومي.
وازدادت مكانة الماء في القدس لعاملين: الاول شح المياه فيها، ففي البلدة القديمة وحول نواتها لا تتوفر انهار ولا يوجد الا نبع ماء واحد هو عين سلوان، وماؤها نسبيا ثقيل وعذوبته خفيفة،
وثانيا لقداسة المدينة للديانات السماوية الثلاثة ووجود زوار وحجاج على مدار العام، مما استلزم تأمين الماء النقي الصالح للطهارة والشرب، لسكانها وزوارها ومؤسساتها الدينية من معابد وكنائس ومساجد. ونظرا لشح الينابيع في القدس وحولها، فان هذا ادى الى الاعتماد على مياه الامطار الساقطة، ومع الحرص على مياه الامطار، وتأسيس مجموعة من المنشآت المائية المتنوعة من اسبلة ومسقاوات واحواض واقنية وبرك وصهاريج وأبار، ورغم ان معدل ما يسقط على القدس من امطار سنويا يعادل ما يسقط على مدينة لندن، الا ان هذا المصدر لا يفي بما هو مطلوب، مما استوجب البحث عن مصادر مياه قريبة وبديلة، وتمثل ذلك بجر المياه من منطقة ارطاس والعروب بواسطة اكثر من قناة عرفت اشهرها باسم قناة السبيل.
حيث ان المسجد الاقصى، هو من المقدسات الاسلامية البارزة، وهو موضع الاسراء والمعراج، فقد استقطب منذ اوائل العهد الاسلامي، ولا زال حتى اليوم، عددا كبير من الزوار من كافة انحاء العالم الاسلامي ومن انحاء فلسطين خاصة في شهر رمضان والمناسبات والاعياد الدينية. وكان على السلطة الاسلامية القائمة تأمين الماء لتمكن المؤمنين من القيام بعبادتهم وشعائرهم. ان الاهتمام بالآبار وبتوفير مصادر المياه لمنطقة المسجد الأقصى قد نالت حظها من العناية والاهتمام، منذ بداية العصر الاموي واستمرت حتى يومنا هذا..
وهناك عدد كبير من الأودية التي توجد في منطقة “القدس” وحول المدينة، ونستعرضها كما يلي:
1 - وادي الصرار: ويسمى أيضًا بوادي “روبين”، ويمتد بين منطقة “القدس” شرقًا ويافا غربًا، ويربط جبال “القدس” بالسهل الساحلي، ووادي “الصرار” يحمل هذا الاسم حتى يصل إلى قريتي “المغار”، و”قطرة” فيحمل هناك اسم وادي “قطرة” وبعد منطقة “تل السلطان “يعرف باسم نهر “روبين” ويبلغ طول الوادي حتى آخره نحو 19 كيلومترًا.
2 - وادي قدرون أو - الوادي الشرقي - : يبدأ هذا الوادي على بعد ميل ونصف الميل إلى الشمال الغربي من المدينة، حيث يسير أولاً إلى الشرق حتى يصل إلى الزاوية الشمالية الشرقية من سور المدينة، ثم ينحرف بعد ذلك بميل حاد تجاه الجنوب فينحدر بين سور المدينة من الجانب الغربي وبين جبل “الزيتون” وتل “الزيتون” وتل “المعصية” من الجانب الشرقي. يلتقي بعد ذلك مع وادي “هنوم” المنحدر من الغرب بعدها ينحدر المجرى الموحد على “مارسابا” المسمى بوادي “الراهب”، ثم يمتد إلى البحر الميت؛ حيث يسمى بوادي “النار”، وكان يعرف قديمًا باسم “الوادي الأسود”، أو (وادي ستنا مريم)، ويسمى في المصادر العبرية (وادي يهو شافط) ، ويقال إن نبي الله تعالى “عيسى بن مريم” - عليه السلام - رفع منه، وفيه مصلى أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” - رضي الله عنه - وقبور الأنبياء، و”قدرون” اسمه القديم، وأسماه العرب أيضًا بوادي “النار” ووادي “سلوان.” وفيه يقع نبعا سلوان ، وبئر أيوب، يبلغ طول الوادي حوالي (3) كم، يبدأ بالقرب من الشيخ جراح ، وينتهي عند وادي الربابة (هنوم) إلى جنوب المدينة اليبوسية القديمة بجوار بركة سلوان ، ثمّ بإتجاه الشرق إلى أن يصب في البحر الميت.
3 - وادي هنوم أو الوادي الغربي: ويسمى "وادي الربابة " ينحدر رأسًا إلى الجنوب من شمال غربي المدينة، ثم ينعطف شرقًا بعد وصوله إلى حد المدينة الجنوبي حتى يتصل بـ”الوادي الشرقي” ( قدرون ) عند الموضع المعروف باسم “بئر أيوب” ويسمى هذا الوادي أيضًا بوادي "سلوان” حيث اسم النبع الموجودة فيه، كما يعرف كذلك بوادي “بني هنوم” نسبة إلى قبيلة كان يسمى بها الوادي قبل وجود بني إسرائيل على نحو ما ورد في العهد القديم في أسفار “يشوع” و”نحميا “و”الملوك الثاني” وغير ذلك ، كما كان الجزء الجنوبي الشرقي من هذا الوادي يسمى “توفة “أو “وادي القتل” كما ورد في التوراة عنه..
4 - وادي الجبانين: ويعرف أيضاً بـ(وادي التروبين)، أو (وادي الطواحين)،أو (وادي صناع الجبن)، ويقع داخل البلدة القديمة فيما يعرف حالياً بالواد، تعرض الوادي إلى الردم عبر العصور ولا توجد أدلة على وجود عيون فيه.ويمتد هذا الوادي من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي من مدينة” القدس”؛ حيث يتصل بوادي “سلوان” الذي يتصل بوادي “قدرون” شرقًا، ويقسم هذا الوادي المدينة إلى قسمين مؤلفين من هضبتين مستطيلتين؛ الغربية: يحدها وادي “هنوم” من الغرب، والشرقية: يحدها وادي “قدرون” من الشرق، ويسمى وادي “الجبانة” في الجزء الجنوبي الغربي من “القدس” بوادي “الزبالة”، وهذا الوادي مطمور الآن كما ردم جزء منه في أعمال توسعة لجبل “صهيون” وللمسجد القدسي الشريف الواقع على جبل “الموريا” .
5 - وادي الأرواح: ويلتف هذا الوادي حول جبل صهيون من الغرب وحتى أقصى الجنوب، وتوجد به مدافن الموتى.
6 - وادي الجوز: ويطلق عليه أحيانًا اسم “الوادي الشرقي” أيضًا؛ لأنه يبدأ شرقي مدينة” القدس” ثم يتجه جنوبًا حتى ينتهي بوادي “قدرون” الذي يصب في البحر الميت ، وهو يفصل بين سور المدينة الشرقي، وبين جبل “الزيتون” وجبل “بطن الهوا” ، وهو واد غير عميق، ولا توجد فيه عيون أو ينابيع.
7 - الوادي الكبير: ويبدأ من شمال “اللطرون” في جبال “القدس” ثم يتجه إلى الشمال الغربي مارًا بشمال “اللد” ثم يلتقي بنهر “العوجا” عند حريسة.
8 - وادي القلط: يبدأ شمال شرقي “القدس” على قرب من قرية “العيسوية” ثم يتجه إلى الشمال الشرقي مارًا بمدينة “أريحا” ثم يصب في نهر الألردن شرقي “عين حجال”
9 - وادي مكلك: يبدأ شرقي “القدس” ثم يتجه شرقًا؛ حيث يصب في شمال البحر الميت بالقرب من قرية “كاليا” .
10- وادي مقطع الجص: يبدأ عند قرية “بيت فجان” من قضاء “القدس” ثم يتجه إلى الجنوب الشرقي حتى يتصل بوادي “المشاش” ويصبان معًا تحت اسم “درجة” في الشاطئ الغربي للبحر الميت .
11- وادي التعامرة: يبدأ في جبال “القدس” إلى الجنوب الشرقي عند “المشاش”
12- وادي زيتا: ويبدأ غربي جبال “القدس” شرقي “بيت جبرين” ثم يتجه إلى الشمال الغربي، ثم يلتقي بوادي “صفرين” أو “لخيش” .
13 - الوادي المستعرض: داخل البلدة القديمة، ويبدأ من باب الخليل وينتهي عند باب السلسلة، متعامداً مع وادي صناع الجبن (التروبين).
مياهها
بالرغم من أن يبوس كانت ذات كثافة سكانية عالية نسبياً كسائر المدن الكنعانية، إلا أن الموارد المائية كانت محصورة في مياه الأمطار المتجمعة في البرك والآبار، إضافة إلى العيون ، كعين سلوان وملحقاتها التي اعتبرت المورد المائي الوحيد داخل المدينة ومحيطها.
وقد أدّى استمرار تطور المدينة ، واطّراد زيادة عدد سكانها إلى التوجه نحو تأمين مصادر مائية إضافية، مع المحافظة على ما هو موجود فيها أصلاً وتطويره، فمحيط القدس صخري قاحل، لا سهل فيه ، ولا أنهار أو بحيرات، اعتمد أهلها على ماء عين أم الدرج (عين سلوان )، ومياه الآبار التي تعتمد على مياه الأمطار ، وفي جوار حصن يبوس شرقاً يوجد نبع غزير في وادي قدرون، وكان يعرف باسم (جيحون)، وكان اليبوسيون قد حفروا نفقاً تحت هذا الجبل لنقل مياه النبع إلى داخل الحصن ... وكان نقص المياه من المشاكل الكبرى التي واجهت سكان المدينة المقدسة. وكان سكان القدس يجمعون ماء المطر في حياض وصهاريج وبرك وآبار، وكانت وفيرة في الماضي في كل مكان، وتعد من شرايين الحياة في القدس ، تحظى بالصيانة، وأكثرها كان يُستعمل ماؤها بانتظام منذ القرن الأول الميلادي ، ولم يعد الآن لمعظمها وجود.
وقد اتخذ ينبوع سلوان "عين أم الدرج" أهميته القصوى خلال فترات الحروب والحصار، فاليبوسيون قاموا بحفر نفق يصل المدينة المسورة بمصدر النبع من أجل نقل المياه خاصّة خلال الغزوات عامي(1049 ق.م - و1200 ق.م ) حيث شحت داخل المدينة المحاصرة، كما شحت أيضاً على الغزاة المحاصرين للمدينة بقيادة الملك داود ، والذي تسنى له احتلال المدينة وإخضاعها لسلطته بعد تمكنه من السيطرة على مصادر النبع.
اهتم الغزاة أثناء الحكم العبري بتعزيز السيطرة وتطوير مصادر المياه خاصة منطقة نبع سلوان، وقد تمّ في عام (1890) اكتشاف نفق جديد يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد بطول حوالي (536م) وظيفته تسهيل الوصول إلى مياه النبع الغزيرة من داخل المدينة، فيما أشارت كاثلين كنيون - Kenyon) - (Kathelen خلال حفريتها في منطقة النبع ضمن السفح الجنوبي المجاور للمسجد الأقصى المطل على سلوان عام (1961م) إلى موقع سور المدينة اليبوسية في جهة الشمال ، وإلى القناة التي تم حفرها داخل التل إلى الطرف الجنوبي من المدينة ، إلى البركة التي تعرف الآن بالبركة الحمراء أو بركة سلوان، كما تمّ الكشف عن بقايا أبراج ودعامات وسور للمدينة اليبوسية في الجهة الغربية ، وتحديد موقع النفق اليبوسي ومسربه إلى داخل المدينة المسورة.
دفع توسع المدينة نحو الشمال والغرب وازدهارها خاصة في فترة السيد المسيح - عليه السلام - باتجاه البحث عن مصادر أكبر لتزويد المدينة بالمياه، وتورد الأناجيل المختلفة ذكراً لمصادر المياه في ذلك الوقت، فالمقعد حمل سريره ومشى عند بركة حسيدا (بركة الغنم)، أمّا إبصار الأعمى فقد تم عند بركة سلوام (سلـوان)، لاحقاً ، وفي فترة حكم( بيلاطس- بونتيوس- Pontio- Pilato- 26 - 36م) تمّ الاستعانة بقناة أنبوبية حجرية لنقل المياه من برك سليمان المغذاة بعيون العروب الغزيرة إلى داخل مدينة القدس، وعرفت بالقناة السفلى، ثمّ تمّ بناء القناة العليا التي تصل المدينة من الجهة الجنوبية الغربية في موقع حارة النصارى ، وباب الخليل في زمن الإمبراطور الروماني - ( سبتموس سفيروس- (Septimius- Severus (193 م - 225 م ).
وقد حدثت تغييرات في أنظمة التزود بالمياه مع تعاقب العصور وسياسة الحكومات، فأحياناً كان يتم الاستغناء عن المياه الواردة للقدس عبر القنوات، نتيجة لحصار ما، أو خلل في نظام التوريد، وأحياناً أخرى كانت العين الرئيسة للقدس تسد ويتعطل تدفقها كما حدث ولمرات متعددة في أيام حكم الرومان، والذين في عهدهم استطاع الثوار الدخول إلى المدينة المحصنة عبر أنفاق ضخمة استعملت للتصريف الصحي.
كانت ايلياء (القدس) مدينة مزدهرة منذ الفتح العمري لمدينة القدس عـــــام (15هـ/636 م)، وكانت عين ســلوان معروفة وفعّالة، وكذلك القنــاة التي يجري بها الماء إلى الصهاريج والآبار شهدت اهتماماً خاصاً في عهد الخليفة عبد الملك بن مــــروان (65-86هـ/648–705م)، وأفرد لها المؤرخون والرحالة جانباً كبيراً من الوصف والتحليل، فالاصطخري في "المسالك والممالك" عــــــام (340هـ- 951م) وصف القدس بقلة عيونها وزراعتها بالبعلية"، أمّا المقدسي فقد أسهب في الإشارة إلى الوضع المائي ضمن كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" عام (375هـ - 985م) وأشار أنه لا دار في القدس إلا وبها صهريج أو أكثر، وأن بها ثلاث برك عظيمة، وأن المدينة كانت تسقى من عين سلوان، التي أوقفها عثمان بن عفان على ضعفاء البلد، كذلك فإن تحت العين بئر أيوب"، وتبعه ناصر خسرو في القرن التالي (438هـ - 1047م) في وصف العين والبركة الملحقة بها، مع ذكر أن هناك الينابيع الثلاثة القائمة فوق حمام، ورجّح أن المدن أقيمت فوق العيون للمحافظة على الأراضي الزراعية وكذلك للابتعاد عن الفيضانات على الرغم من صعوبة نقل الماء من العيون إلى البيوت المرتفعة، كما تحدث عن العين التي تخرج من صخرة وقربها برك وقنوات ومبان أخرى.
اتخذت المصادر المائية للمدينة أهميتها الاستراتيجية مجدداً بعد تعرضها للحصار الصليبي في حزيران عام (493هـ/1099م)، حيث كانت العين الرئيسة "عين سلوان" تحت سيطرة المسلمين المحاصرين في المدينة، فيما قام الأمير افتخار الدولة الذي كان يدير المدينة بردم الآبار في بر المدينة لمنع استفادة الغازين منها.
وفي العهد الأيوبــي ( 648هـ –1250م) تَطَلَّب الازدهار العمراني للمدينة ، والزيادة السكانية ، وتعاظم إقبال الناس على زيارة معالمها الدينية والمدنية تحسيناً وتطويراً في المرافق المائية، إذ قام الملك السلطان العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب عام (599هـ/1202م)، بعمل سقاية الحرم ، والمطهرة وتحصين الأسوار ، وتعمير الآبار ، وإقامة الأسبلة، إضافة إلى سبيل الشعلان الذي بناه الملك المعظــم عيسى ( 648هـ -1287م) شمال الحرم ، بالقرب من رواق الملك المعظم.
أما في عهد المماليك وضمن شغفهم بإعمار وازدهار المدينة، فقد تمّ إعمار وترميم قناة الماء الواردة من العَرُّوب، وتوصيل مائها للقدس في أواخر ربيع الأول (728ه- 1328م) في عهد الملك الناصر محمد بن قـلاوون ( 741هـ –1341م)، كما تمّ تجديد إعمار البركة الكائنة شمال المسجد الأقصى المعروفة اليوم بالكأس في عهد الملك الظاهــــــــــــر بـــرقوق ( 801ه –1398م)، كما تم في عهد السلطان الملك الأشرف أبي النصر اينال (857هـ/1453م) تعمير العديد من الأسبلة منها : السبيل المقابل للمدرسة الأشرفية مقابلاً لدرج الصخرة الغربي فوق البئر ، وأيضاً : قناة العروب ، وعمارة بركة المراجيع (بركة السلطان)، وتزايد التركيز على تعمير هذه القناة والسعي لجلب المياه من الجبال والوديان المجاورة أيام الظاهر سيف الدين خوشقدم (865هـ- 1460م)، والملك الأشرف قايتباي (872هـ- 1467م) للتغلب على فترات الجفاف التي ألمت بالقدس، خاصة في العام (873هـ- 1468م).. وضماناً لدرء مخاطر عدم انتظام سقوط الأمطار، والتلف المتكرر الحاصل في القناة الموردة للمياه، فقد تمّ التوجه نحو إنشاء عمائر مائية جديدة ، وتحديث عمائر قائمة خاصة في منطقة الأقصى توفر الماء للشرب والسقاية، ومنها السبيل الكبير فوق البئر المقابلة لدرج الصخرة من جهة الغرب، والمعروف بسبيل قايتباي.
لم يقتصر اهتمام المماليك بالمنشآت المائية على العمل الإنشائي الآني، بل إنهم حرصوا على ضمان الاستدامة، عبر تخصيص وقفيات على المصالح المائية ومن أهمها وقفية الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار بقرية مجدل فصيل ، وأوقاف أخرى على قناة السبيل.
وفي فترة الحكم العثماني للمدينة ( 1335هـ –1917م)، انصب الاهتمام كما في بقية المدن الإسلامية على تأمين الموارد الغذائية وأهمها الماء، وزاد الاهتمام بمنشآت المياه القائمة وتحديثها في عهد السلطان سليمان الأول (القانوني) ( 974هـ – 1566 م)، حيث جدد وأهَّلَ العديد منها كبرك سليمان، (والبرك ليس لها علاقة بنبي الله سليمان – عليه السلام - ، وإنما أتى اسمها من السلطان العثماني سليمان القانوني ) وقناة السبيل، وبركة السلطان، وبئر أزبك التي هدمها اليهود مع المدرسة القائمة فوقها عام (1948م)، كما قام بوقف الأوقاف على قناة السبيل ، للإنفاق من ريع هذه الأوقاف على تعميرها، وقد قام السلطان سليمان القانوني أيضاً بتعمير العديد من الأسبلة، كسبيل طريق الواد، وتجديد وتأهيل سبيل باب الأسباط ، وسبيل باب السلسلة، كما عين الموظفين اللازمين لإدارة القناة، واهتم السلطان ومن تبعه من السلاطين بضرورة استدامة وصول المياه إلى القدس ورفدها بمرافق إضافية، ومنها سحب المياه من جدول في قرية أرطاس إلى قناة السبيل، وتأمين حماية المياه في برك سليمان من الاعتداءات بإنشاء قلعة البرك ، وتخصيص الأموال اللازمة لإعمار القناة وتأهيلها.
حاول العثمانيون إحداث تغيير نوعي في تعمير وتطوير قناة السبيل من خلال أسلوب ومواد البناء فيها، فبعد أن كانت ذات قطع حجرية مجوفة ومتداخلة بعضها ببعض، تم تطعيمها بأنابيب فخارية في محاولة لتحسين أدائها، إلا أن ذلك ترافق مع بعض المشكلات منها اختناقات لسوء التنفيذ أحياناً، وبسبب قلة نسبة الميلان الطبيعية أحياناً أخرى، أو للسببين معاً في معظم الأوقات، وكانت آخر محاولات تحسين أداء القناة عام (1898م)، عبر مد أنبوب حديدي إلى القدس بقدرة ضخ مقدارها (180متر مكعب في اليوم )، فيما بقي النفق تحت مدينة بيت لحم ، والنفق تحت جبل المكبر ضمن مجارٍ حجرية.
نالت المنشآت المائية الأخرى كالبرك، والأسبلة، والحمامات، والآبار والصهاريج أيضاً نصيبها من الاهتمام والتطوير والإعمار اللازم، وكما في العصور القديمة شكلت المصادر المائية عاملاً استراتيجياً في الحروب، فخلال حملة إبراهيم باشا على فلسطين عـــام (1831م)، قام إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا بالتمركز في منطقة برك سليمان، وعيون سلوان، زيادة في إحكام السيطرة على القدس والضغط على السكان.
وقد اعتبرت تطويرات أنظمة تزويد المياه في بداية القرن العشرين مناسبات جماهيرية، فكان ترميم وإصلاح أي مقطع من مقاطع قناة العروب يعتبر إنجازاً للوالي أو للسلطان، فعند وصول مياه العروب مجدداً عام (1901م) إلى منطقة الكأس( مكان الوضوء بالأقصى ) إثر خراب طويل ، تم تنظيم احتفال كبير حضره أعيان ومشايخ البلد.
ومع انتهاء الحكم العثماني والتغييرات الديمغرافية والسياسية التي حصلت في القدس، قل تدريجياً الاعتماد على مياه المناطق الجنوبية ، وكذلك على الآبار والبرك والصهاريج، وتحولت إلى مصادر ينابيع وعيون أخرى ذات إنتاجية عالية، ففي عام (1926م) تم سحب المياه وضخها من عين فارة شمال شرق القدس، ومن ثم في العام (1930م) من عين الفوار (6 كلم شرق عين فارة)، وبعدها تم جر المياه من عين القلط في نفس الوادي عـــــام (1934م)، وبعد ذلك تم التوجه إلى رأس العين بين القدس واللد إلى الجهة الشمالية والغربية ، وهي عين ذات تدفق غزير، ويمكن القول إن مياه رأس العين كانت ستكفي احتياجات المدينة لولا قيام الإسرائيليين بتخريب أنابيب المياه الواصلة للمدينة بعد احتلال المنابع عام (1948م)، حيث عادت المدينة (الجزء الشرقي الذي أصبح تحت الحكم الأردني) للاعتماد على مياه عيون وادي القلط حتى عام (1967م)..
العيون ، والينابيع ، والآبار
يقع في جبال القدس والخليل ورام الله (227) نبعاً غزارتها تزيد عــــــن (100 لتر في الثانية) من أصل (1000) نبع موجودة في فلسطين، وتتراوح غزارتها ما بين (10 و500 لتر في ثانية)، ولعل من أهم الينابيع والعيون التي ورد ذكرها في تاريخ القدس، عين أم الدرج – سلوان، إضافة إلى عيون وينابيع أخرى تعتبر فرعية، وأهم العيون والينابيع الموجودة في المدينة:
1 - عين أم الدرج : وهي العين التاريخية الرئيسة في القدس القديمة، وتعرف أيضاً بعين سلوان، وعين جيجون، وعين العذراء، وقد سميت بعين أم الدرج نسبة إلى الدرجات المؤدية إليها، وتبتعد هذه العين حوالي (300) متر عن الزاوية الجنوبية الشرقية لسور الحرم خارج السور القديم لمدينة القدس اليبوسية وهي عين ذات إنتاجية غزيرة جداً وأدنى إنتاج لها يصل إلى (73,000متر مكعب كل يوم) فيما يعادل أكثر إنتاج لها خمسة أضعاف هذه الكمية.
جرت عدة حفريات أثرية للمنطقة المحيطة بعين سلوان، هَدَف معظمها لتأكيد الروايات التوراتية عن الدور الإسرائيلي في تأسيس مدينة القدس، ولعل أبرزها الحفرية الَتي قام بها الضابط المهندس شارلز وارن (Charles Warren) ما بين عامي (1867م–1870م)، والذي كان أول من حفر أفقياً باتجاه القسم المغطى من المسجد الأقصى بعد أن لم يسمح له بالحفر في باحاته، وخلال أعمال الحفر تم اكتشاف النفق اليبوسي المستخدم لجلب المياه إلى داخل المدينة المسورة والذي أشار بعض المؤرخين إلى أن الملك داود استخدمه لغزو المدينة، ويشابه النفق أمثاله في المدن الكنعانية القديمة التي كانت قائمة في العصر البرونزي المتوسط وأهمها مجدو، التي يعود نفقها إلى أبعد من العصر البرونزي المتأخر أيام الملك أحاب، كما وجد شبيهاً لهذا النظام المائي في هازور وجيزر (يازور وأبو شوشة) وغيرها، ومن المرجح أن الماء كان يسحب أفقياً ثم يرفع بالأوعية الخاصة بالحبال من ممر عمودي، ثم يحمل عبر الممر المنحدر.
ومن الجدير بالذكر أن كاثلين كنيون - كما أسلفنا - خلال حفريتها المشهورة، كانت قد اكتشفت بقايا السور اليبوسي أسفل النفق المذكور إضافة إلى تمديدات سحب المياه وبعض الأواني الفخارية التي تعود إلى العصر البرونزي القديم، فتمّ لها بذلك إثبات أن السور الموجود يعود إلى اليبوسيين مما يدحض أوهام قيام الملك داود ببنائه في تلك الفترة، كذلك فقد تم الكشف عن بناء نفق آخر بطول حوالي (536.5م)، لاستخدامه أثناء حصار سنحاريب للقدس عام (713 ق.م) وهو ما يسمى نفق سلوان، أو نفق حزقيا، وكان هذا النفق قائماً قبل حزقيا ضمن المحاولات المتكررة للوصول إلى مصدر النبع..وتمتاز خصائص مياه العين بنسبة الملوحة العالية خاصة في القرون الأخيرة مع أن العديد من الرحالة قد وصفوا عذوبة ماء العين، وقد يكون ذلك بسبب طريق مجرى المياه الذي يؤدي إلى العين عبر الردميات في منطقة الواد، وقد وصف النابلسي ملوحة العين حيث قال:
ملوحةُ ماء العين شيء محقـق ............ وليس به نقص وفيه كمال.
وقد كانت مياه النبع تقوى وتضعف وفقاً لفصول السنة وغزارة الأمطار..
2 - عين أيوب (بئر أيوب) : وتسمى أيضاً (عين روجل)، أو (بئر أيوب) أو (عين القصّار)، وهي أشبه ما تكون بالبئر التي تفيض مع ماء الشتاء، وتقع على ارتفاع (595م) فوق مستوى البحر، وأصل التسمية يعود إلى النبي أيوب - عليه السلام - الذي قيل أنه استحم بها وشفي، وذكر هذه العين النابلسي، وقال بأنها أسفل وادي سلوان على بعــد (400م) من بركة سلوان، والراجح أن صلاح الدين هو الذي بناها، وجنوب البئر توجد بقايـا مسجـد، ومن المعتقد أن النبع هو امتداد لنبع سلوان، وأنه انتهى بفعل هزة أرضية.
3 - عين اللوزة : تقع عند اتصال وادي الربابة بوادي قدرون على بعد (531) متراً جنوب شرق بئر أيوب، ويجري فيها الماء الفائض من بئر أيوب.
مصادر تخزين المياه : إن الموازنة المائية في فلسطين، لا يمكن أن تؤمن الاحتياجات من مياه الأمطار الهاطلة مباشرة نتيجة العجز الكبير في معدل التوازن المائي السنـوي، وفي مدينة القدس حيث يقل معدل الأمطار عن مدن الشمال وساحل فلسطين، نتيجة للطبيعة الطبوغرافية والجغرافية خاصة الاتصال بالصحراء جنوباً والغور شرقاً، وبسبب التزايد المطرد في عدد السكان فإن سكان القدس قاموا بالاستفادة من فائض المياه السطحية الجارية، وتجميعها في آبار وصهاريج وبرك وأحواض لاستغلالها عند اللزوم، وهذه تشتمل على:
1 - الآبار والصهاريج : توجد في القدس العديد من الآبار والصهاريج، وغالباً فإن الآبار تتكون من نتوءات وفجوات صخرية ولـها عدة اتساعات يتم توسيعها وتشكيلها، أما الصهاريج فهناك عدة سبل لبنائها بالمواد الإنشائية كالحجر، ومن الصهاريج المشهورة، صهريج الرملة الذي شيده الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وقد ساعدت طبيعة التكوين الجيولوجي على وجود آبار طبيعية كثيرة، إضافة إلى ما تم تعميره من الصهاريج والآبار.. تُصنف الآبار من حيث وظيفتها إلى ثلاثة نماذج هي:
أ - آبار النبع : التي تحتوي عادة على مصدر تدفق للمياه من خلال الصخور يؤدي إلى امتلاء البئر وفيضانه كبئر أيوب..
ب - آبار الجمع : "أبيار تجمع ماء الشتا" التي يتم سحب المياه إليها من خلال فتحات وثقوب من مناطق مستوية كأسطح البناء والأفنية .
آبار الأقصى
آ
يحتوي الأقصى على بضع وثلاثين بئرا عامرة، فيها من الماء ما يكفى لسكان البلدة القديمة بالقدس، وليس للمصلين الذين يفدون إلى الأقصى فقط. وهذه الآبار موزعة بين صحن الصخرة المشرفة في قلب المسجد الأقصى ، وباقي ساحات المسجد الأقصى المبارك،.. تِسعٌ من هذه الآبار في ساحة الصخرة، والباقي في ساحة المسجد القبلي ، فمهما يهطل المطر لا يذهب خارج الآبار ولا يضيع سدى، بل ينصرف إلى تلك الآبار وينتفع الناس به. وهي من الحجر الصلب ، والتي لا تحتاج إلى عمارة أو صيانة إلا نادراً، ويسهل إصلاحها، وجُعل القسم الأعلى منها على هيئة التنور، وعلى رأس كل بئر غطاء من حجر حتى لا يسقط فيه شيء، وآبار المسجد الأقصى يستعملها المصلون وأهالي البلدة، ولكل بئر اسم خاص يعرف به، وهي لا تكفي الآن لتزويد القدس بحاجتها من الماء، مما جعلهم يجلبون الماء من موارد أخرى ؛ فاقتصر استعمالها على المصلين الذين يفدون إلى الأقصى، إضافة إلى سكان البلدة القديمة بالقدس.ويوجد في الأقصى عشرات آبار المياه العامرة؛ وهي موزعة بين صحن الصخرة المشرفة في قلب المسجد الأقصى المبارك، وباقي ساحات المسجد الأقصى، ومن هذه الآبار:
1- بئر مئذنة باب الأسباط: وهي بئر طولها سبعة أمتار، وعرضها أربعة، وعمقها ستة، جدرانها حجرية؛ تقع على بعد يسير جنوبي مئذنة باب الأسباط.
2 - بئرآ المدرسة الغادرية: تقع هاتان البئران أمام المدرسة الغادرية؛ وهما مستطيلتا الشكل، لهما فتحتان علويتان، يحمل سقفها أربع دعامات ضخمة، أطوالها معًا تسعة عشر مترًا، وعرضهما سبعة عشر مترًا؛ أما عمقهما، فهو أربعة عشر مترًا؛بني السقف بشكل أقواس. 3- بئر باب حطة: وهي صغيرة الحجم تقع جنوبي مطهرة باب حطة، وعلى حدود المصطبة.
4 - بئر البائكة الشمالية الشرقية: وهي بئر متطاولة، طولها اثنين وعشرين مترًا؛ مبنية من الحجارة، وتتكون من غرفتين؛ تقع تحت أقدام مدخل البائكة الشمالية الشرقية. 5 - بئر المدرسة الأسعردية: تقع هذه البئر على حدود سور المسجد الأقصى المبارك، غربي باب الملك فيصل، تحت المدرسة الأسعردية، وهي صغيرة الحجم، محفورة في الصخر. 6 - بئر الغوانمة: وهي بئر مستديرة الشكل، صغيرة الحجم تقع شرقي مئذنة باب الغوانمة؛ ومحاذية لسور المدارس في شمالها.
7 - بئر باب الناظر: تقع بئر باب الناظر بالقرب من باب الناظر، عند زاوية الرواق الشمالية الشرقية من دون المدرسة المنجكية (دائرة الأوقاف اليوم)؛ وهي متوسطة الحجم، مستديرة الشكل؛ طولها: ثلاثة أمتار، عرضها متران، وعمقها أحد عشر مترًا ونصف المتر. 8 - بئر إبراهيم الرومي: تقع هذه البئر شمالي باب الناظر، وبمحاذاة الرواق الغربي، وهي عبارة عن مجمع مياه كبير. عمقها أحد عشر مترًا؛ وهي غير منتظمة الجوانب، أشبه بقبة محفورة في الصخر، يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1935-1936م.
9 - بئر مصلى شعلان: تقع هذه البئر في زاوية صحن الصخرة الشمالي، في غربه، بمحاذاة مصلى سبيل ومصطبة شعلان. وهي مستديرة الشكل، بلغ قطرها ثلاثة أمتار، وعمقها أحد عشر مترًا. 10 - بئر البائكتين الغربيتين الشماليتين: تقع هذه البئر في طرف المصطبة الكائنة بين البائكتين الغربيتين الشماليتين. وهي مستديرة الشكل، صغيرة الحجم. 11 - بئر سبيل قايتباي: تقع هذه البئر تحت سبيل قايتباي، حتى تحت الرواق الغربي. وهي متطاولة وقليلة العرض، مقصورة الأرضية والجدران. بلغ طولها ثمانية وعشرين مترًا، وعرضها ستة أمتار، وعمقها أحد عشر مترًا ونصف المتر. 12 - بئر شرقي باب المغاربة: تقع هذه البئر شرقي باب المغاربة مباشرة. 13 - بئر شرقي مسجد المغاربة: تقع هذه البئر شرقي مسجد المغاربة. وهي مستطيلة الشكل وتشكل تتمة لبئر شرقي باب المغاربة.
14 - بئر غربي الكأس: تقع هذه البئر غربي الكاس وبمحاذاته. وهي متوسطة الحجم، مستطيلة الشكل. 15 - بئر شمالي مدخل مبنى المسجد الأقصى القديم: تقع هذه البئر شمالي مدخل مبنى المسجد الأقصى القديم. وهي صغيرة الحجم، وغير مستعملة. 16 - بئر جنوبي البائكتين الجنوبيتين: تقع هذه البئر جنوبي البائكتين الجنوبيتين، شرقي الكاس، لها فم ظاهر شرقي مصطبة الكاس وبمحاذاتها. طولها عشرة أمتار، وعرضها ستة؛ أما عمقها فعشرون مترًا.
17 - بئر غربي مدخل المصلى المرواني: تقع غربي مدخل المصلى المرواني؛ وتعد أكبر آبار المسجد. بلغ طولها أربعين مترًا، وعرضها ثلاثين، وعمقها أربعة عشر مترً. وهي، محفورة على شكل مغارة، وتتسع لتسعة ملايين لتر من الماء.
18 -- بئر الورقة: تقع هذه البئر شرقي رواق مبنى المسجد الأقصى المبارك. ذكرت في بطون الكتب بقصص غريبة؛ حيث يقال إن ورقة من الجنة وقعت فيها. طولها ثمانية عشر مترًا، وعمقها ثلاثة عشر مترًا؛ أوصلت بها مواسير أقطارها 1,6م. 19 - بئر جنوبي بئر الورقة: وهي بئر صغيرة الحجم، تقع جنوبي بئر الورقة. 20 - بئر شرقي مسجد عمر: تقع هذه البئر شرقي مسجد عمر رضي الله تعالى عنه، لها فم ظاهر قرب المخازن. وهي متطاولة، تمتد إلى خارج أسوار المسجد والمدينة؛ طولها ثلاثة وثلاثين مترًا، وعرضها تسعة أمتار، وعمقها ستة عشر مترًا.
21 - بئر جنوبي مدخل التسوية الشرقية: تقع هذه البئر جنوبي مدخل التسوية الشرقية، لها فمان؛ وهي عبارة عن ثلاث غرف؛ تربط بينها قناة عرضها أربعة أمتار؛ وطول كل غرفة من هذه الغرف ثلاثة عشر مترًا، وعرضها ثمانية، وعمقها عشرة أمتار.
22 - بئر شمالي مدخل التسوية الشرقية: تقع هذه البئر شمالي مدخل التسوية الشرقية (المصلى المرواني)، تدعى بالمستنقع لضخامتها؛ إذ إن أكثر طول لها ستة وثلاثين مترًا، عرضها ستة أمتار، وعمقها عشرون مترًا. 23 - بئر شمالي شرق البائكة الشرقية: تقع هذه البئر شمالي شرق البائكة الشرقية؛ ولها من الأشكال، شكل معين، بلغ عمقها أربعة عشر مترًا، ولها سقف برميلي الشكل.
24 - بئر شمالي شرق البائكة الشرقية: وهي بئر منتظمة الشكل، عمقها عشرة أمتار، تقع شمالي البئر "السابقة" وبمحاذاتها.
25 - بئر شمال البائكة الشرقية: تقع شمال البائكة الشرقية، شمالي غرفة المدرسين؛ وتمتد بجزء يسير تحت صحن الصخرة؛ طولها ثلاثة وعشرون مترًا، عرضها ثلاثة أمتار، وعمقها ثمانية أمتار.
26 - بئر شرقي بئر شمال البائكة الشرقية: وهي بئر شكلها يشبه المغارة؛ دائرية الجوانب؛ عمقها عشرة أمتار؛ تقع شرقي البئر "السابقة". 27 - بئر غربي بابي التوبة والرحمة: تقع هذه البئر غربي بابي التوبة والرحمة، بانحراف يسير للشمال؛ أسطوانية الشكل، قطرها ستة أمتار، وعمقها أحد عشر مترًا.
28 - بئر بين البائكتين الشمالية والغربية وقبة الصخرة: تقع هذه البئر في صحن الصخرة؛ بين البائكة الشمالية والغربية وقبة الصخرة، وفوهتها ظاهرة. وهي مستطيلة الشكل، طولها أربعون مترًا وعرضها سبعة أمتار، وعمقها خمسة أمتار ونصف المتر؛ بناؤها أقواس منخفضة الارتفاع؛ وهي مقصورة الحيطان. وهي بئر مغلقة. 29 - بئر غربي قبة الأرواح: طولها اثنا عشر مترًا، وعرضها ثمانية أمتار، وعمقها عشرة أمتار؛ لها فتحتان علويتان. تقع في صحن الصخرة، جنوبي غرب قبة الأرواح. 30 - بئر الخليلي: تقع هذه البئر في صحن الصخرة، شرقي "مكتب لجنة الإعمار" مباشرة، هي صغيرة الحجم، وأشبه ما تكون بمخزن. وهي غير منتظمة عمقها الشرقي متران ونصف المتر. دعيت بهذا الاسم؛ لوقوعها بجوار قبة الخليلي.
31 - بئر الزاوية الجنوبية الغربية مكتب لجنة الاعمار: تقع هذه البئر في زاوية مكتب لجنة الاعمار في زاويتها الجنوبية الغربية من الخارج؛ وهي مستديرة الشكل، صغيرة الحجم، بلغ قطرها أربعة أمتار، وعمقها عشرة أمتار.
32 - بئر شمالي البائكة الغربية الوسطى: تقع هذه البئر شمالي طرف البائكة الغربية الوسطى. لها فوهة ظاهرة، وبقربها وعاء حجري كبير، وكان يملأ بالماء للشرب منها، والبئر شبة اسطوانية، بلغ عمقها خمسة عشر مترًا.
33 - بئر الرمانة: تقع هذه البئر المتطاولة في زاوية صحن الصخرة الجنوبية الشرقية؛ وهي طويلة، تصل إلى ما تحت الساحة المنخفضة للمسجد الأقصى المبارك. طولها خمسة وثلاثون مترًا؛ وهي قليلة العرض؛ إذ لا يتعدى عرضها أربعة أمتار؛ أما عمقها فيصل إلى ستة عشر مترًا.
34 - بئر غربي غرفة المدرسين: تقع هذه البئر في صحن الصخرة، غربي غرفة المدرسين، غير منتظمة؛ لها فوهة طولها ثمانية عشر مترًا، وعرضها ثمانية أمتار، وعمقها خمسة عشر مترًا
35 - بئر شمال غرب غرفة المدرسين: تقع هذه البئر شمالي غرب سابقتها وبجوارها. طولها ثمانية عشر مترًا، وعرضها خمسة عشر مترًا، وعمقها خمسة عشر مترًا ونصف . ج- الآبار الارتوازية : ومن أمثلتها الآبار الارتوازية القائمة في معظم المدن الفلسطينية، التي تستخدم للشرب والزراعة.إن أقدم أشكال آبار الجمع هو ما يأخذ شكل زجاجة مكورة فتحتها ضيقة في الأعلى وعريضة واسعة عميقة في الأسفل، وتوضع على فتحتها بعد امتلاء البئر بالماء بلاطة من الحجر تعرف بالخرزة، وتسمى هذه الآبار باللغة الدارجة "بئر انجاصة". تصنف الآبار بالنسبة لاستخدامها إلى آبار عامة تقع خارج المجمعات السكنية ، وضمن ساحات المسجد الأقصى والأزقة والحارات، أو آبار خاصة تتواجد داخل المجمعات السكنية والأحواش حيث كانت تسيل إليها مياه الأسطحة ، وباحات المنازل عبر أقنية مكشوفة، أو بانحدارات مسواة، وتقريباً فقد كان لكل بيت صهريج أو أكثر، وكان لكل منزل حوض لجمع الماء. كان قيام سكان القدس بتأمين حفر أو بناء هذه الآبار يعتبر أمراً تقليدياً إمّا بسبب صعوبة الحصول على المياه من نبع سلوان ، أو بسبب حالات الحصار والحروب، أو كليهما معاً، وقد ذكرت الآبار الخاصة وأهمية وجودها تاريخياً، فياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أورد بأنه "لا يكاد يخلو من الدار أو المنزل صهريج أو أكثر"، ويمكن للمرء مشاهدة العديد من الآبار داخل الأحواش والمساكن، سواء ما يقع منها في فناء البيت المكشوف "الحوش"، أو تحت مناطق مكشوفة مثل مدخل المسكن، أو ضمن الغرف أوغيرها ، إلا أن معظم هذه الآبار معطلة حالياً وغير صالحة بسبب قلة الصيانة وإلقاء القاذورات ومخلفات البناء داخلها، أو تحويل المجاري إليها بشكل جعل من الصعوبة بمكان إعادة ترميمها وتأهيلها من جديد، علماً بأن هذه الآبار إضافة إلى آبار الحرم الشريف أنقذت سكان القدس من الموت عطشاً أثناء حصار القدس خلال حرب (1948).
قدر روبنسون (Robinson) عام (1838م) بأن لكل بيت من بيوت المدينة بئراً واحدة على الأقل، وأنه نزل ببيت له أربعة آبار، وأن معظمها له فتحات دائرية في الأعلى وبعضها له قمة حجرية (خرزة- غطاء حجري ) ومكان لتعليق الدلو..
أما توبلر (Tobler)، فقد لاحظ عام (1845م) بأن الماء المجمع داخل هذه الآبار كان عذباً حتى بعد مرور خمسة أشهر، وأن مياهها كانت تكفي حتى موسم المطر القادم، وأن البيوت صممت لتسهيل عملية تجميع المياه، وأن الأسطح والساحات بُلِّطت، ومن أجل التسهيل عملت بميلان خفيف، لتمكين المياه من تعبئة الآبار عبر شبكة من الأنابيب .. ولنفس الغرض يرى توبلر أن الشرقيين امتنعوا عن تربية القطط والكلاب لمنع التلوث، مع أن هناك أسباباً دينية تتعلق بالطهارة والنجاسة. وقد ساعدت القوانين العثمانية الأهالي على إنشاء الآبار وتعميرها، واشترط في ترخيص البناء وجود بئر في ساحة المنزل..
وقَدَّرَ بيروتي (Pierotti) عدد الآبار في القدس في نهاية (1850م) بـ(992) بئراً، وأن معظمها آبار قديمة، وقد وجدت دائرة المساحة البريطانية (7300) بئراً في المدينة، باستيعاب (450) ألف متر مكعب حوالي (98) مليون جالون، منها شبكة من الآبار تقع بجوار الحرم الشريف، وتتسع لـ(5900) متر مكعب أي حوالي (3.5) مليون جالون...إضافة للآبار الخاصّة فقد اشتهرت القدس بوجود آبار عامّة مشتركة لكافة سكان المدينة .. وبعد احتلال اليهود الإسرائيليين لباقي المدينة عام 1967م تمّ ربطها مجدداً بمياه رأس العين، ومن ثَمَّ تمّ شمل تزويد المدينة بالمياه ضمن خطط مشروع المياه القطري، وشركة مكوروت اليهودية تشرف على توزيع المياه.( مياه القدس من منظور تاريخي وأثري - نشأت طهبوب -،حوليات القدس، عدد 257 )...... يتبع
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف