الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الإنسان عدو نفسه بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-04-01
الإنسان عدو نفسه بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
الإنسان عدو نفسه

( عادل بن مليح الأنصاري)

هل الإنسان مخلوق ذكي حقا ؟
الإجابة بلا شك : نعم .
ولكن هل وجه ذكاؤه في كثير من الأحيان كسهام موجهة إلى صدره ؟
ربما وحتى الأمس القريب كنا مبتهجين بكل تلك النجاحات الإنسانية التي نقلتنا كبشر إلى عوالم غير مسبوقة من التطور والرفاهية وتذليل كافة العقبات التي تواجه البشرية وتحويلها إلى ترف ننعم به , غرور القوة والعظمة وضع راياته وبكل ثقة بين جنبات حياتنا , فتطور المدن والصناعات والاتصالات وحتى أدق مستلزماتنا الحياتية تطورت مئات المراحل عن الأمس القريب , و بمنطق بسيط لو استمر البشر بهذه الوتيرة لقفز مراحل خيالية خلال سنوات قليلة , فكل ما يراه جيل اليوم لم يكن يحلم به ليس الأباء والأجداد فقط , بل وحتى متوسطي العمر , فمازال بيننا من عاشوا قبل ظهور الأنترنت أو الطباق الفضائية , ويكفي أن نتناقل طرائف تطور الهاتف المحمول عبر سنوات قليلة وما وصل إليه اليوم , ماذا لو وُجد بيننا ابن خلدون , أو ول ذيورانت , وطلبنا منهم أن يكتبوا شيئا عن هذه القفزات الخيالية التي وصلنا إليها .
مازالت بعض النسوة ممن يعيشون بيننا , يمكن لهن أن يتذكروا ولوقت قريب (بابور القاز) و لمبة القاز ( الإتريك ) , ويتذكرون (طشت الغسيل) , ( وقفة الخبز) والكثير الكثير من الأشياء التي نراها في بعض المتاحف الشعبية هنا وهناك , لم تكن تلك الأشياء موغلة في عمر الزمن , بل يتذكرها بعضنا وممن مازالوا في عنفوان قوتهم , ولو تخيلنا أن حوار دار قبل 30 عاما فقط بين شخصين من زمانين مختلفين , من زمننا هذا , ومن ذلك الزمن القريب , وحكى المتواجد في زمننا عن بعض الأشياء التي ننعم بها اليوم , كالمحمول أو الكمبيوتر , أو حتى رفاهية السيارات التي نشهدها في العام 2020 , ناهيك عن مئات الأشياء الأخرى التي ننعم بها اليوم , فمن المؤكد أن ذلك الشخص سيكون أمام أمرين لا ثالث لهما , فإما أن يؤكد أن هذا شخص مجنون تماما , أو يمتلك سعة خيالٍ مفرطة , إذا ابتعدنا عن إمكانية نعته بالجنون أو غياب العقل أو السخرية منه إلى غير ذلك .
وما يحصل اليوم سيحصل تمام غدا , ولكن ربما بوتيرة أسرع , لإن البشرية باتت تخطوا بسرعات متصاعدة نحو المستقبل المجهول والذي من المؤكد بات من الصعب جدا تخيل صورتها , وكمثال على ذلك يكفي أن تقرأ كتاب " مشيو كاكو" عن (مستقبل العقل) لتدرك مقصدي , فتلك القفزات التي قفزتها الإنسانية بين الأمس القريب والذي مازال معايشوه بيننا , وبين اليوم , ستقفز البشرية أضعاف تلك القفزة مستقبلا نظرا لتمهيد الطريق أمام العلوم والتقنية والاختراعات للإنفجار والتمدد حتى تجاوز المعقول والخيال بالنسبة لنا اليوم ربما .

ولكن في ظل ذلك السباق المحموم لبني البشر في طي مراحل التقدم بتسارع مخيف , وظهور الجديد والغريب والمخيف كل يوم , وما يتنبأ به العلماء والمنظمات والدول من طفرات المستقبل , لم نلتفت للخسائر التي تخلفها البشرية خلفها , وهل تلك الخسائر هامشية لن تؤثر في مسيرته ورخائه وترفه وصحته وحياته وعلاقاته الإنسانية مستقبلا ؟
صحيح كانت هناك دراسات وتنبؤات ومبادرات من بعض المنظمات المدنية بالتحذير من بعض تلك المخاطر , وحث الدول حتى عن طريق أممهم المتحدة للتدخل بالوسائل السلمية والعلمية , أو حتى عن طريق لفت الانتباه بنوع من الشدة التي قد تصل للمظاهرات ومحاولات التدخل الغير قانوني في فرض بعض الرؤى الإيجابية كما يراها متبنوها , فهناك منظمات دولية رسمية بدأت تتنبه للخطر المحدق من وراء هذه القفزة الصناعية والحضارية المتسارعة :
- مثل الوكالة الأوربية للبيئة .
- اللجنة الدولية للتغيرات المناخية .
- وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة .
ومنها منظمات بيئية خاصة مثل :
- أصدقاء الطبيعة .
- أصدقاء الأرض .
- مجلس رعاية الغابات .
- منظمة الصليب الأخضر الدولية .
- منظمة السلام الأخضر .
- جمعية المحافظة على الحياة البرية , وغيرها كثير .

ولكن لن نغفل حتما عن هذه التجربة الفريدة وبما تمر به الأرض هذه الأيام من حرب كونية بشرية على فيروس اسمه (كرونا) , هذا الفيروس كما يُقال قال ما لايمكن لكل الوسائل الإعلامية , ولاجارب والنداءات البشرية , والدراسات , ونداء المنظمات الدولية والخاصة التي ملأت سماء الأرض بالتحذير والويل والثبور لما يمكن أن تعاني منه الأرض مستقبلا من هذه الهجمة الحضارية والعلمية والتقدية لوسائل الرفاهية البشرية أو حتى وسائل الموت والدمار من ترصد لحياة الأرض ومناخها وبيئتها وبشرها وحيواناتها وغاباتها .

هذه التجربة التي عرّت الجميع من تنبؤاتهم وتوقعاتهم السلبية والإيجابية , المحذّرة والمطمئِنة , لتضع لهم الحقيقة رأي العين , فالبشر ومصانعهم وألاتهم وتلوثهم وحروبهم , أنهكوا هذه الأرض حتى اختنقت بغرورهم وسباقهم المحموم نحو المستقبل المجهول .
فها هي تستفيق من عبث البشر وبعد مرور أسابيع لتتنفس بنقاء طبيعتها التي خلقها الله عليه , فالمصانع توقفت , ووسائل المواصلات بجميع أنواعها ابتلعت عوادمها بوقوفها مكسورة أمام خوف ىالبشر من الموت , وابتلع الناس نفاياتهم في منازلهم معهم , وتوقفت مداخن المطاعم وتزاحُم الناس في كل المدن , لتعود الشوارع والشواطئ ترتدي هدوءها ونظافتها ويرتع النسيم بين أحجار طرقاتها , وكأنها تتزين لبني البشر مرة أخرى كما لا يليق بهم .

فقد صرح "بيتر ديكارلو" الأستاذ المساعد لهندسة الصحة البيئية بجامعة جونز هوبكنز لمجلة نيوزويك ( مستويات تلوث الهواء كما لاحظها القمر الصناعي تُظهر تحسينات جذرية في العديد من المناطق التي تخضع للحجر الصحي بسبب كرونا , كما قال (تُظهر كل المناطق الصناعية في الصين وإيطاليا انخفاضات قوية في ثاني أكسيد النيتروجين , مقابل الانخفاض في النشاط الصناعي وحركة المرور) .
كما قللت الإجراءات المصاحبة لظهور كورونا من ظاهرة الاحتباس الحراري .
كما ظهرت نتائج غير متوقعة على مدينة البندقية حيث شهدت قنواتها المائية الشهيرة صفاءً غير مسبوق , وكذلك أدى انخفاض عدد السياح لتقليل تصريف مياه الصرف الصحي في القنوات .
أما وكالة ناسا , فقد أظهرت صورها تراجعا كبيرا في مستويات التلوث في الصين ويُعزى ذلك للتراجع الكبير في نشاط المصانع الصينية .
وكذلك في مدريد وبرشلونة , فقد لوحظ تراجع في نسبة ثاني أوكسيد النتروجين .
وقد صرحت الباحثة في وكالة الفضاء الأمريكية "في ليو" عن تقلص التلوث في الصين : (هذه المرة الأولى التي أرى فيها تغييرا بهذه الدرجة في منطقة بهذا الحجم بفعل حدث معين ) .
وصرح عدد من المختصين أن الوضع البيئي سيتحسن بشكل واضح وقوي كلما استمرت تلك التدابير من مختلف دول العالم .
وفي الجانب الصحي أشار الاختصاصي الفرنسي في معالجة الأمراض الرئوية (برونو أوسيه) , أن تلوث الهواء يتسبب في 8,8 ملايين وفاة مبكرة سنويا , وقد ساهمت تلك الإجراءات في تحسن معدلات التلوث مما سينعكس على البشر المتضررين منه .


أليس عجيبا أن تتنفس الأرض بمدنها وشوارعها وشواطئها وسمائها ربما منذ تفجر التقنية والصناعة الحديثة , وظهور النفط والكهرباء والآلات المختلفة من قطارات وطائرات وسيارات وسفن , ملء رئتيها بعد أن خنقها البشر بتقدمهم وصناعاتهم وتقنياتهم المختلفة ؟

الأرض تمر بمرحلة مجهولة التوقيت من المخاض واسترداد العافية , وتستعيد عذريتها المنتهكة من البشر بعد عقود من التوحش , وتترقب الويل والثبور بعد أن ينتصر على هذا الفيروس , فيعاود العربدة وينتهك طهارتها من جديد .

هذا الإنسان العاقل المفكر المهندس والمخطط العبقري , ربما قتل من بني جنسه بمقدار ما قتلت الفيروسات وبقدر ما قتلت ثورات الغضب التي كانت البيئة تصبها عليه بين الحين والأخر , فالحروب التي يتسبب بها أو يتعمد نشرها , أو النزاعات بين الدول والأقاليم والأديان والطوائف , لا تقل وحشية عن ممارسات فيروسات صغيرة لا تُرى وغير عاقلة , ولا يخفى علينا أن الأنسان العاقل المفكر لم ولن يتوانى في تسخير تلك الفيروسات دون طلب منها كي يفتك ببني جنسه , أو ربما مشتقبلا سيتمكن من التسلط على البيئة والمناخ ليمارس هواياته الوحشية في القتل والتسلط وإذلال الأخرين لسطوته بإرسال الزلازل والبراكين ليمارس عادته في الإبادة الجماعية لغيره , وما نسمعه بين الفينة والأخرى مما يدل على بداية تلك التجارب الشيطانية كحروب مستقبلية لن تبقي على الأرض من بشر ولا حجر ولا شجر .

هذا هو الإنسان العاقل المفكر الشاعر الفيلسوف العالم ورجل الدين والفلاح والمهندس والعامل البسيط , لم يختلف عن فيروس حقير في ممارسة القتل لبني البشرلمجرد اختلافات مهما كان نوعها أو مبرراتها .

أخيرا
هل وجد الإنسان عدوا أقسى من نفسه عبر تاريخه الطويل ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف