من روايتي الجديدة
زغودة ( 05 )
وقف و تثاءب ، تقدم صوب الجالسين على المقعد المحادي ، ثم استرسل كأنه يقرأ من ديباج ، أنا يحي جئت من تانفدور و أقصد مسلخ رويسوا ، ارغمتني على الهروب الأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها أهل الميلية ، لكن لما نزلت في المحطة ، اكتشفت أن العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة هو في الواقع غابة شاسعة من التناقضات و المتاهات ، هو خليط من الوهم الذي يستوطن عقول البشر ، لتضليل الحقيقة وتمرير الحيل التافهة القائمة على الخداع و المراوغة ،
لم يكن ليهدأ أو ليتوقف و كأن نوبة جنون أصابته ، لكن الشابينالمحاديين له دعاه للهدوء و الجلوس ، فهما أيضا من الميلية ، وبعد التعارف تبين أن الشاب الذي يشبه الشريف المعزوزي هو ابنه بالفعل ، قدم إلى العاصمة منذ أعوام ، و يشتغل خياطا في القصبة ، أما الثاني فهو السعيد البحري من بني فتح يشتغل في البريد المركزي ويسكنان معا في مرقد العيشاوي في بلكور ،
قال له السعيد البحري : أنا أعرفك ( يا البركة ) أنت لست من تانفدور أنت من أولاد يحي و والدك اسمه حسين و هو مغترب في فرنسا ، و أمك هي بنت خالة المرحومة أمي ، هجرت بك إلى تالة لفدور لما فارقها زوجها و استقر في فرنسا
صمت يحي صمتا موحشا ، فتح فمه و تاه في الفراغ ، و قد تيقن أن العالم قرية صغيرة بالفعل و إلا لما كان البحري يعرف عنه كل هذه التفاصيل ، ثم تساءل في نفسه أليس المبروك من سرب له هذه المعلومات لإفشالي و إبعادي عن زغودة
غاص البحري في لجة تفكيك لغز هذا القادم الجديد من الميلية ، الذي تربطه به قرابة العائلة و علاقات الجغرافيا ، و أصبح ملزما بمعاونته ريثما يستقر و يشتغل في مسلخ رويسو ، فمن عادته الاهتمام بمثل هذه الحالات التي كثيرا ما تتكرر ، فيقوم بعلاجها علاجا محكما قائما على تجاربه السابقة و المتعددة التي استمدها من كثرة احتكاكه بالناس في البريد المركزي ، و تشكلت عبر طفولة صعبة و مريرة عاشها في جبال بلهادف ، و اكتسب من خلالها حسا اجتماعيا و إنسانيا ، إنها حالة إنسانية غريبة و شاذة لا تتكرر إلا ناذرا ، أما ابن الشريف المعزوزي فقد تظاهر باللامبالاة ربما تشفع له في التخلص من عبء لن يتحمل ثقله ،
تلفت السعيد البحري صوب يحي و قد أبدي نوعا من الاهتمام به ، بعدما تذكر ابراهيم عكاك و قال له :
- شوف يا ( البركة) الليلة ستقيم معنا في مرقد العيشاوي و غدا ساتصل بعمي ابراهيم عكاك فهو من سيتكفل بك و يشغلك في المسلخ ،
لم ينم يحي ليلته تلك و بقي يتقلب في الفراش ، تذكر ليلة عبور رتل الشاحنات العسكرية في اتجاه تاسكيفت ، و سمع الطلقات النارية الكثيفة ، وفي الصباح عثروا على جثث أشخاص و أياديهم مقيدة بالأسلاك وأثر الرصاص باديا على وجوههم ، قالت له أمه يجب أن تبحث عن حل ، الحالة لا تشفع لأحد و عملية نقل الرعب انطلقت ، حتى جيراننا سافروا إلى ورقلة سرا كي لا يأخذوك معهم ، وقال له غبة لماذا لا تسافر إلى العاصمة و تبقى هناك ريثما تهدأ الأوضاع ، و يستتب الأمن ، هيه ابن ( القح...... ) غبة اخفى علي استحضاره للبندقية من اجتماع لمريجة حتى لا أكشف أمره ، لو تفشى القتل لبدأ بي فهو لا يعرف غيري ، و قد أسررت له أخبار خطيرة حين سارحته أن أبي التقى في فرنسا المجاهد كسولة العلوي وهو يسحب معاشه من إحدى البنوك هناك ،
.../...
يتبع
شقيف الشقفاوي
زغودة ( 05 )
وقف و تثاءب ، تقدم صوب الجالسين على المقعد المحادي ، ثم استرسل كأنه يقرأ من ديباج ، أنا يحي جئت من تانفدور و أقصد مسلخ رويسوا ، ارغمتني على الهروب الأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها أهل الميلية ، لكن لما نزلت في المحطة ، اكتشفت أن العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة هو في الواقع غابة شاسعة من التناقضات و المتاهات ، هو خليط من الوهم الذي يستوطن عقول البشر ، لتضليل الحقيقة وتمرير الحيل التافهة القائمة على الخداع و المراوغة ،
لم يكن ليهدأ أو ليتوقف و كأن نوبة جنون أصابته ، لكن الشابينالمحاديين له دعاه للهدوء و الجلوس ، فهما أيضا من الميلية ، وبعد التعارف تبين أن الشاب الذي يشبه الشريف المعزوزي هو ابنه بالفعل ، قدم إلى العاصمة منذ أعوام ، و يشتغل خياطا في القصبة ، أما الثاني فهو السعيد البحري من بني فتح يشتغل في البريد المركزي ويسكنان معا في مرقد العيشاوي في بلكور ،
قال له السعيد البحري : أنا أعرفك ( يا البركة ) أنت لست من تانفدور أنت من أولاد يحي و والدك اسمه حسين و هو مغترب في فرنسا ، و أمك هي بنت خالة المرحومة أمي ، هجرت بك إلى تالة لفدور لما فارقها زوجها و استقر في فرنسا
صمت يحي صمتا موحشا ، فتح فمه و تاه في الفراغ ، و قد تيقن أن العالم قرية صغيرة بالفعل و إلا لما كان البحري يعرف عنه كل هذه التفاصيل ، ثم تساءل في نفسه أليس المبروك من سرب له هذه المعلومات لإفشالي و إبعادي عن زغودة
غاص البحري في لجة تفكيك لغز هذا القادم الجديد من الميلية ، الذي تربطه به قرابة العائلة و علاقات الجغرافيا ، و أصبح ملزما بمعاونته ريثما يستقر و يشتغل في مسلخ رويسو ، فمن عادته الاهتمام بمثل هذه الحالات التي كثيرا ما تتكرر ، فيقوم بعلاجها علاجا محكما قائما على تجاربه السابقة و المتعددة التي استمدها من كثرة احتكاكه بالناس في البريد المركزي ، و تشكلت عبر طفولة صعبة و مريرة عاشها في جبال بلهادف ، و اكتسب من خلالها حسا اجتماعيا و إنسانيا ، إنها حالة إنسانية غريبة و شاذة لا تتكرر إلا ناذرا ، أما ابن الشريف المعزوزي فقد تظاهر باللامبالاة ربما تشفع له في التخلص من عبء لن يتحمل ثقله ،
تلفت السعيد البحري صوب يحي و قد أبدي نوعا من الاهتمام به ، بعدما تذكر ابراهيم عكاك و قال له :
- شوف يا ( البركة) الليلة ستقيم معنا في مرقد العيشاوي و غدا ساتصل بعمي ابراهيم عكاك فهو من سيتكفل بك و يشغلك في المسلخ ،
لم ينم يحي ليلته تلك و بقي يتقلب في الفراش ، تذكر ليلة عبور رتل الشاحنات العسكرية في اتجاه تاسكيفت ، و سمع الطلقات النارية الكثيفة ، وفي الصباح عثروا على جثث أشخاص و أياديهم مقيدة بالأسلاك وأثر الرصاص باديا على وجوههم ، قالت له أمه يجب أن تبحث عن حل ، الحالة لا تشفع لأحد و عملية نقل الرعب انطلقت ، حتى جيراننا سافروا إلى ورقلة سرا كي لا يأخذوك معهم ، وقال له غبة لماذا لا تسافر إلى العاصمة و تبقى هناك ريثما تهدأ الأوضاع ، و يستتب الأمن ، هيه ابن ( القح...... ) غبة اخفى علي استحضاره للبندقية من اجتماع لمريجة حتى لا أكشف أمره ، لو تفشى القتل لبدأ بي فهو لا يعرف غيري ، و قد أسررت له أخبار خطيرة حين سارحته أن أبي التقى في فرنسا المجاهد كسولة العلوي وهو يسحب معاشه من إحدى البنوك هناك ،
.../...
يتبع
شقيف الشقفاوي