الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سقوط الجسد وسقوط الأخلاق بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-03-25
سقوط الجسد وسقوط الأخلاق بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
سقوط الجسد وسقوط الأخلاق

( عادل بن مليح الأنصاري )

ربما يختصر الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش , الفكرة بقوله " أن التضامن الأوروبي «خرافة» " , وذلك بعد أن رفض الاتحاد الأوربي نداءات صربيا للمساعدة في مواجهة كرونا , بينما وبعيدا عن الحضارة الأوربية والأمريكية التي توصف كونها العالم الأول والمتحضر تقوم الصين الواقعة في أقصى الشرق بالقيام بدور المنقذ والصديق للصرب , وكرونا اسقط القناع اللامع الذي يخفي وجه أوربا وأمريكا المتحضر , ويُظهر لنا السقوط الأخلاقي بعد السقوط الجسدي أمام الغازي كرونا .
فهذا رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي وبمرارة يقول " لقد طلبت المساعدة من الأوربيين ولكن الجواب لم يقتصر على غلق الحدود , بل قالوا لهم أنها مشكلة إيطاليا وعليهم حلها بمفردهم .
وكذلك ألمانيا رفضت الطلب الإيطالي بالمساعدة وردت " ما لدينا لا يكفينا " .
أما التشيك فقد مارست القرصنة وبكل سقوط أخلاقي فاعترضت شحنة من المساعدات الطبية أرسلتها الصين لإيطاليا تحوي 240 ألف قناع طبي .
كما أعلن وزير التجارة التونسي أن الإيطاليين قد قرصنوا باخرة متوجهة لتونس محملة بكحول طبية .
ولا يمكن أن نغفل عن السقوط الأخلاقي المهين للزعيم الأوحد الذي يرى في نفسه وبلده الثقة بقيادة العالم وتوجيهه كيفما يريد , سيد البيت الأبيض حينما حاول ممارسة التجارة برغم من مصائب البشر الحالية مع كرونا وتحويل الانتصار من نجاح في سحق الوباء العالمي لمسألة مادية واستغلال لحالة كونية عابرة ومؤلمة ليبحث عن المال من خلالها , فسارع بعرض الاحتكار على شركات ألمانية حين أعلنت عن قرب الوصول للقاح ناجح يحد من قدرة الفيروس على الانتشار .
بالأمس القريب كنا نرى نحن البسطاء , أوربا واتحادها المهيب , وأمريكا وسلطتها على العالم والعبث به كيفما تريد , نظرة العاجز تارة وتارة نظرة الإعجاب وثالثة نظرة الحسرة والحقد على الحال التي يقبع فيها العالم الثالث , فتلك المنظومة هي رمز الحضارة الحديثة وقوة الاقتصاد وسيطرة النظام والقانون والرفاهية على مفاصل حياتهم .

ولكن الغطرسة الأوربية والأمريكية سرعان ما انحسرت رويدا رويدا مع شروق كل شمس يسحقهم فيه فيروس كرونا , فترى التصريحات والتحديات تخبو رويدا رويدا حتى أن إيطاليا أعلنت أن الأمر صار بيد السماء , واستخف ترامب في بدايات الأزمة بفيروس كرونا , وشيئا فشيئا بدأ يركض كغيره باحثا وواضعا الخطط والإجراءات للتصدي له , وهنا لا يعنيا القفزات الهائلة لانتصارات كرونا في أوربا وأمريكا , فحتى اليوم أصبحت أمريكا رابع دول العالم وقوعا في شراكه بعد أن بدأها ترامب بمواجهة يملؤها الغرور والثقة .

إن سقوط الأجساد في أوربا لا يقل مهانة عن سقوط الأخلاق , وكأن الأوربيين أعادوا ذكريات أجدادهم الفايكنج وتحولوا لقراصنة ولصوص , ربما نبالغ قليلا في الوصف , ولكن تلك الممارسات في هذا العصر الذي سادت فيه أمريكا وأوربا بمفاتيح العلم والثقافة والمعامل وتقدم الجامعات والبحث العلمي , يقابله تضخيم لذلك السقوط الأخلاقي الذي من المفترض أن تكون المرحلة الحضارية والعلمية التي وصل إليها الأوربيين والأمريكيين لا يغتفر , أليس محاولة زعيم أقوى دولة في العالم اقتصاديا وعلميا وصناعيا للتحكم في صحة بقية البشر ومقايضة أرواحهم بنقودهم لا يختلف كثيرا عن ممارسات العصور المظلمة من نهب لثروات الشعوب واسترقاقهم واحتلالهم والتنكيل بهم ؟
أليس محاولات بعض الأوربيين السطو والقرصنة هي امتداد لهمجية الفايكنج ؟

لو تأملنا في عدد ضحايا كرونا مقارنة بتاريخ الأوبئة لكانت مقارنة غير واقعية , صحيح أن طريقة انتشاره وتوسعه , وغموض نشأته يعتبر جديد تاريخا على بني البشر , ولكن السقوط الأخلاقي لبعض الدول في التعامل معه في أول معركة تعتبر هزيمة عملية ونفسية وأخلاقية مريعة , حتى في عمليات الإجلاء لرعايا الدول الأوربية تطالعنا بقصص لا تصدق , ولا نريد حصرها هنا ولكن يكفي أن نرى دولة كانت تعرف بالأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تأمر رعاياها بطلب القروض أو التسول من الجمعيات الخيرية ليتمكنوا من العودة !!!

وربما يمكن أن نطرح سؤالا عابرا :
تُرى لو تفاقمت كارثة كرونا لا قدر الله وطال أمدها وفي ظل هذا السقوط الأوربي والأمريكي الأخلاقي , واقتصار كل دولة من دول العالم المتحضر الأول في مواجهة الكوارث الناجمة عن هذا الوباء , هل يتصاعد هذا السقوط الأخلاقي والتقوقع على الذات ومحاولة عدم مد يد العون من الجميع وللجميع ؟

أكرر ربما بالغنا قليلا في وصف تلك الممارسات بالسقوط الأخلاقي , ولكن تلك الممارسات ما كان ينبغي أن تحدث في دول كنا نأمل وربما هي تعتقد أنها رائدة البشرية في الحضارة والصناعة والثقافة والقانون وحقوق الإنسان وحتى الحيوان .
وهل سينجو ذلك العالم المتقدم والمتحضر من كارثة مستقبلية , ويتحاشى السقوط في تلك الممارسات مستقبلا ؟
هل سيتناسى الأوربيون تلك السقطات بمجرد خروجهم من عنق زجاجة كرونا ؟
هل سينسى ترامب , أو هل سيجد من يذكر الأمريكيين أن رئيسهم ورمز الأمة الأمريكية هرول كتاجر دنيء يبحث عن لقاح يشتريه ويحتكره ليعيد الإتجار به لبقية العالم ؟
هل سيزاود الأوربيين والأمريكيين العالم بحضارتهم وقوانينهم واتحاداتهم وتقدمهم بعد هذه السقطة ؟

اليوم نحن نعيش تجربة بشرية نادرة وغير محسوبة بالنسبة لتاريخ الأمم , فمنذ الحرب الثانية لم نسمع أو نعيش حدث كوني يهم البشرية كافة كما نحن اليوم , حتى الأوبئة التي مرت قبل ذلك لا نختلف على أنها لا تصل لهذا المستوى من الاهتمام والمشاركة والتأثير , ربما لأن العالم اليوم غيره في الأمس القريب , فالتواصل والتقارب بين البشر اليوم لم يشهد العالم له مثيلا في السابق , حتى الإنسان البسيط يستطيع أن يوصل رسالته ورأيه ومشاعره وانتقاداته لكل العالم عبر جهاز بحجم كف يده , وهذا يعني أن كل صغيرة وكبيرة حول أحداث اليوم هي مسجلة ومؤرشفة عبر ملايين الأجهزة والمواقع , فهل ستساهم هذه الخصوصية الزمنية لهذه المرحلة في الاستفادة مستقبلا من كوارث محتملة ؟
وهل تستطيع الأنظمة المسيطرة والمتحكمة في حياة الناس أن تكذب مستقبلا وتغير الحقائق متى ما أرادت ؟

أخيرا
هل يبقى للأخلاق مكان فيما لو كانت قصة كرونا 19 نتيجة معامل جرثومية , أو هل يمكن للبشرية الحياة على كوكب الأرض بمنأى عن الأخلاق ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف